°°°
حَلَّ فَصْلُ الخَريفِ عَلَى المملكة
فَصْلٌ الدِّفْء وَالْجَمَال ، الْخَرِيف هُوَ الْفَصْلُ الْوَحِيد الَّذِي تَكْتَسِي فِيه الْأَرْض بِثِيَاب ذَهَبِيَّة ذَات أَلْوَان جذابة دافئة وعذبة ، كَمَا أَنَّهُ أَجْمَل فَصْلٌ يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِ فِي السِّيَرِ عَلَى الطُّرُقَاتِ نافذتهه الْخَفِيف ، كَذَلِك الْجُلُوس إمَام النَّافِذَة لمراقبة تَسَاقَط أَوْرَاقَ الْأَشْجَارِ ، وَمَا أَجْمَل الْجُلُوس إمَام النَّار ليلًا مَع اِحْتِسَاء مَشْرُوب سَاخِن طلبًا للدفئ . فِيه تَبْدَأ الْمَعَاطِف بِالظُّهُور وَتَلِف أَجْسَاد النَّاس طلبًا للدفئ ومقاومة لِلْبَرْد .
°°°
نَظَرْت نَحْو نافذتها ، كَانَتْ بَعِيدَةً عَنْهَا ، هِي حَقًّا تُؤَدّ الذَّهَاب و النَّظَرِ مِنْ خِلَالِهَا ، فَتَحَ الْبَابَ فَنَظَرْت نَحْوَه بِاسْتِغْرَاب ، مِن عَسَاه يَزُورُهَا فِي هَذَا الصَّبَاحِ البَاكِرِ ؟ دَخَل الْحَارِس لِأَيّ ثُمَّ وَقَفَ بِجَانِب الْبَاب لِيَدْخُل الْمَلِك غرفتها اعْتَدَلَت بجلستها عِنْدَ رُؤْيَتِهِ يَدْخُل ، ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى الْكُرْسِيِّ بِجَانِبِهَا ثُمَّ قَالَ
: سَمِعْت إِنَّك مَرِيضَة ! هَلْ أَنْتَ بِخَيْر الْآن ؟ " هزت بِرَأْسِهَا لِتَثْبُت لَهُ مَدَى قُوَّة صحتها : لَمْ يَكُنْ مِنْ الدَّاعِي أَنَّ تَأْتِيَ لهنا "
: كَيْفَ لَا أَفْعَلُ وابنتي مَرِيضَة ! "
: الْأَمْر أَنَّك لَمْ تزرني مُنْذُ سَنَواتٍ فِي غرفتي"
: هَل تشعرين بِالثِّقَل ؟ " صَمَتَت ثُمَّ نَظَرْتُ لِوَجْهِه ، هُو يُكَبِّر بِالْعُمُر الْآن ، هَلْ يُرِيدُ أَنْ يَتَقَرَّبَ مِنْهَا الْآنَ ؟
°°
" هَل شربتي دواءك ؟ " قَالَ لِأَيِّ و بِيَدِه طِبْق حِسَاءٌ وَضَعَهُ عَلَى الطَّاوِلَةِ امامها " تناولي الحَسَاء و ستصبحين بِخَيْر " هزت رَأْسِهَا ، و عَيْنَاهَا تَنْظُرَان ليدها
" لَا قُوَّةَ لَدَيّ فِي يَدِي ، أَطْعَمَنِي أَنْت " تَنَهُّدٌ لِطَلَبِهَا ، لَكِنَّه سُرْعَانَ مَا اِسْتَسْلَم ، أَخَذ يَطْعَمُهَا رُوَيْدًا رُوَيْدًا ، بَعْدَ مُدَّةٍ كَانَتْ قَدْ انهت الحساء
" أَنْت تُعَامِلُنِي بِلُطْف مُنْذ الْحَادِثَة ، أَنْتَ لَا تخطط لتركي صَحِيحٌ ؟ " وَضَع الْمُعَلَّقَةُ عَلَى الطَّبَقِ ثُمَّ نَظَرَ لَهَا
" إنْ بَقِيَتْ مَعَك ، مَاذَا سَتَكُون نهايتنا ؟ " صَمَتَت تَفَكَّر بِكَلَامِه ، مَا هِيَ نِهَايَةٌ حُبّهمَا ؟ هَلْ هِيَ نِهَايَةٌ سَعِيدَة أَم فِرَاق !
" أَنْتَ لَا تَعْلَمِين صَحِيحٌ ؟ " أَخَذَت الكوب الْمَلِيء بِالْمَاء أَمَامَهَا و احتسته بِسُرْعَة ، هَلْ هُوَ يوبخها الْآن ؟ هَذَا يَجْعَلُهَا تُشْعِر بالقلق
" لَا أَعْلَمُ ، لَكِنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أَعِيشَ اللَّحْظَة مَعَك "
تَنَهُّدٌ عِدَّة مَرَّات ، عَادَت لتحني ظَهْرِهَا عَلَى السَّرِيرِ مُحَاوَلَة النَّوْم ، وَقَفَ ثُمَّ حُمِلَ الْغِطَاء لِيَضَعَه عَلَيْهَا ، وَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى يَدِهِ
" اجْلِس هُنَا عَلَى السَّرِيرِ أَمَامِي "
" لَا أُرِيدُ ، فَقَدْ تَأَخَّرَ الْوَقْت " شُدَّت يَدِه لِيَجْلِس بِقُوَّة ، نَظَرَ لَهَا بِغَضَب ثُمَّ قَالَتْ مبررة " لَكِنَّنِي أُرِيد النَّظَر لَك "
" أَنَا قَلَقٌ مِنْ أَنَّ أَفْعَلَ شَيْءٌ "
" مِثْل مَاذَا ؟ " سَأَلْت بإبتسامة جَانِبَيْه ، أَمَّا هُوَ فَقْدُ أَخَذَ يَتَمَعَّن فِي وَجْهِهَا ، لِتَقَع عَيْنَاه عَلَى شَفَتَيْهَا ، اِقْتَرَبَ مِنْ وَجْهِهَا ليهمس بِقُرْب أُذُنَيْهَا
" مِثْلِ هَذَا " اتَّجَه نَحْو شَفَتَيْهَا ليقبلهما بِعُمْق لِوَقْت طَوِيلٌ ، حَيْث تَفَاعَلْت مَعَه ،
°°°
ق
َرَعْت الْخَادِمَة عَلَى الْبَابِ بِقُوَّة لتستيقظ هِيَ ثُمَّ تَنْظُرَ لِلسَّاعَة بِجَانِبِهَا ، لَقَد تَعَدَّت الْعَاشِرَة صَبَاحًا ، لُفَّت نَظَرُهَا يَدِ شَخْصٍ مَا لتفتح عَيْنَاهَا بِصَدْمَة لِرُؤْيَة لِأَيّ نَائِمٌ عَلَى الْكُرْسِيِّ بِجَانِبِهَا ، هَزَّتْه قَلِيلًا فَفَتَح عَيْنَاه ثُمَّ نَظَرَ لَهَا مُسْتَغْرَبًا ، لَكِنَّه الْآخَر سَمِع قَرَعَ الْبَابَ
" تَبًّا ، أَلَم اذْهَب الْبَارِحَة لغرفتي "
" مَا الْمُشْكِلَة إذَا "
" أَنْت حَمْقَاء ، مَاذَا سَيَقُول الْخَدَم أَن رَأَوْنَا فِي نَفْسِ الْغَرْفَةِ الَّتِي لَمْ أَخْرُجْ مِنْهَا لَيْلَة الْبَارِحَة ؟ " فَكَّرْت قَلِيلًا فِي كَلَامِهِ لِتَضَعَ يَدَهَا عَلَى فَمِهَا بِصَدْمَة
" أَخْتَبِئ فِي الْخِزَانَةِ هَيَّأ " أَسْرَع بِالذَّهَاب لِلْخِزَانَة ليفتحها ثُمَّ يَدْخُلُ ، دَخَلَت الْخَادِمَة الغُرْفَة لِتَرَى سيدتها نَائِمَةٌ عَلَى السَّرِيرِ
' سيدتي ، استيقظي " فُتِحَت عَيْنَاهَا و نَظَرْت للخادمة ثُمَّ قَالَتْ وَهِي تتثاوب " صَبَاحِ الْخَيْرِ "
توَقَفْت الْخَادِمَة ثَوَانِي عَنْ الْحَرَكَةِ
' مَا بِك ؟ '
' أَنَّهَا الْمَرَّةِ الْأُولَى الَّتِي تَقُولِي لِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ
سيدتي "
' أَلَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ ؟ ' سَأَلْت و هِي تَفَكَّر بِالْأَيَّام الماضية
" كُلًّا ، لَكِن سيدتي هَذَا يَبْدُوَا طَبِيعِيًّا جِدًّا أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِهِ غَرِيبًا " اِبتسَمَت الاميرة
" الْيَوْم سَآخُذ حَمَّامِيٌّ لوحدي ، حَضَرِيٌّ لِي القَهْوَة لأحتسيها بَعْدَ الْحَمَّامِ "
" حَاضِرٌ سيدتي " خَرَجَت الْخَادِمَة مِنْ الْبَابِ لِيَخْرُج لِأَيّ أَيْضًا مِنْ الْخِزَانَةِ ، كَانَ وَجْهُهُ أَحْمَر ، كَمَا لَوْ أَنَّهُ يَخْتَنِق ، أَسْرَع الأَمِيرَة نَحْوَه تتفحصه ، لَكِنَّه وَقَف بِسُرْعَة و قَال " سَأَخْرُج الْآن "
°°°
قطفت إحْدَى الْوُرُود الْحَمْرَاء ثُمَّ مُدَّتْ يَدِهَا لَه
: أَنَّهَا مِنِّي لَك " أَخَذَهَا و نَظَرَ لَهَا بتمعن ، لِمَا هَذِه الوَرْدَة تُعِيدُ لَهُ ذِكْرَيَات قَدِيمَةٌ ، تَمَامًا كَهَذَا الموقف
هي كَانَت تُقْطَع الْوُرُود الْحَمْرَاء لَه ، كَانَتْ تِلْكَ أَسْعَد أَيَّامِه ، عِنْدَمَا يَرَى اِبْتِسَامَةٌ الأَمِيرَة هُو يَتَذَكَّر اِبْتِسَامَةٌ مَيّار أَيْضًا رُبَّمَا لِهَذَا قَدْ وَقَعَ لَهَا ، هُوَ حَتَّى لَا يَعْلَمُ مَتَى بَدَأَ كُلٌّ هَذَا ، لَكِنَّ الَّذِي يَعْلَمُهُ هَذِهِ الْمَرَّةِ لَن يَتْرُكَهَا لِأَحَد ، سَيَحْصُل عَلَيْهَا بِالتَّأْكِيد .
اقْتَرَبَت مِنْه وطبعت قَبْلَهُ عَلَى شَفَتَيْه " سيرانا احد"
" لَيْسَ هُنَالِكَ أَحَدٌ هُنَا ، جَعَلْتهم يَذْهَبُون ، عَلَى أَيِّ حَالَ هُنَاكَ مَلَك و حَاشِيَتِه سيزوروننا فِي الْغَدِ ، لِذَا عَلَيْهِمْ الْعَمَلُ كَثِيرًا "
" حَقًّا فعلتي ! "
" نَعَم أُرِيدُ أَنْ أَبْقَى مَعَك " مِسْك يَدِهَا بِقُوَّة ثُمّ رَبَت عَلَى شعرها
" أَنَا . . . أَنَا . . . أَح . . . . " قَال بتلبك لَكِن رُؤْيَة أَقْدَام ذَلِكَ الشَّخْصُ إمَامِه اخرسته . . لَاحَظَت القَلَق فِي عَيْنَيْهِ لتلتفت للوراء و تصدم برؤيتهم
" أَبِي ، أَخِي "
°°°°