Siline-amir

شارك على مواقع التواصل

                         الأفتـار

    الآن إنهـا تمـام السـاعة صفـر، منتصـف الليـل، الهـدوء يسـود المـكان والجميـع يغـط فـي نـوم عميـق عندمـا تتشـكل هالـة كبيـرة مـن النـور والضبـاب والنجـوم البراقـة داخـل غرفـة الفتـى، ويخـرج منهـا رجـل هزيـل بـلا ملامـح، مجـرد ظـل بشـكل مخيـف ... ينظر يمينا وشمالا قبل ان يقتـرب مـن الفتـى ويهمـس فـي أذنـه قائـلا « «سـامي»، ... «سـامي»، اسـتيقظ ... أنـتَ مطلـوبٌ فـي عالـم الخيـال »

     يسـتيقظ الفتـى مرعوبـا، فيشـاهد الظـل المتجسـد أمامه فيشهق شهقة واحدة كبيرة ... أنفاسه متسارعة وقلبه يخفق بشدة، و مـن شـدة الخـوف لـم يسـتطع أن يتحـرك أو أن يصـرخ، وكل مـا أسـتطاع فعلـه هـو متابعة الظـل المتجسـد أمامـه بعينيـن جاحظتيـن .

    الأفتار بعد أن لاحظ خوف الفتى تراجـع خطوتيـن للـوراء قائـلا « لا تخـف يـا «سـامي» ... أنـا أفتـار والـدك، نحـن فـي مشـكلة كبيـرة داخـل عالـم الخيال، ونريد منك أن تساعدنا » فيرد الفتى بصعوبة كبيرة وصوت مرتعـش « أنـت وحـش تريـد النيـل منـي» ...
_ كلا يا «سامي» ،... أنا أفتار والدك، لا تخف .
        _أنت لا تشبه أبي، أنت بلا ملامح .
_وهل تتذكر ملامح والدك يا «سامي» ؟!..
        _ماذا تريد مني ؟
_نحن في مشكلة حقيقية وأنت فقط من يستطيع مساعدتنا .
        _كيف ولماذا ؟
_لأنك جزء من المشكلة وجزء من الحل .
         _اية مشكلة ؟
_عالـم الخيـال، ... عالـم الخيـال سـينهار، عليـك أن تأتـي معـي بسـرعة .
         _أنا خائف .
_لا تخـف يـا «سـامي»، أنـت مـن الآمنيـن، وأغمـض عينيـك وأنـا سآخذك معي لعالم الخيال والأحلام وهناك فقط ستفهم كل شيء.

   يغمـض الفتـى عينيـه بحـذر وخوف فتتشـكل تلـك الهالـة الضبابيـة مجـددا ... « والآن افتـح عينيـك يـا «سـامي» ... »

« واو، ... مـا هـذا المـكان الجميـل والرائـع ؟ ... » هـذا مـا قالـه الفتـى وهـو يتفحـص المـكان بعينيـه، مـروج خضـراء وغابـات، سـماء صافية مع قوس قزح في الخلفية، أزهار، فراشات، طيور، أرانب .. و هناك في الخلف توجد شجرة كرز يقف بجانبها حصان أبيض مجنح بقـرن أبيـض وحيـد يتوسـط جبهتـه، بعدهـا تمُـرُّ بجانبـه «السـندريلا» وهي تركب العربة المزخرفة ويتبعها الأقزام السبعة في اتجاه الغابة، ثم يتبعها جيش كامل من السنافر مسلحين بكل ما يمكن استعماله سـلاحا، ثـم يرفـع رأسـه عاليـا فـي اتجـاه السـماء فيشـاهد «السـندباد» على البساط السّحري يقود أسرابا كبيرة من الطيور والحمام والبوم و اللقلـق وكلهـا فـي اتجـاه واحـد.
«سامي» متسائلا « ماذا يحدث وأين يتجهون؟ »
_ لحمايـة مـا تبقـى مـن أرض الخيـال، والآن اتبعنـي ولا تضيـع الوقـت .
        _أين ستأخذني؟
_لمجلس الحكماء، إنهم في انتظارك داخل الكهف العظيم .

    يقتـرب الاثنـان مـن جـرف صخـري فيجـدان «علـي بابـا» فـي انتظارهمـا، « إنـه «علـي بابـا» ... إنـه «علـي بابـا» ... » هـذا مـا قالـه «سامي» وهـو يشـير بيـده إليه وكأنـه غيـر مصـدق لمـا يـرى، أمـا «علـي بابـا» فلـم يلتفـت كثيرا لما قاله الفتى وكأنه مستعجل، وكل ما فعله هو مخاطبة الأفتار قائلا « لماذا تأخرتم كل هذا الوقت يا سيد «أمين» ؟ » قبل أن يلتفت إلى الصخرة العظيمة قائلا بصوت عالٍ « إفتح يا سِمْسِمْ » ... فتنزاح صخرة هائلة الحجم إلى اليمين ليظهر خلفهـا كهـف عظيـم، ويجـدان فـي اسـتقبالها سـلاحف النينجـا الأربعـة المكلفيـن بحراسـة وحمايـة الكهـف، يسـتقبلون «سـامي» مبتسـمين ومُرَحِّبِين.

      «سامي» لم يصدق عينيه حتى قام بفركهما ليتأكد مما يرى، ... يخاطبـه «دوناتيلـو» قائـلا « مرحبـا بـك فـي عالـم الخيـال يـا «سـامي» » ثم يُعقب «رافاييل» وهو يشـير بيده « رجاء اتبعنا إلى الداخـل وهنـاك سـتفهم كل شـيء » يمتثـل الفتـى ويتبعهـم إلـى داخـل الكهف حيث يجد غرفة عظيمة، وفي وسـطها طاولة مسـتديرة وبجانبهـا حكمـاء أرض الخيـال الخمسـة، وهـم واقفـون و يتشـاورون فيما بينهم، وهم كل من «المعلم سـبلينتر» في الوسـط وعلى يمينـه كل مـن « سـنفور حكيـم» و «بوكاهانتـس» ، وعلـى يسـاره «بابـا نـوال» ثـم «قـزم حكيـم».

     المعلـم «سـبلينتر» مبتسـما « مرحبًـا بـك داخـل عالـم الخيـال يـا «سـامي» »
«سـنفور حكيـم» معقبـا « لقـد سـببت لنـا مشـكلة كبيـرة يا فتى وعالمنـا سـينهار بسـببك، وسـيحل الشّـر والظلام ويضيـع عالمنـا وبعـده عالمكـم إلـى الأبـد »
_أنـا لا أدري عمـا تتحدثـون، حتـى إنـي غيـر مصـدق لوجودكـم، أنـا أحلـم بالتأكيـد .
«قـزم حكيـم» وقـد ابتسـم للفتـى قبـل أن يقتـرب منـه قائـلا « كلا، أنـت لا تحلـم يـا «سـامي»، ركـز معـي واسـمعني جيـدا و سأشـرح لـك المشـكلة بالتفصيـل، هـذا العالـم هـو عالـم الخيـال وهـو عالـم وسـيط بيـن عالمـك الحقيقـي الـذي جِئـتَ منـه وبيـن بقيـة العوالـم الأخـرى، ... هـذا العالـم يحتـوي علـى الأفتـار الخـاص بـكل شـخصية يحلـم بهـا الأطفـال، كل أحـلام الأطفـال وخيالهـم وأمانيهـم تتشـكل هنـا كما حلموا بها تماما وبنفس الشـكل والقوة، أما المشـكلة فهي تشـكل أفتـار مرعـب وخبيـث منـذ سـبع سـنوات، ومـن يومهـا وهـو يـزداد قـوة وشـرًا ورعبًا، لقد سـيطر على معظم أراضي عالم الخيال وحَوَّلَهَا إلى دمـار شـامل، إنـه يـزداد قـوة مـع كل نفـس مـن أنفاسـك يـا «سـامي»، إنـه الغـول أقـوى أفتـار فـي عالـم الخيـال، إذا سـيطر علـى مـا تبقـى مـن أراضي عالـم الخيـال فـإن عالمكـم سـيرتبط تلقائيـا ببقيـة العوالـم وسـتتحرر كل المخلوقـات الشـريرة وسـتنتهي البشـرية إلـى الأبـد »
«بابـا نـوال» معقبـا « إذا نجونـا نحـن نجوتـم أنتـم وإذا هلكنا ستهلكون، ... مصيـر عَالَمَيْنَـا مرتبـط يـا «سـامي» »
_ ولكن هناك الكثير من الأطفال يحلمون بمخلوقات شريرة .

    تجيبه «بوكاهانتس» « هـذا صحيـح لكـن أحلامهـم وتخيلاتهـم لا تـدوم كثيـرا وهـو مـا يضعـف المخلـوق الشـرير في النهاية، ويجعلنـا قادريـن علـى السـيطرة عليـه بسـهولة »
_ولماذا لا تواجهونه كلكم كرجل واحد وتقضون عليه .

    يرد عليه «قـزم حكيـم» « ومـاذا تعتقـد كنـا نفعـل طـوال هـذه المـدة ؟!.. الغـول قـوي جـدا وقـد صنـع جيشـا لا يقهـر ...حاليـا لقـد أرسـلنا كل شـخصيات عالـم الخيـال إلـى حـدود الغابـة الشـمالية وكل مـا يستطيعون فعله هو حماية ما يمكن حمايته ومحاولة إيقاف تقدم الغـول وجيشـه... لكـن ليـس لوقـت طويـل »
«المعلـم سـبلينتر» « أنـت مـن صنـع هـذا الغـول وأنـت فقـط مـن يسـتطيع الوقـوف فـي وجهـه والقضـاء عليـه يـا «سـامي»، المواجهـة بينكمـا قـدر محتـوم، عليـك مواجهـة مصيـرك يـا بنـي »

    فـي هـذه اللحظـة يصـل أرنـب «سـاعي البريـد» ، وهـو أرنـب أبيـض فـي حجـم الكلـب، يضـع نظـارات بإطـار أسود سميك ويحمل محفظة جلدية بنية اللون على ضهره، يتوقف أمـام الحكمـاء ويقـف علـى رجليـه منتصبا قبـل أن يفتـح محفظتـه ويُخْـرِجَ منهـا رسـالة واحدة يسـلمها لسـنفور حكيـم، والـذي سـارع بفتحهـا والإطلاع عليها بتركيز كبير.

«بوكاهانتـس» متسـائلة « مـاذا هنـاك يـا سـيد «سـنفور حكيـم»؟ » يجيبهـا « إنـه الغـول، لقـد سـيطر علـى الغابـة الشـرقية بواسـطة جنـوده المسـتذنبين والمسـوخ بعـد معركـة داميـة ».
«بابا نوال» « تلك الغابة يحرسها «روبن-هود» ومجموعته؟ »
_نعـم، وحسـب الرسـالة هنـا فـإن جنـود الغـول حيـن عجـزوا عـن التقـدم والسـيطرة أحرقـوا الغابـة بمـن فيهـا، ... و بفقدانهـا فقدنـا الجـزء الشـرقي تمامًـا .

    يتنهد «المعلـم سـبلينتر» ، ثم يتقدم إلـى «سـامي» وهو يشير بيـده إلى الأمام قائـلا « رجـاء اتبعنـي من هنا يـا «سـامي» »

    يتقدمـان قليـلا داخـل الكهـف ثـم يشـير بيـده مرة أخرى فيختفـي كل شـيء، لِتظهـرَ فجـأة شـجرة تـوت عملاقـة مـن العـدم، بعدها يلتفـت للفتـى قائـلا « الوقـت يداهمنـا يـا «سـامي» ونحـن نفقـد مناطـق كبيـرة كل يـوم، لقد فقدنا حتى الأن أكثر من ثلاثة أرباع عالم الخيال، البارحـة فقـط فقدنـا ثاني أكبر مدينة في أرض الخيال، وقبلها فقدنا معظم شخصياتنا ومعظـم أراضينا ، ..أنـت الأن ضعيـف جـدا ولا يمكنـك مواجهـة الغـول، عليـك أولا بِبناء ثقتـك بنفسـك، لأنهـا سـلاحك الحقيقـي فـي مواجهـته، عليـك الإيمـان بقدراتـك ... عليـك أن تكـون شـجاعا، سـيرافقك أفتـار والـدك إلـى عالـم الحقيقة، أنـت بحاجـة الـى مدرب، أنـت بحاجـة للمساعدة، أنـت بحاجـة إلـى حماية وقدوة، سـنعمل على تزويدك ببعض الأسلحة لمواجهة خصمك، وأهم سلاح يمكنك اسـتعماله للقضاء على الغـول هو ''العصا السّـحرية''، لكنها لن تسـمح لـك بحملهـا واسـتعمالها إلا إن كنـت مقاتـلا مـن المسـتوى العاشـر علـى الأقـل، ... والآن عليـك العـودة إلـى عالمـك الحقيقـي حتـى لا يفتقـدك أحـد أو يحـس بغيابـك وابتـداءً مـن ليلـة الغـد سـنبدأ تدريبـا شـاقا ومكثفـا مـن أجـل تأهيلـك لمواجهـة مخاوفـك قبـل مواجهـة الغـول، ... سيكون تدريبا قاسيا ستواجه خلاله وحوشا ومخلوقات لا ترحم، لكنها لن تكون أسوأ من نسختك الحالية، إذا أردت أن تكون «سـامي» الذي نأمل ، فعليك أن تتغلب على نفسك ... إذا أردت أن تكون «سـامي» الذي سيهزم الغول وينقذ عالم الخيال فعليك ان تواجه نفسك وتُأمِنَ بقدراتك وتهزم ضعفك، أغمـض عينيـك يـا «سـامي» وفكـر فـي سـريرك وغرفتـك » .

    فـي اليـوم الموالـي يسـتيقظ الفتـى داخل سـريره « لقـد كان حلمًـا » هـذا مـا قالـه وهـو ينظـر إلـى القفـص الحديـدي، «بوبـي» ... سأسـميك «بوبـي»، يقـوم بـكل حيويـة ونشـاط ويتجـه إلـى قفـص القـارض عندمـا يُحِـسُّ بـأن أحدهـم قـد تحـرك خلفـه، يرتعـب ويتجمـد فـي مكانـه، ثـم يلتفـت ببطء ناحيته و يقول له بصوت مرتعش « مـن أنـت ؟ هـل أنـت وحـش ؟ »
_كلا، أنا أفتار والدك، هل نسيت بهذه السرعة ؟
        _ولكن ... ! ولكن هذا كان مجرد حلم ؟
_ ليـس حلمـا يـا «سـامي»، أنـا مكلـف بمرافقتـك وحمايتـك وتدريبـك وتقديـم النصائـح لـك، أنـا مـلاكك الحـارس .
       _رائـع ... الآن أصبـح لـدي مـلاك حـارس، ولكـن لمـا أنـت هزيـل هكـذا ؟
_ لأنك لم تعد تؤمن بي منذ وقت طويل .
       _ملامحك مخيفة ؟
_ملامحي ستعود إلي عندما تتذكر وجهي يا «سامي».

    يسـارع الفتـى إلـى طاولتـه الصغيـرة ، ويفتـح درجـا تحتهـا ويخـرج منـه ألبـوم الصـور، ثم يبدأ بتقليب صفحاته بسرعة وهو يبحـث عـن صـورة والـده، يجدهـا ينظـر إليهـا ثـم ينظـر إلـى أفتـار والـده فيجـده لـم يتغيـر، ولا يـزال بـلا ملامـح ؟ فيواجهـه قائـلا « أنـت بـلا ملامـح و لـم تتغيـر ؟ »
_نعـم، لأنـك نظـرت إلـى الصـورة ، لكنـك لـم تتخيلهـا أو تحلـم بهـا .
_آه ... لقد فهمت ... هكذا قال الفتى بعد أن أمسك بألبوم الصور بكلتا يديه ، ثم أغمض عينيه و بدأ في تخيّل والده ينظر إليه ويبتسم، ... بعدها يفتح عينيه فيجد بأن الأفتـار قـد كَسَـبَ مَلَامِـحَ والـده وهـو يبتسـم، ... يرمـي بالألبـوم أرضـا وينطلـق مسـرعا فـي اتجاهـه قائـلا « أبـي، ... أبـي » ويحـاول أن يحضنـه ، فيجده مجرد غيمة ضبابية تلاشت وتجمعت ثانية في الجهة الأخرى مـن الغرفة.
_يا «سامي» ... أنا أفتارُ والدك الذي كنت تحلم و تتمنى أن يكون هكـذا، أنـا مجـرد انعـكاس لتفكيـرك الخيالـي بوالـدك، أنـا مـرآة مـن عالـم الخيـال، أنـا غيـر موجـود علـى أرض الواقـع، ... وتذكـر دائمـا أنـك الوحيـد علـى هـذه الأرض مـن يسـتطيع رؤيتـي وسـماع صوتـي .

    فـي هـذه اللحظـة يُفتـح بـاب الغرفـة فجـأة وتدخـل العمـة «كاميليا» كعادتها دون استئذان قائلة « ما هذه الجلبة يا «سامي» ؟ مع من كنت تتحدث ؟ » ينظر الفتى بغرابة إلى عمته الواقفة بجانب الأفتـار لكنهـا لـم تتمكـن مـن رؤيتـه ! و الـذي كان يشـير إليـه بالصمـت، ثـم يجيـب عمتـه قائـلا « أنـا أتحـدث مـع «بوبـي» يـا عمتـي، لقـد اختـرتُ لـه اسـم «بوبـي» » ويشـير بيـده لقفـصِ القـارضِ الصغيـر.
_ هذا اسم جميل، والآن هيا لتتناول الفطور.
_ نعم يا عمتي، سأغير ملابسي وأحضر بسرعة .

    تخـرج العمـة وتغلـق البـاب ورائهـا، بينمـا ينظـر الفتـى إلـى أفتـار والـده قائـلا « والآن كيـف سـأغير ملابسـي فـي وجـودك يـا أبـي؟ »
_سألتفت يا «سامي» ولن أسترق النظر .
_أنا أقترح أن تنتظرني خارجا، سيكون أحسن لكلينا .
_حسنا، كما تريد أيها البطل الكبير ... هذا ما قاله الأفتار وهو يتلاشى.

    يغيـر الفتـى ملابسـه بسـرعة ويتنـاول إفطـاره ثـم يوصـي العمـة بإطعـام الهامسـتر والاعتنـاء بـه إلـى حيـن عودتـه مـن المدرسـة .
« حسـنا، اعتمـد علـي يـا «سـامي» » هـذا مـا قالتـه العمـة وهـي تنظـف طاولـة الإفطـار، ثـم تواصل قائلـة « إنـه صـوت حافلـة المدرسـة، لقـد تأخـرت كثيـرا اليـوم »
_نعم، أنا ذاهب يا عمتي .

    يخـرج الفتـى بسـرعة فيشـاهد حافلـة المدرسـة الصفـراء فـي انتظاره ومن إحدى نوافذها يشاهد أفتار والده الذي يشير إليه بيده ويطلـب منـه الإسـراع ، يصعـد «سـامي» فيجلـس بجانـب الأفتـار، ... تنطلـق الحافلـة بأكثـر مـن عشـرة أطفـال مـن بينهـم «وليـد» وعصابتـه الصغيرة، والذي وقف من مكانه في الصف الأخير واتجه مباشرة إلى حيـث يجلـس «سـامي» قائـلا « أنـت متأخـر اليـوم يـا غريـب الأطـوار ،... هـل كنـت مـع الوحـوش والغيـلان؟ » قهقهـات مـن جميـع الأطفـال وسـط فوضـى كبيـرة .

     يلتفـت سـائق الحافلة قائـلا « هـدوء ، هـدوء » ... ثم يشـير بيـده إلـى «وليـد» مواصلا « وأنـت توقـف عـن ازعـاج الفتـى »

     يصمت «وليـد» إمتثالا لأوامر السائق، أمـا الأفتـار وبعـد أن تابـع الموقـف قـال « يجـب أن تضعـه عنـد حَـدّهِ يـا «سـامي» ، لا تسـمح لـه بالتمـادي أكثـر مـن هـذا » .
_إنه قوي جدا يا أبي، ولديه عصابة أيضا .
_قوتـه اكتسـبها مـن ضعفـك يـا ولـدي، هـو مجـرد طفـل مثلـك لديـه نقـاط قـوة ونقـاط ضعـف .
_ لكنه ضخم وقوي.
_وأنت ذكي وسريع الحركة ، وهذه لصالحك .

    فـي هـذه اللحظـة فـان «وليـد» يشـير بإصبعـه إلـى «سـامي» قائـلا « ههههه ، أنظروا جميعا لقد فقد عقله ويتحدث مع نفسـه هاهاها ... »
قهقهـات وضحـكات مـن جميـع الأطفـال بينمـا يطأطـأ الفتـى رأسـه .
_لا تنسى أنـك الوحيـد علـى هـذه الأرض مـن يستطيع رؤيتي وسماعي، أنـا غيـر موجـود بالنسـبة لهـم ! ... ومـن الآن فصاعـدا لـن تسـمع صوتـي إلا داخـل عقلـك ... ستسـمعني مـن خـلال الأفـكار فقـط وعليـك أن تخاطبنـي بنفـس الطريقـة ونفـس الأسـلوب ... هكـذا.

     يلتفـت الفتـى ناحيـة الأفتـار متعجبـا وقائـلا داخـل رأسـه « مـاذا ؟! ... أنـت داخـل عقلـي ؟»
ليـرد عليـه مبتسـما « أنـت أيضـا داخـل عقلـي ... و الآن إهـدأ ولا تَقُـم بـأي فعـل من شأنه أن يثيـر الأطفـال أكثـر »

1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.