AmanyAlsagheer

شارك على مواقع التواصل

* 16 *
*** ما إن أغلقت الباب حتى اندفعت بسمة نحو منى تحتضنها في قوة.. ومن بين دموعها قالت: حمدًا لله على سلامتك.
بكت منى أيضًا و أسندت رأسها على كتف بسمة التي ربّتت على شعرها و هي تقول مجددًا: الحمد لله أنك بخير.
ثم أمسكت كتفها وأبعدتها وقالت مازحة: هكذا.. كدت تموتين هكذا ببساطة وتتركينني وحيدة.. من سيرفع ضغطي إذًا ويطير أبراج عقلي من أفعاله؟
ابتسمت منى على الرغم عنها ومسحت دموعها، فعادت بسمة تقول: كيف حالك الآن؟ بماذا تشعرين؟
أشارت منى إلى رأسها وقالت في خفوت: دوارٌ شديد وصداعٌ أشد.
أمسكت بسمة ذراعها وقالت: تعالي أعاونك على النهوض.
بدا على منى التردد وكأنها لا تجد في نفسها القدرة على فعل ذلك، فجذبتها بسمة برفقٍ قائلة: هيا.. إنها أوامر طبيبك الخاص.. سيزول الدوار بالتدريج إن تحركت.
ابتسمت منى وقامت معها في بطء.. وما إن وضعت قدميها على الأرض حتى شعرت بالدوار يتضاعف، فتشبثت بذراع بسمة التي قالت: أنا أمسك بك.. لا تخافي.
مرت لحظات قبل أن تستطيع الوقوف باتزان، ثم تركت ببطء في أنحاء الغرفة مستندةً على ذراع بسمة وشعرت بالفعل أنها أفضل وإن لم يزل الدوار تمامًا..
وبينما هما كذلك قالت بسمة: علينا أن نغادر سريعًا فلا بد أن والديك الآن يكاد يقتلهما القلق.
- أبي وأمي.. هل عرفا.. أين هما الآن؟
- ينتظرانك في المنزل.
- بماذا أخبرتهما؟
ترددت بسمة لحظةً ثم قالت: لم أخبرهما أنا في الواقع، بل عمرو.
بدت عليها الدهشة بينما بسمة تُكمل: طلب مني الاتصال بوالدك ثم حدثه هو وأخبره.. أقنعه أيضًا أنه لا داعي لحضوره لأنه سيعيدك بنفسه فور استعادتك للوعي.
- ماذا؟!!
قالتها منى مستنكرة، فابتسمت بسمة ولم ترد، فعادت منى تقول: وهل وافق أبي على شيءٍ كهذا؟
- بالتأكيد كان قلقًا عليك جدًا ولكن يبدو أن عمرو أصّر على ذلك.
قالت في ارتباكٍ ووجهها يحمر: لـ... لماذا أعود معه هو.. أنا.. أنا أريد أبي.
هزت بسمة كتفها وقالت: حسنًا.. أخبريه أنت بذلك.. سيعود بعد قليل.
زاد احمرار وجهها ولم تدرِ ماذا تفعل، فواصلت تحركها ثم قالت: بسمة..
- إمم.
تساءلت بحيرة: ماذا حدث بالضبط؟
قالت بسمة بهدوء: ألم يخبرك عمرو؟
أومأت برأسها وقالت: بلى.. ولكن كيف صادف أن كان في الجامعة؟ أكنت أنت من طلب منه أن يأتي بي إلى هنا؟
- طلبت منه؟!
قالتها بسمة ضاحكة..
تطلعت إليها منى باستغرابٍ وتساؤل، فربتت على كتفها وقالت: سأخبرك بكل شيءٍ عندما نعود.
- أخبريني الآن أرجوك.
قالتها منى في توسل ولهفة..
- الوقت غير مناسب الآن.
- أرجــــــوكِ.
قطع حوارهما صوت طرقاتٍ هادئة على الباب فالتفتت كلتاهما متوقعتين ظهور عمرو، لكنها كانت إحدى الممرضات التي دخلت قائلة: د. عمرو طلب مني إعطائك هذا وإخبارك أنه قادمٌ خلال دقائق.
ناولت ما تحمله إلى بسمة وانصرفت على الفور..
قالت منى مندهشةً و بسمة تناولها حجابها: أين كان هذا؟
أجابتها باقتضاب: في سيارته.
عاد وجه منى يحمر وهي تقول مستنكرة: سيارته! ولماذا؟!
قالت بسمة بغيظ: منى.. كفاك أسئلة ذكية.. لقد كنت فاقدة الوعي وكنت تفقدين قدرتك على التنفس تدريجيًا.. تورم جسدك كله تقريبًا وكل هذا خلال دقائق معدودة.. أي أنك كنت على حافة الموت.. لا يُعقل أن تسألي لماذا !
بهتت منى لما سمعته ولم ترد.. تعرف هي بالطبع أعراض صدمة الحساسية الحادة، ولكن أن تتخيل هذا يحدث لها فهذا صعبٌ بعض الشيء..
قادتها بسمة نحو الفراش وأجلستها على طرفه قائلة: والآن هيا.. دعيني أضعه لك قبل أن يأتي.
ثم أردفت بخبث: أم تريدين أن تبقي هكذا.. بشعرك الجميل؟
غمرها الخجل ثانيةً وقالت بسرعة: كلا بالطبع.
ضحكت بسمة ثم لملمت لها شعرها وعقصته كيفما اتفق، ثم لفت لها حجابها بطريقةٍ بسيطة وثبتته بدبوسٍ واحد أعارتها إياه من حجابها هي.
همست منى معترضة: سينزلق هكذا بسهولة.
- لست أمتلك سوى دبوسين أعطيتك واحدًا.. كفاكِ طمعًا.. أنا لا أستخدم مثلك ترسانة من الدبابيس.
مطت شفتيها في اعتراض وبسمة تنهي ما تفعله ثم تجلس بجوارها على الفراش..
سألتها في خفوت قالت: كيف أبدو؟
ابتسمت بسمة ثم قالت بلهجة من يقصد المبالغة: قمــــــــــــــــــــر.
عقدت منى حاجبيها في شك وهمت بقول شيءٍ ما، لكن بسمة قالت بغتة: لحظة..
مدت يدها تجذب خصلةً صغيرة من شعر منى لتنسدل على جبهتها، وقالت وهي تضحك مازحةً في مرح: هكذا أجمل.. ما رأيك.
أبعدت منى يدها وهي تقول معترضة: بسمة!
واصلت بسمة الضحك في حين أعادت هي شعرها إلى مكانه أسفل الحجاب قائلة: لولا هذا الدوار لكنت...
قطع حديثهما مرةً أخرى صوت الطرقات على الباب الذي فُتح بعدها بلحظات ليطل منه عمرو..
تسارعت واضطربت خفقات قلبها بشدة وهي تراه مجددًا، وفوجئت بعبارته الأخيرة تردد داخلها عازفةً على أوتار مشاعرها..
"وجودك إلى جواري هو أفضل ما حدث لي في حياتي كلها"..
خطا عمرو إلى داخل الغرفة وابتسامته تملأ وجهه قائلًا بهدوءٍ ظاهري استطاع أن يخفي به انفعالاته الحقيقية، وإن لم يستطع إخفاء نظراته الحنون المحملة بالمشاعر إلى منى: كيف حالك الآن؟
أرادت أن تجيب بسرعةٍ وهدوء أنها بخير، لكنها وجدت نفسها تحدق في وجهه وابتسامته لحظات قبل أن تستطيع التحدث وكأنها لا تستطيع فعل الاثنين في وقتٍ واحد!
وأخيرًا قالت بخفوت: الحمد لله.. أفضل.
أثارت نظراتها هذه مشاعره بشدة على نحوٍ جعله يدرك حقيقةً واحدة..
أنه يعشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــق ما يلمحه في عينيها عندما تراه لأول وهلة.. بالذات أول وهلة.. وكأن كل مشاعرها تتحرك دفعةً واحدة لتطل بوضوحٍ من عينيها قبل أن تستطيع كبح جماحها أو السيطرة عليها..
واصل تمسكه بهدوئه الظاهري بصعوبةٍ وقال: عظيم.. هيا بنا إذًا؟
نهضت بسمة على الفور وساعدت منى على النهوض والتي بدا عليها التردد والحرج، وقد لاحظ عليها عمرو ذلك فقال وهو يقترب منها: أهناك ما يقلقك؟
قالت في ارتباك: كلا ولكن.. لماذا لم يأت أبي؟
أجابها بهدوء: لقد اتصل بي قبل مجيئي بلحظات وطمأنته عليك وأخبرته أننا عائدون حالًا.
- ولكن...
صمتت حائرةً لا تعرف ماذا تقول.. فقال مكررًا كلمتها يحثها على إتمام عبارتها: ولكن...؟
قالت بتردد: ألن يعطلك هذا عن عملك؟
تطلع إليها لحظاتٍ في صمت ثم قال: آه.. فهمت.
زاد ارتباكها فلاذت بالصمت، في حين قال هو: حسنًا.. رفضتِ أن أُقِلك مرةً و وافقتك على ذلك وكنت أحمق.. هذه المرة لن أوافقك مهما فعلت.
قال الجزء الأخير من عبارته وهو ينظر إلى عينيها، ففاضت دقات قلبها سعادةً وقالت محاولةً التهرب من مشاعرها: ألم تقل أني متعِبة.. يكفي ما أتعبتك به اليوم.
هز كتفه وقال: أجل.. متعبةٌ جدًا !!
ثم أردف مبتسمًا: لكني تعودت على ذلك.
عقدت حاجبيها في عنادٍ طفولي ولم تتحرك من مكانها، فاتسعت ابتسامته ثم قال ملتفتًا إلى بسمة: ما رأيك أنت د. بسمة.. لقد جئت بها إلى هنا وأنا أحملها وليس لدي أي مانع أن أغادر وأنا أحملها أيضًا.
بدا على وجهها استنكارٌ ودهشة تعلثم لهما لسانها وتوردت وجنتاها، فأطلق عمرو ضحكةً قصيرة ثم قال: سأسبقكما إلى الأسفل.
ثم أشار بيده إلى منى مكملًا وهو يغادر الغرفة: سأنتظرك.
غادر الغرفة بالفعل، فالتفتت منى إلى بسمة قائلة بانفعال: ماذا يقول؟؟
ضحكت بسمة بدورها وقالت: تستحقين ذلك.
نظرت لها منى باستنكار، فجذبتها من ذراعها في رفقٍ قائلة: هيا بنا.
مشت منى معها على الرغم منها وقد جعلت عبارة عمرو الأخيرة الاحمرار يلازم وجهها..
أتى إلى هنا وهو يحملها؟!!
لم تتوقع ذلك.. بل لم تتخيله حتى!
لقد تصورت أن هناك سيارة إسعاف أو أي شيءٍ من هذا القبيل.. أما أن يحملها هو..!!
تتضاعف احمرار وجهها وهي تمشي في بطء متأبطةً ذراع بسمة.. وطوال طريقهما إلى خارج المستشفى لاحقتهما نظرات الفضول من جميع العاملين خاصةً الممرضات وكأنما يتساءلن.. "من هذه التي يهتم د. عمرو بأمرها إلى هذا الحد؟!"
ما إن غادرا المستشفى حتى وجدا عمرو بانتظارهما بجوار سيارته ومعه باسل.. كانا يتحدثان في هدوء.. ومع اقترابهما قال باسل لعمرو وهو يصافحه: أراك غدًا يا صديقي.
ثم التفت إلى بسمة و منى قائلًا: حمدًا لله على السلامة.. إلى اللقاء.
ردت بسمة مبتسمة: إلى اللقاء.
تحرك عائدًا إلى المستشفى ملوحًا لهم بيده.. فمالت منى على بسمة هامسة: من هذا؟
همست بسمة باقتضاب: صديقه.
أشار عمرو إلى الباب الخلفي قائلًا في هدوء: تفضلا.
بدا عليهما التردد وأشارت بسمة إلى المقعد الأمامي قائلة: ألن...
قاطعها وقد فهم حرجها من ترك المقعد الأمامي خاليًا: لا بأس أبدًا .. ابقي بجوارها.
كانت منى تشعر بإحراجٍ شديد منه وتتزايد انفعالاتها بشدة عندما تنظر إليه على نحوٍ يضاعف شعورها بالدوار والصداع.. لذا تحاشت النظر إليه تمامًا و بسمة تفتح الباب وتساعدها على الجلوس..
وبينما تدور بسمة حول السيارة لتجلس بجوارها من الجهة الأخرى، أمسكت جبهتها بيدها وهمت بغلق بابها لكنها وجدته يغلق في هدوء ومن خلفه عمرو ينظر إليها في إشفاق..
منحها ابتسامةً من خلف الزجاج أذابت أوصالها، ثم استقل السيارة وانطلق بها في هدوء، بينما اقتربت منها بسمة وأراحت رأسها على كتفها..
كان والد منى بالطبع ينتظرهم أمام البناية بينما تطل والدتها من نافذة حجرتها وقد بدا واضحًا أنه لم يستطع أن يُخفي عليها الأمر طويلًا..
وما إن أوقف عمرو السيارة حتى اندفع والدها يفتح الباب ويساعد ابنته على المغادرة ويحتضنها في حنان بالغ قائلًا: حمدًا لله على سلامتك يا ابنتي.. حمدًا لله.. كيف حالك الآن.. أأنت بخير؟؟
قالت على الفور: أنا بخيرٍ يا أبى.. لا تقلق.
تطلع والدها إلى وجهها لحظات ثم عاد يحتضنها وهو يقول: الحمد لله.. الحمد لله.
كانت بسمة قد غادرت السيارة بدورها فربت على كتف ابنته وتركها لها تعاونها على الصعود إلى المنزل، ثم التفت إلى عمرو الذي غادر السيارة لتوه وصافحه بقوة قائلًا في امتنان: د. عمرو.. لست أعرف كيف أشكرك.
قال عمرو مبتسمًا: ماذا تقول يا م. محمد.. لم أفعل سوى ما يجب علىّ فعله.
امتد الحوار بينهما لفترة، ما بين شكر والد منى الشديد له وتعبيره عن امتنانه، وردود عمرو الأنيقة اللبقة..
وفي هذه الأثناء صعدت منى إلى منزلها لترتمي بين أحضان أمها المتلهفة القلقة التي أخذت تمتم بحمد الله وتقبل ابنتها في كل مكانٍ تطاله من وجهها..
فوجئت بها بسمة تترك منى وتحتضنها هي قائلة: شكرًا لك يا ابنتي.. أنت بالفعل نعم الصديقة.. بوجودك أشعر أن لمنى أختًا لم أنجبها لها.
رتبت بسمة على كتفها وقالت بتأثر: هذا بالفعل ما أشعر به أنا أيضًا.
ثم أردفت وهي تستعيد مرحها: ثم إنني لم أفعل شيئًا سوى البكاء بجوارها كالبلهاء.
ضحكت منى بينما أكملت بسمة: جاركم الطبيب الواقف بالأسفل هذا هو الذي يستحق الشكر لا أنا.
قالت الأم مبتسمة: كلاكما.
ثم التفتت إلى منى قائلة: لابد أن والدك الآن يشكره بشدة.
مع ذكر عمرو أحست منى برغبةٍ عارمة في أن تراه لمرةٍ أخيرة قبل أن يذهب، فأمسكت برأسها وتأوهت في خفوت فقالت والدتها في قلق: ماذا هناك يا حبيبتي.. أأنت بخير؟
قالت منى في إرهاق: نعم يا أمي.. لكني أشعر بدوار وصداع.
بدا عليها القلق الشديد فقالت بسمة بسرعة: هذا طبيعي لا تقلقي.. د. عمرو قال أنه سيزول وحده بمرور الوقت.. فقط عليها أن ترتاح جيدًا إلى أن يستعيد جسدها عافيته.
ثم أردفت وهي تعاون منى على النهوض: هيا إلى غرفتك.. أنت بحاجة إلى الراحة.
قالت الأم: أنت على حق.. خذيها إلى غرفتها وسأعد لكما وجبةً سريعة فلا بد أنكما جائعتان.
دلفت منى إلى الحجرة واتجهت على الفور نحو النافذة التي تركتها والدتها مفتوحة..
أطلت منها بحذر وتبعتها بسمة قائلة: أما زالا بالأسفل؟
- اعذرني.. ربما في مرةٍ أخرى فلقد تأخرت كثيرًا عن العيادة.
كانت هذه عبارة عمرو التي حملت اعتذاره العاشر على الأقل، ليرد والد منى قائلًا: هذا لا يجوز يا بُني.. تفضل ولو لتستريح قليلًا.
- أشكرك.. ولكن بالكاد أذهب.
- وماذا عن حساب المستشفى.. ألن تريحني وتخبرني؟
- لا توجد أي حساباتٍ صدقني.. هذا شيءٌ خاص بيني وبين المستشفى.
- إنه مستشفىً استثماري يا بنى، وحتى لو أنك تعمل هناك فلابد أن هناك مالًا سيدفع ولن أقبل أبدًا أن تدفعه أنت.. يكفي جميلك بإنقاذ ابنتي.
- أرجوك م. محمد.. لا تحرجني أكثر من هذا.
- أنت الذي تحرجني د. عمرو.
- دعنا لا نتحدث في مثل هذه الأمور.. الأمر لا يستحق.
- ولكن...
- أرجوك.. وإن كان هذا لا يضايقك، أرجو أن تسمح لي بأن أتصل لأطمئن عليها.
- لا بأس يا بني.. هذا لا يضايقني على الإطلاق.
- شكرًا لك.
عاد والدها يصافحه قائلًا بتأثر: أنا الذي أصبحت عاجزًا عن الشكر.
ابتسم عمرو وقال: أستأذنك أنا الآن.
- تفضل يا بني.. صحبتك السلامة.
استقل عمرو السيارة ودار بها يعدل من وضعها، فلوح له والدها بيده ثم اتجه إلى البوابة صاعدًا إلى منزله..
وقبل أن ينطلق عمرو في طريقه، فعل ما كان يقاوم أن يفعله طوال حديثه معه..
رفع بصره إلى نافذتها..
ورغم أنه يعلم يقينًا أنه سيجدها، دق قلبه في قوة عندما وقع بصره عليها وابتسم..
أما هي فلم تجفل من رؤيته لها هذه المرة.. لقد عرف كل شيءٍ فماذا ستخفي عنه، لهذا وجدت نفسها تبتسم لابتسامته وتلك العبارة التي قالها لها في المستشفى تردد داخلها..
ابتسمت بسمة هي الأخرى في سعادة لمنظرهما والذي بدا رائعًا، في حين لوح لها عمرو بيده ثم أشار بسبابته بمعنى "انتبهي لنفسك".. ثم تحرك بالسيارة مبتعدًا في هدوء..
وكالمعتاد.. بقيت منى حيث هي شاردةً حتى بعد ذهابه، بينما تراجعت بسمة إلى الداخل لتجد والدة منى واقفة بجوار الباب تحمل الطعام وترمق ابنتها في حنان..
تطلعت إليها بسمة مندهشة، فابتسمت ووضعت الطعام جانبًا ثم وضعت سبابتها على شفتيها وهمست: شششش.. لا تخبريها.
دخل والدها في هذه اللحظة قائلًا في لهفة: منى حبيبتي.. كيف حالك الآن؟
- الحمد لله يا أبي.. صدقني أنا بخير.
ثم أردفت وهي تنظر لأبيها وأمها: لا أريدكما أن تقلقا أبدًا.
ربّت والدها على كتفها في حنان مغمغمًا: الحمد لله.
قالت بسمة وهي تتثاءب في إرهاق: سأترك لكما الآن ابنتكما المتعبة وأذهب أنا فقد تعبت منها أيضًا.
قالت الأم بسرعة: لن تذهبي قبل أن تتناولي الطعام.
بينما قال الأب ممتنًا: لست أعرف كيف أشكرك يا ابنتي على...
قاطعته بسمة: أي شكر يا عمي.. منى أختي وليست صديقتي فقط.. ثم إنني لم أفعل شيئًا يستحق.. لقد قدر الله لها النجاة والسبب في ذلك كان وجود د. عمرو في اللحظة المناسبة.
أومأ برأسه مصدقًا على كلامها وقال: هو وأنتِ أيضًا يا ابنتي.. وأنتِ أيضًا.. لم أكن أعرف أنك تعرفينه.. لقد أخبرني أنك من عرّفته بأن منى هي ابنتي..
كان ما قاله مفاجئًا لها و لمنى أيضًا.. هي لا تعرف ماذا قال له عمرو وكيف شرح له معرفته بمنى.. لكنها تجاوزت المفاجأة بسرعة وقالت: نـ.. نعم.. هذا صحيح.
- أخبريني كيف حدث كل هذا؟
جلست بسمة وقصت عليه ما حدث دون الدخول في الكثير من التفاصيل، وفي النهاية قالت: أنا أعرفه شكلًا.. أنا و منى نراه أحيانًا ونحن عائدتان من الجامعة.. وعندما كان يطمئن عليها ويخبرني أنها تجاوزت الخطر وستستعيد وعيها سريعًا، أخبرته أنني أعرفه وأنها جارته.. ولما ذكرت له اسمك أخبرني أنه يعرفك شخصيًا وساعتها طلب منى الاتصال بك.
كانت منى تستمع لها بانتباهٍ شديد فهي الأخرى لا تعرف تفاصيل ما حدث بالضبط، لكنها أحست أنها لم تقل أشياء كثيرة.. أما الجزء الأخير فكانت على يقينٍ بأنه ارتجالٌ سريع ليس إلا!
قال والدها: حقًا.. كم هو إنسانٌ شهم ومهذب.
ابتسمت كلتاهما بينما هو يكمل: ولا أعرف حقًا كيف أرد له هذا الجميل.
نظرت والدة منى لابنتها نظرةً ذات معنى لم تفهمها سوى بسمة ثم قالت مخاطبة زوجها: ربما تعرف فيما بعد.. هيا الآن نتركهما يستريحا قليلًا.
قال وهو يتحرك معها إلى خارج الغرفة: أنت على حق.. خذوا راحتكم يا فتيات.
قالت بسمة: سأذهب أنا أيضًا.. سأموت من التعب.
ثم مالت تطبع قبلةً على وجنة منى التي قالت هامسة: مازال هناك الكثير لا أعرفه.. أليس كذلك؟
ردت هامسة أيضًا: بالطبع.. الكثير جدًا.
نظرت لها منى بلهفة فقالت: غدًا.. سأمر عليك بعد عودتي من الجامعة.. اتفقنا؟
- حسنًا.
- بالمناسبة.. هل تعلم والدتك بأمرك أنت و عمرو.
- كلا بالطبع!
عادت بسمة تميل نحوها وهمست في أذنها: أنت بلهاء.
بدا على منى التعجب لكن بسمة لم تقل المزيد.. قامت في سرعة قائلة: أراك غدًا.

*********************
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.