الفصل السادس عشر والأخير
في مكان آخر
ماأن أنتهت المكالمة حتى رمت محمولها بإهمال وهي تقول يالك من متكبر فقد تنازلت واتصلت بك ولم تطلب أن نتقابل حتى ثم ضربت موضع قلبها وقالت: يالك من معتوه أنت الآخر فلم تقع إلا بغرام هذا المتكبر المغرور صحيح أنه مختلف وجميل لا بل رائع ولكن أنا أيضاً مميزة ولا أحد يشبهني
رباااه قالتها وهي تضع يديها على وجهها وتقول: ماالذي فعلته في نفسي منذ متى اتصرف بهذه السذاجة
أووووف كم أنا مدينة بالأعتذار لنفسي لن أكررها مرة ثانية
قضت جيلان وقتاً طويلاً وهي تعتذر لنفسها فلم يسبق لها مثل هذه التصرفات
كما عاهدت نفسها بأنها وإن ألتقته ستتجاهله تماماً فهي سيدة من سيدات المجتمع المخملي ولايجب عليها أن تتبع قلبها دون عقلها
كانت تلك الجمل المحفذة التي استعملتها جيلان لمواسات نفسها ولكن سرعان ماسقطت جميعها عندما ظهر اسمه على شاشة محمولها لترد بلهفة:
_هل نسيت أن تقول لي شيئاً
_لا لم أنسى
_إذاً لماذا عاودت الاتصال بي
_ لأطالبك بما سلبته مني في ذلك اليوم
_...............
_لماذا أنتِ صامته إن كنتِ تظنين بأني لن أعلم أنكِ الفاعلة فأنتِ مخطئة
كادت الدموع أن تتجمع بعينيها في خيبة أمل من لهجته الصارمة
_ ماذا؟
_كما سمعتِ عليكِ أعادة قلبي حالاً وإلا ستتغرمين بالزواج بي بدون اعتراض
استغرقت جيلان الكثير من الوقت لتستطيع أيقاف دموعها التي تبدلت من دموع الخيبة إلى دموع الفرح
_هذا أغرب عرض زواج سمعت به في حياتي
_هذا يعني بأنكِ قبلتِ بالغرامة
_بل هذا يعني بأن هذه الأمور لاتحدث هكذا هناك تقاليد يجب عليك اتباعها أولاً
_أممم إذاً كما تريدين
هنا قُبض قلبها لخوفها من أن يفهم قصدها رفضاً فبدئت أنفاسها تتسارع ولكنه سرعان ما أثلج صدرها عندما قال: أعلم أن والدي حصل على موافقة والدك من قبل كما أن المسلوب لديك أعلمني بموافقتك لهذا تجهزي لعقد قراننا في نهاية الأسبوع القادم أما عن التجهيزات الأخرى فدعي الأمر لي
كاد أن يغمى عليها فذلك المغرور كما اسمته واقعاً في حبها أيضاً تمنت جيلان في هذه اللحظات تحديداً بعد أن انهت المكالمة لو أنها طائرٌ يستطيع التعبير عن فرحه بخفق جناحيه في السماء الواسعة ليتراقص مع الرياح كيفما يشاء.......
**********
كانت رؤى تحادث السيدة أم مالك عبر الهاتف لتطمئن على صحتها فحدثتها الأخرى عن ذهابها مع القاسم في الأمس إلى الطبيب وقوله بأن التعب الذي تشعر به أمر طبيعي بسبب تركها للدواء لفترة طويلة كما أنه طمأنهما بأن تحاليلها سليمة وبعد مرور وقت قصير من تناول الدواء سينتظم الهرمون في جسدها من جديد وعندها ستتخلص من أحساسها بالتعب المفاجئ
حمدت رؤى الله كثيراً قبل أن تُعرب عن اشتياقها الشديد لها ومن ثم أكملتا حديثهما المعتاد بينهما فرؤى تعتبر هذه السيدة قدوة لها لذا تحبذ النقاش معها عن كل مايطرأ في بالها....
*********
بعد كل ساعة تمر كان هناك تحسن ملحوظ في حالة الهيثم حتى سمح له الطبيب بمغادرة المشفى
حينها قرر أحمد أن يصارحه بوضع والدته بالطريقة التي أشار له الطبيب بها
تقبّل الهيثم الخبر بهدوء مميت ولم يبدي أي ردت فعل سوا الدموع التي سالت على خديه وهو ينظر نحو الأرض فهذه التي يقولون عنها بأنها شُلت كانت تُرعد أوصال الرجال قبل النساء فكيف لها أن تتقبل وضعها الحالي يالا هذا الثمن الذي دفعته في أواخر عمرها
تركه أحمد بعض الوقت ليتقبل الخبر فهو يعلم جيداً بأن الهيثم أقربهم لوالدته وأكثرهم حباً وبراً بها ثم قال: هذا ليس وقت الدموع ياهيثم بل علينا أن نكون يد واحدة كي لاندعها تحتاج لأحد فهي مفتاح جنتنا الوحيد بعد أن أضعنا الآخر عندما هجرنا والدنا
_أومئ الهيثم برأسه ثم قال: عندك حق قال كلماته ثم وقف هيا علينا أن نسرع أمامنا طريقٌ طويل لنصل إلى القرية
_نعم يجب علينا الآن الذهاب إلى منزل يامن فحلا وسميًة في انتظارنا هناك مع الأولاد لننطلق نحو القرية فقد ترك حازم لنا سيارته كي لا يُتعبك الطريق
_ صمت هيثم قليلاً ثم سأل مستفهماً: ويامن ألا يريد الذهاب معنا
_ابتلع أحمد ريقه فهو لايعلم ماعليه أن يقول في مثل هذا الموقف ولكن سرعان ماحسم أمره عندما قال: لا سيأتي فيما بعد
_لم يقتنع هيثم بهذا الجواب فهو الآن لائماً ليامن فكيف لقلبه أن يطاوعه بترك والدته في تلك المحنة ولكنه لم يدلي بأي كلمة أضافية.......
**********
دخل القاسم لمكتب آسر وهو تائهاً لايعلم من أين يبدأ حديثه ليسعفه الآخر عندما قال: قل ماعندك ياقاسم ومن غير مقدمات فأخبره القاسم بطلبه للزواج من جيلان ليرد الآخر: هذا مفهوم ولكن ماذا بعد
_حار القاسم ولكن سرعان ماحسم أمره عندما قال: قلت لها موعدنا في آخر الأسبوع القادم ليكون معي فرصة أفكر بها في حل لمشكلتي مع والدي.
_ ولكن كما أعلم أن لامشكلة بينكما إن كنت تريد أن لايكون بينكما مشاكل
_هاهنا بيت القصيد فمشكلتي معه بأني لن استطيع مسامحته على مافعله بأمي
_أسمعني جيداً ياقاسم لاشأن لك بينهما فتلك والدتك وهذا والدك وأنت مجبر ببرهما كلاهما لهذا إن كنت أتيت لسماع رأيي في هذا الموضع فإني أرى أن عليك أن تذهب لوالدك لتكسب رضاه أما عن حق والدتك فهناك ربٌ عظيم لا يضيع لديه مثقال ذرةٍ فكيف لحق والدتك أن يضيع.
صمت القاسم مطولاً قبل يخرج من مكتب الآسر بدون أن يزيد أي كلمة فكلمات الآسر كانت تتردد في عقله مفكراً بها حتى عاد إلى منزله ووجد فرصة مناسبة ليُحدث والدته بذلك الموضوع نفسه فكان رأيها من رأي الآسر الذي وصفته بالحكيم رغم صغر سنه.............
**************
مرّت الأيام تباعاً لاجديد بها سوى عقد قران القاسم على جيلان وعودة صحة الهيثم بالكامل الذي بدأ يعتاد على زوجته التي لم يرا منها إلا كل خير كما أنها ستصبح والدة ابنه الأول بعد عدة شهور
أما أم حازم فبقيت على حالها تتحسر على كل دقيقة قضتها في حياكة المؤامرات خاصة عندما زارها يامن وعاتبها بنظراته التي لم تكن نظرات كاره بل نظرات معاتب لمن ضيعت سنيناً من عمره هباءً منثورا
ووقتها أيضاً عذره الهيثم عندما علم الحقيقة كاملة
أما الآسر فقد كرّس وقته لإنجاز مشروعه الجديد برفقة أصدقاءه ويامن الذي انضم لهم مؤخراً مع ميرا التي أثبتت جدارتها في العمل كما أنها تخلصت من مرضها بشكل كامل لتزين حياة الفهد بضحكاتها المرسومة على وجهها بشكلٍ دائم أما رؤى فقد قضت أيامها بين الكتب حتى استطاعة بدعم من والدتها وخالتها أم مالك الحصول على الشهادة الإعدادية وهذا ماكان في السابق حلمٌ بعيد المنال........
**** *****************
في شركة الآسر
عُقد الاجتماع الأهم الذي ضمّ جميع المشرفين على المشروع ليعلنوا انتهاء المشروع ويقدموا التهاني للمدراء الأربعة الذين تفانوا لإنجاز مشروعهم في هذه السرعة التي حُسدوا عليها من قِبل الشركات الأخرى كما حُدد يوم الافتتاح الذي سيضم أكبر الشخصيات في المنطقة
كانت سعادة الأصدقاء لاتوصف فقد اجتموا في منزل الآسر ليسود بينهم جو المرح قبل أن يقترب الآسر من يامن ويقول بصوتٍ منخفض: أعلم بأنك تعلم أنني أريد الزواج من شقيقتك لهذا لن انتظر موافقتك كل ماعيك فعله أن توقع على عقد القران بصفتك وكيلها عندما يطلب منك المأذون ذلك
_وإن لم أوقع ماذا ستفعل
_لاشيء سوى أن أحكي لعمتي قصتك مع تلك الفتاة التي تُكلمها في الخفاء وتقابلها في الحديقة العامة القريبة من جامعة الهندسة
_ كيف عرفت ذلك قالها يامن بصوت منخفض وهو يتلفت حوله
_إنها الصدفة السعيدة ياابن عمتي لهذا كن لطيفاً
_ أمممم وإن فعلت ماطلبته مني ماذا ستفعل
_سأعدك بأن تكون خطبتك بعد أسبوع من عقد قراني فالفتاة مهندسة انضمت مؤخراً لمجموعتنا في الشركة وإني لأراها مناسبة جداً لك هذا فقط ماستعلمه عمتي
_إذا فليبارك لكما الله قالها يامن بصوتٍ عالي لفت به انتباه الجميع قبل أن يصافح الآسر ويقدم له التهاني وهو يقبله على وجنتيه ليتوجه بعدها نحو شقيقته ليبارك لها أيضا وهي تحت تأثير الصدمة،
قدّم الجميع لها المباركات المتتالية وعقلها لم يستوعب مايحدث حتى التقت عيناها عينا الآسر التين أثبتا لها أن مايحدث حقيقة ومازادها يقيناً دخول المأذون وطلب موافقتها لأكمال مراسم العقد...
كانت السعادة غامرة لقلوب الجميع الذين عاودوا اجتماعهم هذا مرّة ثانية بعد أسبوع في عقد قران يامن على فتاته التي خطفت قلبه وهدته عندما كان تائهاً.............
******************
مرّت الأيام سريعاً حتى أتى يوم افتتاح المصنع فوقف الجميع لاستقبال الضيوف وتلقي التهاني والمجاملات من المنافسين قبل الأصدقاء
كان الآسر سعيدٌ جداً لسعادة خالد عندما شاهد أطفال الميتم جميعهم يشاركون في هذا الحفل المهيب
نظر خالد للآسر نظرة شكر على هذه اللفته الرائعة منه فهو لا ينسى أدق التفاصيل ولايوفر جهداً قط لرسم ابتسامتهم جميعاً حتى يظن كل منهم أنه المفضل لدى الآسر ولكن في الحقيقة جميعهم مفضلين
قطع شرود خالد أصوات الأطفال وهم يلتفون حوله وكأنهم أطفاله حقاً فبدأ الأحتفال معهم على طريقتهم الخاصة التي لطالما اتبعوها في مناسباتهم المفضلة
في الطرف الآخر وبعد مرور بضع الوقت انصدم القاسم برؤية والده برفقة زوجته التي لم يراها منذ ذلك اليوم المشؤوم فقد كانت صلته بوالده فقط ليس حقداً ولكن فرصة ليلتئم جرح قلبه..
اقترب ببطئ وهو ينظر نحو والدته ينتظر منها أي أشارة تريح قلبه فوجدها مبتسمة كعادتها مما شجعه ليقترب أكثر من والده الذي ماأن وصل إليه حتى ضمه لصدره وهو يلقي على مسامعه أجمل المباركات أما الأخرى فقد كانت تفترش الأرض بنظراتها وكفيها متشابكان بعنف كما أن الدموع قد تجمعت بعيناها فور رؤيتها للقاسم الذي اقترب منها بدوره ليرفع كفيه إلى وجنتيها ليمسح دموعها بسرعة ثم يطبع قبلة على جبينها ليعلمها بأنه قد سامحها بحقه عليها
ثم اصطحبهما إلى الطاولة القريبة من طاولة جيلان وأهلها وفي طريقهم ألتقت عينا أبا القاسم بعينا معشوقته التي وقع يوماً في غرامها رغماً عنه ولم يكن لينساها لهذا كان الذنب على عاتقه ذنبان فااختار أن يقضي حياته بين السفر والعمل لعله ينسى دفئ حبها الذي كان ينعم به يوماً ما..
قطع أفكاره صوت أبو سالم الذي ألقى عليه السلام
في الطرف الآخر ماأن التقت عيناها بعيناه حتى علمت بأنه تعرّف عليها عكس زوجته التي لم تتذكر ملامحها فاانتفض قلبها قبل أن تغض بصرها عنه فهو القريب البعيد والمعشوق المكره فهو من أغدقها بحلو الحب وهو أيضاً من أذاقها مرّ الغدر
انتبهت السيدة فتون للموقف فبدئت بالحديث مع الأخرى في محاولة للتخفيف قليلاً عن قلبها...
في جهةٍ أخرى انضم كل من يامن والفهد لخالد وأطفاله لتزيد أجواء المرح فلا فرحٍ يضاهي فرحة النجاح
أما رؤى فقد قضت معظم وقتها مع صديقتها وصال وميرا كما أنها انضمت لهم مؤخراً جيلان بعد أن توجه القاسم نحو الآسر ليشكره على فكرته في أن ينضم أطفال الميتم لهذا الحفل فمنذ زمن بعيد لم يرى ضحكة الخالد تزين وجهه بهذا الشكل.....
دام الحفل لثلاثة ساعات قبل أن يودعوا أخر ضيف ليقف فهد بين كل من القاسم والآسر ويامن ويقول: متى ستحددوا حفل زفافكم أقترح عليكم أن تحددوه في يومٍ واحد
_كان أول رد ليامن الذي قال: بالنسبة لي فلن أخطو هذه الخطوة الآن فالوقت أمامنا لماذا كل هذه العجلة
_أما القاسم فقال: أظن بأني أول من سيحدد حفل زفافه
_ابتسم الآسر قبل أن يقول: أما أنا فلن أقيم حفل زفاف
_مااااذاااا، كانت كلمة خارجة من أفواه الجميع قبل أن يقترب من معشوقته ويلتقط كفها بكفه ويقول: قررنا أنا ورؤى القلب أن نستبدل حفل الزفاف برحلةٍ حول العالم، شهق البعض وصُدم البعض الآخر ولكن توسع عينا جيلان أوحت للقاسم أنّ القادم أعظم وخاصة عندما اقتربت منه وقالت بطريقة فكاهية وأنا أيضا لا أريد حفل زفاف أريد رحلة حول العالم معهما
_انفجر الجميع ضاحكين على تعابير القاسم الذي كاد أن يُقتل من الإحراج ولكنه تدارك الموقف عندما قال: كان بودي ذلك ولكن من المستحيل أن نستطيع ترك الشركة كلانا ولكن أعدك برحلة مميزة بعد عودة الآسر ورؤى
توجهت الأنظار نحو يامن الذي قال: حمداً لله أن هناء غير موجود وإلا كنت أضطررت لأعطاء الوعود كغيري
عاودوا الضحك عقب كلمات يامن..
كانت الأجواء لاتخلو من مشاكسات الشباب لبعضهم وضحكات الفتياة الهادئة وأكثر الفخورين بكل مايحدث هما السيدة فتون والسيدة أم مالك التي غيرت اسمها لأم قاسم فلا أحد يجدر به حمل اسم ابنها غيرها ولايجدر بها أن تغير اسمه الذي اعتاد عليه لهذا قررت هي أن تغيّر لقبها.........
*************
عاد كلٌ منهم إلى بيته بعد سهرة طالت عدا خالد الذي ذهب إلى معشوقته ليخبرها عن نجاحه الجديد فكل نجاح في حياته لها الفضل به فهي التي شاركته برسم دربه ثم تركته في بدايته ليكمل خطاه وحده فهو الذي أقسم على الوفاء ومن كمثله يفي لقسمه
طال حديثه معها حتى سالت دمعاته عندما أدرك شوقه لها وهو ينظر لكوم التراب الذي يفصله عن منى قلبه
ابتلع غصته وهو يقول: كم أنتِ قريبةٌ وبعيدة في آنٍ واحد يامن احتضنت روحي قبل أن يحتضنك الكفن ومن بعده التراب لو تعلمين مدى شوقي لك لخجلتِ من طول الفراق
لاأحد يعلم كم اشتقت إليكِ كما أن لا أحد يعلم أني لم أعد قادرٌ على الصمود أكثر في هذا العالم بدونك فكل يوم أصمده يقتل داخلي الحياة أكثر من اليوم الذي قبله
انهى كلماته ثم احتضن شاهدة قبرها وهو يشهق كطفلٍ فارق أمه مجبراً...........
***********
انطوت صفحة جديدة من صفحات الزمن لتشرق الشمس من جديد لترتسم دروباً جديدة بأقلام الأمل وحبر التمني
كانت رؤى تجمع أخر أشيائها المهمة التي قررت أن ترافقها في رحلتها مع مالك روحها وقلبها الذي سكن الفؤاد واحتل الفكر عندما علت طرقات على باب غرفتها جعلتها تركض لفتحه لتجده خلف الباب يقف بطالته الخاطفة للأنظار مما جعل منها تمثالاً متأملاً لروعة طلته
ابتسم بدوره وهو يحتضن وجنتيها بين كفيه ويقول: ستكون أول وجهة لنا هي الهند هناك سنقيم معاً حفل زفافنا وندعو عليه البحر مع القمر والنجمات ليشهدوا جميعاً على قسمي لكِ بالحب المتيم مدى الحياة
طُبع الحياء على وجه رؤى عقب كلماته لينقذها صوت والدتها عندما قالت: ألم تجهزا بعد لقد تأخرتما على موعد الطائرة
_ ضرب الآسر على جبينه بخفة قبل أن يجيبها: عينا ابنتك تنسيني نفسي فكيف لي أن أتذكر موعد الطائرة
كادت الدماء أن تنفجر من وجه رؤى لشدة حياءها بالوقت الذي تشارك الآسر مع عمته الضحكات....
سار بعدها كل شئٍ على مايرام حتى أقلعت الطائرة تاركة وراءها أحباباً يمسحوا آثار دموع الوداع وهم يرددوا الدعاء لله بأن يحفظها ويكتب لهما السعادة...
***************
استيقظت السيدة فتون باكراً وفي رأسها شيئاً يجب عليها تنفيذه فتجهزت بأجمل ثيابها ثم توجهت لتخرج من منزلها ولكن صوتاً من خلفها أوقفها وهو يقول: إلى أين أنتِ ذاهبت في مثل هذا الوقت ياأمي
_ابتسمت وهي تنظر لوجه يامن ثم قالت: لدي زيارة مهمة كنت قد أجلتها طويلاً
_أممم اتسمحي لي بمرافقتك
_بكلِ سرور قالتها وهي ترفع يدها لتشبكها بيد ابنها لينطلقا سوياً
وبعد مرور ساعاتٍ طويلة قضيت بسرد السيدة فتون لذكرياتها مع عمير وقصة حبهما التي أوصلتهما لخسارة أغلى مالديهما وهم طفليهما قبل أن تخسره هو أيضاً وتكمل حياتها بين الحسرة والقهر حتى جاءها الفرج وعوضها الله بعودتهما لأحضانها
كانت القصص كثيرة والذكريات عميقة مما جعل الساعات الطويلة تمر كلمح البصر قبل أن تقف سيارة يامن أمام المنزل الذي كان شاهداً على أكثر تلك الذكريات حضر الجميع لاستقبالهما بود وابتسامة فرح لرؤيتهما
ألقت بدورها السلام عليهم واحداً واحد صغيراً وكبيراً
ماأن انتهت حتى توجهت نحو غرفة أم حازم وقبل أن تدخل طلبت بأن تبقى معها لبضع الوقت وحدها
ثم فتحت الباب بيدٍ مرتجفة لتلتقي عيناها بعيني الأخرى التي صُدمت لرؤيتها بعد كل تلك السنين
اقتربت السيدة فتون من سرير أم حازم بخطواتٍ رزينة وماأن اقتربت منها حتى جلست على المقعد القريب منها وهي تنظر لعينيها مباشرة بدون حتى أن ترف جفنيها
كانت الأخرى تبادلها النظرات منتظرة الملامة والشماته
بدئت السيدة فتون حديثها: من قال بأننا سنتقابل عقب تلك السنين وبعد أن استعدت كرامتي التي هُدرت على يديكِ منذ زمن
خفضت أم حازم نظرها بانكسار قبل أن تكمل الأخرى: لست هنا للشماته والعياذ بلله بل أتيت لأنهي العداوة التي بدأتها أنتِ منذ زمن
أنا هنا لأسئلك سؤالاً أتعب قلبي منذ سنين
أعادت أم حازم النظر إليها لتكمل: هل ارتاح ضميرك يوماً بعد أن دمرتي عائلتي وشردتني مع ابن أخي الصغير وأنت تعلمي أن لاأحد لي في هذه القرية بعد أخي وعائلته الذين فُقدوا عقب الحادثة البحرية هل كان ضميرك يرتاح عندما كنتِ تعذبين ابنتي وتقسين عليها ألم تكون ابنت المعشوق أيضاً الذي حرقتي الجميع من أجله لماذ لم تكتفي بحرمانه عائلته وهو على قيد الحياة فحرمتيه أيضاً بعد مماته عندما نقلتِ قبره لمكانٍ مجهول لايعلمه سواكِ ماالفائدة من كل هذا لماذا حكمتي علينا جميعاً بالشقاء ونفذتي حكمكِ بدون رحمة أو شفقة
كانت الدموع تتجمع بعينا أم حازم والندم يُرسم على وجهها بوضوح
أما السيدة فتون فقد قررت الشفقة لحالها فأكملت: أعلم بأن كلامي قاسياً ولكن لن تنتهي عداوتنا بدون عتاب، قالت كلماتها ثم صمتت قليلاً لتردف: يقولون أن المسامح كريم هذا ماكبرنا عليه وزرعناه بعقول صغارنا ولكن مانسينا أن نتعلمه ونعلمه هو القدرة على المسامحة فمن السهل أن نقول الشعارات والعبارات ولكن من الصعب جداً تطبيقها فها أنا أمامك أحمل من اللئم مالم يعرفه أحد عني فرغم معرفتي منذ زمن بالذي جرى لكِ لم استطع مسامحتك إلى الآن فلذا اخترت العتاب ليجلي قلبي واستطيع مسامحتك
تعلقت نظرات أم حازم بوجهها وكأنها ترجوها السماح لتبتسم الأخرى والدموع تسيل على وجنتيها: اطمأني فلكِ مني السماح وأرجو من الله أن يتقبل توبتكِ
بدئت أم حازم تنقل نظراتها بين السيدة فتون وخزانتها وهي تصدر أنيناً خافتاً وكأنها تطلب منها فتحها
فااقتربت من الخزانة ثم وضعت يدها على أحدى أبوابها لتنظر إلى أم حازم وتقول: افتح هذه
لم تبدي أم حازم أي أشارة فنقلت يدها للباب الآخر لتعاود سؤالها فأغمضت عيناها بشدة وأعادت أصدار صوت الأنين نفسه فعلمت السيدة فتون أنه الباب المقصود ففتحته وجالت به بعينيها فلم تجد مايمكن أن يكون مقصد أم حازم سوى صندوق أسود وضع على أحد الرفوف فحملته واستدارت نحو أم حازم لتشير لها الأخرى بأنه مطلوبها فحملته واقتربت منها ثم نظرت إلى وجهها لتجدها تشير لها نحو الباب
فقالت لها السيدة فتون أتريدين الأولاد أشارة بمعنى نعم فاانصاعت لطلبها وفتحت الباب منادية لهم جميعاً ليشهدوا على مايحتويه هذا الصندوق وماأن تجمعوا حول السرير حتى أشارت لفتح الصندوق
فكانت يداها ترتجف وهي تفتحه
أما أم حازم كانت تنقل نظراتها بين الجميع
ماأن فُتح ذلك الصندوق حتى وجدت به صوراً كثيرة منها لعمير مع أولاد أخيه ومنها ليامن منذ صغره حتى شبابه ومنها لرؤى مع والدها كما أنها وجدة عدّة خواتم كانت خاصة بعمير ومنها خاتم خطبتهما الذي فقده بعد الخطبة بقليل ووجدت أيضاً دفتراً دوّن فيه كل مافعلته أم حازم في سبيل عشقها المرضي فأبت أن يقرأه أحد وقامت بحرقه وهي تقول لاداعي لهذا بعد السماح هنا رُسمت ابتسامة شكر على ثغر أم حازم وهي تنظر لوجه السيدة فتون قبل أن تغلق عيناها وتُسلم الأمانة لصاحبها
*****************
الخاتمة
لابد من الصراع الدائم بين الخير والشر
فاربما ينتصر الشر بجولاتٍ عديد ولكن هذا لايعني نهاية النزال فاللخير قوةٌ عميقة تكبر وتعظم كلما مرّ عليها الزمن عكس الشر الذي يضعف بااستمرار إلى أن ينهار ويتلاشى مهما كان كبيراً وعظيماً في البداية، ليُختم النزال لصالح الصالح حامل خصال الخير فهنيئاً لمن يفوز أخيراً
النهاية