Siline-amir

شارك على مواقع التواصل


تتوقـف الحافلـة عنـد مدخـل المدرسـة، وينـزل منهـا الأطفـال ويتجهـون إلـى سـاحة المدرسـة، أمـا «وليـد» فيخطـط كعادتـه لإيـذاء «سـامي»، يتبعـه مـن بعيـد رفقـه مجموعتـه الصغيرة ويحاصرونـه، ثـم يتقـدم إليـه قائـلا « يـا غريـب الأطـوار، لمـا لا تذهـب إلـى مستشـفى المجانيـن مكانـك هنـاك »
_ دعنـي وشـأني ... هكذا قال «سـامي» وهـو يحـاول الهـرب مـن غريمـه الـذي أمسـكه مـن المحفظـة قبـل أن يأخذهـا منـه بالقـوة، ... يفتحهـا ويبـدأ فـي إفراغ محتوياتهـا أمـام الجميـع سـاخرًا، بينمـا بقيـة الأطفـال يضحكـون.
_أنـت الآن مجبـر علـى رد الاعتبـار لنفسـك و لكرامتـك يـا «سامي»، عليك مواجهته، وأنا سأساعدك هذه المرة فقط ... هكذا قال الأفتار وهو يشير بيـده لِتبـدأ سُـيُورُ أحذيـة «وليـد» بِربـط بعضهـا البعـض دون أن ينتبـه لهـا احد بآستثناء «سامي».
_والآن يـا «سـامي» سـأقف خلـف «وليـد» وسأمسـكه مـن يديـه الاثنتين وكل ما عليك فعله هو لكمه بشدة .
_ولكن يا أبي أنا ...
_بـدون ولكـن، ... لا تضيـع الوقـت ولا تنسـى أن تنظـر فـي عينيـه مباشـرة وأنـت تلكمـه، عليـك مواجهـة المشـكلة بـكل ثقـة نفـس، ولا تنسـى أنـي موجـود ولـن أسـمح لـه أو لغيـره أن يؤذيـك ... هكـذا قـال الأفتـار وهـو يَلتـفُّ بسـرعة خلـف «وليـد» الـذي لا يـزال يضحـك ويقهقه بقوة ثم يشير بإصبعه لسامي قائلا « هيا اجمع هذه القمامة يـا غريـب الأطـوار»
_ شَمِّرْ على ذراعيك يا «سامي» سَيُربِكُهُ ذلك، هيا بسرعة.

يتجمّدُ الفتى في مكانه وهو لا يعلم ماذا عليه أن يفعل ؟ فقد اختلطت عليه المشاعر بين الإحراج أمام أقرانه وبين الخوف من غريمه وحتى الشكِّ في نفسه... لكن اكثر المشاعر وضوحا كان الخوف ، بينما الأفتار يزأر بقوة قائلا « شَمِّرْ على ذراعيك يا «سامي»، شَمِّرْ على ذراعيك » ..

الراوي ( ... الحقيقة أنه في هذه اللحظة بالذات فقد تجلت للفتى فكرة عبقرية بِرغم الخوف الظاهر عليه، ورغم أن الثمن سيكون فادحا حسب تقديره ... لأنه لا يزالُ يشكُّ في نفسه وفي وجود هذا الأفتار على أرض الواقع ، ولهذا فإن «سـامي» قد قرر استغلال هذه الفرصة للتأكد من أنه ليس بمجنون وأن الأفتار موجود بالفعل ... ولكن كيف له أن يتأكد من ذلك ؟ مع العلم أن الأفتار أخبره سابقا أنه الوحيد على هذه الأرض من يستطيع رأيته وسماع صوته ؟ ... نعم أنتم مُحِقُّون ... من خلال السيور التي ربطها الأفتار بإشارة من يده .. )

يتشجع «سـامي» ويبدأ في التشـمير على ذراعيه و «وليد» مندهش وغير مصدق لما يرى « ماذا ؟ هل سـتقبل التحدي أخيرا أيها الجبان ؟»

يتقـدم «سـامي» خطـوة، ثـم خطوتيـن ... وقبـل أن يلكمـه يطيرُ الأفتـار بعيـدا ... لكـن يـد «سـامي» انطلقـت وأصابـت غريمـه بشـدة وأسـقطته أرضـا وسـط دهشـة الجميـع... يحـاول «وليـد» النهـوض فـلا يسـتطيع والأطفـال مدهوشـين عندمـا يتقـدم العـم «أحمـد» حـارس المدرسـة ويفصـل الجميـع قائـلا «هـدوء، ... هـدوء » فـي هـذه اللحظـة بالذات يـدق الجـرس فينصـرف جميـع الأطفـال باسـتثناء «سـامي» الـذي إنهمـك فـي جمـع أدواتـه، و «وليـد» الـذي يحـاول فـك سُيورِ حذائـه ... العـم «أحمـد» يقتـرب ويمسـك «وليـد» مـن أذننـه قائـلا « لقـد حذرتـك مـرارا وتكـرارا أن تتـرك الفتـى وشـأنه ؟»
_ لقـد ضربنـي، سـأقدم شـكوى للمديـر، سـأخبر أبـي ... وينطلـق راكضا .
_ العـم «أحمـد» وهـو يسـاعد الفتـى فـي جمـع أدواتـه قائـلا « أحسـنت يـا «سـامي»، لقـد فعلـت الصـواب، وأنـا سأشـهد أنـه أول مـن اعتـدى عليـك »
_شـكرا يـا عمـي «أحمـد».

يبتعـد «سـامي» قبـل أن يلتفـت إلـى الأفتـار قائـلا وبإبتسامة كبيرة « لمـاذا لـم تمسـك بيديـه وتركتـه فـي آخـر لحظـة كمـا وعدتنـي يـا أبـي؟ »
_ لأنـك قـوي يـا «سـامي»، و كل مـا كنـتَ تحتـاج إليـه هـو إيمانـك بنفسـك وبقدراتـك فقط ... مـن الآن فإن الجميع سيحسـبون لـك ألـف حسـاب وسـيفكرون مرتيـن قبـل محاولـة ازعاجـك ، لكن لماذا تبتسم هكذا؟
_لأني تأكدتُ لتوي أنك حقيقي ... وأني لست بمجنون .
يبتسم الأفتار دون أن ينبس ببنت شفة.

داخـل الفصـل كل التلاميـذ يتهامسـون وينظـرون إلـى الفتـى بغرابـة ، أمـا «وليـد» فيخطـط للانتقـام لنفسـه ولشـرفه، يلتفـت إلـى «سـامي» قائـلا « أنـت ميـت، لقـد حكمـت علـى نفسـك بالإعـدام، موعدنـا خـارج أسـوار المدرسـة »
_لا، ... لا تطأطـأ رأسـك يـا «سـامي»، أنظـر إلـى عينيـه مباشـرة وقـل قبلـت التحـدي، قـل «سـامي» ... قـل ... هكـذا كان يقـول الأفتـار وهـو يحـوم فـوق رأس سـامي مثـل الدوامـة.
_حسنا أيها البدين، قبلت التحدي.
التلاميـذ مسـتغربون بينمـا تدخـل المعلمـة قائلـة « هـدوء، هـدوء يـا تلاميـذ » .
_والآن ماذا سأفعل يا أبي ؟
_لا شيء، عليك الاستعداد للمعركة.
_ كيف ؟ إنه قوي !
_وأنـت شـجاع... تظاهـر بالقـوة لأن أحـدا لـن يلاحـظ الفـرق، ... أن تدخـل المعركـة وتخسـرها بشـجاعة خيـر ألـف مـرة مـن الهـروب و خسـارتها بجبـن، ... بقبولـك التحـدي ودخولـك المعركـة سـتجبر خصمـك علـى احترامـك، هـذا إن خسـرت، ... وسـتجبره علـى الابتعـاد عـن طريقـك إن فـزت، ... فـي كلتـا الحالتيـن ستكسـب شـيئا، إمـا الفـوز أو الاحتـرام ... وكلاهمـا يسـتحق العنـاء ويسـتحق القتـال .

يصمتُ الأفتار ويصمت معه الفتى تزامنا مع بدإ المعلمة شرح درس الرياضيات قائلة « درسنا لهذا اليوم هو القيمة المطلقة للأعداد ... » .

يمـر اليـوم الدراسـي طويـلا وشـاقا بالنسـبة لسـامي، إنـه علـى موعـد مـع «وليـد»، ذلـك البديـن القـوي والـذي يهابـه الجميـع، يـدق الجرس في نهاية الحصة الأخيرة، والجميع يلتفت الى «سـامي» ... هل سـتواجهه حقـا ؟ هـل سـتهرب ؟
_لا تسـتمع لهـم يـا «سـامي»، ... هـؤلاء يمثلـون الإحبـاط، وفـي نفـس الوقـت لا تلقـي باللـوم عليهـم لأنهـم تعـودوا علـى رؤيتـك ضعيفـا، أرسـم هدفـك بدقـة وتوجـه إليـه مباشـرة، ... أنظـر إلـى خصمـك ... إنـه مرتبـك و يطيـل فـي عمليـة جمـع أدواتـه، يريـدك أن تفـِرَّ مـن أرض المعركـة، يريـد أن يربـح دون مواجهـة، ... عليـك أن تزيـد مـن ضغطـه، توجـه إليـه مباشـرة وأطلـب منـه بـكل ثقـة أن يتبعـك خارجـا ... هيـا افعلها يا «سامي» هذه فرصتك، ... هذه لحظة مجدك فلا تضيعها، ولا تنسـى أننـي معـك، أنـا مـلاكك الحـارس .

يتـردد الفتـى فـي البدايـة قبـل أن يخاطـب نفسـه قائـلا « فـي كلتـا الحالتيـن أنـا علـى موعـد مـع ذلـك البديـن مـع فـرق واحـد أن معـي أبـي سـيحمينِ، إذن سـأزيد مـن ضغـط البديـن الأحمـق » هكـذا قـال وهـو يقتـرب مـن غريمـه قائلا « هيـا اتبعنـي خارجـا أيهـا البديـن ولا تضيـع الوقـت »

يخرج «سامي» والخوف يتملكه، وهو يحاول الظهور بمظهر القـوة معتمـدا علـى الأفتـار الـذي يرافقـه، ويتبعـه معظـم الأطفـال وسـط فوضى كبيـرة، ... الجميـع ينتظـرون المواجهـة بشـغف كبيـر، ونصفهـم غيـر مصـدق لمـا يسـمع ويـرى ... يهمـس الأفتـار داخـل عقـل الفتـى قائـلا « سأسـبقك إلـى الخـارج يـا «سـامي» ... » قبـل أن يتلاشـى ويختفـي دون أن يمنـح للفتى فرصـة للـرد أو التعقيـب أو حتـى لطلـب توضيـح، والسـبب بسـيط جـدا، فالأفتـار يخطط للإطاحة بوليد دون عناء من «سامي»، لأنه يعلم أن «وليد» سـيتأخر في جمع أدواته لـذا قـرر احتجـازه داخـل حجـرة الـدرس، وهـذا مـا فعلـه بالضبـط بعد مغادرة الجميع، فقـد أغلـق عليـه كل أبـواب المدرسـة بـدءا ببـاب الفصـل الدراسـي ثـم بـاب الـرواق وأخيـرا بـاب المدرسـة الكبيـر .

فـي الخـارج فإن «سـامي» رفقـة عشـرات الأطفـال مـن الجنسـين ينتظـرون قـدوم «وليـد» الـذي طـال انتظـاره، أمـا «سـامي» فيتمنـى من كل قلبه عدم ظهور خصمه في الوقت الذي وضع فيه محفظته أرضـا ويتظاهـر أمام أقرانه بالتسـخين وكأنـه يقـوم بِلَكْـمِ كيـانٍ خفـي، بينمـا الأطفـال يتسـاءلون عـن سـرّ غيـاب «وليـد» وفـراره مـن المعركـة ؟

يحضرُ الأفتـار ويبدا في تشجيع «سـامي» من خلال محـاولة الرفـع مـن معنوياتـه قائـلا « لقـد فـرّ من المواجهة لمعرفته المسبقة بفوزك وتقديره الصحيح لقوتك، إنه مجرد جبان بدين ... والآن قم برفع يدك أمام الجميع و أعلن فوزك هيـا ارفـع يـدك ... »

وقبـل أن يرفـع «سـامي» يـده إعلانـا بفـوزه يسـمع صوت منبه حافلة النقل المدرسي فيفترق الأطفال بين الحافلات، ولا يبقـى إلا «سـامي» و الأفتـار الـذي طلـب منـه أن يصعـد للحافلـة بينمـا توجـه هـو لداخـل المدرسـة لتنفيـذ الجـزء الثانـي مـن خطتـه الخاصـة بتحييد «وليد»، ... فيجده مرعوبا داخل القسـم ويبكي بشـدة تزامنا مـع محاولتـه فتـح البـاب للخـروج وتخليـص نفسـه ... يتوقـف «وليـد» فجـأة وكأنـه أحـس بخطـب مـا، يلتفـت ببـطء بينمـا تجحـظ عينـاه وهـو يشـاهد السـتائر تتحـرك لوحدهـا لتحجـب كل الضـوء القـادم مـن خـلال النوافـذ ! بعدهـا تنطفـأ الأضـواء كلهـا مـرة واحـدة قبـل أن يشـاهد شـيئا مرعبـا بحجـم كبيـر يتحـرك خلـف السـتائر ... مصحوبـا بصـوت مخيـف جـدا « أنـا الغـول، أنـا الحـارس الشـخصي لسـامي وأحـذرك مـن مغبـة مضايقتـه مجـددا أيهـا البديـن الأحمـق » يسـقط «وليـد» أرضـا مـن شـدة الخـوف ويتبـول علـى نفسـه ، بعدهـا يهـدأ كل شـيء مـرة واحـدة وتفتـح كل الأبـواب تلقائيـا .

داخـل الحافلـة يجلـس الأطفـال وهـم يتهامسـون فيمـا بينهـم وينظـرون بغرابة إلـى «سـامي» الـذي أحـس لأول مـرة فـي حياتـه أنـه بطـل كبيـر ... ولم يقطع نشوة الانتصار هذه إلا حضور الأفتار الذي أخذ مكانه بجانـب الفتـى فيسـأله مـن خـلال الأفـكار قائـلا « أيـن اختفيـت ؟ » وقبـل أن يجيب يلتفـت السـائق قائـلا « هـل الجميـع هنـا ؟ » فيقـول بعض الأطفـال « كلنـا هنـا باسـتثناء «وليـد» » فيـرد عليـهم « وأيـن هـو؟ » يسكتون وينظرون إلى بعضهم البعض قبل أن يسمعوا صوته قادمـا مـن ناحية بـاب المدرسـة وهـو يجـري ويبكـي، ... يصـل، يصعـد ثـم يقـول بصعوبة كبيرة وأنفاس متقاطعة « ... الغـول، لقد شاهدت الغـول بأم عيني ... » فينفجر الأطفال ضحكا قبل أن يتشجع «سامي» بإيعاز من الأفتار ويقف من مكانـه قائـلا « أيهـا الجبـان البديـن، لا وجـود للوحـوش والغيـلان إلا فـي مخيلتـك الصغيـرة، ... هيـا خـذ مكانـك ودعنـا نعـد للبيـت »

تصـل الحافلـة سـريعا، و الفتـى الآن أمـام البيـت، ... يتوقـف الأفتـار ويلتفـت إليـه قائـلا « أدخـل إلـى بيتـك وأنـا سـأغيب عنـك قليـلا يـا «سـامي » ... »
_أين ستذهب ؟
_ لاحقا ... سأخبرك لاحقا .
_حسنا. ... وهكـذا يختفـي الأفتـار وسـط الهالـة الضبابيـة البيضـاء بينمـا يدخـل «سـامي» إلـى البيـت.

فـي المقابـل فـإن حكمـاء أرض الخيـال قـد اجتمعـوا حـول الطاولة الكبيرة لدراسـة المسـتجدات عندما تبدأ الهالة الضبابية في التشـكل أمامهـم فجـأة ، فيتخـذ السـلاحف الأربعـة وضعيـة دفاعيـة ويحاصرونها من كل الجهات متهيئين ومستعدين لأي احتمال قبل أن يخـرج منهـا الأفتـار الخـاص بوالـد «سـامي» قائـلا « مرحبـا أيهـا السـادة الحكمـاء، وأعتـذر عـن قدومـي إليكـم هكـذا دون موعـد مسـبق ».
_مـاذا لديـك يـا سـيد «أميـن»؟ ... سؤال قاله «سـنفور حكيـم » بعد أن اعتدل في جلسـته وأشـار بيده للسـلاحف بالتراجع.
_فـي الحقيقـة أيهـا السـادة الحكمـاء فـان الفتـى ضعيـف جـدًا ، ويحتـاج للكثيـر مـن الوقـت والمسـاعدة قبـل أن ...
_مـاذا ؟ الوقـت ؟ هـذا مـالا نملكـه ... هكـذا قـال «قـزم حكيـم » مقاطعا وقـد وقـف مـن مكانـه ،... ثم مواصـلا « الغـول يـزداد قـوة كل يـوم، فـي غيابك يا سيد «أمين» سيطر على مناطق كبيرة جدا، لقد دمر قوس قـزح وحولـه لقـوس الظـلام والنـار، وضـم صحـراء «عـلاء الديـن» إلـى عالمـه، كمـا أن جنـوده غنمـوا المصبـاح السـحري و أسـروا المـارد ... وباقـي الأبطـال مجتمعيـن بقيـادة «هرقـل» يقـودون شـخصياتنا فـي محاولـة أخيـرة لصـده، بـل ويطلبـون المـدد »
_ولهذا أنا هنا .
«بابا نوال» بغرابة كبيرة « ماذا تعني يا سيد «أمين» ؟»
_ أطلب الإذن باستخدام ''العصا السحرية'' .
... يتبع

1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.