قامت تلك الفتاة بتنظيف الأرضية وباتت لامعة كما النجوم في منتصف الليل
دخل في تلك اللحظة اخوتها الصغار وفي رمشة عين قاموا بتحويل تلك الأرضية الزاهية البهية إلى لوحة اشمئزازية
تحدثت معهم أكثر من مرة بالتي هي أحسن ..قامت بتوعيتهم كثيراً برفق وحنان ... استعملت معهم القسوة في كثير من الأحيان ... جربت معهم شتى الطرق والوسائل .. ولكن لا حياة لمن تنادي .. فالضمير في الزاوية يضحك وهي تعاني ...
استجمعت تلك الفتاة في تلك اللحظة كل ذرات الغضب السابقة وأحضرت صوطاً وكأنها أتت به من أحد السجون
طوله مترين ويسمع له صوتاً يصيبك بالألم قبل أن يلامس جسدك .... ومع أول ضربة سمع الأب صراخ أبنائه فهرول فزعاً من نومه ... وجدهم يبكون بشدة كما لو حلت صاعقة بقربهم ...فوجدها ممسكة بذلك الصوط فأخذه منها وقال لها : لماذا ضربتهم يا بنتي ؟
فردت عليه بحرقة : إنهم لا يتوقفون عن تحويل تعبي لسراب..
فرد عليها قائلاً : هذا لا يبرر ما فعلتيه
فانصرفت تلك الفتاة بعدها متجهة لغرفتها والألم يعتصر قلبها والدموع في عينيها
بعدها بلحظات قام الأب بمناداة أبنائه الصغار وقال لهم :
اليوم لدينا مهمة لا يقوم بها إلا الأبطال
فردوا عليه بحماس بصوت واحد : وما هي؟!!!
فقال لهم : سنقوم بتنظيف البيت من أوله لآخره ..
فرد عليه أحدهم: لكن هذا العمل لا يليق بالرجال دعه لأختي
فرد الأب : ومن قال لك ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم بالمساعدة في نظافة بيته ، فهل نحن أعلى شأناً منه يا أبنائي ؟
فردوا عليه قائلين : لا والله فهو سيد البشر
فقال لهم : حسناً لنبدأ بسم الله وأنا معكم بإذن الله
وبعد ساعات من العمل المتواصل ....
استيقظت تلك الفتاة وخرجت من غرفتها وعندما فتحت الباب وجدت اثنين من اخوتها يقفون في طريقها وقالا لها :
توقفي مكانك ممنوع المرور
ردت عليهم : ما القصة ؟؟
فردا عليها : اخلعي نعليك فالأرض مبتلة والمكان نظيف
ولا نريد أي بقعة أن تظهر على إنجازنا العالمي ..
نظرت تلك الفتاة فوجدت الأرض نظيفة للغاية ووالدها مستلقٍ على الفراش والمكنسة بقربه
بعدها لاحظت اهتمام أخوتها بترك الأرض نظيفة وحرصهم المتكرر على خلع أحذيتهم في الخارج
عندها أدركت أعظم درس قدمه والدها
وهو أن الإنسان عادة لن يشعر بقيمة الجهد المبذول إلا إذا كان مشاركاً فيه
ولعل هذا ما يجعل السلف الصالح أكثر غيرة ودفاعاً عن ديننا الإسلامي أكثر منا لأننا وجدناه على طبق من ذهب
فالتعب في الحصول على الشئ هو ما يعطيه قيمة أكبر في قلب الإنسان
ولعل هذا نوع من الأنانية ولا يبرر تخاذلنا إطلاقاً....