تاه آدم بعينيها العسليتين..كم يبدو اعترافها عذباً من بين شفتيها، قلبت تفكيره هذه اللحظة، شتتته وهي تتطلع فيه ببراءةٍ وبحبٍ جلي، ابتسم باستسلام أمامها، وكيف له ألا يرفع رايات الاستسلام أمام نهرٍ من العسل المصفى ! :
- كيف لك أن تشعلي غضبي وتطفئينه بمجرد كلمةٍ ونظرة!
تسللت حمرة الخجل لتورد وجنتيها فأشاحت بوجهها عنه ليردف: أحبك و سأنتظرك لآخر العمر إن رغبتِ بذلك،لكن... سنكتب الكتاب، يوم الخميس القادم، وحين تكونين مستعدة للزواج ما عليك سوى إخباري .
******
جمانة وكريم لم يلحظا زوج الأعين الذين يراقبانهما بحقدٍ يطلُ من إحداهما وفرحٍ وتأثرٍ من زوج أعينٍ أخرى !!
أن تكون تلك الجنية الجبارة أمام كريم بهذا الخنوع والاستسلام هذا ما لم يستطع مراد تحمله البتة، حرر قبضته من كف إليسا وقد تدفقت دماء الغضب لتغزو عروقه حتى كادت أن تتفجر
قابلت ابتسامته بخجل لتختلج ضلوعه هذه اللحظة، اندفع مراد بلا إدراكٍ ناحية كريم ليدفعه عنها بعنفٍ ثم صرخ بها بصوتٍ جهوري وهو يشد بقبضته على ساعدها ويجرها بجانبه: تقدمي أمامي يا محترمة "
-أبعد يديك عني أيها الهمجي " صرخت بها جمانة بحدة بعدما استفاقت من هذا الحلم الجميل الذي عاشته للحظاتٍ مع كريم وصارت تحاول الإفلات من قبضته لكنه قال بانفعال : تصرفات بنات الشوارع هذه لا تناسب عائلتنا يامحترمة"
صعقها بكلماته الحادة التي خرجت من فمه بألمٍ وقهر فتقدم منهما كريم ليصرخ به بحِدة :
-مراااد إتركها حالاً "
تصارعت أنفاس مراد وأجابه وهو يكمل اجترارها معه وإليسا تلحق به بخوف : لا تتفوه بحرفٍ أيها ال........"
شهقت إليسا بصدمةٍ لكلمته النابية التي انطلقت كالسهم من فمه وبلحظةٍ كان كريم قد اندفع تجاه مراد ودفعه دفعةً عنيفة ليطيحه على الأرض، اعتلاه وتشبث بقميصه يهتف به مشدداً على حروفه : اغلق هذا الفم وكفى تجاوزات غبية أمامهن أيها الأحمق، إهدأ لنتحدث "
تشبثت جمانة بكريم لتسحبه عنه قائلةً بخوف : ارجوك، ارجوك دعه، لا تتشاجرا بسببي"
بينما ما يزال الرجلان يحدقان ببعضهما بتهديدات صريحة، قال كريم بهدوء: عودا إليهم سنلحق بكن بعد قليل "
لكن كريم !" قالتها إليسا بجزع ليقول وهو يحاول السيطرة على أعصابه وينهض من على مراد الذي نهض بدوره : لن نتشاجر...نحن لا نتشاجر ...أليس كذلك يا ابن عمي؟"
-إذهبي إليسا" أمرها مراد بصوته الأجش وهو ما يزال يفترس كريم بنظراته الغاضبة لتهز رأسها بطاعةٍ وتبتعد مع جمانة وقد سالت دموعها ..ليس دموع جمانة الشرسة حتماً بل دموع اليسا التي ماعادت تفهم تصرفات زوجها ....والحساسية الزائدة على كل من يقترب منها بقول أو فعل!
تراجع مراد تاركاً كريم خلفه وجلس على شاطئ البحر وصار يعب الهواء لملئ رئتيه فاقترب منه كريم قائلاً بجمود : ما رأيته بيننا فعلياً لا يستحق أن تغضب بهذا الشكل وتتجاوز حدودك بالكلام أمامهن"
لكنه تدراك نفسه بعدما قال تلك الكلمات.. للحظةٍ عادت به ذاكرته عندما رأى آدم ونور على السطح ذات يوم.. لكنه حينها وحتى لو كان يحترق فعلياً إلا أنه تمالك نفسه، بينما مراد لم يستطع حتى السيطرة على مشاعره التي كادت أن تفضحه أمام زوجته, هل يحبها لهذه الدرجة !..هل يحبها حقا!
تجاهله مراد وهو يعتصر رأسه بين كفيه محاولا ضبط أعصابه. فجلس كريم بجانبه قائلاً بهدوء : -دائماً ما كنت أنت زير النساء، تبدلهن كما تبدل قمصانك! ما الذي جرى الآن معها؟ ما الذي يميزها بالنسبة لك عن غيرها، ومع هذا كله أنت متزوج والمفروض أنك تحب زوجتك وتنتظر طفلك الأول....ما الذي تريده بعد !
كان يحدثه بألمٍ يفيض من داخله ومراد كذلك يستمع بألمٍ ينهش روحه، لكن كريم لم يصمت.. بل أردف بذات الهدوء ليزيد من اشتعال غضب مراد - كنت تعرف معاناتي السابقة بسبب مشاعري لشقيقتك...وحين تقدمت لها بالحلال كما. تقتضي الأصول لكنني لم اتلقى إلا صفعة عنيفة لأصحوو
وعندما ظهرت أمامي جنيتك كما تسميها أنت.... بعثرت مشاعري من جديد وقامت بتركيبها.. أنت تعلم بأني لا أنوي بها السوء، شعرت أنه لربما أداوي جراح قلبي من خلالها .. إنها تعني لي الكثير يا مراد، رغم المدة القصيرة التي عرفتها من خلالها إلا أني معحب بها يا ابن عمي...إنها تناسبني من كافة النواحي
كور مراد قبضة يده وأفلتها بحظةٍ على كريم ليقول وهو يصرخ بألم بعدما فاض به الكيل :
-لن تطالها، أنا من وجدتها....أنا من أحببتها أكثر حتى من روحي، إنها ...إنها تسكن هنا "
وضرب بقبضته على صدره وأردف بقهر : لكن تلك الغبية لم تعطني حتى فرصةً صغيرة.
اقترب منه أكثر وشد بقبضته على قميصه وصار يهزه : فضلتك عني، رأيت نظراتها اللعينة تجاهك... أتفهم شعوري! أتفهم ما أعانيه وهي أمامي كل يوم... كل لحظةٍ اقترب وتبتعد بشراسةٍ عني بينما أنت وقفت قبالتها ولن تبعد عينيها عنك ..
اعتدت دائماً مصارحتك بمشاعري ...وكنت تتفهم لماذا لم تتفهم هذه المرة ! لماذا تجرأت على اقتحام حصونها !
ألجم كريم كلمات مراد ثم قال بخفوت وهو يوليه ظهره : يا الله !
ثم أردف بغضل : اخرس بالله عليك وكفى تتطاول بأحاديثك عن ابنة خالتك.. كفى
انعقد حاجبا مراد بشدة ليقول بعد دقائق صمت: -ابتعد عنها كريم...بحق صداقتنا ..بحق رابط الدم ابتعد عنها، إسمع .... أنا مستعدٌ بأن أتنازل لك عن كل أملاكي .
توسعت حدقتا كريم وقبل أن يردف مراد قاطعه بحِدة : كفى مراد، كف عن هذه التخاريف، أنت ابن عمي، لا أريد خسارتك لأجل هذا الموضوع وهل تراني بهذا الرخص لأساوم من أحببتها لأجل حفنةٍ من النقود ؟ هل جننت ! "
استدار مراد عنه مجدداً مخفياً عنه عذاب روحه وقال بيأس : أحبها، لا تغادر مخيلتي، لا تغادر تفكيري وعقلي ! ابتعد عنها ومستعدٌ بأن أتنازل لك عن كل أملاكي سأتنازل عن كل شيء... "
سمعتهم عسل من بعيد فهرولت ناحية العائلة وصرخت بأعلى صوت بأن كريم ومراد يتشاجران ليهرع الجميع خلف الطفلة ناحية الرمال على مكان تواجدهم الذي يبعد مسافة لا بأس بها عن الشاليه..
أفلت كريم يديه على جانبيه بقهر:
-ومشاعري يا صاحب العمر!!! حياتي اللعينة التي لم أحقق فيها شيئاً لنفسي حتى اللحظة! ألا تهمكم! ألا يهم ...طوال حياتي التي كرستها للعائلة لم أطالب بشيء... عملت بعمل لا أفهم فيه ولا يناسبني عملت كي لا أعصي والدي..وأنت دائماً ما تسترت على مصائبك مع النساء بل وتورطت بأكثر من مشكلة بسببك، أما اختك ..أختك الفاضلة التي استغلتني لآخر قطرة ..استنزفت آخر آمالها وسخقتني تحت نعل حذائها..
أمسك مراد بتلابيب كريم صائحا: لا تقحمها في حديثنا أتفهم.
فجابه صراخه بأعلى وقد أدرك تواجد الجميع حولهما وقد استمعا لجزء مما دار بينهما: سأقحمها...سأقحمها وسأقحم كل من آذاني واستغلني ذات يوم ثم غادر بعدما انتهت مصلحته معي....أسمعتم....من الآن كريم القديم مات، احرقتوه بأنانيتكم..أحرقتوه باستغلالكم الدائم ..
استدار ناحية والده وصرخ : المتجر...لن أدوسه بعد الآن .
وأردف صائحا بأمه وخالته: وجيرين لن أتزوجها...هيا ترجمي ..ترجمي كل لا يزداد إلحاحها كلما تلاقينا.
أعرف فضائحكم...أعرف قبح واستغلال كل واحد فيكم والآن بعد أن قررت شيئاً واحداً فقط لنفسي...صرت عديم شرف وأخلاق وعاق! تتعاونون على دهسي وإيلامي..يكفي لقد اكتفيت.
ألقى على نور نظرة غضب أخيرة وغادر وسط نظرات الجميع الدهشة وقد ساد الصمت أفواه الجميع.
أما جمانة فلم تدر بنفسها إلا وقد تبعته بلحظة جنون...ضرب باب السيارة بعنف بعد ان جلس بالمقعد وما كان ينطلق حتى فتح الباب الذي بجانبه وارتمت جمانة على المقعد فشد على المقود بقبضتيه الغليظتين وهو لا يحدق فيها : اخرجي...لا أريد سحق قلبك أنت أيضاً.. حالياً..لا أرى أمامي"
أقفلت الباب ووضعت حزام الأمان ولم تجبه في شيء فداس على البنزين بقوة وانطلق بسيارته مسرعاً يشق الطريق السريع....
صارت السيارة تسرع وتزداد سرعة حتى التصق جمانة بظهر مقعدها جاحظة العينين لكنها لم تنطق بحرف رغم خوفها من هءا الجنون الذي تعيشه لأول مرة..أغمضت عيناها وانكمشت على نفسها وهي تشد بكفه التي تقبض على المقود كرد فعل تلقائية فتنبه على نوبة الهلع التي انتابتها ليخفف السرعة تدريجياً حتى وقف على جانب الطريق ليلتقط أنفاسها...
زفرت جمانة زفرة قوية وصارت تتنفس باضطراب وبلحظة فتحت باب السيارة وهرعت للخارج وقفزت على جانب الطريق ناحية التراب وصارت تلهث بانفعال فلحق بها لتصىرخ فيه وهي تضع يدها على صدرها وما زال الرعب يتملك منها: أنت مجنون .
فاندفع ناحيتها وأخذها بين ذراعيه مغمضا عينيه..شد عليها وتمتم بسرعة متلاحقة:
- والدتي لا تحبك.....لأنك ابنة ميتم.
،وما زالت هناك مشاعر لعينة مني تجاه نور .
،أما مراد فهو مستعد لحرقنا سويا إن استمرت علاقتي بك ...وبقيت بلا عمل.
وعابد..عابد وآدم بعد الذي تفوهت فيه لا أظن أنهما سيقبلان بي.
ابتعد عنها وأمسك وجهها بين كفيه وقد هدر صوته متجاهلا الذهول المرتسم على وجهها:
- هل ستحاربين معي...هل أنت مستعدة لخوض هذه المعركة .
انسابت دموعها بشكل عنيف وهدر صوتها: أخبرتك أني لعنة وحلت عليكم...أخبرت مراد بهذا الأمر ورجوته أن أغادر لكنه أجبرني على الرجوع...
والآن ..!!
- هذه المواجهة كانت ستحدث بك أو بدونك ...لأنني اكتفيت منهم ومن أنانيتهم..هل ستخوضبن هذه الحرب معي يا جمانة...ضد نفسي، هل ستخلصينني من حب نور ، هل أنت مستعدة للوقوف بوجه آدم اخوك الذي ابتعدت عنه لعشرون عام في سبيل هذه المشاعر التي بدأت بالنمو بيننا!
وعمي وأمي....هل ستواجهينهم معي !؟
صمتت برعب وهي تفكر بعواقب ما ستفعله بحق نفسها وبحق الجميع بل وبحق كريم الذي يحاول التعافي من خلالها....
ورن هاتفها مطولاً...وقد كان آدم يتصل بقلق فيها بعد اختفائها ...أفلتها كريم وولاها ظهره وما زال مضطرب التفكير والتنفس ..أجابت جمانة على آدم الذي قال بهدوء يمافي غضبه: ابقي مكانك نحن قادمون لأخذك.
ولم تكد تمضي دقائق عدة قابلتها جمانة بصمت مطبق حتى وجدت سيارة مراد تقف قبالتها على الطريق...وآدم ونور برفقته..تنوبت عيناها على كريم الذي يجلس بداخل سيارته ساكناً وهو يرجع بظهر مقعده للخلف مغمضا عينيه فربتت على كفه قبل أن تخرج ناحية سيارة مراد لينطلق بسرعة جنونية تاركين ورائهم كريم الذي لم يتحرك حتى بعد اختفاء السيارة...وسيارة عائلته جميعهم الذين تناوبو وهم يرونه على تلك الحالة لكن لا أحد فيهم كان قادراً على مواجهته هذه اللحظة، أو مواجهة نفسه.
*********
وعاد الجميع بعد هذه الرحلة التي قلبت كيان شباب العائلة أجمعين ما بين سعادةٍ وتضحيةٍ وحبٍ وقهر وأمل !....
كانت العائلة مجتمعة مساء الليلة التالية حينما قالت جمانة بخفوت : بعد إذنك يا أبي...كنت قد اتصلت سابقاً بشركةٍ لأتوظف بها وقد تم قبول طلب التوظيف وهاتفوني صباحاً ليخبروني ذلك " تطلع الجميع بها بدهشةٍ ليقول عابد :
هل ينقصك شيء يا جمانة؟
- لستُ معتادةً أن أبقى دون عمل أشعر بالملل "
قال حينها مراد بحِدةٍ غير مسبوقة: بناتنا لا يعملن إن لاحظتِ ذلك"
حدجته بنظرة غضب فتطلعت فيه قائلة بحدة: لا تتدخل انا اتحدث مع والدي إن لاحظت ذلك !أو عفوا بما أنني تربية شارع
انتفض آدم : ما قال أنك تربية شارع ما هذه الألفاظ!
أزاح مراد الكرسي بغضب وكاد أن يمشي إلا أن رضوان أوقفه بكلمة جعلت القشعريرة تدب بأوصاله: من الغد ستعاودين العمل في الشركة...
اغمضت عبير عينيها بعد هذا القرار وكادت ان تعترض وخاصة بعدما تطلعت بمراد الذي تصلب جسده إثر ذلك القرار
وشعر مراد حينها بأن القدر ما يزال مصراً على إقحامها بحياته بشكلٍ مخبف"وجمانة!! بما ستتفوه الآن وتعترض وكان ذلك اقتراحها منذ البداية" أومأت لهم باقتضاب ثم هربت من أمامهم ناحية حديقة الفيلا وقبل أن تعترض عبير على ذلك لإيجاد مبرر مناسب تدخل آدم قائلا ليفك كربهم قليلاً بعد ليلة البارحة وما حصل فيها: -سيكون حفل الخطوبة يوم الخميس القادم بعد إذنكم تحدثت مع نور واتفقنا
تطلعت فيه نور دهشة وبحرج أيدت كلماته التي ما كانت تدرك أنه سيقولها وسيعلن الخطوبة مبكراً هكذا!!
فانسلت جمانة ناحية الحديقة تحاول الوصول لكريم لكن هاتفه كان غير متاح منذ ليلة البارحة ...قاطع سيل أفكارها صوت مراد العميق وهو يقول هامساً بعدما انحنى تجاهها من الخلف : وما يزال القدر مصرا على إقحامك بحياتي بكل وحشية "
ارتعدت من كلماته لينتفض جسدها بتفاجؤ كادت أن تنهض لكن اعتصر كتفيها وثبتها في مكانها :لنتحدث كفاك تهربين مني في كل مرة" ًااستدار وضرب الكرسي أمامها وجلس عليه :
-لماذا لم تجيبي على اتصالاتي ليلة البارحة؟ أين كان هاتفك.."
- هاتفي بيدي دائماً فإن كنت لم أجبك معناها أنني لا أريد و بما أني من بنات الشوارع فلا يجوز لمهندس أسمر محترم مثلك بأن ينزل لمستواي المتدني ! "
- لا تتواقحي تعرفين بأني لم أقصد ذلك "
- أنا لا أتواقح بالمناسبة ...هذه شخصيتي هذه حقيقيتي التي لا تريد أن تصدقها...أنا تربية شوارع فعلاً... شوارعية بالعربي"
ابتلع ابتسامته وحدقتاه تتراقصان بافتتان: أكمليها...قطة شوارعية قصيرة ...أعشق القطط الشوارعية أنا .
-.بالمناسبة إليسا تشك بتصرفاتك تجاهي..فتعقل قبل أن تقحمنا بمصيبة .
ضحك باستهتار : لن أتعقل...ولن يهدأ لي بال حتى تدخلين غرفتي و بإرادتك..
نهضت بغضب وصرخت فيه : تأدب أيها الوقح المختل.
فنهض من خلفها يصرخ وهو يشوح بيده لاحقاً بها:
- بالحلال...بالحلاااال ياذات التفكير المنحل..
بالحلال يا شوارعية يا قصيرة يا سليطة اللسان.
استدارت بغضب وهي ترجوه وتضرب صدره براحة يدها : اخرس، اخرس واخفض صوتك الجميع بالداخل ألا تكلون ولا تملون كل يوم فضيحة ومشكلة!!
- اقترب أكثر مشدداً على حروفه وهو يقبض على كفيها: محلولة ١ +١=٢ أي زوجة وزوجة يساوي اثنتان ..لنتزوج لننتهي من الموضوع بأقل الخسائر .
-أحمق أحمق وتصبح سمو السلطان تجلس على الريش وحولك يدور الخدم والحشم أليس كذلك.
- لنقلب الموضوع أيتها الجنية ....أنا حالياً أجلس ويدور حولي الخدم والحشم لا ينقصني سوى سمو الأميرة لأتشارك معها الجلوس على الريش..
******
لم يعد ذلك العاق بعد!
هزت أمينة رأسها وهي تطالع كتابا وتحتسي الشاي المخمر التركي الثقيل فجلس محمد وضرب على ركبتيه: العاق عديم التربية والأخلاق ..كل يوم فضيحة! سود الله وجهه.
-لا يا أبي، وبصراحة أكثر توقعت أن ينفجر ذات يوم...
أطلت رهف وهي تحدث والدها فحدق فيها غاضباً : لا ينقصنا إلا أنت آنسة رهف .
جلست على الأريكة بجانب والدها قائلة: ما تضغطونه بشدة مآله الانفجار ...حتى اللحظة يا والدي كريم كان مثال الابن البار العاقل، تغافل عن حلمة في افتتاح مركز رياضي رغم مهارته عندما وضعته تحت الأمر الواقع ..وسلمته مفاتيح المتجر وقلت له هيا انزل الى العمل...
سنوات كان يعمل فيه رغم انزعاجه وضيقه وكرهه له لكنه صبر كيلا يزعجك...يتحمل سخافة مرتاديه من الفتيات العابثلت اللاتي يسمعنه دائماً ويتوددن إليه بلا خجل ولا حياء..حتى صار لا يذهب إلا قليلاً جداً ويرتقب سير العمل من مكتبه الذي جعله بالطابق الثاني...
وكان يخدم الجميع دون مقابل حتى صار معيب بحقه ان يطلبه أحد للمساعدة ولا يلبي نداءه...
- تقولين وكأنني ظلمته!
- أليست الحقيقة!!! ولست وحدك فقط جميعنا ظلمناه حين حملناه فوق طاقته...ثم أنت أمي! قال لك مراراً أنه لا يريد الزواج من جيرين وما زلت تقحمينها بأنفه.
هتف والدها بصدمة : أتريدين تزويجه بجيرين!!! أتريدين جلط الصبي!!!
حدجتها أمينة ابنتها بغيظ فأردفت رهف بقوة: -وآخر مرة هددته تعرف أنت حركات أمي وخالتي...
وحين أخبرها أنه معجب بجمانة صرخت فيه وحلفت أيمانا مغلظة أن تلك البنت لن تفوت دارنا.
نظر محمد لزوجته بصدمة فهتفت فيهما: سيترك جيرين الواعية المثقفة لأجل بنت الميتم يا محمد أترضاها أنت!
قالت رهف برجاء وجيرين تجلس بجانبهما تستكع لكلمات لا تفقه منها حرفاً:
-لا بهم من يرضاها المهم فقط قلب أخي الذي تتقاذفونه يمنى ويسرى...يكفي ما انتابه من نور حتى اللحظة ...لا تزيدوا الأمر رجاءً..رفقا به وبقلبه.
فهتفت فيهما أمينة بحدة: لن أزوج ابني لجمانة وهذا قرار نهائي .
ليصرخ محمد بصوت أعلى وأمينة تغادر الصالة بغضب وهو يشير لجيرين : ولن أزوج ابني لذات التنانير القصيرة ....ستركب قروناً لابنك وهي تأكل اللوز والبندق !
سعلت جيرين واختنقت فضربتها رهف بخفة ..
والدك يتحدث عني ...صح!
قالتها جيرين لتجيبها رهف بابتسامة باهتة: لا يريدك زوجة لابنه ..
نظرت جيرين لمحمد قائلة بانظفاع: ولا أنا ..والله ولا أنا...لا أريده زوجا..
- ترجمي يا بنت ما الذي تبربره هذه التركية؟!
ضحكت رهف وهي تترجم لوالدها ما قالته جيرين لتتسع ابتسامته : رضي الله عنك اثبتي على موقفك !.
تعالت ضحكات رهف ثم تقدمت ناحية والدها برجاء: قلبك لا يطاوعك أن يظل ابنك مهموماً يا والدي...دعه يختار شريكته المناسبة... دعه يختار العمل الذي يحبه أرجوك.
فحدق محمد في رهف مطولاً وسأل: وأين هو الآن أتعرفين؟
فاحتضنت رهف والدها باسمة: إنه برفقة عم عابد...يساعده في تجهيز الشقة التي اشتراها ليستقر رفقة ولديه فيها .
******
أطل صباح يوم جديد، أخذت جمانة حماماً ساخنا ثم تجهزت للانطلاق إلى الشركة، هبطت درجات السلم بهدوء وألقت السلام على الجميع المجتمعين حول مائدة الفطور..
- إلى أين ؟ تسائل مراد وهو يرتشف فنجان شايه ويطالعها بشكلها الصبياني الفج نظرا للبنطال الأسود الواسع الذي ترتديه والمعطف الأخضر الذي لا يتناسب بتاتاً معه..
تحاشت نظراته لتجيب بلا مبالاة : إلى الشركة .
تناولي فطورك يا ابنتي: قالتها عبير لتهز جمانة رأسها نافية : بالعافية لست جائعة .
نهض مراد قائلًا باقتضاب :نذهب سويا إذن
تجاهلته وألقت السلام على خالتها ورضوان ثم اندفعت لتخرج،
ارتدى نظارته السوداء واندفع ورائها دون أن يتكلما، فتح لها راغب الباب الخلفي واندفعت لداخل سيارته فتمتم مراد بصوت خفيض: يافتاح يا عليم ! "
جلس بجانبها فشغل راغب السيارة لينطلق في طريقه وسط صمتهما المطبق إلا من نظراته التي يختلسها بين لحظة وأخرى !
منذ الغد سأذهب برفقة آدم" اغتالت الصمت ليحدق بها نظرات مبهمة ثم مال ناحيتها هامساً: إنه يرتاد الشركة بدراجته النارية...لن يكون لائقاً بأن تذهبي بها إلى الشركة أليس كذلك !
ولوى شفاهه بابتسامة هادئة وسيطر الصمت عليهما مجدداً حتى وصلا لمقر الشركة فترجل منها يمشي بوقار و تبعته جمانة إلى الداخل ليرحب فيها زملاؤها من جديد بعد هذا الغيابات قال مراد بجدية يحادث فرح: هل نفذتي ما اخبرتك به"
هزت فرح براسها مجيبة : نعم مراد بك سلمتها المرتب وزيادة بضعة آلاف كتعويض نهاية الخدمة .
هز رأسه ثم تابع مسيره وتبتعه جمانة ليستقلا المصعد، ضغطا بذات اللحظة على زر المصعد لتسحب يدها فوراً حينما تلامست كفاهما بينما هو شف ثغره عن ابتسامة غامضة حينما تذكر كيف ثارت عليه ذات يوم وهما بداخل المصعد.
تفضلي: قالها بوقار وهو يبتعد لتندفع بسرعة وتضغط زر المصعد ليغلق الباب وهو ما يزال خارجاً، تبسمت بتهكم ليكفهر وجهه بحنق ويتمتم: -وتريدين ألا أنعتك بالجنية !!
ومرت ساعات النهار حتى تجاوزت الساعة الرابعة عصراً، خرج من المكتب بعدما انتهى من عقد الاجتماع ووقف قبالتها قائلاً بلهجة آمرة... وضبي اغراضك والحقي بي " ولم يعطها حتى حق الاعتراض .
دهشت من كلماته التي ألقاها كأمر عسكري ثم غادر مستقلاً السيارة بانتظارها في حين أنها لململت اشياءها بسرعة ولحقت به،
انطلق راغب " قالها بأمر بعدما جلست بجانبه على المقعد الخلفي لتتسائل :
- إلى أين لم يتتهي الدوام بعد ؟
حدق بعينيها الواسعتين مجيبا باقتضاب : -سنشتري لباسا لائقاً لسكرتيرة مراد بك "
جحظت عيناها بغضب لتقول بحدة : وما به لباس سكرتيرة مراد بك ؟؟!
تطلع فيها نظرة طويلة مجيباً :
- صبياني، قبيح،..شوارعي، بربك الا تنظرين لنفسك في المرآة أأنت امرأة!
لسعها مجدداً بكلماته القاسية لتصر على اسنانها بغيظ وتعقد ذراعيها على صدرها وقالت وهي تدحجه بنظراتٍ حارقة:
- أتعرف أنك تشبه البصلة...لديك طبقةً من الوقاحة في الخارج...وعندما تقشرها...هناك عشر طبقاتٍ من الوقاحةِ تحتها !!
- بصلة يا سليطة اللسان!.
فقع راغب ضحكة عالية فضربه مراد بغيظ على رقبته من الخلف ليعتذر راغب : آسف...آسف مراد بك..اييه يا جمانة والله اشتقنا لوجودك بالشركة.
حدجه مراد نظرة غيظ ليتنبه راغب على كلماته وبحدق بالطريق باهتمام متجاهلا نظرات مراد الذي ارتخى بجلسته بعدما نال مراده بإشعال غيظها فعلى الرغم من قبح ما ترتديه من وجهة نظره إلا أنها كتلة فتنةٍ تسير على قدمين
ترجلا من السيارة ليدلف إلى المتجر وهي تتبعه على مضض بينما يقوم بإيجاد المناسب لها وكأنه على درايةٍ مسبقة لما يريد! دون أن يأخذ بمشورتها حتى ! دفع ثمنهم وتسلم الأكياس ليعودا إلى السيارة
مال بجسده هامساً : سترتدين كل ما جلبت ودون اعتراض " انفرجت عيناها لتتطلع فيه بصدمة بينما غرق هو بهذه النظرات لكنه تمالك نفسه مجيباً وهو يضع النظارات مجدداً لربما هرباً منها : -أعرف ما تفكرين فيه، لا أريد أن أتحكم بك طبعاً لكن ... أنت الآن تنتمين لعائلتنا وآسفٌ لما سأقوله: -ألبستك صبيانية بحتة، أحياناً أشعر وكأنني أرافق ابن البقال "
شعرت بشرخٍ كبير بكبريائها كأنثى لكنها فعلاً تعترف بأن ألبستها صبيانية لكنها حتماً لن تصمت...سترد له الإهانة بعشرة أمثالها رفعت رأسها بشموخ وخلعت نظراته السوداء وقالت وهي تثبت نظراتها عليه : أولاً إن ارتدائك للنظارة وأنت تتكلم دليلٌ على ضعفٍ في الشخصية، وثانياً " اقتربت منه أكثر لتهمس كيلا يسمع راغب :
أنت تعشق ابن البقال ... وتحترق في كل يومٍ لأجله...هنالك خيارين لا ثالث لهما...لا داع حتما لأقول الخيار الاول فقد خمنته ... أما بالخيار الثاني أنت تعترف بأني أنثى لكن من نوعٍ فريد....مراد بيك "
شعرت بتشنج عضلات فكه وهو يطالعها بعينيه الحادتين لم يكسر كلٌ منهما نظراته وقال بعد برهة : نعم, أحترق كل يوم لأجل ابن البقال .. وهذا الحريق سيمتد وسيحرق لهيبه كل من يقترب منه فكوني حذرة من الآن فصاعدا لتصرفاتك"
ابتلعت ريقها من تهديده الصريح لإيذاء كريم فأشاحت بوجهها عنه لتتطلع نحو النافذة تحاول استجماع شجاعةٍ كافية بعيداً عن نظراته الحادة .
********