Siline-amir

شارك على مواقع التواصل


أمجاد سامي أمين العظمى
The great glories of Sami Amin
Les grandes gloires de Sami Amin

الراوي ( ... ليست كل البدايات جميلة ولا سهلة...
فبعضها محزن وبعضها الأخر يفطر القلب...
لكننا وللأمـانة أمام بداية ستصنع وتصقل لنا أعظم بطل...
بطـل حقيقـي سـيغير لاحقـا معالـم وقواعـد اللعبـة داخـل العوالـم كافـة...
بطـل سـيكون -وبـكل فخـر- أعظـم مـن حمـل العصـا السـحرية يومـا ،
وتحـدى كبـار السـحرة، وقـادة وملـوك الجـان و أسـياد الشـر والرعـب
وأمـراء المـوت وكيانـات الظـلام مجتمعيـن...
والأن ... هل أنتم مستعدون لمعرفة كيف بدأ كل شيء ؟ )....

البداية
       علـى سـرير كبيـر داخـل غرفـة متوسـطة الحجـم فـي الطابـق الأرضي لمنـزل متواضـع، تضـع العمـة «كاميليـا» بكل لطف الطفـل «سامي» لينام ... ذلك الصغير الذي فقد مؤخرا كل عائلته في حادث مـرور مـروع، كانـت بدايتـه بمغـص كبيـر أصـاب السـيدة «سـهام» ليـلا بعـد تناولهـا للكثيـر مـن النقانـق، ... ألم شـديد متبـوع بإسـهال حاد جعلهـا تجـزم أنها قد تعرضت لتسـمم غذائي، فاضطـر زوجها لنقلهـا علـى جنـاح السـرعة لأقـرب مستشـفى، و بعـد أن اطلـع الأطبـاء علـى حالتهـا قـرّروا أنهـا بحاجـة لعمليـة فوريـة لغسـل المعـدة، بالإضافـة إلـى حقنهـا بالكثيـر مـن الأمصـال ومضـادات التسـمم مـع قـرار بالإبقـاء عليهـا إلـى غايـة الصبـاح.

     ولأن السـيد «أميـن» لا يمكنـه تـرك ابنه الصغيـر ذو الخمس سنوات داخـل المستشـفى طيلـة الليل، فقـد قـرّر أن يعـرج بـه علـى منـزل شـقيقته السـيدة «كاميليـا» ليتركه عندهـا ليقضي ليلتـه هناك، ثـم يعـود مسـرعا للمستشـفى لمتابعـة حالـة زوجتـه عـن كثب.
   
      في صباح اليوم الموالي وبعد استقرار كامل وتام لحالة السيدة «سـهام»، فإن الطبيـب المنـاوب قد رخّصَ لها بالخـروج مع توصية بأن تلتزم بمواعيد الأدوية.

     تغـادر رفقـة زوجهـا وهـي سـعيدة بسـلامتها مـن هـذه التجربـة الفظيعة والمؤلمـة، و فـي الطريـق تطلـب مـن زوجهـا أن يتوجـه مباشـرة لبيـت شـقيقته «كاميليا» مـن أجـل اسـتعادة ابنهما الـذي اشـتاقت لـه جـدا، وهـي لا تعلـم أن القَـدَرَ قـد رَسَـمَ لعائلتهـا مسـارًا مروعـا.

    في الاتجاه المعاكس للطريق، هناك شاحنة كبيرة لنقل الوقود قادمة بسرعة كبيرة لأن صاحبها فقد السيطرة عليها، والذي قرّر أن ينعطـف بهـا ويُخرِجهـا مـن الطريـق تجنبـا للأسوء، لكن الـذي حـدث هـو عكـس ما خطط لـه تمامـا ... فبينمـا انعطفـت مقدمـة الشـاحنة بقوة ناحيـة اليميـن وخرجـت مـن الطريـق ، فـإن الخـزّان الكبيـر قد انفصل عنها وواصـل طريقـه بعـد أن انقلـب وعَبَرَ للجهـة الأخرى، ... والنتيجـة مجـزرة مروريـة تحدثـت عنهـا وسـائل الإعـلام لأيـام ... ثلاثـة عشـر قتيـلا مـن بينهـم السـيد «أميـن» وزوجتـه السـيدة «سـهام» فـي مشـهد مـروّع جـدا ... وهكـذا أصبـح الفتـى يتيمـا وفـي عهـدة عمتـه «كاميليـا» إلى الأبد.

    خبـر وفـاة السـيد «أميـن» وزوجتـه نـزل كالصاعقـة علـى السيدة «كاميليـا» وزوجهـا ... فمـن جهـة فقـدت شـقيقها الوحيـد، و مـن جهـة أخـرى أصبحـت مضطـرة للتكفـل التـام بالفتـى.

    الآن، وبعـد مـرور شـهر كامـل علـى الحـادث يبـدوا أن الطفـل قـد بدأ بالتعود على حياته الجديدة، وعلى عمته وزوجها لكنه لم ينسى أمـه ، فهـو يسـأل عنهـا يوميـا خصوصـا عندمـا يحيـن وقت النوم.

    السيدة «كاميليـا» بعـد أن أطعمـت الفتـى وقدمـت لـه كوبـا كبيـرا من الحليب، ثم غيرت له ملابسـه ... تضعه على السـرير لينام، بينما يسألها هو بـكل بـراءة قائلا « عمتـي «كاميليـا» متـى تأتـي أمـي ؟ لقـد اشـتقت لهـا كثيـرا » تـرد عليـه وهـي تقـوم بتغطيتـه « لقـد تحدثنـا كثيـرا حـول هـذا الموضـوع، أمـك صعـدت إلـى السـماء ولـن تعـود »
_وماذا عن أبي ؟
_ذهـب معهـا ليحرسـها، وهمـا الآن يراقبانـك وأنـت لا تريـد أن تغضبهمـا .
_كلا يا عمتي ...
_إذن نم جيدا لتكبر بسرعة وتصبح قويا مثل والدك.
_أخاف من النوم لوحدي يا عمتي، أريد أن أنام معك .
_أنـت الآن تريـد إغضابـي، بالعـودة إلـى نفـس الموضـوع فـي كل مـرة.
_ ولكـن لا توجـد أي مخلوقـات شـريرة، إنهـا موجـودة فـي مخيلاتنـا فقـط ... هكـذا أخبرنـي أبـي .
_بل توجد يا «سامي»، ... وهناك الكثير منها في غرفتي، وعمك «أسعد» وأنـا نحاول جاهدين منعها من الوصول إليك والتهامك.
_أنا خائف ...
_لا تخـف، طالمـا أنـت هنـا و لـن تدخـل غرفتـي سـتكون بأمـان، ولن أسـمح للوحش بالوصول إليك، أنا أحتجز الغـول الشـرير داخل خزانـة الملابـس، ثـق تمامـا أنـك بأمـان هنـا .
_ حسنا، لكن رجاء لا تطفئي الأنوار يا عمتي .
_اتفقنا ...

    تخرج العمة وتغلق الباب على الطفل الصغير الذي بدأ يسرح بعيدا بخياله، يفكر في الغول داخل الخزانة و في كل تلك المخلوقات والكيانات الشريرة التي وصفتها وتصفها له عمته يوميا ...

    هكـذا هـي معظـم أيـام وليالـي الفتـى المسـكين، محتجـزا داخـل غرفتـه يشـاهد التلفـاز، يتنـاول الطعـام وينـام لوحـده، وإن كان محظوظا سيحظى ببعض الوقت مع زوج عمته الحنون ليلعب معه ويحكـي لـه بعـض القصـص، وفـي أيـام العُطـل الأسـبوعية والمناسـبات فـإن السـيد «أسـعد» لـم يفـوت فرصـة واحـدة لأخـذه لزيـارة مدينـة الألعـاب أو حديقـة الحيوانـات، حتـى إنـه أخـذه مرتيـن لزيـارة السـيرك بعـد أن حـط رحالـه علـى أطـراف المدينـة، وجعلـه يشـاهد الكثيـر مـن المهرجيـن و ألعـاب الخفـة وحيوانـات متنوعـة تقـوم باسـتعراضات بهلوانيـة، منهـا القـرود والدببـة والزرافـات وبعـض الأحصنـة القزمـة، كمـا أنهمـا تناولهـا معـا الكثيـر مـن الفوشـار والكعـك المُحَلَّـى، ... حتـى جـاءت تلـك الليلـة المشـؤومة، ليلـة ليسـت ككل الليالـي لأنهـا سـتغير مصيـر الفتـى للأبـد، ... ليلـة شتوية مظلمـة وبـاردة وممطـرة تخللتهـا عاصفـة هوجـاء،... أصـوات الرعـد تصـم الآذان، والريـاح الشـديدة لـم تتوقـف لحظـة واحـدة وهـي تـزداد قـوة بوتيـرة تصاعديـة، ولشـدتها فقـد أيقظـت الفتـى مـن نومـه بعـد أن فتحـت النافـذة بعنـف وأحدثت فوضى كبيـرة داخـل غرفتـه...

    ولأن المصائـب لا تأتـي فُـرادى فقـد حـدث انقطـاع فـي التيـار الكهربائـي ... ظـلام دامـس يسـود كامـل البيـت، وخـوف شـديد يتملـك الطفـل الصغيـر الـذي بـدأ بالبـكاء والصـراخ بهسـتيريا، يصـرخ ويصـرخ ويصـرخ وينـادي بأعلـى صوتـه علـى عمتـه وعلـى زوجهـا، لكـن الغرفة بعيدة وصوت الرياح أقوى ليقرر التوجه إلى غرفة عمته ... قلبه يخفق بشـدة وهو يرتجف خوفا، وكل ما يملكه الأن هو ذاكرته الصغيـرة التـي تحفـظ الطريـق إلـى غرفـة عمتـه نظريـا فقـط لأنـه لـم يسـبق لـه دخولهـا ... ولحسـن حظـه فتصميـم البيـت بسـيط وغرفـة العمـة هـي آخـر واحـدة فـي نهايـة الـرواق الطويـل.

    هنـاك ... فـي آخـر الـرواق نـور خافـت ينبعـث مـن تحـت البـاب، ربمـا هـو نـور شـمعة، وهـو النـور الوحيـد فـي كامـل المنـزل لكنـه علـى الأقـل يرسـم الطريـق بوضـوح وسـط الظـلام الدامـس ... يتوجـه الفتـى بسـرعة وهـو يبكـي، يمـر بجانـب المطبـخ وصالـة الضيـوف الكبيـرة ثـم الحمـام ثـم يمـر بجانـب بـاب يقـود للقبـو، وبعدهـا بـاب غرفـة نـوم الضيـوف قبـل أن يصـل أخيـرا لغرفـة العمـة ... يفتـح البـاب فيشـاهد عمتـه وهـي تحمـل مخلوقـا مشـوها بيـن ذراعيهـا ! ... مشـهد رهيـب سـينطبع فـي ذاكرتـه الصغيـرة لمـا تبقـى مـن حياتـه، ... تصـرخ العمـة فـي وجهـه وتسـارع لتغطيـة مـا تحملـه بيـن ذراعيهـا بينمـا يسـارع زوجهـا إلـى البـاب، ويحمـل الطفـل الـذي بـدأ فـي الصـراخ بهسـتيريا، بعـد أن رأى أحـد الوحـوش أخيرا بـأم عينيـه .

   يحمـل السـيد «أسـعد» الطفـل الـذي تمسـك بـه بشـدة وهـو يرتجـف، يأخـذه لغرفتـه... يضعـه فـي فراشـه بعـد أن أوقَدَ له عـدة شـمعات، وأغلـق النافـذة جيـدا وهـدّأ مـن روعـه، ثـم جلس معـه علـى طرف السـرير، لكـن الفتى لا يـزال متمسـكا بـزوج عمتـه بكلتـا يديـه الصغيرتيـن وينظـر فـي عينيـه قائـلا « عمـي «أسـعد» مـن كان ذلـك الوحـش؟ » يـرد عليه « لقـد حذرنـاك مـن دخـول الغرفـة، هنـاك وحـوش كثيـرة تريـد التهامـك ونحـن نمنعهـا مـن ذلـك، والوحـش الصغيـر الـذي رأيتـه منـذ قليـل كان لا شـيء مقارنـة بالغـول الـذي نحتجـزه داخـل الخزانـة » .
_صفه لي يا عمي .
_حسـنا، ... الغـول وحـش لا يقهـر، يـأكل الأطفـال لونـه أسـود ويشـتعل نـارا، لـه قـرون كبيـرة كقـرون الشـيطان وأسـنانه مـن حديـد وعيونـه حمـراء تتقـد نـارًا و شـرًا، وهـو ضخـم جـدا وإذا تحـرر أو أحـس بالجـوع سـيبدأ فـي التهـام الأطفـال .
_أنـا خائـف جـدا يـا عمـي ، هـل يمكـن أن تنـام معـي الليلـة وأن تحكـي لـي بعـض الحكايـات الجميلـة ؟
_حسنا، هذه المرة فقط يا «سامي».

    بعـد جهـد ووقـت، وبعـد الكثيـر مـن القصـص المشـهورة التـي يحفظهـا السـيد «أسـعد» بالإضافـة إلـى بعـض القصـص التـي ألَّـفَهَا لِتَـوِّه ينـام الطفـل بـكل بـراءة، ... وبعـد دقائـق فقـط مـن نومـه تعـود الكهربـاء، السـيد «أسـعد» يطفـئ الشـمعات، ثـم يقـوم بتغطيـة الطفل جيدا ويغادر الغرفة ببطء وحذر شديدين، يتوجه إلى غرفته فيجـد زوجته لا تـزال مسـتيقظة ... تنظـر إليـه دون أن تتكلـم وكأنهـا تنتظـر منـه عرضـا عـن حالـة الطفـل، فيسترسـل قائـلا « لقـد نـام ... وقـد اسـتغرق وقتـا طويـلا حتـى هـدأ، لقـد كان خائفـا جـدا مـن النافـذة المفتوحـة ومـن صـوت الريـاح، وانقطـاع الكهربـاء هـو مـا زاد الطيـن بلـة » ... هكـذا قـال وهـو ينظـر إلـى ابنـه «محمـود» ليتأكـد إن كان نائمـا، ردت عليـه زوجتـه قائلـة « إبتـداءً مـن الغـد سـأغلق عليـه باب غرفتـه بالمفتـاح، لـن نسـمح بمفاجـأة أخـرى مثـل هـذه »...
_كلا، فقـد يحـدث لـه شـيء أو يـؤذي نفسـه ... ولا تنسـي أننـا نتحـدث عـن طفـل صغيـر فـي الخامسـة مـن عمـره بمثـل عمـر ابننـا .
_لكن «سـامي» مجرد طفل، ولا يعرف ما معنى أن يكتم سِـرًّا ، سـيخبر الجميـع عـن «محمـود»، ... وأنـا لـن أحتمـل نظـرات الشـفقة مـن أحـد، لـن أسـمح لأحـد بالتنمـر علـى ابننـا، لـن أسـمح للصحافـة أن تعثـر علـى مـادة دسـمة لأقلامهـا ولا للأطبـاء أن يعثـروا علـى فـأر تجـارب ... لقد اتفقنا على إبعاده عن الجميع ، وأن نوفر له كل الحب والحنان مثـل باقـي الأطفـال حتـى يُحـدِثَ الله أمـرا .
_ولكـن يـا عزيزتـي نحـن أمـام مشـكلة أخلاقيـة حقيقيـة، لدينـا طفـل يتيـم علينـا تربيتـه ومنحـه كل مـا يلـزم مـن حـب و حنـان وعطـف وعائلـة ؟
_وهل فعلنا شيئا غير هذا ؟ ولا تنسى أنك تتحدث عن ابن أخي وأنا أقرب إليه و أولى به منك .
_ولكن «سامي» سيكتشف أمر «محمود» آجلا أم عاجلا .
_نعـم، ... لكـن ليـس الآن، علـى الأقـل عندمـا يكبـر سـيتفهم الأمـر .

    يتنهـد السـيد «أسـعد» مطـولا، ثـم يصعـد إلـى سـريره، ينـزع نظارتـه ويضعهـا جانبـا ويلتفـت إلـى زوجتـه قائـلا « حاليـا لقـد صـدّق وجود الوحـوش والغـيلان فـي داخل هـذه الغرفـة، لـن يتجـرأ علـى دخولهـا مـرة أخـرى لسـنوات علـى الأقـل »
                                                   ... يتبع

1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.