Enasmhanna

Share to Social Media

كانت نور تقف أمام السور وهي تنظر للاسفل بسعادة غامرة تتأمل مراد وهو يراقص اليسا همس آدم من خلفها : يبدوان رائعين سوياً أليس كذلك .
دق قلبها بعنف فهتفت به وهي تستدير : لم تصدر أي صوت ! أرعبتني آدم
- آسف لم أقصد.
- ما الذي كنت تريد إخباري به ؟
فقال متسائلاً : لم تري الجانب الأيمن من السطح ؟
أجابت بالنفي فقال باسماً إذن تعالي معي،
-لكن الحفل آدم !! سيفوتنا الكثير ،
فقال ضاحكاً وهو يسحبها من كفها : جميع الأعراس متشابهة نوارة ...لن نتأخر

انصاعت ورائه حتى التفا خلف الغرفة التي في السطح للوصول الى الجانب الآخر توقفت بعدها و نظرت بصدمة لما رأته.
كان قد زين لها تلك الزاوية بباقات الزهور الحمراء والبيضاء بل جعل تلك الزاوية المخبأة جنة من الزهور !.

انفرجت عيناها بصدمة وتوقفت ضربات قلبها على الخفقان لوهلة من الزمن قال مجدداً من خلفها :سرقتها من زينة الزفاف لا تخبري أحدا ...
ضحك بارتباك فصفقت بمرح وهي تخرج الهاتف وترفع لتلتقط صورة للمكان فرفع كفه وقبض على الهاتف وكفها سويا وأنزلها لأسفل....أردف وهو يحاصرها بعينيه: لا...لا تصوير الآن...
أخبرتك..أن نظراتي لم لكِ لم تعد كما السابق، والآن أعترف....ربما كلمة أحبك قليلة جداً عما في قلبي تجاهك .
شدت بقبضتيها على طرفي الثوب مرتبكة من اعترافه المباغت وترقرقت عينيها بدموع ندية..أردف وهو يضع الهاتف بجيب بنطاله ورفع كفها لناحية صدره:
انتظرت طويلًا جداً حتى انتهائك من الامتحان كيلا أشتت تفكيرك وبعدها لم أعد استطع صبراً على الصمت أكثر ...أشعر أن كل يوم اتأخر فيه...سيبعدني عنك أشواطا ..و...أخاف .

رفعت بصرها تجاهه لتتلاقى عيناهما لوهلة وعاودها ذلك الشعور العذب الذي لطالما شعرت به وهي برفقته، أخذ نفساً عميقاً ونظر إلى السماء التي تزينت بنجومها تنهد باسماً ثم قال وهو يتطلع ناحيتها :

- أحبكِ أكثر من روحي، لم تعودي بنظري ابنة خالتي الشقية التي أتشاجر معها دائماً على أتفه الأمور، لم تعودي تلك الصغيرة التي يحق لي احتضانها كيفما شئت...ولا اللعب معها طالما أردت ..بل كبرت...كبرت فجأة ورأيت أمامي نور مختلفة عمن ألفتها.. أصبحتِ جزءاً من قلبي.... جزءاً من روحي.

اختلجت ضلوعها واشتدت ضربات صدرها واصطبغ وجهها بحمرة الخجل فأشاحت بوجهها عنه لتزداد فتنةً ولمعاناً تبسم لخجلها الذي يعشقه ثم همس ضاحكاً وهو مرتبكٌ كذلك ومتفاحئ كونه استطاع ترتيب هذه الكلمات التي ما تدرب عليها ولو لمرة ....يكفيه أن ينظر إلى عينيها فقط أن يغرق فيهما لينطق مافي قلبه:
-آدم...أنا" تلعثمت حروفها أمام كلماته التي ما توقعت أن تكون بهذه العذوبة يوما...وأن تكون بهذا التأثير عليها...وضع أصابعه على شفاهها راجياً: لا...لا تتحدثي الآن فكري فقط بما قلته...وفكري بمشاعري .ودعي الكلام لما بعد.

ابتعد عنها تدريجياً ثم هبط درجات السلم مهرولاً إلى الأسفل وما زالت ضربات قلبه تتضاعف وتتصارع داخل صدره يكافح كيلا يأخذها بين ذراعيه، كان منفصلاً عن الواقع تماماً مندفعاً بغير وعي وعند المدخل الرئيسي للفيلا وحينما كانت جمانة تدخل الفيلا للذهاب إلى الحمام لتصحيح زينتها اصطدم آدم بها وكادت أن تسقط على الأرض، تنبه وأسندها براحة يده متمتاً باعتذارات لم تكن مفهومة حتى بالنسبة له، أما جمانة فتعلقت عيناها على قلادته الفضية التي تدلت من عنقه، تنبه لنظراتها وبادلها إياها بعدم استيعاب، وهو يحدق بعينيها خفق قلبها بعنف ولم تفهم السبب وشعر هو بشيء غريب بصدره من نظرات هذه الفتاة ...التي تشبه والدته كثيراً التي طالما طالع صورها وتذكرها بذاكرته الضبابية. !

اعتدلت بوقفتها فقال مرتبكا : هل تأذيتِ ؟
هزت برأسها نافية : كان الخطأ خطأي، أنا التي لم أنتبه "
لم يخطو خطوة أخرى بل صار يحدق فيها باستغراب مشدوهاً وكأنها طيفٌ لملاكٍ يداعب ذكريات طفولته، وهو يتذكر هذه الملامح منذ طفولته، تشبهها فعلاً !، بل وكأنها نسخةٌ مصغرةٌ عنها !

وهي كذلك ما تزال عيناها معلقتان على قلادته، تنبه آدم أخيراً لنفسه وخطى مبتعدًا عنها ليهرب ...صعد إلى شقته مجدداً ليرتمي على الأريكة وعقله لم يستوعب بعد من تكون تلك الفتاة !، أما هي لم تدرك نظرات مراد الذي توقف بحانب عروسه ووضع يديه بجيب سرواله الأسود وقد ترجم نظراتها لآدم على هواه مما جعل قلبه ينقبض بشدة وبغضب ....

تطلعت بيسان صديقةُ آدم بالكلية بعينيها باحثةً عنه حتى لمحت قريبه كريم يقف بركنٍ بعيدٍ عن الجميع، تقدمت منه بثقة فتطلع كريم بهذه الشابة ذات الملامح الهادئة واللباس المثير!! ليجيب برصانة : تفضلي.

- أين هو آدم، أنا صديقته بالكلية.

تبسم بظفر ٍفقد تذكر هذه الفتاة التي رآها ملتصقةً بآدم أكثر من مرة قال بهدوء :لا أراه هنا يبدو أنه بشقته، بالطابق الثاني من الفيلا..تفضلي البيت بيتك.

أومأت له بامتنان وغادرته فاتسعت ابتسامته،
أما نور فجلست على الأرض تفكر بكلمات آدم القليلة التي احتلت قلبها متناسية حفل الزفاف كليًا، انشغلت بعالمها الجميل الذي ادخلها فيه آدم ببساطة وعفوية وجنون.. كيف لها ألا تسمح له بالتدخل في شؤونها وهي باتت تعشق تدخله فيها، وتحكمه بها ونظراته لها ..وكلماته التي تأخذها لعالمٍ آخر .. باتت تعشق سحر عينيه الرماديتين العاصفتين على الدوام!

هل تحبه !! هل هذا هو الحب الذي يتحدثون عنه، أم مجرد شعور عابر من مراهقة لرفيق طفولتها وشبابها، لمن تنصاع لكلماته بشكل أعمى، وحتى حينما اعترف بحبه ... هل ستبادله هذا الشعور لأنه من قرر ذلك أم أنها تحبه فعلا ً تحبه قبل أن تعرف وتعترف..؟!
أخفضت رأسها أكثر ناحية حجرها
وضحكت فجأة :
- يا الله ما الذي يجري معي !
يا الهي ،سيفوتني حفل الزفاف " قالتها ولربما لتهرب من التفكير في جنون هذه الليلة و نهضت من على الأرض ونفضت ثوبها كيفما اتفق ثم هرولت درجات السلم لتهبط إلى الحديقة .

-أين كنت بحثت عنك مطولا ؟ قالتها عبير لتجيب نور بارتباك
-في الحمام .
نظرت عبير الى ابنتها ثم دفعتها الى الداخل قائلة بانزعاج : وهل حمامنا مغبر بهذا الشكل ؟
نظرت نور الى ثوبها الأحمر الملطخ بالغبار فقالت عبير : امسحي ثوبك واخرجي للحديقة عيب انت اخت العريس لا يجب ان تختفي بهذا الشكل ..

خرجت نور وجلست على المقعد شاردةً بابتسامةٍ عذبة وهي تسترجع كلمات آدم حتى انفصلت عن كل ما يدور حولها، عيناها تدوران ...تبحثان عنه...عن رائحة عطره التي شلت أطرافها باقترابه منها... لاحظت متأخرة الكف التي امتدت ناحيتها بعد دقائق من شرودها لترفع رأسها تجاه كريم الذي تسائل باسماً: هل تسمحين لي بهذه الرقصة سمو الأميرة ؟ "

اختنقت الحروف وهي تتطلع به بعينين متسعتين ذهولا ...وصدمة بينما ما يزال باسماً وهو يبسط كفه ناحيتها، رمشت تحدق فيه حتى أتاها صوت زوجة عمها أمينة التي تجلس بجانبها وتحرك مروحتها : لا تخجليه يا ابنتي، هيا إنه يعتبر خطيبك " تعلقت عينيها على والدة كريم بتفاجئ من كلمتها وأرجعت نظراتها ناحيته بارتباك وتمتمت بينها وبين نفسها: عروسه! عروسه أأنتم مجانين!
مدت يدها بتردد لتغرق بداخل كفه الكبيرة فتشبت بها كالغريق الذي ألقوا ناحيته طوق النجاة، تطلع بوالدته شاكراً إياها بعينيه سارا بتؤدة حتى انضما للمدعوين لتتسلل أصابعه بهدوء ناحيتها وبالكاد لامس خاصرتها ليراقصها على أنغام الموسيقى الهادئة..

شعرت بالخجل الشديد منه فهذه المرة الأولى التي تراقص فيها رجلاً، حتى ولو كان ابن عمها الذي اعتادت على تحمل مزاحه وسخافته في طفولتهما، لم تعد صغيرة ...صارت تشعر بالخجل من كريم، من آدم... من كلماتهما من نظراتهما ناحيتها، من عشقهما الواضح..والذي سيتسبب بأزمة وشيكة إن لم تضع حداً لأحدهما على الأقل

همس لها كريم بابتسامةٍ هادئة: لماذا لا تنظرين إلى وجهي هل أنا قبيحٌ لهذه الدرجة !؟

أغرقت رأسها أكثر ناحية الأسفل والتفكير يمتص روحها ببطئ ليلكزها بإصبعه على خاصرتها مازحاً : حذائي نظيفٌ اقسم لكِ، نحن هنا، تطلعي بي.... "
رفعت رأسها بهدوء تكافح ابتسامتها لتعانقها عينيه وهمس راجياً :حباً بالله كيف لكِ أن تحرميني من النظر إليكِ؟!
أردف بعد صمت قصير :
-انتظرت طويلاً أن أتحدث معك الليلة، بل انتظرتك طويلاً جداً...." اكتفت بالصمت وهي تشيح بنظراتها بعيداً عنه تتطلع حولها خيفةً من أن يلمحهما آدم فهي لن تتحمل نوبة جنونه لكن لم يكن له وجود تابع كريم حديثه :
- نورصدقاً ... أدعوا الله سبحانه أن ترحميني وتوافقي على الزواج مني..لن يؤثر هذا على دراستك...بل سأدعمك كل شيء جاهز أنتظر موافقتك فقط"

وكاد أن يردف لكنه لمح عمه رضوان يتقدم منهما وهو عابس، ضحك ببلاهة وهو يهمس لنور: والدك سيرديني قتيلاً الليلة.... سأصير شهيد عشقك " انفرجت عينيها برعبٍ من كلماته ليتجاهلها حينما صار رضوان قبالتهما فقال مازحاً وهو يبتعد قليلاً عنها ويرفع يديه باستسلام: ابن حلاااال ،كنا نتحدث عنك يا عمي"

حدجه رضوان بنظرة غضب ليردف كريم بعبوسٍ مفتعل : هل أنطقُ الشهادتين؟ لم أتعدى الخطوط الحمراء والله على ما أقول شهيد.. انظر بيننا نصفُ مترٍ على الأقل.

حارب رضوان ابتسامته قائلاً: ستنطق الشهادتين حتماً يا ولد لكن بعد الحفل سنتحدث بشأنكما والآن أرني عرض أكتافك أريد الرقص مع ابنتي"

-بأمرك حماي العزيز" وبلحظةٍ كان كريم قد اختفى من أمامهما مبتسماً ببلاهة بينما ارتعد أوصال نور بخجلٍ من والدها, وتأكدت أن الأحمق كريم تحدث مع الجميع فعلاً بشأن الزواج !

**********

دفعت بيسان باب المنزل بعدما طرقته لكن لم تصلها إجابة ...دلفت بارتباك وهي تنادي بصوتٍ خافت على آدم الذي كان يشطف وجهه بالماء البارد ...عل الروح ترتد إلى جسده...بعدما اعترف لنور ...بل وتقابل بتلك الغريبة التي تشبه والدته
جفف وجهه بالمنشفة وخرج مسرعاً على صوت يناديه ففوجئ فيها
- بيسان!!
- كيف حالك؟ وصلتُ منذ دقائق ولم أرك بالأسفل.

أومئ لها ثم صمتَ قليلاً بينما اقتربت منه أكثر وقالت بعتاب:

-ألم تعرف ما الذي أصابني منذ ذلك اليوم يا آدم" قالتها بدموعٍ لكنه أدارَ وجهه عنها قائلاً برصانة: -بيسان, أفهمتك مائة مرة أني لا أحب هذه الطريقة، آسف لكن حتماً سيفهمنا بالخطأ من يراكِ بداخل شقتي، رجاءً لنتكلم خارجاً"

قالها وخطى إلى نحو الباب بعصبيةٍ فهمهت وهي تحدق حولها: هذه شقتك إذن ..أتعلم دائماً ما كنت أتخيل المكان الذي تعيش فيه...

أمسك مقبض الباب ليفتحه ويغادر لكنها بلحظاتٍ كانت قد احتضنته من الخلف ليجمد بمكانه مبهوتاً من جرأتها بالاقتراب لكنها قالت برجاء:
-أحبك"
- بيسان!! لو سمحتِ" قالها جازاً على أسنانه بضيقٍ وارتباك فأفلتته واستدارت لتواجهه بعينيها الملبدتين بالدموع وهمست وهي تتلمس ذقنه:

- آسفة، آسفة، لكني فعلاً أحبك واشتاق لعلاقتنا السابقة"

تطلع فيها بعدم استيعاب : علاقتنا، أعتبرها صداقةً فقط يا بيسان، كانت علاقتي بكِ لا تتعدى الزمالة، و أظنني لم أعدكِ بشيء

تطلعت فيه بألم وفتحت هاتفها بعصبيةٍ ثم أظهرت مجموعة صورٍ جمعتهما سوياً وصارت تقلبها بين يدها بسرعةٍ وهي تريه:

- وعدتني يا آدم، وعدتني بالكثير، نظراتك، همساتك الدافئة، صورنا معاً ، انظر...كم صورةٍ تصورتها معي!! كم عشاءٍ تناولته برفقتي، ألم يكن هذا موعداً.

نفخ بضيقٍ وهو يضع يديه بجيب بنطاله ثم قال برصانة:

- آسف إن تعلقتِ بوهمٍ نظراً لكوني على سجيتي معك لكنك تعرفين أن علاقتي بالجميع كانت كعلاقتي بك,ولم نكن لوحدا ف أغلب مشاويرنا كانت مع أصدقائنا، وبالمناسبة سأتزوج قريباً لذلك أرجو أن تكفي عن ملاحقتي فأنا بكافةِ الأحوال لن أتزوج بفتاةٍ متساهلةٍ ومنفتحةٍ مثلك،

شهقت وهي تتطلع فيه بعدم استيعاب وصرخت به: أنا رخيصةٌ بنظرك!!

استدار عنها بضيق فضرخت فيه : انظر الي ..أنا رحيصة بنظرك!!
استدار ناحيتها وهو يطالع ثوبها الفاضح وتنهد بيأس: لستِ رخيصة،لن أتدخل بطريقة لباسكِ حتماً، لكنك لا تدركين الحدود التي يجب أن تقفي عندها حينما تتعاملين مع صنف الرجال! أخبريني كم شابٍ من الجامعة تعالت ضحكاتك برفقته! كم مرةٍ سمحتِ لهم بإمساكِ كفك، كم مرةٍ رافقتني وجلستِ معي بإحدى المقاهي وأنا برفقة خالد ولوحدنا حتى ساعةٍ متأخرة ألا تدركين أن معاملتك معنا لا يفسرها الرجال إلا بكلمةٍ واحدة، وكم مرةً نصحتك وأخبرتك وأفهمتك، قلتها علانيةً لكِ آخر مرة لكنك لا تستمعين وفسرتِ خوفي عليكِ وعلى تصرفاتك بالإعجاب والغيرة !!

أنكست رأسها ناحية الأرض وقالت بألم: كلماتك قاسية، أنا لستُ كما تظنني.

-- أعرف أنك ذات قلبٍ طيب ومحبةٍ للخير
ولا تصفين معاملاتك سوى بالتحرر ربما، لكن أنا لا أرضى لشقيقتي بهذه المعيشة،هذا التحرر الذي تدعينه نا هو إلا كذبة ...وجه من أوجه القبح الذي يجملونه بأوصاف لا تمت للتحرر الحقيقي بصلة.

ثم أردف: أتعرفين أني أحب ابنة خالتي منذ سنوات، أتدركين أنها تعيش تقريباً بنفس الفيلا معي، أراها كل يوم، لكني حتى اللحظة لم أتجرأ على لمسها، أتدركين لِمَ؟ لأنني أخاف الله بها أخشى عليها حتى من نفسي ..أتطلع فيها وثم أشيحُ ببصري عنها في أحيان كثيرة لأني لا أريد أن ألوثها بنظراتي، لا أريد منها أن تتعرض بيومٍ لمواقف مشابهة للمواقف التي تتعرض لها فتيات الجامعة والتي أراها يومياً أمامي، أضيق الخناق على تلك المسكينة لحد النفورِ، الخطأ ربما لن يكون من الفتيات فأغلبهن تتصرفن بعفوية دون احتساب نتائج عفويتهن على الرجال وأنتِ من تلك الفتياتِ اللاتي يتصرفن بعفويةٍ رعناء وبسذاجة ومن منطلق التحرر، التحررُ لا يكون بكشف الجسد بل يكون بالفكر والعلم والأخلاق
الشابُ بهذا الزمنِ يا بيسان يرافق.. يتسلى ولن أكذب عليكِ بذلك، لكن حينما يريد الزواج، يتزوجُ بمن صانت نفسها وحفظت جسدها عن أعين الرجال الشهوانية.. لن أكذب هذا هو مجتمعنا، هذه هي طبيعتنا..
وأنا...و اعذريني على صراحتي لن أتزوج بمن نهشها الرجالُ بأعينهم نظراً لطبيعة ألبستها التي لا تناسبني ولا تناسب أخلاقي أبداً، كلامي قاسٍ أعرف لكن لعلك تعودين إلى رشدك، لم يتطلع أحدهم بكِ بنظرة إعجاب لشخصيتك الرائعة، حتى أنا بلحظاتٍ كثيرةٍ ضعفتُ أمامك وكانت نظراتي تحطُ على جسدك و ألبستك وتغريني بطريقةٍ تدركينَ معناها جيداً ولا داعٍ لأقولها بوجهكِ كيلا أزيدَ إحراجك، نصيحة راجعي حساباتكِ جيداً، أقولها لكِ كأخٍ وصديق،
والآن اعذريني يجب أن أغادر

******

دلف مراد برفقه عروسه إلى جناحهما في الفندق ، أغلق الباب من ورائه بابتسامة واسعة وهو يطالع اليسا، ببرائتها، بسعادتها الواضحة كوضوح الشمس وهي كالفراشة تكاد تحلق بين جنبات قلبه الذي تحول فجأة لمرج مكتظ بزهور تتراقص تحت أشعة شمس الفجر، تناسى جمانة في تلك اللحظة ، مسحها من تفكيره

حدقت إليسا به بارتباك واضح وهو يخلع جاكيت بذلته السوداء ويتقدم منها لكنها وضعت كفيها على صدره لتبعده قائلة بتوتر وخوف : أنا جائعة جدا مراد لم أكل جيداً اليوم "
- أنت جادة !
سألها بامتعاض فهزت رأسها بإصرار فاستسلم للأمر الواقع ليطلب لهما الطعام عن طريق هاتف الفندق فصفقت بمرح وهي تتطلب :
-اسمع ، اطلب بيتزا كبيرة وزجاجة مشروب غازي بالتفاح حصراً والقليل من البطاطا المقلية و......
اغلق الخط فجأة وهتف بها :
- إليساا، أيوجد عروس تأكل البيتزا والبطاطا و المقلية بليلة زواجها !
عقدت يديها أمام صدرها بعناد وهي تصر على مطلبها : ولا تنسى الشوكولاه بالبندق فلم أكلها اليوم لانشغالي بالتجهيزات لحفلتك .

جز على أسنانه بغيظ وهو يحاول أن يشرح لها :
- حفلتي !!، في فندق كهذا لا يقدمون البيتزا
-مشكلتك مرادي .
- طبعًا مشكلتي ...فأنا الأحمق الذي تورط بالزواج من طفلة !
ارتدى سترة بذلته مجدداً وخرج بحنق صافقاً الباب خلفه ليجلب طلباتها وهو يتمتم بسخط فلقد غادر راغب فور إيصالهما، ولن يتصل به لأجل ان يحضر له البيتزا سيصبح أضحوكة الجميع بسببها ! أوقف سيارة أجرة و انطلق باحثًا عن مطعم قريب من الفندق .
واليسا بدورها خلعت فستانها الأبيض لتستبدله بثوب أخضر يتزين صدره برسوم كرتونية وخف على شكل أرنب، كانت قد وضعتهم بحقيبتها دون علم من والدتها التي لم تضع في حقيبتها سوى اشياء غريبة يكسوها الريش وكأنها ببغاء !

وبعد نصف ساعة تقريباً دلف مراد بعدما أحضر طلباتها ليصدم مما ترتديه وقال بغيظ وهو يضرب الأكياس على الطاولة :

-ما هذا إليسا ؟
لتتطلع به اليسا بغباء "
-ما هو ؟
-ثوبك ؟
ارتسمت ابتسامة بلهاء على محياها لتجيب :
-تويتي ... مابه !
ضرب على جبهته وتمتم بسخط وهو يخطو ناحية الشرفة ليدخن :
-تويتي !! تويتي بشهر البصل المعفن على رأسي ! كلي طعامك ...ستبرد البيتزا "
-ألن تأكل معي ؟ .
جهر صوته بها من الخارج : لاااا.

حسناً كما تريد . قالتها بلا مبالاة وشرعت بوضع الطعام على الطاولة لتلتهم ما عليها بجوع حقيقي وهي تهز قدميها .
ليبقى مغتاظاً من تصرفاتها وأقسم بأيمان مغلظة بأن يمزق ذلك الفستان الأحمق حالما تخلعه صباحاً وسيرمي ذلك الخف من نافذة الفندق حتما ً.
استدار للخلف واستند على سور الشرفة ونظراته تحطان عليها وهي متربعة على الكرسي تلتهم البيتزا...شعرها الأحمر المرفوع...النمش الموزع على وجهها وعنقها الأبيض...نحولها الشديد...منظرها كان رائعاً...مبهجا ..لذيذا جدا!

******
((1988))

انشغلت رغد طوال الطريق بكلماته المبهمة لكنها لم تفهم سبباً واحدًا لمساعدته إياها وحمايتها، بعد مضي ساعة من المسير وصلا ناحية منزل بسيط، طرق الباب لتفتح له عجوز سبعينية، مضغها الزمن وطبع بتجاعيده على وجهها، تسربلت برداء أسود وغطت شعرها الرمادي بحجاب أبيض رقيق، انفرجت أسارير العجوز عندما أدركته ففتحت ذراعيها لاحتضانه، اخذها بذراعه قائلاً بحنو : كيف حالك يا أمي ؟ .
- أهلا بعابد ومن معه ....تفضلا بالدخول
خطت رغد ورائه حتى وصلا الى المجلس البسيط، جلست العجوز قائلة ًبعتاب : انقطعت اخبارك منذ زمن أيها الشاب .

أعذريني على التقصير يا أماه ، لكن ...
قاطعته العجوز قائلة : ليتوب الله عليك من هذا العمل ...لكن ما الذنب ذنبك .
-سنمكث عندك بضعة أيامٍ فقط إن كنت لا تمانعين
سألها عابد لتجيب العجوز بابتسامة : مرحبًا بك في اي وقت، الدار دارك .
هز رأسه شاكرا فاستدارت العجوز تجاه رغد التي انكمشت على نفسها بخوف من نظراتها المتفحصة ، قالت العجوز وهي تمصمص شفتيها المجعدتين : ومن هذه زوجتك ؟ .
تنحنح عابد بإحراج وقال مازحاً : ومن مثلي سيتزوجون ببساطة يا أم خالد ؟

قهقهت العجوز هذه المرة بصوت متحشرج وقالت وهي تهم بالنهوض : لا يهم ...أعرف أخلاقك ...تبدوان جائعين ومتعبين، سأحضر الطعام وأعود سريعا ً.
أومئ لها عابد شاكرًا فهمست له رغد بعد مغادرة العجوز : لما كانت تطالعني هكذا لست أنقص تلميحاتها !
-دعك منها الآن إنها طيبة جدا، غداً صباحًا سأجري اتصالاتي لمعرفة الأخبار كي أؤمن عودتك بسلام .

كادت أن تسأله مجددًا لكن العجوز دلفت قائلة : -لما تلتصقين بالرجل ! هيا تحركي واحضري صحفة الطعام لن أقوى على حملها .
انفرجت عينا رغد بصدمة من كلام تلك العجوز فأومئ لها عابد أن تمتثل لأوامرها فنهضت على مضض وتوجهت ناحية المطبخ وأحضرت صحفة الطعام ووضعتها على الطاولة الخشبية العتيقة أمام عابد .

جلست على الكرسي أمام الطاولة فقالت العجوز مجددًا بعدما أحضرت بعض الأغطية : أنهيا الطعام واخلدا الى النوم فقد شارف الليل على الانتصاف، بالنسبة لك يا عابد ستنام هنا على الأريكة، أما أنت يا فتاة فاغسلي الصحون ونامي في تلك الغرفة التي على يسارك فيها بعض الكراكيب...تدبري أمرك"

شكرها عابد وباشرا الطعام، وبعدها قامت كما أمرتها العجوز بغسل الصحون ودلفت مجدداً إلى الداخل ،كان عابد قد تمدد على الأريكة واضعاً يده خلف رأسه وأشعل سيجاره، تنحنحت رغد أمام الباب فقال باستغراب وهو يعتدل :تريدين شيئاً؟.
فتسائلت رغد :لم تجبني على سؤالي بعد .
عرف عابد مقصدها لكنه قال : اي سؤال تحديداً ؟ أنت لم تبلعي لسانك طيلة الطريق !

-لما تصر على حمايتي  عابد؟
-لأن لا دخل لك بمناطحاتنا، أنت أضعف من أن تتعرضي للأذى بسببهم .
-لا تضع والدي بخانة المجرمين أمثالك "
رفع حاجبيه باستهزاء ثم أجاب : وهل من يفكر بطريقة مختلفة عن الحكومة يكون مجرمًا ؟ .
عقدت يديها أمام صدرها وقالت بحدة:
تسمي بيع أدوات الموت (طريقة مختلفة ) ما هذا التفكير المريض !

وقف وقال بحدة : نحن نؤمن أدوات للحماية، ليدافع الشعب عن عرضه وشرفه ضد فئة معينة من المجرمين،حكوماتكم لن تردع الجريمة بلحظتها.
-هل سلاحك سيردعها ؟
-سلاحي سيؤول دون حدوثها .

قهقهت رغد بعصبية ثم قالت وهي تقترب منه : -تلبس القبح ثوب الطهارة لتبرئ ضميرك فقط ، لتقول أن سلاحي لن أبيعه سوى ليحمي الشعب نفسه ما هذا الحمق !

قلص المسافة بينهما وقال جازاً على أسنانه: على الأقل أنا اعرف من هم زبائني ممن يشترون الأسلحة ونعم ...ضميري مرتاحٌ جداً بالمناسبة .
-لأنك مريض !
-لا بل لأني أعرف حقائق الأمور لست كأمثالك من ممن يسايرون القطيع.

صفقت باستهزاء مجددًا وهتفت : طبعاً من كان من رجال الوطواط وتحت جناحيه سيتبنى مواقفه الاجرامية .
قبض على رسغيها ليمنعها عن التصفيق وأجاب : بالمناسبة ...لست من رجاله بل من عائلته..، هو عمي،ولولاي لكنت ميتة منذ زمن طويل .
حاولت الإفلات من قبضته وهي تقول ساخرة : عائلة ٌمشرفةٌ فعلا ً" لكنه لم يفلتها بل أجاب بحنق : نعم لسنا ممن يملكون الشرف الرفيع كعائلتكم، لكن دعيني أخبرك بسرٍ صغير يا حلوة " واقترب منها أكثر هامساً بخنق : أتعرفين عائلة والدتك المصون ؟ لن تعرفيها طبعًا ...اقنعوكم بأنها يتيمة هاه ؟ اعلمي أن زواجها من والدك كان مجرد لعبة رخيصة .

كفت عن مقاومته وصارت تحدق فيه بصدمةٍ فأردف:
تخيلي عندما يتقرب الضابط من ابنة مجرم قاتل، يجبرها على الرضوخ له، يستغلها بكل وقاحة، ثم عندما تكاد لعبته أن تكشف يتزوجها بل ويقنعها بأنه سيساعدها في الدفاع عن والدها .
صرخت فيه بعنف هذه المرة : أنت كاذب ، كاذب .

لكنه لم يرحم دموعها وألقى بقنبلته الثانية :
: مهلاً ...و عائلة المنصور تعرفينهم حتما ً... يعيد التاريخ نفسه تماماً مع شقيقتك الكبرى عبير .... عندما يصاهر والدك الضابط ...المهندس الشاب رضوان المنصور ،ويضعه تحت جناحه، أمام الرأي العام تزوج ولدان من أرقى عائلات البلد، لكننا حتما لا نرى ما وراء الستار ،ماشاءالله لوالده تاريخ عريق بغسيل الأموال و الاختلاس وإلا لما وصل لهذا المقام الرفيع !

والآن يا آنسة ...من المجرم ؟ من البريء ...هنالك فرق شاسع بين من يجد نفسه مغموس بالقذارة ، وبين من يغمس نفسه بإرادته بل ويستلذ بذلك وهو يتخفى خلف الستار .

انهارت هذه المرة وهي تهز رأسها بنفي فأفلتها ورماها على الأريكة لترتطم عليها بعنف ثم ولى مغادراً الشقة ليجلس على المصطبة الخارجية ، أشعل سيجاره وصار يدخنه بعصبية وبكائها ما يزال يصله .
خرجت العجوز بعدما استمعت لمحادثتهما وتقدمت من رغد، ربتت على كتفها ثم جلست بجانبها وصارت تمسح على شعرها بحنو ، انهارت رغد على حجرها باكية من الصدمات المتلاحقة التي أخبرها بها عابد ،
وبعدما هدأت قليلاً واستكانت بسكون ، قالت العجوز بحنو : هو شهم ورجل بما تعنيه الكلمة من معنى يا ابنتي، وفعلاً كما قال ليس ذنبه أنه ترعرع فيما بينهم، بعد مقتل والديه أمام عينيه.. .ولم يجد من يحميها منهم ، بحجة تنفيذ القانون قتلوهما امامه ، ونشأ من حينها بكنف عمه المدعو بالوطواط ؛ ربيته أنا أول بضع سنوات حتى انتقل ليعيش برفقة رجال الوطواط , لكنه حاول جاهدًا أن يتخذ لنفسه سبيلاً آخر بهذه التجارة، بأقل الخسائر وإلا اعتبروه خائناً، ولربما آذوا شقيقته  والتي اضطر لأن يزوجها ويرسلها وزوجها لخارج البلاد حفاظاً على حياتها من بطش الجماعة، حتى عمه لن يرحمها حتماً إذا قرر الابتعاد عنهم .

ترقرقت عينيها بدموع إشفاق عليه وهي ترى ظله من خلف زجاج المنزل ينظر شارداً إلى السماء .
أردفت العجوز وهي تنهض : وإن قال بأنه سيحميكِ ، فهو سينفذ وعده حتما ً ولو كلفه ذلك حياته كوني متأكدة من ذلك .

*********
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.