Enasmhanna

Share to Social Media

جلس الجميع على مائدة العشاء وبينهن جمانة التي تحاشت نظرات مراد الوقحة منذ أيام .. منذ ذلك الموقف الذي وضعها فيه دون خجل أو حياء...وكأنه يرسل تهديداً صريحاً لها.
ابتسم بلطافة الذئاب  رغم آلام صدغه العنيفة ونهض مستأذنا ليستريح في غرفته بعد يوم عمل طويل ..
وبعد أن فرغوا من الطعام طلبت عسل من جمانة  الخروج قائلة : تعالي لنلعب بالكرة"
استدارت  جمانة ناحيتها مجيبة : حسناً أيتها الجميلة لكن سأغير ملابسي وأعود
فقالت نور: سنلعب جميعاً إذن"

أما أنا فسأكون الحكم: نطقتها إليسا بابتسامةٍ واهنة جراء إرهاقها ثم أمسكت كف عسل قائلة : -هيا يا جميلة لنحضر الكرة ونخرج للحديقة "
توجهت جمانة إلى غرفتها لتستبدل ملابسها بأخرى مريحة لتستطيع التحرك بحرية  ..
تطلع آدم تجاه نور الجالسة قبالته على طاولة الطعام قائلاً بمكرٍ وبصوتٍ خفيض : - الكل قد غادر ...تركونا بمفردنا نوارة ! "
حدجته نور بنظرة استنكار لتنهض من أمام الطاولة لتتبع اليسا فنهض ورائها فوراً : إلى أين ابتها الغزالة الشاردة؟ أنا لم أصدق أن نبقى بمفردناِ "
ضربته نور على كفه بحرج، فتطلع حوله قليلاً ثم ما لبث أن سحبها من يدها ناحية الحديقة لتنهره بصوتٍ خفيض:
-أيها الأبله اترك يدي !"
لكنه لم يستمع لها بل جذبها أكثر ليسيرا حتى ثم توقفت أسفل شجرة التفاح :  أسبوعٌ يا ظالمة ولم أتحدث معك على انفراد ! اشتقت لكِ "

أشاحت بوجهها عنه بخجل ليردف وهو يتطلع بإليسا وعسل اللتين تقفان على الجانب الآخر بجانب المسبح لتلعبا برويةٍ لحين نزول جمانة :
- تعرفين ما الذي يتحدث فيه حالياً والدي مع والديكِ ؟
ضيقت عينيها مستفهمةً ليهمس لهما بخبث :
-سيزوجوننا فوراً ليداروا الفضيحة " شهقت وهي تلطم صدرها برعب : ويلي!! فضيحة!! أي فضيحة أيها المعتوه ؟!

تبسم قائلاً : كنت قد أخبرت والدتك سابقاً برغبتي بإسراع ترتيبات الخطوبة والآن والدي يتحدث مع والدك بهذا الموضوع وربما نتزوج سريعاً أيضاً..من يدري"
جمدت تطالعه بارتباك : لكن دراستي ! الجامعة ستفتح أبوابها بعد شهرٍ فقط "
قال بجدية:
-لذلك أريد أن نرتبط قبل أن تلتحقي بها كيلا تتفرغي لاحقاً" تطلعت فيه بعدم فهم ليردف : -وكيلا يتجرأ أحدهم على الاقتراب منكِ وإزعاجك، لا داع للتأجيل أكثر"

أخذت نفساً عميقاً قائلة برفض : اسمعني آدم.. لن أستطيع الزواج وأنا أدرس، لربما تكون خطوبةٌ فقط لحين انتهائي لكن زواج لا أستطيع مستحيل " بان الانزعاج على وجهه ليقول: أأنتظرك لخمس سنوات أأنت جادة !!
-لن استطيع التوفيق بين الدراسة و أعباء المنزل وهذا قرار نهائي لا نقاش فيه"

استبدلت جمانة ملابسها لبنطالٍ رياضيٍ رمادي اللون وكنزةٍ بيضاء عريضةٍ ذات أكمامٍ قصيرة
فتحت الباب واندفعت خارجةً منه لتصتدم بهذا الجبل الجليدي أمامها" شهقت بفزعٍ وارتدت إلى الوراء وتمسكت بقميصه قبل أن تنزلق  فأسندها براحه يده من خاصرتها...جمد هو بمكانه بتفاجؤ فقد كان متجهاً للأسفل  ليجلب الماء كي يتناول دواءه فآلام رأسه قد ازدادت"
-أنت! "قالها بارتباك فهتفت فيه وهي تدفعه من صدره بعدما استعادت توازنها :
-اللعنة على خروجك المفاجئ يا أخي ..أأنت جني!!
انفرج حاجباه مبتسماً: ماذنبي أنك أقصر من أن أراك !
فتقدمته بغيظ: وأنت أطول وقح قابلته.
- الوقح من يتلصص على رجل يقبل زوجته.
احتقن وجهها بخجل ولعثمة وهتفت فيه وهي تهبط السلم وراءه: لم اتلصص..كنت في شرفتي.
استدار فجأة قبل أن يصل للدرجات الأخيرة فقابلها وجها لوجه وابتسم..ابتسم ابتسامته الملتوية المقيتة التي لا تفهم ما يخفي خلفها...ما يزال يبتسم كمعتوه ءو عينين لامعتين ماكرتين  مقيتتين فتمتمت بصوت خفيض: أتعلم ما اجمل شيء في كونك ابن خالتي ..
ازدادت ابتسامته وقد دغدغت هذه الكلمات قلبه لتردف جمانة بذات الصوت الهامس: أنني أستطيع شتمك بحرية ودون قيود...وعندي قاموس شتائم ستبهرك.
قال ببلادة وهو يفترسها بعينيه: هات...أبهريني
فتحت شفاهها وضمتهما مراراً  مغتاظة منه ومن بروده ثم دفعته ومرت : مجنون...معتوه!
فضحك باستمتاع وهو يلحق بها :
-من عاشر القوم شابههم.

خرجت جمانة مسرعة لترمي لها إليسا الكرة فالتقطتها ببراعة وما إن رأتها نور حتى هرولت باتجاهها تاركةً آدم يغلي من الغيظ لموضوع كانت قد أغلقته دون نقاش، بدأت الفتيات باللعب وسط النظرات الحارقة العاصفة التي تنطلق من حدقتي آدم ومراد الذي خرج كذلك ليستند على الشجرة وهو يعقد ساعديه أمام صدره.. أخرج مراد لفافةً ليدخن فانتشلها من بين أصابعه آدم وأقحمها في فمه وقام بإشعالها لتنفرج عينا مراد دهشةً : -مابك؟
حدق فيه نظراتٍ مشتعلةٍ وأجاب باقتضاب : ستصيبني شقيقتك بالجنون " وعلى الرغم من مشاعر الغضب التي تظلل مراد كذلك بسبب جمانة إلا أنه أطلق ضحكةً رنانةً لا تناسب الموقف بتاتاً ليحدق به آدم بحنق : يا لبرودك يا أخي !!
-ما الذي جرى؟
- أقول لنتزوج الآن فرمت بي لخمس سنوات حتى انتهاء الكلية التي لم ترتدها بعد! أيوجد جنون أكثر من ذلك!
تمتم مراد بيأس: يوجد...والله يوجد.

دقائق مرت كانت نور وجمانة ما تزالان تلعبان بالكرة حتى بعدما جلست عسل بجانب إليسا التي تعبث بهاتفها... اقتربن سيارة كريم لتعبر بوابة الفيلا الحديدية ليتنبه مراد ويزفر زفرةً قوية ...كان قد أخبره بأنه سيحضر لكن لم يتوقع أن يأتي بهذه السرعة 

ترجل كريم وشقيقته رهف من السيارة  برفقتهم جيرين ..لتتوقف الفتاتان لبرهة لاستقبالهم  كان كريم كعادته يرتدي بنطالاً رياضياً و معطفاً تركه مفتوحا لتبان تلك الكنزةٍ القطنية الحمراء القاتمة التي تبرز عضلاته الجلية، انفرج حاجبا جمانة وهي تطالعه كعادتها بإعجاب شعرت بسعادةٍ تدغدغ فؤادها لاقترابه وهو بدوره انفرجت شفتيه عن ابتسامةٍ هادئة..كان قد مر وقت طويل مذ رآها آخر مرة ...في الليلة التي عادت فيها لعائلتها ولم يدرك أنها كانت تشتاق لسماع صوته لا مجرد رسائل قليلة يتبادلانها قبل النوم لأيام مضت ...وكان يشعر بالمثل ..وربما أكثر قليلاً..لكن الأوضاع لم تكن مناسبة لكليهما.

-مساء الخير, جمانة أليس كذلك؟
تسائلت رهف وبسطت كفها لمصافحتها فأومأت لها جمانة ليقول كريم بسرعة : شقيقتي رهف. اتسعت ابتسامة جمانة وهي تطالع رهف بترحاب
ثم اتجهت بنظراتها لتلك الشقراء الجميلة التي تقف بجانب كريم فقال معرفت: إنها جيرين ابنة خالتي.
لترحب بها جيرين التي اتسعت ابتسامتها وهي تستدير ناحية كريم وتحدثه : إنها جميلة جداً  ياولد...لكنها قصيرة عليك!
حدجها كريم نظره غيظ وقال مخاطباً جمانة التي لم تفهم حرفاً مما نطقته جيرين وقال مصححا: تمدح بجمالك..إنها من تركيا وقادمة في زيارة .
ولكنك ..تعرف! قالتها جمانة باستغراب فهذه المرة الأولى التي تعرف أنه يتكلم التركية فأجابها: والدتي تركية كنا هناك حتى المرحلة الإعدادية ثم انتقلنا إلى هنا...في الوقت ذاته الذي كانت فيه والدتك هناك.
شردت جمانة بكلماته فأردف : سأشرح لك لاحقاً انتفقنا.
انزاح بنظراته  على  نور وحياها باقتضاب دون مصافحتها لترده له كذلك بابتسامةٍ هادئة بينما تقدم آدم ومراد ليلقيا السلام على كريم.
وجلس الجميع أمام الطاولة يتجاذبون أطراف حديث مبتور...لا مزاح فيه وكل شخص منهم يلتمس تهديداً خفياً من الآخر..كانت جلسة غريبة جداً .. باردة وليس كما اعتادوا أن تكون ..
وأيقنوا هءه اللحظة أنهم كبروا...كبروا لدرجة اختناق البراءة التي كانت تطل من عيونهم في الماضي...اوراق الجميع كانت مكشوفة جدا.. نظرات نور التي استهجنت تجاهل كريم المتعمد لها...بل هو تجاهل متعمد ومقصود فما عاد ذلك البريق الذي رأته مراراً يظهر في عينيه..بل صار شيئا آخر ..ولا تنكر أنها اشتاقت لأكثر شخص كان يسمعها ويساعدها ...افتقدته جدا.
وآدم كان ينتظر غلطة من كريم ..فقط غلطة أو نظرة خارجة تجاه نور كي يقلب الطاولة على رأسه لكنه كان طبيعياً بطريقة اثارت فضوله..ومراد لم يكن بأفضل حال منه وهو يتنبه على نظرات إليسا المتفحصة لي...تكاد تعد عدد رمشات عينيه وأدرك أنه محط مراقبة منها!
خلع معطفه حينما شعر بأنها ترتجف من البرد فوضعه على كتفيها زحدق تلقائيا في جمانة ولباسها الخفيف وتسائل باستغراب: وأنت ألا تشعرين بالبرد!
هزت جمانة رأسها لتضحك نور : أي برد يا مراد إنها تلعب الملاكمة والكارتيه..فأي برد ستشعر به وهي تلعب هذه الرياضات العنيفة! 
حدق الجميع فيها باستغراب ليضحك كريم : أنت!
ظهر الانزعاج على وجهها لتسأل : وما الغربب؟
اشار بكفه قائلا : اعذريني لكن ..أنت شبر ونصف أي مباراة عادلة ستخوضينها! ولا أقصد الإهانة .
-لا تستخف بقدراتي .
-سنخوض مبارة ذات يوم إذن  التجربة أكبر برهان  ...
تعلقت عيناه فيها لم تنتبه على نور التي احضرت شالا صوفيا إلا حين دثرتها فيه فشكرتها وفكرها مشغول بما قاله عند حضوره... كان بتركيا!
تركيا حيث كانت والدتها...عائلتها جميعها قبل الحادث الذي بسببه تدمرت حياة الجميع...
سألته : أنت تعرف أمي..
اعادته  جمانة للموضوع مجدداً واستدار تجاه آدم الذي حدق فيها كذلك ....يستحضران ماض بعيد جداً... جداً لا يذكر منه آدم سوى خيالات .
أومأ لها كريم وابتسم ابتسامة دافئة وسط صقيع البرد....أعرفها...وأعرف جمانة الرضيعة بل وحملتها بين ذراعي ذات يوم...
ضحك وهو يشير لكفه : كنت هكذا ..صغيرة جداً، ناعمة جداً...
اضطرب صدر جمانة وهي تحدق فيه...بصدق حروفه وذاكرته المتينة حيث كان طفلا لا يتجاوز العشر أعوام...واسترسل بالحديث وكأن الجميع اختفى من حولهما عداها...ولم يكلف نفسه عناء إزاحة نظراته عن عينيها الدامعتين..
أردف : كانت أمك جميلة جداً يا جمانة ..جميلة وراقية ...وحنونة جداً.
أما هذا الأحمق فكان يعاني من فرط النشاط ودائماً ما كانت والدتك تشكو منه .ضحكت وهو يشير ناحية آدم الذي قبض على كف شقيقته باسما.
لتهمس باضطراب: أنتم...تفاجؤنني في كل يوم.
ليؤكد مراد بقلب منقبض وقد أدرك وفهم ووعي لنظرات جمانة جيداً تجاه كريم : الحياة مليئة بالمفاجآت.
اردف كريم بعبوس: رأيتكم لآخر مرة ...قبل موعد رحلة بحرية ...كانت ترتدي فستانا زاهي اللون وتحملك بين يديها .  مددت يدي لألاطفك فقبضت على اصبعي بكفك الصغيرة...وضربني آدم لأنه غار عليك مني ..وأذكر جيداً  أننا تعاركنا ذلك اليوم....

همست جيرين بغضب وهي تبكز رهف: هياااا اكملي الترجمة يا مختلة ! لم اعد افهم شيئاً!!
تجاهلتها رهف وابتسمت دامعة العينين ليردف كريم : لأنك كنت دائماً تكسب تعاطف الجميع..حنى صرت تحاول الاستيلاء على كل شيء...حتى لو يكن يخصك ..بل وليس من حقك.
اكفهرت معالم آدم وقال بهسيس: طوال عمري...لم أطالب بشيء ليس من حقي.
بدأ الجو بالتوتر من جديد لاحظته جيرين ورهف التي تمتمت الله يستر!
وسرعان ما نهضت جيرين مع أنها لم تفهم شيئاً مما يقولون وخاطبت جمانة على عجالة: تعالي..لنعد العصير ما رأيك .
لم تفهم جمانة ما قالته جيرين التي أردفت :
وأنت كريم أريدك للترجمة ...فلن أقدر على التفاهم مع أهل الدار .
حدجها كريم بانزعاج: رهف تتكفل بالأمر .
لكن جيرين تطلعت برهف محذرة لتتمتم رهف بامتناع: يفضل ان تذهب أنت... من بداية الجلسة وأنا اترجم لها جف حلقي! .

نهضت جمانة على مضض وكادت نور أن ترافقهم لكن رهف قبضت على كفها: أستتركيني لوحدي!
لترتد جالسة وقد جاءت تحذيرات  عيني آدم واضحة لها كذلك...اجلسي مكانك!
وتحركت جمانة برفقة جيرين وكريم ناحية المطبخ لتبدأ جيرين بإعداد العصير بأريحية وبطء بينما توجهت جمانة لتحضير قطع الحلويات  لتستدير ناحيتها جيرين بمكر وترفع صوتها
Jumana.. Karim seni seviyor
Jumana..Karim seni çok ama çok seviyor.
سقط الكوب البلوري من يد كريم واستدار ناحية جيرين التي تبسمت بشقاوة لتتسائل جمانة بعفوية: ما الذي قالته! لا أفهم.
لتحدق فيه جيرين بخبث هيا ترجم  واعترف بأنك تحبها ... جداً،.ترجم بأمانة وصدق ...
ليجز كريم بأسنانه بغيظ: لا تتدخلي جيرين، الأمر لا يحتمل المزاح.
توقفت جمانة بينهما حائرة  لا تفهم ما يقولان
فاستدارت جيرين ناحيتها وتحدثت بلغة عربية ركيكة جدا: كريم...يهبك !
ضيقت جمانة ما بين حاجبيها ثم توسعت حدقتا عينيها واستدارت ناحية كريم الذي ضبطته متلبساً وهو يحدق فيها ...بشرود وغيظ بآن معا من جيرين التي غمزت لها وأخذت صينية العصير بعدما صبتها في الكؤوس وخرجت وهي تحادث كريم: الموضوع بعد الآن عندك.
خرجت من أمامهما لترى جمانة نفسها وحيدة معه ..كانت هناك حرب شعواء بصدره..يريد الاعتراف لكنه خائف من أن تكون هذه المشاعر مجرد رد فعل طائش...يعرف مشاعره لكنه خائف جداً..خائف من تجربة فاشلة جديدة قد لا ينهض بعدها..
حملت جمانة الصينية وقد فهمت شراسة ما يعانيه ..لكنه توقف قبالتها أمسك الصينية ووضعها على الطاولة : لا تهربي...بعد كل مواجهة 
أشاحت بنظراتها عنه قأردف مازحاً:  لي عندك مطلب اتذكرين...حينما تسابقنا على الشاطئ.
فهميت بارتباك:
نعم..حينما حصلت على الحماقة بمرتبة الشرف
-حسنا اذا جمانة عرفت ما سأطلب منك...
-وما هو؟
-اقبلي دعوتي على العشاء ليلة الغد.
ثم أردف بابتسامة: نتناول الشطائر عند مريومة.
ضحكت بصوت عال وهزت رأسها بنفي...شطائرها بلا طعم كما اخبرتني.
إذا نذهب لمقهى العم عبد الحكيم...اشتقت لشايه.
- لكنك لم تتذوق الشاي عنده بل القهوة.
فاقترب منها هامساً : إذا نشرب القهوة...الشاي الكمون الليمون...أي شيء ترغبين فيه، المهم أن نكون سويا...ونتحدث
تعالت ضربات صدرها المضطرب التمست جديته بالحديث وارتبكت كعادتها تريد الهرب الهرب فقط من هذه الأجواء الغريبة والمشاعر التي ما عادت تعرف كنهها..هل يريد الشفاء من نور عن طريقها..أم هل بدأ يحبها فعلاً ...هل يتسلى أم هل هو مشفق!
لا تعلم ...ظلت صامتة متوترة حتى اندفع مراد إلى المطبخ فجأة فتراجع كريم خطوتين إلى الوراء فأبطأت حركة كريم وهو يحدق فيها بصدر منقبض، توجهت جمانة ناحية الصينية وحملتها من جديد خارجة من المطبخ ليستكمل مراد طريقه ناحية كريم : ما. بها البنت! وجهها أصفر .
لم يحبه كريم بل خرج من المطبخ ناحية الحديقة 
ووقف قبالة جيرين ورهف : ستغادران لأقلكما في طريقي أم أنتما باقيتان هنا؟
- هل كل شيء على ما يرام يا كريم؟
سألته رهف بقلق فأجاب : طرأ لي عمل مستعجل .
لتنهض رهف وهي تسحب جيرين : حسناً..إذا سنغادر ...
ثم أردفت نور : حسناً..سنجهز اللازم وننطلق غداً صباحاً...
لتسأل جمانة: إلى أين .
- إلى شاليه البحر ...سنقوم بالشواء مضى وقت طويل قبل أن نذهب في رحلة ...ومنها تتعرفين على أبناء وبنات أعمامي وباقي العائلة.
  غادر كريم وما هي إلا لحظات وصلت جمانة رسالة مختصرة: بيننا حديث لم ينته"

بعد عدة ساعات نادته عبير وهي تدلف لغرفته فأجابها مراد دون أن يزيح ساعده عن جبهته : -ماذا هناك أمي ؟

- أنت بخير ؟ أخبرتني أليسا أنك متعب ولن تنزل للأسفل.
-بسبب ضغط عمل " طقها ببرود لتتقدم منه بعدما شعرت بالقلق من تغيره الملحوظ منذ فترة فجلست  بجانبه على السرير :
-ما بك؟ هل أنت منزعجٌ من شيء"
أزاح ساعده عن جبهته وأجاب وهو يتطلع لأعلى ناحيتها: مجرد صداعٍ فقط "
مسحت على شعره برفق وهي تقول بسأم:
-ألم ينتهي هذا الصداع المزمن منذ ايام!
فقال ساخراً: ويبدو أنه لن ينتهي ..
سألته بتردد وبقلب الأم الذي أدرك شيئاً:
-السبب جمانة ؟
توقفت للحظاتٍ أنفاسه داخل صدره، لم يستطع حتى إخراجها لتردف بذات الهدوء : بني...أخبرني بمشكلتك لربما وجدت لك حلاً.
اعتدل فوراً بمجلسه مجيباً :وما دخل جمانة ؟
لا يوجد..شيء لأحكيه مجرد صداع وسيزول.
تبسمت مجيبة : بلى يوجد..ويوجد الكثير لتحكيه، مزاجيتك وحزنك واضحين"
والآن انظر لحالتك تنبهتُ جيداً لنظراتك لها طيلة فترة مكوثها هنا.. كنت أرغب في محادثتك منذ مدة لكن..
ادار وجهه ناحية النافذة مجيباً باقتضاب:  نظراتي طبيعية جداً بالمناسبةً "
ربتت على كتفه قائلة باقتضاب: أتمنى أن يكون الأمر كذلك..لكن نصيحتي لك ألا تنجرف مجدداً ناحية هذه الأمور،  إليسا تحبك فعلاً ولا تستحق منك هذا الجفاء، تحتاجك الآن أن تكون بجانبها تكون الأنثى في مرحلة الحمل حساسةٌ جداً وخاصة انها ما تزال صغيرة ..

تطلع بوالدته مكفهر الوجه : ولما تقولين هذا الكلام الآن؟ علاقتي بها على خير ما يرام "
قالها وتقدم ناحية باب الحمام هرباً من الحوار لكن والدته قالت بحدة: قد لا تشعر الآن لكن...الخيانة موجعةٌ يا مراد.. موجعةٌ جداً وأنت لا تستطيع حتى السيطرة على نظراتك !"

توقف أمام الباب ودون أن يستدير قال بغضبٍ مكتوم وهو يشدد على حروفه : لا أخونها..لم أخنها بعد الزواج كفاكم تتهموني بالخيانة! ألن تنسوا الماضي !!"

-لكن نظراتك تجاه جمانة دليلٌ كبيرٌ يدينك، ماذا لو تنبهت لها اليسا؟! أو السؤال هنا ماذا تريد من ابنة خالتك بالتحديد ؟
استدار بغتةً ناحيتها بعيونٍ استحالت لجحيم: -كفي عن هذا الكلام بحق الله أنا مرهقٌ جداً "
-تحبها ؟ "
لسعته بسؤالها ليغمض عينيه مجيباً باستسلام وقد أرهقته المراوغة والكذب :الكلام سهل جداً ...نعم أحبها أحبها حتى قبل أن أعرف أنها ابنة خالتي،  وأفهم أن زوجتي حامل،  وافهم أنها تحبني و أعرف كذلك أني خائن..وغدٌ عديم للمسؤولية ووقح انعتيني بأي صفةٍ تريدينها لكنني أحبها، كلما ابتعدت عني تعلقت بها أكثر أتعرفين معنى ذلك أمي ! أتتفهمين شعوري !؟ "

تنهدت والدته وقد اعتصر قلبها ألماً على حاله مسحت وجهها بكفيها ثم قالت بقوة: -ستنتقل أنت وإليسا لمنزلٍ آخر إذن"
تطلع بوالدته مبهوتاً لتردف بثقة: لا يصح أن تبقى تحت ناظريك لم يكن يجدر بك أن تنجرف وراء عواطفك بهذا الشكل، لكن فات أوان العتاب الآن، إن كنت تريد الشفاء منها فخذ زوجتك لمنزلٍ آخر واعتني بها..اعط لنفسك فرصةً لتنساها أو على الأقل اذهبا في هذه الفترة ..

قهقه بغضبٍ قائلاً : هذا برأيك سيجعلني أنساها؟ أن أهرب وينتهي الأمر ببساطة، مرت عدة أشهر  وهي بعيدةٌ عني تصدني بعنف ....لكن لم يزدني البعد وهذا الصد  اللعين إلا تعلقاً بها.
صرخت به حينها بانفعال :والآن هي تحت ناظريك كل يوم وتتعذب أكثر !! ماالذي تريده إذن يا مراد؟ أن تتزوجها كذلك تريدها زوجةً ثانية!؟
-لا أعرف أمي، لا أعرف " قالها بغضبٍ وهو يفك أزرار قميصه ثم رماه حانقاً على الأريكة ودلف إلى الحمام لتعض عبير على شفاهها بألمٍ وغيظ منه...

*****
وصلت السيارة أعتاب الفيلا ونزلت رهف
وكادت جيرين أن تنزل فهتف فيهما: ادخلي المنزل يا رهف..سأتكلم مع ابنة خالتك قليلاً.
اغلقت جيرين باب السيارة مجدداً وقد شعرت بأنها قد أغضبته جداً الليلة ..
أطفئ محرك السيارة واستدار بجسده مخاطباً إياها بشكل هادئ ظاهرياً مع أنه يغلي من شدة الغيظ: ستخبريني الآن لماذا تقحمين نفسك في حياتي بهذا الشكل ..في كل مرة، تطلبين أن نتزوج بسبب إصراره خالتي وأمي ثم تهربين وتعودين والآن تقحمين جمانة بيننا وأنا ذاتا مشاعري ما تزال مشوشة ...
كادت أن تتكلم فأعقب محذراً: إياك والكذب ستخبرينني بكل شيء..
ضمت جيرين يديها على حجرها وظلت صامتة مدة من الزمن وهي تحدق بزجاج النافذة فقبض على المقود : ما زلت أنتظر بالمناسبة.
استدارت ناحية : لأنني أريد التخلص منك...هذا ما في الأمر.
-تريدين التخلص مني؟! وكأنني متلهف الزواج منك!
ضحك باستهجان فأردفت جيرين بغضب: لا علاقة لك وأعرف أننا مستحيل أن نجتمع لكن خالتك المصون لا تنفك تحكي وتصر على أهمية زواجي منك  بسبب إرث وميراث وأملاك لا يجب أن تءهب لخارج عائلتنا وما إلى ذلك...لم تترك طريقة لم تفعلها مع أمك كي يقربوا بيننا وأنت تعرف...لكني لا أريد، اخبرتها مراراً أنني لا أريد الزواج أريد السفر لاستكمال دراساتي العليا في ألمانيا ..لكنها جنت وضربتني...وحينما سمعت بأنك ستطلب يد نور للزواج لم أصدق ورأيت أنها أخيراً  ستنزل عن ياقتي لكن تعرف أنت ما جرى..
ضرب بقبضة يده على المقود: إذا كل هذا التدخل كي تتخلصي مني! تلخبطين حياتي وتحشرين نفسك في علاقاتي كي تتخلصي مني جيرين!
زمت شفاهها مازحة وقالت برجاء: ساعدني لننتهي من ذلك بسرعة ..حين عرضت عليك الزواج كنت أريد أن اكسب وقتا حتى يحين موعد الرحيل ..فقد قدمت أوراقي وقبلت لكن يتبقى أمر أمي التي لم تعرف حتى اللحظة أنني ما زلت ألاحق الأمر .
نزل من السيارة فتبعته....ليقول بعد برهة: انت مصيبة يا ابنة نازلي هانم، بلاء وقع على رأسي.
فضحكت وهي تتأبط ذراعه بمرح: أنت كيمو البطل مضاد للصدمات ستجد لنا مخرجاً.

في صباح اليوم التالي انطلق الشباند نحو شاليه البحر ..التقت جمانة بأفراد العائلة جميعاً في ذلك اليوم والجميع لاحظ ومنذ الوهلة الأولى اختلافها وخاصةً بما كانت ترتديه من بنطالٍ رياضيٍ وكنزةٍ زرقاء فوقها جاكيت من القطن السميك رمادي اللون القت بقبعته لتغطية شعرها القصير فبدت غريبة الشكل ورغم ذلك فيها جاذبية تسر العين ..

في المساء تأبطت إليسا ذراع مراد  ليتمشيا على شاطئ البحر  بينما تعلقت عينا نور على آدم للحظاتٍ  وغادرت ليحك آدم أرنبة أنفه وقد فهم إشارتها بأن يتبعها فهرول  قلبه مرغماً ليستكملا شجارهما وهو يفكر فلربما يضرب رأسها السميك أو يرميها ناحية البحر ليلتهمها القرش إن عاندته مجدداً! , أما جمانة وبعدما كانت تلاعب عسل بالكرة ملت تلك الصغيرة وركضدت لتتلهى بشيءٍ آخر فتركتها وسارت قليلاً على الشاطئ قبل أن تجلس بعيداً على الرمال لتلفحها ريح الشتاء المحملة بعبق البحر وهي تفكر بوضعها الجديد رغم جماله إلا أنها شعرت بملل مقيت وهي لا تفعل شيئاً تقريباً سوى الجلوس بهذا المنزل وهي لم تعتد على هذا الأمر ...اصبح بداخلها نقص كبير لا يسده سوى بضع ساعات تعمل فيهم يومياً ...

كان كريم يحتضن كوب الشاي الساخن بين يديه وهو يحرك رأسه تلقائياً فمالت عليه رهف هامسة : ذهبت ناحية الجهة اليمنى " استدار ناحية شقيقته قائلاً بانزعاج : من ؟! تبسمت رهف بتهكم وأجابت : تعرف من أقصد فلا تدعي الحماقة َ" لكزها على كتفها فمدت له كوباً آخر وقالت : خذه لها و كفاك مضيعةً للوقت الكل منشغلون "

اختلج قلبه هذه اللحظة ليتبسم لرهف بامتنان ويمسك الكوب الآخر بكفه ثم مشى على الشاطئ متوجهاً ناحيتها، وما الأجمل من مشاعر جديدة تهاجم روحه بشراسةٍ غير مسبوقة، فعلاً لم يكن مخطئاً حينما سمح لنفسه بالانجرافِ مرةً أخرى وراء عواطفه..تنحنح عندما صار خلفها مباشرةٍ فرفعت رأسها ناحيته ليقول بعفوية : أحضرته لك سيشعرك بالدفئ " تناولته منه بامتنان ليجلس بجانبها ويضع الكوب على الطرف الآخر وشرد هو كذلك بالبحر الهائج وكأن الحروف قد ضاعت هذه اللحظة ..

جلست نور على الكرسي ليتقدم منها آدم ويجلس قبالتها بوجوم، رفعت رأسها ناحيته وقالت بشكلٍ مباغت : إن كنت تريد الشجار أو ناوياً عليه فلا داعٍ لنتحدث " رفع حاجبيه دهشةً وأجاب : لا أريد الشجار, لكني كذلك لم اقتنع بوجهة نظرك في أن نؤجل زواجنا لأجل دراستك "أطرقت برأسها بتفكير ليقول بثبات : نور أنتِ تحبينني أم لا " اتسعت حدقتيها وقالت بدهشة : ما هذا السؤال السخيف !.

حسناً سخيفٌ سؤالي لكني مصرٌ أن أسمع الإجابة " أشاحت وجهها عنه وقالت  : أحبك طبعاً " تبسم بتهكم مجيباً : وهكذا تلفظينها بوجهي كمن يبصق !!
نهض من على الكرسي ومشى تجاه البحر وهو يضع كفيه بجيب بنطاله بينما صدره يعلو ويهبط بغضب.
.عضت على شفاهها بحرجٍ من طريقتها الفظة فلحقت به بخطواتٍ واثقة والتفت حتى صارت قبالته مباشرةً : آدم " نطقتها بخضوعٍ ثم رفعت رأسها بارتباكٍ ناحيته وهي تلكزه بإصبعها على صدره بخفة : لا تقطب حاجبيك بهذه الطريقة" لم يبد أي ردة فعلٍ لتردف بخفوت وهي تمسك بزاوية ياقة قميصه: أنا... أنا فعلاً أحبك، بل أحبك كثيراً "

دغدغت صدره هذه الكلمات التي نطقتها لكنه حاول التماسك قدر الإمكان أمامها... تنحنحت مجدداً لتردف: لا تكن قاسياً إسمع أنا أوافق على الخطوبة، كتب الكتاب إن أحببت كي تضمن بأني زوجتك شرعاً لكن ... أن نتزوج وننتقل لمنزلٍ مستقل وأنا أدرس أرجوك لا... أريد أن أعطي دراستي حقها، ثم أتفرغ للزواج ومسؤلياته ما نزال في بداية الطريق  والمستقبل أمامنا"

******

...قطعت جمانة الصمت بعد دقائق وهي تقول بصوتٍ خفيض : الشعور بالوحدة قبيح ٌجداً حتى اللحظة أخاف من أن يكون ما أعيشه حتى الآن مجرد حلم.. وسأصحو ذات يومٍ لأرى أني وحيدةً مجدداً .
ضيق كريم حاجبيه وهو يتطلع بها بينما تراقب نجوم السماء وتقول بدمعةٍ تلألأت بمقلتيها : آسفة لإزعاجك بثرثرتي"

أحس بها هذه اللحظة بأنها ترتعش من البرد ليخلع جاكيته ويضعه على كتفيها هامساً : إرتديه أصبح الجو بارداً" تمنعت عنه : لا ستبرد أنت هكذا ! " هز رأسه نافياً : أنا لا أبرد "
وبعد أن ارتدته وغرقت به حرفياً تطلع فيها بهدوءٍ ليبتسم ثم صار يراقب البحر بدوره اشتمت رائحة عطره الراقي وذلك الدفئ الذي غمر جسدها لتحتضن كوب الشاي وتشربه
_ أتعرفين جمانة...

قالها كريم وأردف بعد برهة... طيلة سنوات...كنت أحبها، كثيراً ما تشاجرتُ مع شقيقكِ بسببها، ومع العائلة حتى ومع ذلك في كل مرةٍ كانت نور تصدني بقوة وعنف... طيلة سنوات وحبها يقوم بإحراقي شيئاً فشيئاً "

أخذ نفساً عميقاً ليملئ به رئتيه وهي تتطلع فيه بإشفاق وحزن: هربت ناحية الخمر مع الأسف... ضعفت جداً طيلة الأشهر الماضية لكن ومنذ ...منذ أن رأيتك تغير كل شيءٍ بداخلي " استدار ناحيتها ليردف وهو يأسرها بحدقتيه : إعصارٌ جديد اجتاح كياني ليبدد الظلمة التي أغرق بها، استفقتُ على نورٍ جديد صرتُ ألاحقه بأمل.. لن أكذب عليكِ يا جمانة، ما زلت لم اتخلص من حبها نهائياً لكن... تلك الرواسب القليلة المتبقية أتمنى أن تساعديني على محوها فلن يستطيع غيرك ذلك "
جمدت ملامحها إثر كلماته الصادقة انتقل بأصابعه ناحية ذقنها ليردف بذات الهدوء: وأوقن أن حبك سيشفيني, بل..... بل هو شفاني حقاً، لا أفهم كيف ومتى ولما تعلقتُ بكِ بهذه السرعة ..لكن ما أنا موقنٌ منه أني بدأت أحبك  اشتاق الحديث معكِ... النظر لعينيكِ...عينيك الساحرتين التين تحتويان أمانا غريباً ودفئا ظاهراً"

كادت أن تنطق لكنه أردف بثقة : ولا تعتبري أن ذلك الشعور الجميل الذي اجتاحني ناحيتك هو مجرد ردة فعل بل هو شعورٌ حقيقي بل وحقيقيٌ جداً, أنا صادقٌ بمشاعري  لا أستطيع إخفائها مع أيٍ كان ..

احنت رأسها إلى الأسفل إثر مجموعة مشاعر اجتاحتها حينها, ما بين حبٍ وأملٍ وحزنٍ وغيرة! بالعادة وما إن يبوح لها أحدهم بمشاعره تستشرس بعنف لكنها معه تصبح ضعيفةً جداً ! غرقتت بالتفكير وهو ما يزال يتأمل ملامحها المضطربة ، أمسك كفها بقبضته فأخذت نفساً عميقاً قبل أن تقول: أقدر مصارحتك أنا ... لا أنكر أنك الوحيد الذي استطعت السيطرة على مشاعري بهذا الشكل.. لربما لصدقك الدائم في الحديث....

اغتال كلماتها ليقول بسرعة: إذن صارحيني بمشاعرك تجاهي إن لم يكن هنالك أملٌ  فقوليها ببساطةٍ لأنسحب من حياتك دون إزعاجك..أو بالأحرى كي لا أتعلق في وهم وسراب كما جرى سابقا فلن أتحمل صدمةً أخرى "

تطلعت فيه بارتباكٍ مجيبة وقالت وهي تهز رأسها بنفي : بما أنك منت صريحاً معي سأكونزصريحة كذلك، أظنني معجبةٌ بك "
شد بقبضته على كفها أكثر بابتسامةٍ أسرتها وهو يسمع اعترافها له... وكم كان اعترافاً رائعاً يسمعه من فتاةٍ ولأول مرةٍ بحياته.
أردفت بعد برهة: لكن ومع ذلك وإذا تكلمنا بالعقل بعيداً  عن العاكفة قد لا أناسبك يا كريم..
ضحك مازحاً: تقصدين من ناحية الطول أليس كذلك!
-لا..أقصد من جميع النواحي الاجتماعية والثقافية..أقصد العادات  وطريقة الحياة المختلفة كليا عنكم...الإعجاب وحده لا يكفي لبناء علاقة ناجحة بيننا.
نهضت هرباً من نظراته التي انكبت عليها قائلة  : هيا لنمشي قليلاً"
فنهض بدوره مستجيباً لها لكنه لم يفلت كفها من قبضته وكأنه يخاف من أن تهرب بعيداً عنه !! كان منظرها مضحكاً وهي تغرق بمعطفه الكبير لكنها بهذه اللحظة بنظره أضحت أجمل نساء الأرض وأشدهن فتنة، وكأنها الآن وهما يسيران تجمع أجزاءه من جديد لتعيد تركيب حياته التي انسابت منه سابقاً ..توقف فجأةً ووقف قبالتها : جميع ما ذكرته ماهو إلا وسوسات وقلق غير مبرر...اتركي نفسك على هواها لمرة...واستمتعي ببساطة هذا الإعجاب الذي تكنيه لي..حاولي تطويره لننجح..نحن خلقنا لنكافح ونناضل سعياً للنجاح العملي والعلمي وتطوير الذات..لماذا نقف عند الموضوع العاطفي ونتخفى خوفاً منه بل نتقهقر ونتراجع، كوني جمانة التي عرفتها القوية المجابهة المحاربة .
قالت بانكسار: القوة قد لا تنجح بأمر الحب..إن كسر القلب مؤلم جداً...

رفع كفيها سويا بكفيه : لذلك علينا أن نحارب سويا يدا بيدا "
ثم لثم كفيها قبلةً طويلة وهو مغمض عينيه وسط اضطرابها .
ولم يلحظو زوج الأعين اللتين تراقبانهما بحقدٍ يطلُ من إحداهما وفرحٍ وتأثرٍ من زوج أعينٍ أخرى !!

********
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.