صعد درجات السلم كالتائه بعدما هرب من أمامها، هو يعترف أنه أحمق ومجنون وطائش لا بل عاشق والعشق يشفع له جنونه وطيشه وغبائه !
أغلق باب شقته واستند عليه لبرهة، أخذ نفساً عميقاً وزفره بقوة وهو يفكر بغباء ما فعل بهذا للوقت تحديداً .....لربما سيطلبها للزواج حتى قبل أن تلتحق بالجامعة.لن يقدر على تجاهل مشاعره الهوجاء تجاهها...
هل ستقبل بي! هل ستقبل وأنا مجرد عالة ! .
تمتم بقهر ..هو ضعيف، ضعيف جداً بوجودها، ولكم تمنى بهذه اللحظة أن تكون والدته بجانبه، ووالده، كأي عريس يطلب من والديه تزويجه من حبيبته لكن الآن وبما أن والديه نظرياً هما والديها فمن سيطلب أن يزوجها له ؟ بل هل سيوافقون ! والخوف العظيم ظنهم أن علاقته بها لا تتعدى كونها اختاً له ! لكن هذه هي الحياة .....إن لم تتذوق مرارة الحب لن تشعر بروعته، وهو مستعد لتذوق مرارته أبد الدهر إن كانت نور معه وبجانبه، إن كانت ملكه فقط وله ...وبين يديه مستعد بأن يتذوق مر العالم أجمع .
استلقى على فراشه هائماً بصقيع أفكاره، يخاف أن يرفضوه، وهو ما يزال عالةً على الجميع
احتضن بكفه عقد والدته الفضي والذي لم يخلعه أبداً منذ طفولته، تلمس نصف القلادة المنقوش عليها اسمه و تشكل باكتمالها الشمس لكن النصف الآخر منها بقي مع شقيقته ودفن معها كما أعلموه في طفولته ...فأغمض عينيه باستسلام بعدما كبت دموعه الصامتة كما العادة .
ولوعه شعور الوحدة المقيت، لكم تمنى أن يكبر بين والديه وشقيقته الصغيرة التي أعلموه بأنها بعدما أصابتها الحمى توفيت في الميتم قبل أن تعود خالته مسرعة من السفر وتنهار بعدما علمت بما حل بشقيقتها وابنتها الصغيرة، ضمته عبير لأفراد أسرتها ورعته بكل حب طيلة سنوات، لكن لم يستطع أبدا ًالتلفظ بكلمة أمي لها ... لأن عيني والدته والذي أخذ لونهما الرمادي الغريب منها ما زال يراهما في منامه، بل في كثير من الأحيان يسمع صوتها وهي تعيد على مسامعه ماقالته يوم الحادث
(( اعتني بنفسك وبشقيقتك صغيري... أحبك ))
تكور على نفسه أكثر بوضعية الجنين وتهدجت أنفاسه باضطراب .
وبالطابق السفلي عند نور لم يكن الوضع بأحسن، فبعد مغادرته ظلت كالمنومة تحتضن الصينية إلى صدرها لتتخابط ضربات قلبها بعنف ولأول مرة تشعر بأن قلبها قد يتمرد بأية لحظة للخروج من جسدها جراء ضرباته العنيفة ! ثم أردفت بتوتر وخجل : غبي آدم، أحرجتني جدا لن أسامحك..غبي !
-نور !
-نوور ؟
تسائلت عبير وهي تنظر الى ابنتها المتجمدة أمام الحائط دون حركة كمن لمحت عفريتاً من الجن،
-بسم الله الرحمن الرحيم، نووور مابك ؟
تنبهت أخيرًا على والدتها التي لكزتها على كتفها فسقطت الصينية لتحدث دويا عالياً قبل أن ترفع نور بصرها ببطئ تجاه والدتها ،
-مابك حبيبتي ؟
- لا شيء.
-أين آدم .
-غادر .
القت كلمتها وهرولت من أمام والدتها التي رفعت حاجبيها دهشة من تصرف ابنتها الغريب لكن سرعان ما انشغلت هي الأخرى عند وصول مراد إلى المنزل، جلست نور على سريرها تضم ساقيها إلى صدرها تتلمس وجنتها مكان قبلته ..وكأن شفاهه قد دمغتها وسيرى الجميع أثر قبلته الخاطفة التي لم تجد لها تفسيراً..وما زالت سيمفونية قلبها بالتصاعد أعلى وأعلى، بعد عدة دقائق طرق مراد الباب على أخته ليدلف الى غرفتها : كيف حالك ؟
انتشلت نفسها من حالة الهلع التي سيطرت على قسمات وجهها وأجابت تتصنع الابتسام : أهلا مراد بخير الحمد لله ..وأنت ؟ .
تقدم منها ليقبل جبهتها قائلاً بحنو : بألف خير ، سأصطحب اليوم إليسا إلى الملاهي، وسترافقانا أنت وعسل .
هزت رأسها بصمت فضيق مراد حاجبيه وأعاد كلمته : قلت لك سأصطحبك إلى الملاهي !
تداركت نور الموقف لتنتفض معانقة أخاها وهي تقول بمرح زائف شكراااا سأتجهز فورا"
عقلها لم يكن معها على الإطلاق: آسفة أخي شردت قبل قليل، الفحص قد اقترب .
قرصها من وجنتيها مجيباً : لا خوف عليك أليس كذلك ؟
أومأت له بابتسامة هادئة فأخرج هاتفه ليبث قراراً جعلها تنتفض من جديد .
-هيا آدم سترافقنا دون اعتراض فلا قدرة لي للسيطرة على دجاجتين وصوص !.
تنحنح آدم بارتباك ولم يجاريه حتى بضحكة صغيرة وما زالت ضربات صدره تتعالى وتيرتها :صدقاً لن أستطيع أريد العمل على مشروع التخرج .
زفر مراد ليجيب بعدها : حسناً كما تشاء إلى اللقاء"
أغلق الهاتف وما كان منه سوى الاتصال بكريم ليوافق الآخر بابتسامة واسعة ويلبي النداء .
ليمتقع وجهها أكثر ألا يوجد بالعائلة إلا هما!!! لماذا يصر الجميع على إقحامها بحياتها !
ضربت جبهتها بمفيها وزفرت زفرة طويلة ....
أغلق آدم الهاتف بحاجبين معقودين وتبسم ببلاهة، فلا قدرة له الآن على مقابلتها من جديد بعد إحراجها بهذا الشكل،بل وإحراج نفسه أيضاً ! زفر وهو يحك شعر رأسه ودلف الى الداخل فلربما حاول العمل مجدداً على مشروعه، إن رحمه طيف نور وابتعد عن قلبه وتفكيره .
وصلوا إلى الملاهي ليتناسى مراد شقيقته فهي بمأمن مع كريم الذي وصل بعدهم بعدة دقائق وانشغل بإليسا والتي على ما يبدو لا تريد أن تكبر أبداً، حتى أنها كادت أن تتشاجر مع عسل على آخر قطعة من غزل البنات !
لكم يحب هذه الشابة ذات الروح البريئة لكن و كأنه فعلاً مصاب بفصام بشخصيته، إنه يعشق اليسا ، يعشق لسانها السليط وبرائتها ونقائها الظاهر لكنه بذات الوقت يريد امرأة ناضجة ..واعية ، وإليسا ليست بأكثر من طفلة تخجل حتى من لمسة كفه لأناملها، وكم تمنى أن تكبر تلك الطفلة بسرعة حتى تستحوذ على عقله كامرأة ناضجة ليبتعد عن خيانتها ككل مرة مرغما ً.
كان سابحاً ببحر أفكاره متأملاً تلك الجالسة قبالته تصرخ بفرح ممزوج بخوف عند ركوبهم الأفعوانية فيتخابط شعرها الناري كأمواج بحر هائج لا تزيده إلا تعلقا بهاً، وعسل بجانبهم تصرخ هي الأخرى بخوف ومراد يحتضن كتفيها بحنو .
بعدما توقفت الافعوانية أرسل لها قبلة في الهواء فازدادت حمرة وجنتيها لتتنحنح عسل وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها : إستحي مراد أنا بينكم "
صعقه لسان هذه المشاكسة الصغيرة ليقرصها من وجنتها..
وبالنسبة لكريم كذلك كان يرفرف قلبه بسعادة صافية حتى ولو لم ترغب نور بركوب الألعاب فاكتفت بالجلوس بالمقهى ولأول مرة تفعلها...، وها هو كريم برفقة ابنة عمه التي سرقت قلبه دون إنذار، متى كبرت تلك الشقية لتسلبه تفكيره ؟ تسائل بتعجب وهو يتأمل كل حركة تصدر عنها، يحصي عدد أنفاسها وعدد رمشات أهدابها القاتلة بكثافتهم و سوادهم الحالك، ليشبع نظراته وروحه منها فمراد قدم له فرصة لا تعوض،ولكم تمنى لو يقبل بهذه اللحظة مراد على عظيم هديته هذه الليلة ! فبوجود آدم تتضائل فرصه بالإنفراد بها بل تنعدم ليكتفي بصراع الأعين بينه وبين آدم ،
صراعهما صامت دائماً، لكن كلاهما يبثان تهديدات صريحا ًلعدم اقتراب الآخر من نور بل ويرسلان صواريخ متفجرة لبعضهما البعض وفي كل مرة يفوز آدم بانتصارٍ ساحق فهو من تربى معها فعلياً ليزداد حقده عليه يوماً بعد آخر ، لكنه قرر وعند انتهاء نور من امتحان شهادة الثانوية لا بد وأن يسبق آدم بخطوبتها لعلها توافق وتطفئ نار غيرته .
كان القلق باديا عليها.. ولا تنفك تتلمس مكان قبلة آدم..
سألها كريم بانتباه : هل يؤلمك ضرسك ؟
هزت نور رأسها رفضاً فسأل باستغراب: طوال الجلسة وأنت تضعين يدك على وجنتك!
شحب وجهها وأطرقت برأسها أرضا وقد تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها فتمتمت :
-متوترة فقط...لقد ..إن ..إن الامتحانات قد اقتربت
أشفق عليها...فيا ليت همه بسيط كهمومها!
-أتدرسين جيداً...أتحتاجين أي مساعدة ؟
هزت رأسها برفض شاكرة : آدم يقوم بتدريسي .
بان الانزعاج عليه لكنه أردف بثبات : أليس مشغولاً بمشروع التخرج؟ صحيح أنني خريج أدب عربي لكنني بارع في المواد العلمية ...أستطيع مساعدتك .
-إن احتجتك سأخبرك.
- نور أما زلت غاضبة مني بسبب ماحصل ؟
شابكت نور كفيها أمامها على الطاولة :
- لا يا كريم أسنظل نتكلم بالموضوع طويلاً!
احنى جذعه إلى الأمام محدقاً بعينيها:
- وأنت لم تبدي رأيك بما اخبرتك إياه..
مسحت وجهها وقالت راجية:
-لا شيء أبدي رأيي فيه .. إني مضطربة بشأن الامتحان لا أريد أن أنشغل بأي شيء آخر
اقتربت الساعة أن تشير إلى الحادية عشرة ليلاً فغفت عسل على حجر نور عند انتهائها من تناول المثلجات .. نهض كريم بحذر ليحملها بين ذراعيه متجهاً إلى السيارة فلحقت به نور لتبقى بالقرب من شقيقتها
- أين هو مراد ، لقد تأخر ؟
تسائلت نور بقلق ليجيب كريم وهو متكئ على مقدمة سيارته : دعيه مع مخطوبته لا داع لانتظاره، سأتصل به لإخباره وأقلكما إلى المنزل قبل أن يتأخر الوقت .
التفت نور لتجلس على المقعد ريثما ينهي كريم اتصاله ويتخذ مقعده بجانبها لينطلق في رحلة العودة، شغل اسطوانة السيارة لتبث أغنية هادئة كما مرت ليلته كنسمة صيف صافية، وصل بسيارته إلى الفيلا فأطفأ المحرك، نزلت نور فتبعها وبدلاً من أن يحمل عسل احتضن كف نور قائلاً بصدق : أتعلمين ....كانت هذه من أروع الليالي في حياتي .
أسرها بعينيه وكفه ما تزال قابضة على كفها لتشعر بتوهج يسيطر على وجهها، تحاول التملص من نظراته التي لا تنزاح عنها فتزداد خجلاً ،
- كريم !
نطقت حروف اسمه بارتباك فوق ارتباكها صباحاً من آدم ..
فقال معقباً : اسمعيني يا ابنة عمي، أنت شرفي لا تظني بيوم من الأيام بأني قد أؤذيك أو أتلاعب بك، ما أريد إيصاله لك أني أنتظرك وسأنتظرك ، و لن أتكلم بأي شيء الآن حتى تنتهين من امتحانات الثانوية وحينها فقط سيكون لنا حديث آخر ، عديني الآن أن تهتمي فقط بدراستك .
ورفع كفها بهدوء ناحيته ليلثمها قبلةً ناعمة وما هي إلا ثوان معدودات حتى أدركت نور أن كريم قد أطيح على الأرض يصرخ معتصراً معدته بألم بعدما تلقى لكمة عنيفة من آدم الذي ظهر من العدم !
أو ربما كان في انتظارها طيلة ساعات وهو يتلوى من الغيرة لأنه يعرف أن كريم كان برفقتهم!
*****