°°°
خُطَّتُ بِتَمَهُّلٍ فِي دَرْبِهَا تَسِيرُ إِلَى قَاعَةِ المُلْكِ حَيْثُ أَمْرُهَا بِالحُضُورِ هُنَاكَ لِأَمْرٍ مُسْتَعْجِلٌ. رَفَعَتْ ثَوْبُهَا الأَزْرَقُ وَ هِيَ تَصْعَدُ الدَّرَجَاتِ نَحْوَ البَابِ, عِنْدَمَا رأها الحَارِسُ فَتَحَ البَابَ مُسَرِّعًا قَبْلَ أَنْ يَتَلَقَّى الاِنْتِقَادَ مِنْهَا, فَكَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تخرح مِنْ فَمِهَا كَافِيَةٌ لِقَطْعِ رَقَبَتِهِ يُلَمِّحُ البَصَرُ. عَلَى السَّجَّادَةِ الحَمْرَاءُ فِي وَسَطِ القَاعَةِ مَشَتْ وَ عِنْدَمَا اِقْتَرَبَتْ مِنْ عَرَّشَ المَلِكُ اِنْحَنَتْ يُبْطِئُ لَهُ ثُمَّ رِفْعَتُ رَأْسُهَا لِتْرَاهُ.
جَلَسَ المُلْكُ بِهَيْبَتِهِ عَلَى كُرْسِيِّهِ المُذَهَّبُ, لِحْيَتُهُ البَيْضَاءُ نَمَّتْ كَثِيرًا مُنْذُ آخِرِ مَرَّةٍ رَأَتْهُ بِهَا, وَقَفَ الأَمِيرُ بِجَانِبِهُ ثُمَّ نَظَرَ لَهَا وَ قَالَ بهدووء "أَبِي لَدَيْهُ شَيْءٌ يُخْبِرُكَ بِهِ لِذَا اِسْتَمِعِي لَهُ بِهُدُوءِ "
كَلِمَاتِهِ كَانَتْ كَافِيَةٌ لِتَفَهُّمٍ مِنْ خِلَالِهَا أَنَّ المُلْكَ سَيُجْبِرُهَا عَلَى شَيْءٍ هِيَ لَا تُحَبِّذُهُ, بَقَّتُ عَلَى صِمَّتِهَا وَ اِكْتَفَتْ يَهُزُّ رَأْسَهَا مُوَافَقَةِ ليبدء المَلِكُ بِإِعْلَامِهَا قَرَارَةٍ الجَدِيدِ.
"سَارِي سَيَذْهَبُ لِمَمْلَكَةٍ مَا رَيْ لِنَّا لِمُدَّةِ... نَظَرْتُ لِأَخِيهَا الوَاقِفِ هُنَاكَ بِصَمْتٍ, هَذِهِ المَرَّةَ الأُولَى الَّتِي سَيَبْتَعِدُ عَنْهَا, هِيَ رُبَّمَا لَنْ تَسْتَطِيعُ التَّصَرُّفَ بَعْدَهُ " تَعَلَّقَتْ عَيْنَاهَا عَلَيْهِ بِنَفَاذِ صَبْرٍ. أَكْمَلُ المُلْكِ كَلَامُهِ وَ هُوَ يَنْظُرُ لَهَا...
" لِذَا أَنْتِ سَتَبْقَيْنَ وَحْدَكِ هُنَا, فَقَرَرْتِ أَنْ أَجْلِبَ لَكَ حَارِسٍ شَخِّصِي لَكَ لِيُحَمِّيَكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ سَارِي"
لِدَقَائِقَ تَمَعَّنْتُ فِي كَلَامِهِ مُجَدَّدًا, حَارِسٌ شَخْصِيٌّ! مُجَدَّدًا! أَلَمْ يَكُفَّ عَنْ هَذَا بُعْدٌ لَقَدْ سَئِمْتَ الأَمْرُ, هِيَ تَكْرَهُ الحُرَّاسَ, بَلْ الفِكْرَةُ نَفْسُهَا لَمْ تَدْخُلْ عَقْلِهَا الَى الآنَ, كَوْنُهَا أَمِيرَةٌ هِيَ تقمت أَنْ تَكُونَ مُرَاقَبَةٌ مِنْ قِبَلِ شَخْصٍ مَا !
"لَا أُرِيدُ"
قَالَتْ بِصَوْتٍ مَمْزُوجٍ بَيْنَ الغَضَبِ وَ الحُزْنِ
"لَمْ أُحَضِّرْكَ لِسَمَاعِ رَأْيِكَ إِنَّهُ أَمَرُّ مِنِّي وَ عَلَيْكَ تَنْفِيذُهِ" حَارَتْ بِمَا تَفْعَلُهُ لِتَوَقُّفِ قَرَارِ المُلْكِ الَّذِي بِدَا لَهَا كَتَهَجُّمٍ عَلَى حَيَاتِهَا الخَاصَّةُ
"أَلَا يَكْفِي حُرَّاسَ القَصْرِ!"
"كَلَّا, أَنْتِ بِحَاجَةٍ إِلَى شَخْصٍ شُجَاعٌ يُحَمِّيكِي وَ لَا يُؤْذِي نَفْسَهُ أَوْ حَتَّى يُؤْذِيَكِي "
شِدَّتُ عَلَى شَفَتِهَا السُّفْلَى بِقُوَّةٍ إِلَى أَنْ كَادَ الدَّمُ يَخْرُجُ "أَوَّلًا قَابِلِي الحَارِسُ وَ قَوْلِي لِي رَأْيك"َ
لَوْحٌ بِيَدِهِ لِأَحَدِ الحُرَّاسِ المَوْجُودِينَ عِنْدَ البَابِ, فَدَخَلَ إِلَى الغُرْفَةِ الصَّغِيرَةُ وَ عَادَ بَعْدَ دَقَائِقَ بِرِفْقَةِ شَخْصٍ مَا, دَخَلَ بِهُدُوءٍ إِلَى قَاعَةِ المُلْكِ يَتَفَحَّصُهَا بِأَرْيَحِيَّةٍ, سَقَطَتْ عَيْنَاهُ عَلَى الأَمِيرَةِ فَذَهَبَ نَحْوَهَا لِيَقِفَ قَرِيبَ مِنْهَا بِبِضْعِ خُطُوَاتٍ بِدُونِ أَيِّ كَلِمَةٍ.
هِيَ كَانَتْ تَنْظُرُ لِلأَرْضِ بِغَضَبٍ, لَكِنَّهَا عِنْدَمَا أَحَسَّتْ وُجُودُ شَخْصٍ مَا بِقُرْبِهَا رِفْعَتُ رَأْسُهَا, كَانَ أَوَّلَ مَا لَمَحَتْهُ هُوَ ذَلِكَ السَّيْفُ فِي غَمَّضَهُ, رُؤْيَةُ مَلَامِحِ ذَلِكَ الحَارِسِ الَّذِي أَحْضُرُهُ المُلْكُ جَعْلُهَا تُتَذَكَّرُ الَّذِي حَدَثَ فِي الصَّبَاحِ, هُوَ نَفْسُهُ ذَلِكَ الَّذِي صَدَّ سَيْفَهَا عَنْ قَطْعِ رَأْسِ الخَادِمَةِ.
أَغَلَّقَتْ عَيْنَاهَا بِغَضَبٍ لِثَوَانِي لِتَنْطِقَ بَعْدَهَا "هَلْ هَذَا الَّذِي أَحْضَرْتِهُ! يَبْدُوا مُثِيرًا لِلشَّفَقَةِ
"أَيَّتُهَا الأَمِيرَةَ."
صَرَّخَ المُلْكُ بِصَوْتٍ عَالٍ جَاعَلَا قَلْبَهَا يَقْفِزُ مِنْ مَكَانِهِ, فَخِطْتُ لِلوَرَاءِ بِخَوْفٍ. عَمَّ الهُدُوءُ المَكَانَ, فَوَقَفَ المُلْكُ وَ عَدْلٌ ثِيَابَهُ يُبْطِئُ ثُمَّ قَالَ وَ هُوَ يَنْظُرُ لَهَا
"لَقَدْ أَخْبَرَتْكِ بِالفِعْلِ, أَنْتَ عَلَيْكَ تَنْفِيذُ جَمِيعُ أَوَامِرِي وَ عَدِمَ عِصْيَانَهَا, إِنْ رَفَضْتِ أَمْرِي هَذِهِ المَرَّةَ سَأُزَوِّجُكِ مِنْ رَجُلٍ عَجُوزٌ يَقْطُنُ فِي الصَّحْرَاءِ الجَنُوبِيَّةُ, هَذَا أُخُرٌ مَا لَدَى"
أَلْقَى كَلَامَهُ ثَمَّ رُحَّلُ مِنْ القَاعَةِ قَاصِدَا مَكْتَبُهُ.
***
جُثَّتُ عَلَى قَدَمَيْهَا وَ دُمُوعُهَا اِنْهَمَرَتْ كَالشَّلَّالِ, رُؤْيَتُهَا تَسْقُطُ هَكَذَا جَعَلَتْهُ يُرِيدُ الإِسْرَاعَ وَ مُسَاعَدَتُهَا لَكِنَّهُ تَرَاجَعَ فِي الخُطْوَةِ الأَخِيرَةُ خَوْفًا مِنْ أَنَّ تَرَفُّضَ مُسَاعَدَتِهِ جَرَّاءَ مَا فِعْلَهُ صَبَاحَ اليَوْمِ.
أَسْرَعَ الأَمِيرُ نَحَّوْهَا وَ جَلَسَ بِجَانِبِهَا, رَبَتْ عَلَى شَعْرِهَا بِلُطْفِ "عَزِيزَتِي لَنْ يَحْدُثُ شَيْءٌ إِنَّ قُبْلَتَي بِهِ كَحَارِسَ "
"لَكِنَّنِي لَا أُرِيدُ"
رَدَّتْ عَلَيْهِ بِصَوْتِ بُكَاءِ مَسْحِ دُمُوعِهَا بِيَدِهِ بِلُطْفٍ وَ البَسْمَةِ عَلَى وَجْهِهِ
"إِذَا أَيُمْكِنُكِ قُبُولُهُ مِنْ أَجْلِيَّ! سَيَكُونُ أُخُرَ طَلَبٍ أَطْلُبُهُ قُبَيْلَ ذَهَابِي " نَظْرَتِ لَهُ بِحُزْنٍ ثُمَّ صَمَتَتْ لِثَوَانِي
"ح. ح. حَسَّسْنَا."
**