Enasmhanna

Share to Social Media

كان كريم في بهو الفيلا التي جهزها كمركز رياضي مبسط يقوم بتدريياته على كيس الملاكمة بشكل عنيفٍ جدًا بعدما أخبره والده بقرارها مجدداً : الفتاة لا تريدك يا بني لعل الله يكتب لك نصيباً أفضل "

تعالى لهاثه وازدادت غزارة عرقه وكلمات نور ما تزال تعيث فساداً دخل رأسه، تذكر كيف قال لها آدم كلمة حبيبتي، كيف ارتمت على صدره وكأنما تحتمي بآدم منه " تحتمي بآدم منه هو !!!
صرخ مجددًا ولكم بكل قوته حتى انهار على الأرض واستكان عليها وعينيه تقدحان شررا ً، طرقت رهف الباب وقالت وهي تخطو إلى الداخل : هل انت بخير ؟ "
حدجها بنظرة جمدت الدماء في عروقها وصرخ ملئ حنجرته : لا أريد أحدا هنااا أخرجي "
اعتصرت قبضتيها بألم وتركته بمفرده وهي تصعد درجات السلم بيأس فتلاقت مع والدتها التي هتفت بغضب : طبعا لم يهدأ، كل ذلك بسبب تلك الفتاة المدللة، لعنة الله عليها "

ربتت رهف على كتف والدتها وقالت بعتاب : الم تكن نور منذ بضع أيام فقط حبيبتك الغالية ! كل ذلك لأنها رفضته وبالمناسبة من حقها أن تختار شريك حياتها "
حدقت بها أمينة ونهرتها قائلة بألم : تعرفين حالة اخوك المتدهورة منذ أيام وتقفين في صفها ! ما به كريم لترفضه ؟!
- رجاءً يا أمي جميعنا نعرف أن هذه الامور لا تؤخذ على هذا النحو "
-اصلاً حتى ولو وافقت مستقبلاً، انا لم أعد اريدها له لا تناسبنا وليلعني الله إن عبرت عتبة باب دارهم "
-أمي كل شيء قسمة ونصيب !!

-هيا اذهبي الآن وأعدي لي القهوة رأسي سينفجر "
تنهدت رهف بقلة حيلة وتوجهت إلى المطبخ لتحضير القهوة لوالدتها فعلى ما يبدو ليست مستعدة لخوض نقاش متزن "

*****
إلى متى ...
ظل هذا السؤال يراودها...فإلى متى ستصمت وهي تدرك نظرات مراد جيداً كنظرات طفل ينظر لطبق من الشكولاه الشهي لا يقدر على إزاحة عينيه عنه ..مع أنه ومنذ زواجه لم يعد يزعجها بقول أو فعل ...
حاول المحافظة على رابط الزواج ظاهرياً ...على ذلك السحر الذي تملكه ببراءة إليسا ..لكن نظراته لجمانة كانت تفضحان كل مافي صدره..
وجمانة ببساطة مجنونة من طراز خاص !
كان منهمكا في عمله حينما نادى على جمانة وقال ولم يرفع راسه عن المخططات أمامه :
-أحضري المخطط التمهيدي لعمارة الضاحية من الرف الخامس "
التفت من جانب الطاولة البلورية ونظرت لأعلى تنحنحت بارتباك فهو عال على قامتها القصيرة، التفتت واتجهت ناحية كرسي المكتب المدولب وجرته لأمام الخزانة وصعدت عليه لتجلب المخطوطة، التقتطه وهمت بالنزول فأصدرت عجلات الكرسي صريرًا تلاها صرخة مكتومة منها، تنبه مراد لتلك الضوضاء فرفع رأسه بتلقائية ليجد الكرسي قد انزلق على الأرض الخشبية... تحرك مراد بسرعة عندما صرخت جمانة أكثر وتمسكت بالرف العلوي لتثبيت الكرسي فوقع الرف بما يحمله من مخطوطات وانزلق الكرسي أكثر على الأرض تزامنا مع وصول مراد الذي أمسكها في اللحظة الأخيرة لكنها ركلته على معدته بغير قصد فسقطا أرضاً و تساقطت باقي المخطوطات عليهما، جمدت الدماء في عروق مراد الذي انفرجت عيناه على الفوضى من حوله، بقي مبهوتاً للحظات وقد أخرسه الذي حدث للتو حتى قطعت هذا السكون جمانة وهي ترفع المخطوطة المطلوبة بيدها و تقول ببراءة :
-الخبر الجيد أني أحضرتها لك "
بقي صامتا يحدق بها بذهول وقد تبعثرت الأوراق وانتشرت...ة استطاع ترتيب جملة مفيدة محاولا كبح جماح ثورته : أخرجي الآن من أمامي قبل أن اسحق عظامك "
- كيف تجرؤ
هتفت بها بحنق لكنه اغتال باقي حروفها وهو ينهض وصدع صوته بجنون ليسمعه اغلب موظفي الشركة : - جمااااااااانة أخرجي "

نهضت بعنفوان وحدجته بنظرة استحقار وغادرت المكتب في حين كان آدم متوجها إلى مكتب مراد ليستطلع سبب صراخه المفاجئ فالتقت به في مكتبها، اغلقت باب مكتب مراد بعنف ليرتج الزجاج فتسائل آدم بقلق : ما الذي جرى ؟!!

- إسأل ذلك المجنون"
فتح الباب فجاة من خلفها وظهر مراد هاتفا بغضب : - من المجنون أيتها الهمجية !!
استدارت ناحيته وقد تعالى صوتها وهي تشير له مهددة : احترم نفسك ولا تنعتني بالهمجية !
قالها وهو يضغط على كفها التي أشارت إليه لينزلها :
-انا احترم نفسي مع العقلاء ذوي التفكير السليم...كرسي مدولب!! تصعدين على كرسي مدولب فوق أرض خشبية ! "
- إهدآ قليلا "
قالها آدم وهو يتقدم باتجاه مراد لتهدئته لكن جمانة هتفت مجددًا به : الحمق كله يتجسد بقامتك الطويلة !
-جماااااانة إحفظي لسانك ولا تتطاولي على أسيادك "
- أسيادي !!
بهتت ملامحها لهذه الكلمات التي سحقت كرامتها
ليستدرك مراد نفسه أخيراً، تقدم منها ليعتذرعلى ما تفوه فيه فنفضت يدها بشراسه عنه و لملمت أغراضها وقالت بحنق :

- وذلك العقد الذي ألزمتني به إرمه لأقرب مركز شرطة ......يا سيدي المبجل "

حملت حقيبتها وغادرت، ضرب مراد المكتب بقبضة يده بعصبية بينما آدم هز رأسه بغضب و شعر باضطراب داخل صدره ،كاد مراد أن يلحق بها فأوققه آدم بحدة، أعطني مفاتيح سيارتك، تطلع فيه مراد بقلة حيلة وسلمها له فانتشلها على عجل ولم يدر بنفسه إلا وهو يلحق بها ؛ ضغطت زر المصعد بعصبية وخطت داخله فهرول آدم ورائها مسرعاً ودلف المصعد هو الآخر حدق بعينيها المحتقنتين لكنه آثر الصمت حتى خرجا من مقر الشركة، سار بجانبها ثم قال وكأنه مان خائفاً من اختفائها...شعور خفي طالبه بالتشبث فيها : دعيني أوصلك "
-شكرا لك لا داع لذلك "
- أنا مصر يا جمانة "

انصاعت له جمانة واستقلت السيارة
املته العنوان فانطلق وقال بعد فترة وجيرة : أعترف أن ابن خالتي مجنون في بعض الأحيان، لكنه حتماً لا يقصد إهانتك "
فقالت بسخط : في كل الأحيان ليس في بعضها فقط ! .
شد بقبضتيه على المقود قائلاً بابتسامة : حسناً في أغلب الأحيان ، لكن فعلاً لا يستحق الأمر كل ذلك الانفعال منكما "
فحدجته جمانة بنظرة استنكار : وهل تعرف ما الذي جرى لتقول أنه لا يستحق ؟
انفرج حاجبيه عن بعضهما وقال : حسناًا لا أعرف أصل الموضوع، وبصراحة أكثر لا يهمني أن أعرف ، خذي اليوم إجازة لتهدئي وغداً بإمكانك مزاولة العمل من جديد "
عقدت يديها امام صدرها بعناد وأجابت :لن أعود لمكتب ذلك المغفل، انحرف إلى اليمين ثم تابع يسارا "
تنهد مستجيبا لها هو يتطلع إلى هذه الشوارع العتيقة وقد شارفا على الوصول : لن نقبل باستقالة موظفة نشيطة مثلك ، كما اخبرتك إهدئي اليوم وعاودي العمل غدا بشكل طبيعي "
-قف هنا "
استجاب لها وتوقف فالتفتت إليه قائلة بابتسامة : شكرا لك أستاذ آدم "
تطلع فيها بابتسامة حانية وأطال النظر بطريقة أربكتها : عن إذنك "

وترجلت من السيارة لتصعد إلى عمارتها وهو يراقبها بعينيه حتى اختفت ثم اعتصر قلادته بقبضة يده قائلا لنفسه : وكأنك تتمثلين أمامي من جديد ! ثم مسح وجهه بكلتا يديه متنهدا وقد سأم من ذاكرته القوية التي لا تفتأ ترسل له صورًا وذكريات عن والدته ! دقق النظر في تفاصيل هذه الحارة العتيقة والتي تدل على بساطة أهل الحي انتفض على صوت طرقات على زجاج السيارة ، اخفض الزجاج ليطالعه مسعود بشك من توقفه وشروده بهذا الشكل وقال : هل تريد شيئاً ؟
هز آدم رأسه نافياً وقد اعتذر بلباقة وشغل السيارة مغادراً هذا المكان وفكره معلق بتلك الحورية التي تجسدت على شكل والدته ولم ترحمه طيله فترة عمله في الشركة !

****
تراجع إلى الوراء ليسقط على الكرسي من هول الصدمة بعدما تلقى هذا النبأ من مأمور السجن :
-هنالك عفو عام وقد شملك القرار "
تعالت وتيرة نبضات قلبه وصار يتدافع داخل صدره وكأنه سيخرج من مكانه، فأردف الضابط قائلاً : طيلة العشرون عاماً التي قضيتها هنا كان الجميع يشهد بحسن سلوكك ، اذهب وانعم بحياة طبيعية في سنواتك المقبلة "

تحامل على نفسه ليقف وقد ألجم لسانه عن النطق ، وغادر برفقة الحارس للملمة اغراضه لحين استكمال أوراق خروجه ،

******
((1980))

مرت بضعة أيام على تلقي رغد خبر مقتل والدها ، لم تعد تتكلم مع عابد، بل تحبس نفسها في الغرفة ولا تخرج منها سوى نادرا ، امتنعت عن الطعام سوى لقيمات قليلة فقط كانت العجوز تجبرها على أكلها تبقيها على قيد الحياة،

عادت وحيدة من جديد ، بعدما توفت والدتها منذ سنوات وسافرت شقيقتها عبير إلى مدينة أخرى وتزوجت...لم يتبقى لها سوى والدها والآن قد فارق الحياة...بل قتل على يد تجار اسلحة ! وها هو أحد افرادها ما يزال يحتجزها ، ما أقسى الوحدة والشعور بالضياع ، كان عابد في هذه الأيام يقدر حزنها ومأساتها فآثر الصمت ، قطع وعداً على نفسه لحمايتها وهاهو ذا يفي به، كان يجهز لإيصالها إلى المدينة التي تقطن بها شقيقتها بطريقة لا يعثر بها عليهما عمه الوطواط ولا رجال الشرطة، اتفق مع مهربٍ محترف للتجهيز للرحلة وها هو ينتظر يوم الجمعة للانطلاق ،

طرق باب غرفتها لكنها لم تستجب له ، نادى بصوت جاد : هل لنا أن نتحدث قليلاً :
فصرخت به من خلف الباب بلوعة : ما الذي ستتحدث به بعدما أحلت حياتي إلى جحيم !
-رغد اسمعيني "
قالها بهدوء ودفع الباب ليدلف إلى الداخل وهي جالسة على السرير تضم ركبتيها على صدرها ..تنظر له بعيون قد أنهكها البكاء "
-سنسافر مساء الغد إلى المدينة التي تقطن بها شقيقتك ، رجال الشرطة يقومون بدوريات مكثفة للبحث عن الوطواط ورجاله، سأوصلك بنفسي إليها وبعدها سأخرج من حياتك إلى الأبد "
رفعت بصرها تجاهه وقالت بحقد : لا أريد منك شيئا يكفي ما جرى لي الآن بسببك "
ضرب بقبضة يده على الباب وهتف ساخطا بألم: كفي عن تحميلي ذنب كل مأساة في حياتك ! كفي عن ذلك...كنت معك حين حصل ما حصل .. "

تعالى لهاثه وهو يحدق بها بثبات فأشاحت بوجهها عنه وعادت للبكاء مجدداً فركل الباب بعنف بعدها وقال بصوت خشن وهو يغادر : تجهزي، سننطلق بعد ساعات قليلة

كان مستلقياً على الأريكة بانتظار أن تمضي تلك الساعات القليلة المتبقية وفكره مشغول بكيفية خوض هذه الرحلة بأقل الخسائر الممكنة، تجهزت رغد متسربلة بعبائة سوداء ووشاح خفيف غطت به شعر رأسها كانت قد سلمتهم لها العجوز كيلا تظهر أمام اهل القرية أو القرى التي سيمرون من خلالها بأنها غريبة عن المكان ، تنحنحت أمامه وقالت بخفوت : أنا جاهزة "
تطلع فيها بجمود ثم اعتدل ليقف على قدميه فقالت العجوز وهي تحتضنها : اعتني بنفسك جيداً يا ابنتي " ألقت السلام على عابد الذي قبل جبهتها بحنو وقبل أن يفتح الباب طرق بشكل عنيف ليرتجف جسد رغد بخوف، قال عابد بصوت هامس وهو يشهر سلاحه ويتخفى وراء الباب ليشير للعجوز بفتحه بينما تخفت رغد في الغرفة "

فتحت العجوز الباب ليتبين لها رجل ذو تقاسيم غليظة ، تعرف عابد على صوته فتقدم منه بسرعة وقال : ما الأمر ؟
قال الرجل بارتباك : الوطواط عرف مكانكما ورجاله في طريقهم إلى هنا سيصلون بأية لحظة "
شهقت رغد من خلف الباب بفزع وهي تتجه ناحيتهما و شد عابد على قبضته بعنف فقالت العجوز فوراً : صار حتى الذهاب لمدينة شقيقتها خطر عليها في الوقت الراهن فهم سيقتفين أثركما .. ،سأدلكما على منزل لرجلٍ طيب أعرفه يقيم في قرية قريبةٍ من هنا، سيساعدكما بكل تأكيد "
شكرها عابد فقال الرجل مجدداً وهو يعطيه مفاتيح سيارته : خذها وابقيها معك لن يتعرف رجال الوطواط على هذه السيارة أما سيارتك القديمة سأقودها على الطريق العكسي وأركنها قريباً من البساتين لأبعدهم قدر الإمكان عن تتبعكما "

شكره عابد بامتنان وأملته العجوز عنوان الرجل في القرية واسمه الكامل وقالت : سأهاتفه حالاً لإعلامه عن قدومكما إليه انطلقا في حفظ الرحمن يا بني "

******
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.