AmanyAlsagheer

شارك على مواقع التواصل

* 7 *
*** "ها هي ذي"
انطلقت تلك العبارة في لهفة من أمام نافذة حجرة منى حاملةً صوت بسمة، التي وقع بصرها في هذه اللحظة على منى وهي تقترب باتجاه المنزل..
وصلت العبارة المتلهفة إلى مسامع منى، فرفعت عينيها إلى حيث تقف بسمة لتبدو عليها الدهشة من وجودها في منزلها..
كان والد منى ووالدتها يجلسان في غرفة المعيشة غارقين في بحرٍ من القلق والانتظار.. وما إن خرجت بسمة من غرفة منى حتى اتجهت عيونهما إليها، فقالت في سرعة: لقد عادت.
فُتح الباب لحظتها لتدخل منى وتلقي السلام في خفوت.
رد والدها السلام وهو يتنهد في ارتياح، في حين ظلت الأم صامتة وإن أطلت من عينيها نظرة حنانٍ مشفق وهي تتأمل ابنتها.. وبابتسامةٍ مريرة التفتت منى إلى بسمة قائلة: ولِمَ العجلة يا عزيزتي.. كنت سأخبرهم أنا.
شعرت بسمة بإشفاقٍ بالغ من المرارة التي يقطر بها صوتها، فأجبرت نفسها على الابتسام وقالت: لا يمكنك فعل ذلك لأنك - أنت نفسك - لا تعرفين.
ردت منى بنفس اللهجة: كفى عن ذلك التحذلق الكلامي أرجوك بسمة.
- أين كنت يا بنيتي؟ لقد حاولنا الاتصال بك كثيرًا.
كان هذا تساؤل أمها، فانتبهت فجأةً إلى أنها لم تسمع رنين هاتفها طوال تلك المدة، فقالت مندهشة وهي تخرجه من حقيبتها الصغيرة: حقًا؟!
ألقت نظرة على شاشته لتجد عشرات المكالمات الفائتة من بسمة ووالدها ووالدتها، في حين قالت بسمة: أراهن أنه على الوضع الصامت منذ كنا في آخر محاضرة.
تنهدت منى قائلةً وهي تلقي نفسها على أقرب مقعد: هذا صحيح.. لكن لِمَ كل هذا القلق؟ كنت....
قاطعتها بسمة: كنت متسرعة.. لماذا اختفيت بهذه السرعة؟ ولماذا لم تنتظري حتى تتأكدي مما سمعته؟
أشاحت منى بوجهها تحاول منع نفسها من معاودة البكاء، لكنها وجدت بسمة تفتح ورقةً مطوية كانت في يدها وتضعها أمام عينيها تمامًا..
أدركت منى ماهية الورقة على الفور.. كانت صورةً من كشف النتائج لمن تبدأ أسماؤهم بحرفي الميم والنون!
هبت واقفة واختطفت الورقة ونظرها ينتقل بسرعة من اسمها في منتصف الكشف إلى خانات النتائج حيث لم تكن هناك أية دوائر حمراء على الإطلاق! لا حول "علم السموم" ولا غيرها من موادهم الدراسية، بل على العكس، كانت النتائج جميعها جيدةً جدًا..
خفق قلبها بقوة وأعجزها الانفعال عن التفوه بكلمة.. رفعت عينين مندهشتين إلى بسمة، فأجابتها بابتسامةٍ كبيرة..
ترقرقت عيناها بالدموع فاقتربت والدتها واحتضنها بحنانٍ وهي تقول: مبارك يا حبيبتي.. لقد كانت زميلتك السخيفة تكذب تلاعبًا بأعصابك.
قالت بسمة: في الحقيقة كانت تمزح، لكنها لم تدرك مدى كارثية مزاحها وسخافته إلا متأخرًا.
اقترب والدها منها وربّت على رأسها قائلًا في حنان: فلتحمدي الله عز وجل على أنها لم تكن حقيقة.
تمتمت منى بحمد الله، ثم اتجهت نحو بسمة وعانقتها في قوة مغمغمة: أشكرك يا بسمة.. أشكرك كثيرًا.
ثم أمسكت كتفيها وقالت: ولكن أخبريني.. ماذا عن نتائجك أنت؟
رفعت بسمة حاجبيها في دهشةٍ مصطنعة قائلة: أخيرًا تذكرت أنني معك في نفس السنة الدراسية!
ضحكت، فأجابتها بسمة: نتائجي أيضًا جيدةٌ جدًا والحمد لله.
أطلقت منى تنهيدة ارتياحٍ قوية ورددت: حمدًا لله.
ثم عادت تجلس هاتفة: يا إلهي كم أشعر بالتعب.
سألتها بسمة وهي تتخذ مجلسًا بجوارها: أين كنت طوال هذه المدة؟ لقد فقدت أثرك منذ ساعتين على الأقل.
ابتسمت ابتسامةً شاحبة وقالت: أمشي بلا هدفٍ في الطرقات.. كنت محبطةً جدًا ولم أكن أريد التحدث مع أحد.
- لكنها أمطرت لنصف ساعةٍ على الأقل!!
قالت وهي تشير لرأسها: تلقيت المطر كله فوق رأسي، ثم ...
صمتت لحظةً اتسعت خلالها ابتسامتها قليلًا ثم أكملت: ثم عدتُ إلى هنا.
تصنعت بسمة السخط قائلة: كل هذا وأنا أبحث عنك في الجامعة حتى تقطعت أنفاسي.
ثم التفتت إلى والدة منى وقالت: أرأيت كم أعاني معها!
قالت والدتها ضاحكة: بصراحة.. كان الله في عونك.
ضحك الجميع في مرح.. ثم قالت بسمة: أتركك الآن ترتاحين.. وغدًا أراك في الجامعة.
هتفت منى بغتة: كلا.. إلى أين تذهبين؟! يجب.. يجب...
صمتت تبحث عما تتحجج به، ثم لم تلبث أن قالت: يجب أن نتناول الغداء سويًا.
اندفع والدها ووالدتها يؤيدان الفكرة بحماس، فقالت بسمة: اعذروني هذه المرة، فلقد تأخرت أنا أيضًا.
قالت منى معترضة: لكن...
قاطعتها بسمة وهي تصافحها: ربما فيما بعد.
تنهدت منى مستسلمةً وقالت: حسنًا.. كنت أريد فقط أن...
صمتت لحظة لتكمل بلهجةٍ ذات مغزى: أن أخبرك بشيءٍ مهم.
أشعلت لهجتها فضول بسمة ونظرت إليها في تساؤل، فزادت منى من إثارة فضولها بنظرةٍ غامضة..
- غدًا إن شاء الله سيكون لدينا الكثير من الوقت لنتحدث كيفما نشاء.
مطت منى شفتيها بإحباط، فمالت بسمة على أذنها وهمست: ماذا هناك؟ أشعر أنك ستخبرينني بكارثةٍ كالمعتاد.
همست منى بدورها في غيظ: ومن قال أني سأخبرك بشيء؟ لقد غيرت رأيي.
غمزت بسمة بعينها وقالت: أتراهني؟
ابتسمت منى على الرغم منها، بينما بسمة تكمل: ملحوظةٌ صغيرة.. أنت تخسرين الرهان دائمًا!
ضحكت كلتاهما وتعانقتا في حرارة قبل أن تودعها منى عند الباب..

***********************

*** استيقظ عمرو بغتةً على صوت رنين هاتفه المتواصل، فتغضن حاجباه في ضيقٍ وهو يتساءل عمن يحاول الاتصال به في مثل هذا الوقت.. إنه لا يريد الاستيقاظ الآن..
اعتدل مرغمًا ومد يده يلتقط هاتفه ليُسكت رنينه مغمغمًا: هلا خرست قليلًا.
تجاهل إجابة الاتصال رغم كونه من باسل الذي سبقه بمغادرة الإسكندرية بيومٍ كامل.. سيعاود هو الاتصال به فيما بعد..
ألقى نظرة على الساعة التي أشارت أرقامها إلى العاشرة مساءً.. صارت له أربع ساعاتٍ تقريبًا منذ وصوله وخلوده للنوم، إلا أنه غمغم بإرهاقٍ وهو يمرر أصابعه في شعره: لم أشعر أنني نمت ربع هذا الوقت!
تثاءب في عمق وهمّ بالنهوض، لكنه أحس برغبةٍ عارمة في مواصلة النوم والعودة إلى دفء الفراش ، فعاد يغوص بجسده تحت الأغطية الثقيلة وقد استقر في نفسه أن لا شيء يستحق منه مغادرة هذا الدفء من أجله.
دفن رأسه في الوسادة ومد يده تحتها يضمها لتمنحه مزيدًا من الدفء، لكن هاتفه عاد يطلق رنين الاتصال فتنهد في قوة واعتدل يلتقطه مرةً أخرى قائلًا: يبدو أنه مُصرّ.
كان باسل ثانيةً، فأجابه عمرو هذه المرة وقال وهو يعاود الاستلقاء: أهلًا باسل.
أتاه صوت باسل يقول بحماس: عمّور.. كيف حالك؟
تثاءب وأجابه: بخير والحمد لله.
- أمازلت هناك؟
- هناك أين؟!
- في الإسكندرية!
- كلا بالطبع.. لقد عدت ظهر اليوم.
أظهر صوت باسل لهجة عتابه وهو يقول: أخبرتني أنك ستهاتفني فور وصولك.
- اعذرني.. فبمجرد وصولي لم أشعر بنفسي إلا الآن.
- وماذا تفعل الآن؟
أجابه عمرو بصوتٍ ناعس: نائمٌ في فراشي أنعم بدفئه، وأحتضن وسادتي الغالية وحبيبتي الحالية لحين صدور إشعارٍ آخر.
وصلته ضحكة باسل عبر الهاتف وهو يقول: حبيبتك الحالية؟! أتعشم ألا ترضى كثيرًا بالوضع الحالي وتظل بقية عمرك غير قادرٍ على إصدار أية إشعارات.
ضحك عمرو بدوره وقال: لا تقلق.. وضعي الحالي لا يرضيني كثيرًا.. لكن دعك من هذا.. ما رأيك في بعض النشاط؟
تساءل باسل: نشاطٌ من أي نوع؟
- فلنذهب إلى صالة الألعاب الرياضية، نتناول بعدها العشاء سويًا في أي مكان.
قال باسل ضاحكًا: لا أشتاق لممارسة الملاكمة مثلك، ثم إنني مدعو على العشاء اليوم.
مط عمرو شفتيه في إحباط وقال: عند خطيبتك بالطبع.
أتاه رد باسل بالإيجاب، فأردف: لو أنك تحتاج السيارة فلا مانع لديّ.
أطلق باسل ضحكةً باهتة وقال: لاااااا.. شكرًا.. لقد عافت نفسي قيادة السيارات إلى أجلٍ غير مسمى.
اعتدل عمرو وقال وقد استغرب قوله: ماذا هناك؟ هل حدث شيءٌ ما سيئ ؟
وصلته عبر الهاتف تنهيدةٌ حارة من باسل أعقبها صوته يقول: كدت ألقى اليوم حتفي بسبب متهورٍ أحمق يقود سيارته بسرعةٍ جنونية.. كنت أعبر الطريق في أمان الله عندما فوجئت به أمامي و...
قاطعة عمرو قائلًا في قلق: وهل أصبت بسوء؟
أجابه باسل بسرعة: كلا اطمئن، فلقد تفاداني بمعجزة.. لكني في الواقع كدت أموت رعبًا.
قال له عمرو معاتبًا: يجب أن تكون أكثر انتباهًا أثناء عبور الطريق.
صاح باسل في اعتراض: لقد كنت منتبهًا.. قائد السيارة هو الذي كان متهورًا.
ابتسم عمرو وقال: ليس بالضرورة أن يكون متهورًا.. ربما فوجئ بك في طريقه مثلما فوجئت أنت به تمامًا.
ثم استطرد وهو يداعب شعره: لقد هذا حدث معي بالفعل!
- حقًا؟!
أومأ عمرو برأسه إيجابًا دون أن ينتبه إلى أن إجابته الحركية هذه لن تصل إلى باسل بالتأكيد، ثم تابع: كنت عائدًا من المستشفى الأسبوع الماضي في طريقي للمنزل، عندما فوجئت بفتاةٍ تعبر الطريق فجأةً وبدون مقدمات.
سأله باسل باهتمام: وكيف تصرفت في موقفٍ كهذا.. هل استطعت تفاديها؟!
- بالكاد.. استطعت التوقف بصعوبةٍ بالغة و...
بتر عبارته بغتة والتقى حاجباه وشيءٌ ما يضيء في عقله..
لقد كان يتحدث وذهنه يسترجع الموقف تلقائيًا، وعندما همّ أن يخبر باسل أنها أصيبت مثله برعبٍ وذعرٍ شديدين على نحوٍ أشعره بالذنب، استرجع عقله صورة الفتاة الرقيقة المذعورة التي شعر بارتجافة يدها بين يديه..
إنها هي!
هي من أتت العيادة اليوم..
بالتأكيد هي..
الآن عرف لماذا شعر بأن ملامحها مألوفة..
- عمرو.. إلى أين ذهبت؟
قطع صوت باسل أفكاره، فانتبه قائلًا: ها أنا ذا معك.. فقط تذكرت شيئًا ما.. المهم أنه قُدرت لكلينا السلامة.
حاكى باسل أسلوبه وقال: يجب أن تكون أكثر انتباهًا أثناء القيادة.
ضحك عمرو فاستطرد باسل: أراك غدًا في المستشفى.. إلى اللقاء.
- حسنًا.. إلى اللقاء.
أنهى عمرو الاتصال وأغلق هاتفه حتى لا يوقظه أحدهم مرةً أخرى، ثم تثاءب في إرهاق واستلقى في فراشه راغبًا في مواصلة النوم..
استعاد جسده استرخاءه سريعًا، لكن ذهنه ظل مستيقظًا.. كلما حاول دفعه إلى الاسترخاء والتفكير في لا شيء، أبى وانشغل بمواقف وأفكار غريبة غير مترابطة..
ومن بين ما مر بتفكيره، ما تذكره منذ لحظات..
كان يعلم أن ذاكرته بالنسبة للأشخاص ليست قويةً للغاية، ربما بسبب طبيعة عمله، فكم من مريضٍ يفحصه يوميًا سواءً في المستشفى أو في العيادة، وليس من الممكن أن يذكر كل هؤلاء.. لقد تعود أن ينسى بسرعة، لكنه برغم ذلك يذكر الآن وبكل وضوح ملامح تلك الفتاة التي فحصها اليوم والتي تذكر الآن فقط أنها هي من كادت تتسبب بحادث السيارة الأسبوع الماضي..
ماذا كان اسمها؟
منى؟ أجل.. منى..
غريبةٌ منى هذه.. ولا يدري لماذا!
أخذ يسترجع لحظات وجودها في العيادة محاولًا إيجاد ما يؤيد شعوره هذا في تصرفاتها، ولكن...
حقًا هي لم تفعل ما يمكن وصفه بأنه غريب.. صحيحٌ أنها تخاف من كل شيءٍ بلا مبرر، وصحيحٌ أنها...
أنها...
لا يدري.. ربما هناك شيءٌ ما في مجمل تصرفاتها.. ربما في...
في نظراتها!!
توقف تفكيره طويلًا عند نظراتها هذه.. نظراتها الـ.... لا يدري بمَ يمكنه وصفها..
غريبة؟!
أجل.. غريبة.. غرابةٌ من النوع الذي يشعل الفضول إشعالًا لسبر أغوارها..
جذابة؟!
جدًا.. ليس لجمال عينيها - رغم أن عينيها جميلتين فعلًا - ولكن لسببٍ آخر لا يدري كنهه..
غامضة؟!
ربما.. لكنه حقًا لا يفهمها..
إنها المرة الأولى في حياته التي تواجهه نظرةٌ تشد انتباهه وتثير اهتمامه إلى هذا الحد..
نظرةٌ لا تحمل انفعالًا واضحًا يمكن لأي شخصٍ أن يستشفه..
نظرةٌ تجذبه وتشتت تفكيره، بل وتربكه!
التقط نفسًا عميقًا وتقلب في الفراش وهو يغلق عينيه في قوة وكأنما يجبر نفسه على إيقاف شلال الأفكار الذي يشغل عقله ويقف حاجزًا بينه وبين مواصلة النوم..
ظل على حالته هذه بضع دقائق أخرى قبل أن ينتصر النوم أخيرًا ويغوص به إلى الأعماق..
لم يدرِ أن تفسير كل ما يثير حيرته هذه واضحٌ كالشمس..
لم يدرِ أن الأمر كله يتلخص في كلمةٍ واحدة خرجت من أعمق أعماق قلبٍ محب..
كلمةٌ تطير الآن عبر الهواء بحروفٍ وردية لامعة، تحملها ورقةٌ صغيرة مطوية ويسافر بها مشبكٌ أحمر صغير في رحلةٍ جريئة تقصد سيارته..
كلمةٌ تقول..
"أحبك"
******************

*** أطلقت منى تنهيدةٌ حارة وهي تغلق النافذة بعد أن تمت المهمة بنجاح ووصل المشبك بحمله الثمين إلى مكانٍ ظاهر على السيارة..
ألصقت ظهرها بالنافذة المغلقة بذهنٍ شارد.. لا تعرف إن كان قد عثر على رسالتها الأولى أم لا، لذا لم تستطع تخيل أبعاد رد فعله..
عادت لمكتبها الصغير وأخرجت الورقة الصغيرة التي تحمل "وصفته العلاجي" وتأملتها طويلًا.. خطه منمقٌ بأحرف كبيرة واثقة.. شعرت بدقات قلبها تتزايد وهي تستعيد تلك الدقائق القليلة التي جمعتهما، فغمغمت بابتسامة: امتثل للعلاج واهدأ يا أحمق.
تنهدت بقوة، ثم أخفت الورقة بعناية وانشغلت بالدراسة لبعض الوقت حتى قطع انهماكها رنين هاتفها..
ابتسمت مع رؤية صورة بسمة على شاشته، قبل أن تجيب اتصالها قائلة: أهلًا بسمتي.
- بسمتي! لا شكرًا.. لا أفضل الأرز على العشاء!
ضحكت منى كثيرًا مما دفع بسمة للضحك بدورها رغم غيظها، ثم لم تلبث أن قالت: سأسامحك إن أخبرتني ماذا حدث.
فهمت منى مقصدها على الفور، لكنها قالت مداعبة: وماذا حدث؟
قالت بسمة بفضولٍ لم تستطع اخفاءه: ما كنت ستخبرينني به عندما كنت بمنزلك.
ردت بلا مبالاة مصطنعة: كنت أمزح.
بلغها صوت بسمة يقول بإصرار: كلا.. أنا أعلم أن هناك ما تخبرينني به.
أفلتت منها ضحكةٌ خافتة وقالت: ولماذا لم تنتظري حينها لتعرفيه؟
قالت بسمة بحماس: لم أكن أتوقع أن فضولي لن يحتمل الانتظار، ولم أكن أعلم ساعتها أن الأمر يتعلق بـعمرو!
سألتها متعجبة: ومن أدراك أن الأمر يتعلق بعمرو؟!
أجابت بسمة بثقة: سيارته التي وجدتها أمام المنزل عند رحيلي.
عادت منى تضحك، فتابعت بسمة تستحثها: هيا تكلمي.. أنا أريد النوم.
- فلتخلدي للنوم إذًا.
- لا أستطيع النوم والفضول يقتلني.
- كنت سأخبرك غدًا عندما نتقابل في الجامعة.
- أخبريني الآن.
قالت منى ضاحكة: يبدو أن فضولك قد اشتعل بالفعل ولم يعد أمامي سوى إطفائه.
- هذه هي منى صديقتي.
أخرجت منى ما بجعبتها و بسمة تستمع إليها مشدوهة.. ابتداءً من أول مشبك أحمر خرج من نافذتها حتى ذاك الذي مازال يرقد بحمله هناك على السيارة..
وطوال حديثها، لم تقاطعها بسمة ولو بكلمةٍ واحدة حتى انتهت، فقالت منى: بسمة.. أمازلت معي؟
- أجل.
- و.. ولمَ الصمت؟
قالت بسمة في بطء: في الواقع أنا أشفق على هذا الرجل!
بلغتها ضحكةٌ قصيرةٌ خافتة، فاستطردت: منى.. يا صديقتي العزيزة.. دعيني أخبرك بشيء مهم.
صمتت منى بانتظار ما ستفصح عنه، فتابعت بسمة: أنت مجنونة!!
تعالى صوتها في ضحكةٍ أخرى ثم قالت: هذا ليس جديدًا.
- كلا.. مجنونة فعلًا لا وصفًا.. و عمرو هذا لن يكون أمامه سوى خيارين لا ثالث لهما.. إما أن يُجن هو الآخر، وإما أن يحبك.. وثمة احتمال ثالث لا بأس به هو أن ينتحر ويستريح.
قالت منى مستنكرة: كل هذا من أجل...
قاطعتها بسمة ضاحكة: ليس من أجل ما حدث فقط، بل من أجل ما سيحدث أيضًا.. فمن تلقى بنفسها أمام السيارات المسرعة ومن ترسل رسائل بمشابك الغسيل ،يمكنها أن تفعل ما هو أكثر جنونًا.. هل تعلمين.. لن أندهش يومًا لو قلت أنك اشتريت مسدسًا وأنك ستذهبين إليه لتهدديه، إما أن يحبك ويتزوجك وأما أن تقتلي نفسك ثم تقتليه.. لا أدري طبعًا كيف ستقتلينه بعد أن تكوني قد متِ أصلًا، لكن هذه هي مشكلتك أنتِ لا مشكلتي أنا!
عادت منى تضحك فقالت بسمة: منى.. احذري.. كل تصرفاتك حتى الآن تتسم بتهورٍ بالغ وبدأت أخاف عليك بالفعل.
- لا تقلقي.. صدقيني أنا في أفضل حال.
كانت بسمة تعلم أنها تتصرف بدافعٍ من الصعب جدًا التحكم فيه، وللأسف تعلم أيضًا أن المناقشة فيه بلا فائدة، فتنهدت في عمق، في حين قالت منى: أحبك يا بسمتي.
- أنا! متأكدة؟!
- طبعًا.. لكني أحبه أكثر قليلًا.
ضحكت كلتاهما، ثم قالت بسمة: سأنسحب بكرامتي.. أراك غدًا يا... يا مجنونة.

***************************
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.