...
لَفَّتْ الغُيُومُ حَوْلَ الشَّمْسِ تُخَبِّئُهَا, تُصَاحِبُهَا نَسَمَاتُ الهَوَاءِ مُدَاعَبَةُ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ بِخِفَّةٍ وَدَلَعُ تَزَعَّمَهُنَّ عَلَى الرَّقْصِ عَلَى أَنْغَامِهَا المُسْرِعَةُ, وَفِي القُرْبِ مِنْهُنَّ جَلْسَتُ هِيَ فِي وَسَطِ حَدِيقَةِ قَصْرِهَا الفَسِيحِ أَمَامَ كُوبِ قَهْوَةٍ سَاخِنٌ وَ كَعْكٍ بِالشُّوكُولَا.
أَسْرَعْتُ فِي إِنْهَاءِ كِتَابِهَا الَّذِي دَاوَمْتُ عَلَى قرائته مُنْذُ أَيَّامٍ, لِتَرْمِيَهُ عَلَى العُشْبِ بِجَانِبِهَا فِي حَرَكَةٍ لَوْلَبِيَّةٌ, قَبْلَ أَنْ تَلْتَقِطَ كُوبَ قَهْوَتِهَا. رَمَّقَتْ إِحْدَى الخَادِمَاتِ الوَاقِفَاتِ بِجَانِبِهَا مُنْحَنَيَاتِ الرَّأْسِ تَبَجَّلَا لَهَا, أَغْمَضَتْ عَيْنَيْهَا بِاِشْمِئْزَازٍ تَمُدُّ يَدَهَا نَاحِيَةِ صَحْنِ الكَعْكَةِ الأَبْيَضِ صاخطة بِهِ الخَادِمَةُ.
تَفَاجَأَتْ الخَادِمَةُ مِنْ صُنْعِ الأَمِيرَةِ وَ تَسَمَّرَتْ فِي مَوْضِعِهَا لَكِنَّهَا لَا تَسْتَطِيعُ فِعْلَ أَيِّ شَيْءٍ تُجَاهَ تَصَرُّفِهَا الرَّدِيءُ, فَخَرَتْ مُنْحَنِيَةٌ لَهَا تَرَدُّدٌ:
"سَامِحِينِي أَيَّتُهَا الأَمِيرَةَ, سَامِحِينِي أَشْفِقِي عَلَى أَرْجُوكِي لَا تَقْتُلِينِي, لَنْ أُعِيدُهَا ثَانِيَةٌ"
غَيْرُ مُدْرِكَةٍ لِخَطَئِهَا, أَلَا أَنَّ اليَقِينَ يَنُصُّ عَلَى قَطْعِ الرَّقَبَةِ رَغْمَ الظُّلْمِ وَاِلْتَهَمَ.
"لَمَّا أَحْضَرْتِ كَعْكَةَ الشُّوكُولَا, أَلَا تَعَلُّمَيْنِ أَنَّ مِزَاجِي السَّيِّئُ اليَوْمَ لَا يَتَحَمَّلُ نَكْهَتَهَا "
"أسِفة سَيِّدَتُي, أُعْفَى عَنِّي أَرْجُوكَ "
رَدِّتْ الخَادِمَةُ تِلْكَ الكَلِمَاتُ تُفَكِّرُ بِالمَوْضُوعِ ثَانِيَةً, هِيَ لَيْسَتْ مُخْطِئَةٌ, كَيْفَ لَهَا بِمَعْرِفَةِ مِزَاجِ سَيِّدَتِهَا, لَا إِرَادِيًّا بَدَأَتْ دُمُوعُهَا بِالاِنْهِمَارِ.
"أَلَا تُعْلِمِينَ كَمْ أَكْرَهُ الفَتَيَاتِ مِثْلَكَ؟ أَنْتِ تَسْتَحِقِّينَ المَوْتَ"
قَالَتْ مُتَّجِهَةً لِلحَارِسِ المتسمر وَرَائِهَا بِشُمُوخَ, تُلَبِّكُ عُنُدٌ رَأَيَاهَا لَهُ مُقْتَرِبَةً, بَلْعُ رِيقِهِ فِي خَوْفٍ مُعْتَقَدًا أَنَّ وَقْتَهُ قَدْ حَانَ, وَبِحَرَكَةٍ خَاطِفَةٌ مَدَّتْ يَدَهَا وَ إمتحطت السّيفُ مِنْ غمده ثُمَّ عَادَتْ نَحْوَ الخَادِمَةِ الَّتِي مَا لَبِثَتْ فِي الصُّمُودِ حَتَّى خَانَتِهَا رِجْلَاهَا فسطقت أَرْضًا بَاكِيَةً مسترجية, لَكِنَّ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي إِذْ هَبَّتْ الأُخْرَى فِي رَفْعِ السّيفَ مُغَمَّضَةٌ العَيْنُ تُوَجِّهُهُ نَحْوَ عُنْقِهَا لِتَقَطُّعِهِ.
لَمْ يَسْتَطِعْ المُشَاهِدُونَ تَحَمُّلَ مَا يَشْهَدْنَ بِهِ فَرِحْنَ يُغَمِّضْنَ أُعِينُهُنَّ فِي هَلَعٍ, يُحَاوِلْنَ بِأَقْصَى مَا لَدَيْهِنَّ حِمَايَةُ الذَّاكِرَةِ مِنْ هَذَا المَنْظَرِ المشن... وَفَجْأَةً, صَوَّتَ تَصَادُمُ سُيُوفٍ يَزْعُمُ الكُلُّ فِي إِعَادَةِ النَّظَرِ, فَتْحَتُ عَيْنَاهَا فِي غَضَبٍ لِتُصَادِفَ بِأَحَدِهُمْ يَصُدُّ سَيْفُهَا بِسَيْفِهِ بِاِحْتِرَافٍ.
°°°