°°°
نَظْرَتُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ الغَرِيبُ الَّذِي صَدَّ ضَرْبَةَ سَيْفِهَا بِمَهَارَةٍ سَرِيعَةٍ, كَانَ شَابَ طَوِيلٌ يَرْتَدِي ثِيَابَ الحُرَّاسِ الملاكيين الخاصيين بِالعَائِلَةِ المَلِكِيَّةِ, وَقْفَتُهُ ثَابِتَةٌ, وَاثِقَةً, لَدَيْهُ نَظْرَةٌ حَادَّةٌ تَخْتَرِقُ الأَمِيرَةُ. سَأَلْتَهُ الأَمِيرَةَ وَ هِيَ تَكْبَحُ غَضَبَهَا
"مَنِّ أَنْتَ وَ كَيْفَ تَجَرَّأْ عَلَى تَعْطِيلٍ عَمَلِيٌّ؟" اِنْحَنَى لَهَا بِدَايَةً قَبْلَ بَدْءِ كَلَامِهِ
"سَيِّدَتَي, لَا يُهِمُّ مَنْ أَنَا, الأَكْثَرُ أَهَمِّيَّةً هُوَ أَنَّنِي أَوْقَفْتُ فَعْلَتَكَ الشَّنِيعَةِ هَذِهِ"
تَسَارَعَ تَنَفُّسُهَا وَ تَدَفَّقَ الدَّمُ فِي عُرُوقِهَا, تَغَيُّرٌ لَوَّنَهَا بِسَبَبِ كَلَامِهِ الَّذِي كَانَ كَالسِّكِّينِ يَخْتَرِقُ عُرُوقَهَا, فَعْلَةٌ شَنِيعَةٌ؟ َذَا صَحِيحٌ, هُوَ لَمْ يَكْذِبْ, بِسَبَبِ غَضَبِهَا الَّذِي لَيْسَ لَهُ دَاعِيَ هِيَ كَانَتْ عَلَى وَشْكِ إزهاق رُوحَ شَخْصِ بَرِيءٍ, ياللغضب وَ مَا يَفْعَلُهُ.
أَرَّخَتْ يَدَهَا عَنْ السّيفَ وَ رَمَتْهُ عَلَى الأَرْضِ, ثُمَّ اِرْتَجَلَتْ لِلوَرَاءِ لِتَبْتَعِدَ عَنْ ذَلِكَ المَكَانِ وَ تَخْتَفِي عَنْ الأَنْظَارِ. نَظَرَ لِلخَادِمَةِ وَ اِبْتَسَمَ بِدِفْءٍ, سَاعِدُهَا عَلَى وُقُوفٍ مِنْ الأَرْضِ ثُمَّ سَأَلَهَا وَ هُوَ يَنْظُرُ لِرِجْلَيْهَا المرتجفتين
"هَلْ أَنْتَ بِخَيْرٍ؟ "
هَزَّتُ رَأْسُهَا بِخِفَّةٍ وَ هِيَ تَنْظُرُ لِوَجْهِهِ الملائكي, هُوَ كَالمَلَاكِ أَتَى لِإِنْقَاذِهَا مِنْ بَيْنِ الوَحْشِ الكَاسِرُ.
"إِذَا عَلَيَّ الذَّهَابُ الآنَ" قَالَ وَ اِسْتَدَارَ لَكِنَّ سُؤَالُهَا أُوقِفُهُ "اِنْتَظَرَ! مَنْ أَنْتَ ؟"
اِلْتَفَتَ وَ قَالَ مُبْتَسِمًا
" الحَارِسِ الشَّخْصِيِّ لِلأَمِيرَةِ "
°°
بَدَأَتْ أَصْوَاتٌ عَالِيَةُ تَخْرُجُ مِنْ غُرْفَةِ الأَمِيرَةِ فَتَجَمَّعَتْ الخَادِمَاتُ خَارِجَ الغُرْفَةِ يُحَاوِلُونَ اِخْتِلَاسَ النَّظَرِ مِنْ فَتْحَةِ البَابِ تَهَامَسَتْ الخَادِمَاتُ فِيمَا بَيْنَهِمْ فَسَأَلَتْ إِحْدَاهُنَّ بِفُضُولٍ وَ القَلِقُ بَادِي عَلَى مَلَامِحِ وَجْهِهَا
"مَا الَّذِي يَحْدُثُ فِي الدَّاخِلِ؟ " رَدِّتْ إِحْدَى الخَادِمَاتِ "إِنَّ الأَمِيرَةَ غَاضِبَةٌ, أَنَّهَا تَحَطُّمُ أَثَاثِ الغُرْفَةِ"
قَالَتْ إِحْدَى الخَادِمَاتِ "مُجَدَّدًا ؟"
إِنَّهَا لَيْسَتْ المَرَّةَ الأُولَى بَلْ هَذَا أَمْرٌ عَادِيٌّ لِلجَمِيعِ فِي القَصْرِ, فَعَادَةً الأَمِيرَةُ لَا تَتَغَيَّرُ البَتَّةَ, هِيَ تَجِدُ فِي تَحْطِيمِ الأَشْيَاءِ لَذَّةً, لِتَنَفُّسِ غَضَبِهَا جُمَيْعَةُ
"نَعَمْ" سَأَلْتِ أَحُدِيَ الخَادِمَاتِ الأُخْرَيَاتِ "أَلَيْسَ عَلَيْنَا إِخْبَارُ الأَمِيرِ بِذَلِكَ ؟ أَوْ حَتَّى المَلِكُ"
"لَيْسَ شَيْئًا يَسْتَحِقُّ الاِهْتِمَامَ, لَكِنَّ فالتذهب إِحْدَاكُنَّ وَ تُخْبِرُ الأَمِيرَ, رُبَّمَا سَيَكُونُ قَادِرًا عَلَى تَخْفِيفِ غَضَبِهَا السَّاخِطِ هَذَا"
°°°
"لَكِنْ مَا سَبَبُ غَضَبِهَا؟" قَالَ الأَمِيرُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الغُرْفَةَ فَصَمَتَتْ الخَادِمَاتُ مُنْحَنَيَاتُ الرَّأْسِ
"حَسَنًا, اِذْهَبُوا الآنَ سَأَدْخُلُ لِلتَّكَلُّمِ مَعَهَا "
اِبْتَعَدُوا عَنْ الجَنَاحِ بَعْدَمَا أَمَرُّهُنَّ الأَمِيرُ أَخَذَ نَفَسًا عَمِيقًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الغُرْفَةَ فَتَحَ البَابَ رُوَيْدًا رُوَيْدًا لِيَدْخُلَ بِهُدُوءٍ, سَقَطَتْ عَيْنَاهُ عَلَيْهَا وَ هِيَ تَقَفٍّ أَمَامَ النَّافِذَةِ وَ بِيَدِهَا كُوبٍ زُجَاجِيٍّ عَلَى وَشْكِ تَحْطِيمِهِ, مَسْكُ يَدِهَا بِقُوَّةٍ ثُمَّ أَخَذَ الكُوبُ مِنْهَا وَ وَضَعْهُ عَلَى الطَّاوِلَةِ, نَظَرَ لَهَا بِاِسْتِغْرَابٍ ثُمَّ أَخْذٌ يَسْتَجْوِبُهَا
"هَلْ لِي أَنْ أُعْلِمَ سَبَبَ غَضَبِكَ هَذَا؟" لَمْ تُجِبْهُ بَلْ ظَلَّتْ تَنْظُرُ لِلكُوبِ, هِيَ تُرِيدُ وَ بِشِدَّةِ تَحْطِيمِهِ عَلَى رَأْسِ ذَلِكَ الصُّعْلُوكِ
"سأسئل مُجَدَّدًا, مَا بِكَ؟"
"لَقَدْ أَهَانَنِي " قَالَتْ وَ عَيْنَيْهَا عَلَى الأَرْضِ تُخْفِيهُمَا مِنْهُ "مَنْ؟"
"لَا أَعْلَمُ مَنْ هُوَ, أَخِي " قَالَتْ جُمْلَتُهَا ثُمَّ اِرْتَمَتْ فِي حِضْنِهِ تَذْرِفُ الدُّمُوعُ "اِهْدَئِي وَ أَخْبِرِينِي كُلُّ شَيْءٍ بِالتَّفْصِيلِ" أَخَذَتْ تَحْكِي لَهُ فَعْلَةَ ذَلِكَ الشَّخْصِ الشَّنِيعَةَ -كَمَا وَصَّفَتْهَا هِيَ -
بَعْدَمَا أَنْهَتْ كَلَامَهَا نَظَرَ الأَمِيرُ لَهَا ثُمَّ قَالَ "أَلَا تَعْتَقِدِينَ نَفْسَكِ مُذْنِبَةً!"
"أَخِي." صَرَخْتَ بِصَوْتٍ مَلِيءٍ بِالعِنَادِ كَطِفْلٍ وَبَّخَتْهُ وَالِدَتُهُ لِلتَّوِّ "أَنْتِ كُنْتِ عَلَى وَشْكِ قَتْلَ خَادِمَةٍ! أَلَمْ تُفَكِّرِي قُبَيْلَ فِعْلِ هَذِهِ الفَعْلَةِ"
"لَكِنَّهَا..." وَضَعَ إِصْبَعَهُ عَلَى شَفَتَيْهَا لِتُصْمِتَ ثُمَّ قَالَ بِهُدُوءٍ "مِنْ دُونِِ لَكِنْ, لَنْ يُعْجِبُ أَبِي هَذَا التَّصَرُّفَ الوَقِحَ, لِذَا لَا تَتَحَدَّثِي عَنْ المَوْضُوعِ أَمَامَهُ, وَ إِلَّا وَقَعْتِ بِمُشْكِلَةٍ "
"حَسَنًا." أَجَابِتْ بِخَيْبَةِ أَمَلٍ مِنْ رَدَّةِ فِعْلٍ أَخَاهَا الَّذِي اِبْتَسَمَ بَعْدَ ثَوَانِي مكتفا يَدَاهُ وَ قَالَ "إِذَا مَا الشَّيْءَ الَّذِي سَيُخَفِّفُ غَضَبَكَ!"
"رُبَّمَا قِبْلَةٌ!" قَالَتْ بِمَكْرٍ وَ اِبْتِسَامَةِ صَفْرَاءَ عَلَّتْ وَجْهَهَا, اِقْتَرَبَ مِنْهَا ثُمَّ قَبْلَهَا عَلَى خَدِّهَا بِلُطْفٍ ثُمَّ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى شَعْرِهَا مربتا
"كُونِي لَطِيفَة مَعَ الخِدَمِ"