°°°°
جَلَسْتُ عَلَى سَرِيرِهَا بِحَرَكَةٍ بَطِيئَةٍ, بَعْدَمَا أَرَّخَتْ أَعْصَابُهَا نَظْرَتَ نَحْوَ حَارِسِهَا الَّذِي وَقَفَ أَمَامَ البَابُ وَ يَدَاهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ يَقِفُ بِثَبَاتٍ.
"أَغْلِقِي البَابَ" قَالَتْ بِصَوْتٍ غَاضِبٍ لِلخَادِمَةِ الَّتِي تَقِفُ بِجَانِبِ البَابِ.
'''
دَوَّى صَوْتُ إِغْلَاقِ البَابِ بِوَجْهِهِ فَتَحَرُّكٌ مِنْ مَوْضِعِهِ وَرَفْعِ شَفَتِهِ العُلْيَا لِتَظْهَرَ عَلَامَاتِ الاِشْمِئْزَازِ عَلَى وَجْهِهِ "تَشْهَ, اِتَّسِمِي نَفْسُهَا أَمِيرَةٌ!"
"لِمَاذَا أَلَا تَعَجُّبَكَ!" قَالَ الأَمِيرُ بَعْدَمَا اِتَّجَهَ نَحْوَهُ فَاِنْحَنَى الحَارِسُ لَهُ يُبْطِئُ
"لَا أَقْصِدُ هَذَا" هَزَّ الأَمِيرُ بِرَأْسِهِ مُتَفَهِّمًا ثُمَّ إتكئ عَلَى حَافَّةِ السُّوَرِ وَ نَظَرٍ لِلسَّحْبِ
"أَوَعَدَنِي بِشَيْءٍ " لَمْ يَقُلْ الحَارِسُ شَيْئًا بَلْ ظَلَّ عَلَى صِمَّتِهِ يَنْتَظِرُ مِنْهُ إِكْمَالَ كَلَامِهِ "اِحْمِي الأَمِيرَةَ جَيِّدًا, اِحْمِهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ" اِنْحَنَى لَهُ ثُمَّ قَالَ
"بِالتَّأْكِيدِ سَأَفْعَلُ"
^^^^
بَعْدَ أَنْ غَادَرَ الأَمِيرُ المَمْلَكَةَ أَصْبَحَ القَصْرُ هَادِئًا وَ كَأَنَّهُ هَجَّرَ مِنْ سَاكِنَيْهِ, أَضْحَتْ الأَمِيرَةَ لَا تُحَبِّذُ الجُلُوسَ فِي حَدِيقَةِ القَصْرِ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ صَبَاحَ كُلَّ يَوْمٍ, حَتَّى أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مَضْجَعِهَا.
.....
دَقَّتْ إِحْدَى الخَادِمَاتِ بِأبَ الأَمِيرَةِ ثُمَّ دَخَلَتْ بِهُدُوءٍ, وَقَفَتْ أَمَامَ السَّرِيرِ حَيْثُ الأَمِيرَةُ تَسْتَلْقِي عَلَيْهِ "سَيِّدَتُي لَقَدْ وَصَلَتْ لَكَ رِسَالَةً"
لَمْ تَهْتَمَّ الأَمِيرَةُ بِكَلَامِهَا فَأَغْمَضَتْ عَيْنَاهَا
"أَنَّهَا مِنْ الأَمِيرِ سَارِي" جَرَّاءَ سَمَاعِ اِسْمِهِ جَلْسَتِ بِحَرَكَةٍ سَرِيعَةٍ وَ مُدَّتِ يَدُهَا لِتَأْخُذَهَا مِنْ الخَادِمَةِ, فَتَحَتْ الرِّسَالَةَ بِسُرْعَةٍ كَادَتْ أَنْ تُمَزِّقَهَا
: ما كتب بالرسالة :
" أَمِيرَتُي الصَّغِيرَةُ, كَيْفَ حَالُكَ! أَعْلَمُ أَنَّكِ اِشْتَقْتِ إِلَى كَثِيرًا, أَنَا أَيْضًا, كَمْ أَوَدٌ حَقًّا أَنْ أَرَى وَجْهُكِ المُشْرِقُ, مُنْذُ يَوْمَيْنِ وَصَلْتِنِي بَرْقِيَّةٌ تَقُولُ أَنَّكِ أَصْبَحْتِ كَئِيبَةً لَا تَخْرُجِينَ مِنْ غُرْفَتِكَ وَتَفْعَلِينَ مَا اِعْتَدْتِ عَلَى فِعْلِهِ دَائِمًا, أَشْعُرُ بِالعِبْءِ لِكَوْنِي السَّبَبِ الرَّئِيسِيُّ بِتَحَوُّلِكَ الجَذْرِيِّ هَذَا, مَا أَوَدُ قَوْلِهِ أَنَّنِي أُرِيدُكَ أَنَّ تَعَوُّدِي كَمَا كُنْتُ, فَتَاةٌ مَرِحَةٌ, أَتَمَنَّى أَنْ تَصِلَنِي أَخْبَارٌ سَعِيدَةٌ المَرَّةَ القَادِمَةُ مَعَ خَالِص حُبِّي "
وَضَعَتْ الرِّسَالَةُ بِجَانِبِهَا وَ هِيَ تُفَكِّرُ بِكَلَامِهِ, هَلْ يُوصَلُ أَحَدُهُمْ أَخْبَارَهَا لَهُ! هَلْ يَعْقِلُ أَنْ يَكُونَ الحَارِسَ ذَاكَ! رُبَّمَا نَعَمْ وَ رُبَّمَا لَا, لَكِنَّهَا بِلَا شَكٍّ سَتُحَاوِلُ مَعْرِفَةً مِنْ ذَاكَ الشَّخْصُ.
°°°
اِرْتَدْتُ ثَوْبَ أُسُودٍ لِأَمِعْ طَوِيلٌ بِلَا أَكْمَامٍ وَ خَرَجْتُ مِنْ غُرْفَتِهَا لِتَبْدَأَ يَوْمَهَا كَمَا اِعْتَادَتْ تَفْعَلُهُ مُنْذُ وَقْتٍ أَوَّلُ مَا رَأَتْهَا هُوَ وَجْهُ حَارِسِهَا الشَّخْصِيُّ الَّذِي وَقَفَ أَمَامَ نَاظِرِيهَا, تَأَفَّفْتِ قَلِيلًا ثُمَّ قَالَتْ بِصَوْتٍ خَافِضٍ
"لَمَّا وَجَّهَكِ أَوَّلُ مَا أَرَاهُ اليَوْمَ! لاَبُدَّ أَنَّ يَوْمِي سَيَسُوءُ"
خَطَتْ لِلأَمَامِ لِتُنَزِّلَ السَّلَالِمِ وَ هُوَ فَعَلَ المُثُلَ جَلَسَتْ عَلَى كُرْسِيِّهَا الخَشَبِيُّ المُعْتَادُ الَّذِي لطَّالَمَا وَجَدَتْهُ مُرِيحًا, أَمَامَهَا كُوبُ قَهْوَةٍ سَاخِنٌ وَ قِطْعَةُ كَعْكٍ بِالشُّوكُولَا.
مَعَ كُلِّ رَشْفَةِ قَهْوَةٍ تَسْتَمِعُ لِزَقْزَقَةِ العَصَافِيرِ كَمَا لَوْ أَنَّهَا مُوسِيقَى صَبَاحِيَّةٌ تَبْدَأُ بِهِ يَوْمَهَا. بجانبها وَقَفَ حَارِسُهَا كالعامود بِلَا حَرَاكٍ, نَظَرُهُ ثَابِتٌ لِلأَمَامِ تسائلت كَيْفَ يُمْكِنُهُ البَقَاءُ هَادِئًا هَكَذَا, رُبَّمَا هُوَ شَخْصٌ يُحَبِّذُ الهُدُوءُ وَ يَبْقَى أَيَّامًا بِلَا كَلَام
ٍ "مَا اِسْمُكَ" فَاجَأْتُهُ بِسُؤَالِهَا فَأَخَذَ يَنْظُرُ مِنْ حَوْلِهُ
"أَنَا أَسْأَلُكَ أَنْتِ لَا أَحَدَ هُنَا غَيْرَك "
َ "أَه أَسَفُ سَيِّدَتِي, اِسْمِيٌّ هُوَ لِأَيٍّ "
"لِأَيٍّ!!" قَالَتْ بِتَعَجُّبٍ كَأَنَهَا المَرَّةَ الأُولَى الَّتِي تَسْمَعُ هَذَا الاِسْمَ, لَفَتَ نَظَرُهَا سِلْسِلَةً فِضِّيَّةٌ وَ بِمُنْتَصَفِهَا جَوْهَرَةِ صَغِيرَةٍ يَرْتَدِيهَا فَتَمَعَّنَتْ بِهَا
"اهذه سِلْسِلَةُ دايموندا الَّتِي لَا يُوجَدُ إِلَّا تِسْعَ نُسَخٍ مِنْهَا حَوْلَ العَالَمِ!!"
جُحْرٌ عَيِّنَاهُ وَ اِبْتَلَعَ رِيقَهُ يُبْطِئُ, بِدَا الاِرْتِبَاكِ وَ تَوَتَّرَ يَظْهَرُ عَلَى وَجْهِهِ, نَظْرَتُ لِوَجْهِهِ بِشَكِّ متسائلتًا
"مِنْ أَيْنَ أَحْضَرَتْهَا هَلْ سَرَقَتْهَا مِنْ مَكَانٍ!"
"بِكُلِّ تَأْكِيدٍ كَلَّا, لَقَدْ أَعْطَانِي إِيَّاهَا أَحَدُ النُّبَلَاءِ"
"أَشُكُّ بِذَلِكَ "
قَالَتْ ثُمَّ وَقْفَتُ وَ نَظْرَتُ لَهُ متمعنتًا بِمَلَامِحِهِ
"أَنْتِ حَقَّا وَسِيمَ, لَمَّا لَمْ تُصْبِحْ مُمَثِّلَ مَسْرَحِيٌّ تُقَدِّمُ العُرُوضَ أَمَامَ النُّبَلَاءِ, كُنْتُ لِتَكُونَ مَشْهُورٌ"
"لَا أُجِيدَ التَّمْثِيلَ"
"أَعْذَارُكِ غَبِيَّةٌ بِالفِعْلِ" أُغْمِضُ عَيَّنَاهُ مُحَاولًا كَتْمَ غَضَبِهِ, هِيَ حَقًّا تُحَاوِلُ اِسْتِفْزَازَهُ بِأَيِّ طَرِيقَةٍ رُبَّمَا لِأَنَّهَا تَكْرَهُهُ أَوْ تُرِيدُهُ أَنْ يُزِلَّ وَ يَصْنَعُ الأَخْطَاءَ لِيُتِمَّ طَرْدَهُ.
"لَا أَكْتَرِثُ حَقًّا إِنْ صدقتيني أَمْ لَا"
"السِّتُّ وَقِحٌ جِدًّا
" اِبْتَسِمْ بِجَانِبِيَّةٍ ثُمَّ اِقْتَرِبْ مِنْ أُذْنِهَا هَذَيْنِ أَمْسَا لَتُقَشْعِرُ بِسَبَبِ نَفْسِهُ الدافء الَّذِي يَضْرِبُ رَقَبتَهَا
"رُبَّمَا لَكِنْ مَا الفَائِدَةُ مِنْ هَذِهِ الأَسْئِلَةُ! هَلْ تُرِيدِينَ أَنْ أَطْرُدَ, أَنَا أَسَفٌ لَكِنَّي لَنْ أَسْتَطِيعُ تَحْقِيقَ أُمْنِيَّتِكِ هَذِهِ, وَ المُلْكُ لَنْ يُصَدِّقُ أَيُّ شَيْءٍ مِنْ كَلَامِكَ, هُوَ يَعْلَمُ بِالفِعْلِ أَنَّكِ سَتَفْعَلِينَ أَيَّ شَيْءٍ لِطَرْدِي وَ العَيْشِ بَحْرِيَّةٌ, أَسَفٌ لِتُخَيِّبَ ظَنَّكَ! "
كَلَامُهُ قَدْ أَثَارَ غَضَبَهَا الَّذِي لَا تَسْتَطِيعُ كَبْحَهُ أَبَدًا فَرَفَعْتِ يَدَهَا وَ ضَرَبَتْهُ كفًا عَلَى خَدَّيْهِ فَتُحَمِّرُ أَسْرَعْتَ بِالمَشْيِ مبتعدة, أَمَّا هُوَ فَتُسَمِّرُ بِمَوْضِعِهِ نَظَرٌ لِلخَلَفِ لِيُلْقِيَ نَظْرَاتِ غَضَبِهِ عَلَيْهَا, كَمْ يُودْ بِشِدَّةِ الذَّهَابِ وَ قِطَعِ رَقَبَتِهَا, لَكِنْ الأُمُورُ لَيْسَ كَمَا يَأْمُلُ, فَإِنْ لَمْ يَكْبَحْ غَضَبُهُ سَيُقَطِّعُ عُنْقُهُ أَيْضًا, بِالأَوَّلِ وَ الأَخِيرُ هِيَ أَمِيرَةٌ.