افلتت كفها من قبضته عندما وصلا لأعتاب الباب وسبقته إلى الداخل تقول بكلمات متلاحقة :
& طبعا ً بالنسبة لك لن تهتم إن اكتشف أحد مشاعرنا فأنا من سأتحمل العقاب والضرب !!
ضحك ضحكات عالية وهو يدلف ورائها إلى الداخل لتتلاشى جمانة فوراً عن مرمى بصره !
وما كاد يخطو باتجاه أصدقائه حتى قالت إحدى فتيات العائلة :كنا نبحث عنك أين اختفيت يا عاشق الدراما؟
اقترب منها أكثر متسائلاً بسخرية : وها أنذا فيما تريدوني؟
ألا تريد تقديم أغنيةٍ للعروسين يا بلبل عائلة المنصور؟
قالتها ابنة عمه ضاحكة لتتعلق عليه الأعين فأجاب وهو يفرك ذقنه بأصابعه مجيباً : طبعاً هذا أقل ما يمكنني تقديمه. "
فرفع محمد كفه في الهواء ليتحدث..بعد اذنكم قبل الأغنية...هناك ما أود الحديث بشأنه:
نهض محمد وسار تجاه عابد وقال وقد رفع صوته: أبارك بداية خطوبة ابنك يا صديقي القديم...وكما أخبرتك سابقاً...وددت لو تكون الفرحة فرحتين.
أومأ له عابد باسما وسط استغراب كريم الذي تقدمت منه شقيقته رهف وقبضت على كفه باسمة وغمزت له دون أن يفهم شيئاً مما يدور حوله..
قال محمد ببهجة: يشرفني وأمام الجميع أن أطلب يد ابنتك جمانة لابني كريم على سنة الله ورسوله..
تعالت الشهقات والابتسامات وجمدت ملامح كل من كريم وجمانة لكن أحد لم يدع لهما مجال لابتلاع الصدمة فقد تقدمت عبير وسحبت جمانة من يدها ناحية عابد وكذلك فعلت رهف ليقف الجميع متقابلين..حين أخرجت رهف خواتم الخطوبة ..
عندما قال عابد: وأنا أعطيتك.
تعانقت نظرات كريم وجمانة بجنون وصدمة غير مصدقين لما جرى !
ناولته رهف الخاتم فقبض عليه بيدين ترتعشان وتناول راحة كف جمانة وألبسها إياه ببسمة مرتعشة، متوترة وفعلت المثل وما زالت غير مصدقة لجنون هذه اللحظات...
تعالت زغاريد النسوة حولهما فاستدار كريم ناحية والده يقبل رأسه وكفيه شاكراً مبتهجا سعيداً وكلمة شكراً لا تغادر شفاهه التي صار يرددها كالمجذوب ليربت محمد على كتفيه ليهدئ من اضطرابه:
-هذا أقل ما يمكنني أن أقدمه لك يا ولدي..ليكتب لك الله السعادة دائما.
اندفعت جمانة ناحية والدها وقبلت كفه بخجل وهي دامعة العينين وانشغلا بتلقي التهاني من الحاضرين...
تقدم منه آدم مستغرباً..مبهوتا من هذه المفاجئة الغير متوقعة وربت على كتف كريم وهو يقترب منه ويهمس بأذنه: ألا تنتهي مفاجآتك!
فغمغم كريم ببسمة: ولن تنتهي
-لنا حديث طويل إذن.
-ليكن...متى شئت، مبارك لك أيضاً.
ووقف قبالتها أخيراً..عتقوها ليحتضنها كريم بأهدابه وحدقيتيه اللتين تراقصتا طرباً كقلبه المضطرب..اقترب منها وقبل جبهتها مطولاً وهو يهمس : إنها معجزة...معجزة تحققت بلمح البصر.
هيا جاء دور الأغنية إذن : قالتها رهف وسحبته من أمام عروسه كيلا يتصرف تصرفا أحمق أمام الجميع فنفذ طلب شقيقته..وهو يحتضن جمانة بعينيه....يبثها كثيراً من الكلام الغير منطوق
قال بهدوء باسما محدقاً فيها:
سأغني...لكن ليعذرني صهري العزيز...سأغني لعروسي هذه المرة...
تعالت ضحكات رضوان الذي كان على مقربة منه قائلاً : هذا الشاب صراحته فجة "
لتتعالى ضحكات الحضور على كلماته، وبعد لحظاتٍ عم السكون بينهم جلس على حافة الكرسي الجلدي الذي كان يجلس عليه والده و رفع نظراته وشرع بالغناء بصوته الهادئ :
هل عندك شك أنك أحلى وأغلى امرأة في الدنيا؟!
وأهم امرأة في دنيا .
هل عندك شك أن دخولك في قلبي
هو أعظم يوم بالتاريخ وأجمل خبر في الدنيا؟
توجه مراد ناحية الصالة من جديد بعدما كان بالمكتب يصب كأساً من المشروب وقد سيطر الغضب على كيانه إثر هذه الفاجعة التي مزقت صدره ...حين نطق عابد الموافقة على خطوبتهما .
قبض على الكأس بيده وتوجه إلى الخارج ناحية الحضور مجدداً ليرتمي على أقرب كرسيٍ يجده....وأبعد مكانٍ عن مجال رؤية كريم اشتعلت وجنتا جمانة خجلاً فأردف دون أن يزيح ببصره عنها وكأنه يغني لها فقط دوناً عن الجميع بصوته الشجي :
هل عندك شك أنك عمري وحياتي
وبأني من عينيك سرقت النار وقمت بأخطر ثوراتي؟!
أيتها الوردة والريحانة والياقوتة والسلطانة والشعبية والشرعية بين جميع الملكات.
أغمض كريم عينيه وشدا صوته يرتفع بينما نفخ مراد دخان سيجاره عالياً اشتعلت عيناه واسودتا من الغضب والغيرة وهو يعتصر الكأس بين يديه ليلتمس هذا التناغم بين نظراتهما.
وآدم يحتضن كف نور ويكاد يحلق من فرط السعادة وهو يداعب الخاتم الذي يحاوط إصبعها كما يحوط حبها قلبه همس لها بخفوت: سبحان من غير أحوال هذا الرجل!
لتضحك نور بخفوت ...
نهض مراد من على الكرسي ووضع الكأس على الطاولة وخطى مجتازاً الحضور ليتوقف بجانب جمانة وعلى الرغم من الإضاءة الشحيحة الهادئة التي تتناوب ما بين أزرقٍ وأحمر برقة لا تزعج الأعين تفرس بملامحها التي تسيطر عليها البهجة والسرور والخجل ...بدت هذه الليلة مختلفة، جذابة، رقيقة لأبعد الحدود، تفرس بملامحها بعيني ذئب ..التهم جسدها بنظراته الزائغة الغير متوازنة، نزل ببصره ليديها الناعمتين المنسدلتين على جانبيها فتقبضان على فستانها بتأثر... ليتجهم وجهه بطريقةٍ مخيفة بينما شرد كريم على اقترابه من جمانة لكنه أردف بصوتٍ ارتجف قليلاً ..لكن لا بد له من إكمال الاغنية التي طلبها الحضور وآثر أن يغنيها
يا قمرًَا يطلع كل مساءٍ من نافذة الكلماتِ
يا آخر وطن أولد فيه وأدفن فيه وأنشر فيه كتاباتي
غاليتي أنتِ غاليتي . لا أدري كيف رماني الموج على قدميكِ
لا أدري كيف مشيتي إلي وكيف مشيت إليكِ
دافئة أنتِ كليلة حب من يوم طرقت الباب علي ابتدأ العمر.
توقف كريم للحظات عن الغناء وقد استشعر تحديق مراد بجمانة بنظرات يعرفها جيدا، ثارت النيران داخل صدره، فأراد تشتيت انتباهه ولو للحظات عن نظراته التي أشعلت الغضب فيه، وتطلع بعابد قائلا بثبات : أنا أحب ابنتك يا عمي"
جمدت العيون للحظات وحبست الانفاس وكثرت الابتسامات لتغرق وجنتا جمانة باكوام من اللون الياقوتي بسبب الخجل من حماقته ،أما مراد كمن وقف بمقابلة جلاده وجهاٍ لوجه عب الهواء بجشعٍ وقد استطاع أن ينتشل نظراته عن جمانة لتحط على كريم صديق الطفولة الخائن !! حدق فيه وبحقد ليزداد لهيب صدره تعالت ضحكات رضوان فقال عابد برصانة: أنهي اغنيتك يا ولد !
أومئ كريم لعابد : بامرك يا حمايا العزيز.
وتبسم وهو يبادل تلك التهديدات الصريحة من عيني مراد ويعاود إرسالها بنظراته وعاود الغناء من جديد ....
كم صار رقيقًا قلبي حين تعلم بين يديكِ
كم كان كبيرًا حظي حين عثرت يا عمري عليكِ
يا نارًا تجتاح كياني . يا فرحًا يطرد أحزاني
يا جسداً يقطع مثل السيف ويضرب مثل البركانِ
يا وجهًا يعبق مثل حقول الورد ويركض نحوي كحصانِ
مال مراد ناحية جمانة هامساً بصوتٍ كالفحيح : "جمالك قاتلٌ هذه الليلة"
تنبهت جمانة له لتشعر بخضةٍ وارتباك كونها لم تتنبه لوجوده سابقاً حدجته بنظرةٍ غاضبةٍ وكادت أن تتحرك من مكانها بعيداً عنه لكنه شد على خاصرتها بقبضة يده ليقربها لأمامه لينزوي بها خلف الجموع كيلا تطالهما نظرات كريم وأردف بصوتٍ مهزوز وقد لفحتها رائحة أنفاسه المتثاقلة المحملة بعبق المشروب : أخبرته بأنكِ ملكي أنا...أخبرته بأنني لن أتنازل عنك بسهولة.
حاولت الافلات من قبضته قائلة بانزعاج:
- وثمل أيضاً بحفل خطوبة شقيقتك ! أوصلت بك الدناءة لذلك ؟!
نهض كريم من على حافة الكرسي وصار يمشي بخطى بطيئة وهو يغني بعقلٍ شارد عندما تنبه لاختفاء جمانة ومراد عن مرمى بصره واستكمل اغنيته في شرود:
قولي لي كيف سأنقذ نفسي من أشواقي وأحزاني؟!
قولي لي ماذا أفعل فيكِ؟!. أنا في حالة إدمانِ
قولي ما الحل؟! . فأشواقي وصلت لحدود الهذيان
قاتلتي ترقص حافية القدمين بمدخل شرياني
من أين أتيت؟
وكيف أتيت؟
وكيف عصفت بوجداني؟!
غناها كريم بينما مراد قربها أكثر إليه ليشتم عبير شعرها وقد اخذ الخمر بعقله... وقالها هامساً بصوتٍ متهدج أجش وكريم يغني ذات المقطع من الأغنية لكنها استطاعت اخيرا أن تتملص من قبضته دون إحداث فضيحةٍ لتجرأه عليها وسط الحفل! ،
- ستندم على ذلك أعدك.بذلك! " قالتها بهسيس وهي تصر على أسنانها بعنف و لكزته بجانب خاصرته بعنف ليرتد خطوتين إلى الوراء تطلع فيها بعينين ملتهبتين من الغضب وتعالى التصفيق بعد انتهاء كريم فاستغلت جمانة تشتت مراد لتبتعد عنه غارقةً بين الجموع حتى وصلت ناحية عابد وكأنها تلتمس الحماية منه، تنبه على صغيرته ليقو ل لها : هل أنت بخير "
أومأت له بإيجاب بينما كان التوتر والغضب يجتاح روحها كزلزالٍ بسبب مراد، اقترب منهما كريم بخطىً واثقة ليقول لعابد:
مساء الورد لأجمل عمٍ في الوجود.
سأختطف عروسي للحظة إن أمكن.
فضرب عابد كفا بكف واشار له بيده باسما..
احتضن كريم كف جمانة وسحبها وراءه للحديقة حتى توقفا أمام حوض المسبح الكبير..قال بلهفة:
-لم...أكن أعلم حقا أن والدي سيفهم وسيخطبك لي بهذه السرعة .
كتمت بسمتها فرفع ذقنها بيده : لكنها أجمل مفاجئة بالوجود...تليق بجمالك..تليق بعينيك.
أغمض جمانة عينيها للحظات بايمة ثم رفعت كفيها استسلاما: حسناً..دعنا ..
صمتت بخجل ليبتعد عنها خطوة يسأل: دعنا ماذا!! أكملي.
- لندخل للصالة رجاءً كريم..الأمور الليلة تسير بشكل جنوني متسارع.
ضحك وقد فهم مقصدها ليرفع كفيه استسلاما كذلك: حسناً سنخفض سرعة مشاعرنا قليلاً لتستوعبي الصدمة .
لكن اقترب مراد منك..رأيته، هل أزعجك!
حدقت فيه بجمود وهزت رأسها:
لا..ذاتا كانت اليسا بجانبنا
- حقا..لم انتبه عليها!
فأومأت ضاحكة وهي تخفي عنه نيران الغضب التي اشتعلت من وقاحة مراد الليلة: لأن عيناك كانتا مشغولتان بالذهول فقط!!
********
وانحسر الليل لتلتهم أشعة الشمس نهار يومٍ جديد! .... يحمل الأمل لحبٍ جديد طرق الأبواب، يحمل السكينة لمن حصل أخيراً على عشقه الوحيد. ولطرفٍ ثالث نازع الليل بطوله وسط سهادٍ وأرقٍ وغضبٍ وصداعٍ فتاك جراء اكثاره من المشروب...وكوابيس حتى في يقظته...
دفع الباب ودلف لغرفته قببل الفجر...
كانت إليسا جالسة على السرير تنتظره...كان مشعث الشعر، فوضوي الملابس...وكأنه كان يصارع الغيلان في الحديقة الخلفية التي ارتمى عليها لساعات وهو يحتسي مشروبه بنهم سكير
اقبل عليها وجلس على السرير غير مدرك لعينيها الملتهبتين دموعاً وانكسار مما شهدته وهي تراقبه يتحرش بجمانة التي أهانته بعنف وصدته..
احنى جذعه وأخذ رأسه بين كفيه متكئ على ركبتيه وهو يتنفس باضطراب وغضب..
نهضت إليسا من على السرير والتفت حتى وقفت قبالته انحنت تجاهه قائلة بصوت مختنق:
-ألن تخبرني بهمومك؟
رفع رأسه المتثاقل ولوى شفتيه بابتسامة ساخرة: -همومي أكبر من حدود استيعابك.
شعرت بالغثيان من رائحة فمه التي تعبق بالمشروب الكحولي والدخان ابتلعت إهاناته المتلاحقة وضربت ركبتيه بقبضتيها بغضب: تحب جمانة لكن منذ متى؟
مسح وجهه بكفيه يكابح قبضتيه كيلا تنفلتا على وجه إليسا التي أردفت بقهر: تلك المرة أنت طردتني من منزلك...لكن اليوم...اليوم سأغادر من تلقاء نفسي.
اعتصر كتفيها ببعضهما صارخاً: ما إن تعبري عتبة هذا الباب اعتبري نفسك طالق..
فضحكت باستخفاف ودموعها تسيل قهراً: أنا ذاتا اعتبرت نفسي طالق منك منذ ليلة زفافنا، صبرت على طباعك، على خيانتك، على جميع مساوئك..لكني لن أصبر بعد الآن...لقد اكتفيت من أنانيتك.
شد بقبضتيه على ساعديها : أنت حامل بطفلي هذا الذي في أحشائك طفلي أتفهمين، لن تغادري هذا المنزل ما دام الجنين مرتبط فيك ستبقين هنا تحت جناحي وكلمتي هي التي ستنفذ ..ستحترمين اسم زوجك ومكانته وإلا لن ترضيك النتائج.
علا صوتها بجنون:
- هذا ما يهمك فقط ...اسمك ومكانتك بين الناس وبعدك ليحترق الجميع...لقد احرقت حياتي بسبب جمانة والآن نفضتك عنها كذرة غبار وخطبت لغيرك..
ارتفع كفه بالهواء وصفعها بعنف لتشهق باكية ..دفعها على السرير وفر خارج الغرفة كمن تلاحق شياطين الأرض .
قضى ليلته خارجاً في الحديقة يجلس على المقعد ...يكاد رأسه ينفجر حتى اقبل الصباح.. نهض و أخذ حماماً ساخناً عله يهدأ ذلك الصداع القاتل ثم غير ملابسه لينطلق إلى موقع البناء بعد ذلك ليراقب سير العمل واعطاء التعليمات للعمال،
تعاظمت حدة آلام رأسه، صداعٌ تملكه طيلة تلك الساعات وعلى الرغم من ذلك تحامل على نفسه لإتمام عمله،...ليدفنه العمل كيلا يفكر بشيء...
لا يريد أن يفكر بجمانة تلك التي صبت النار على جسده وبإليسا التي تركته يحترق حيا...
طال تواجده في موقع الإنشاء حتى جاءه اتصالٌ من من أحد العملاء كان قد اتفق معه سابقاً لتصميم فندقٍ ساحلي... وبعد شجارات مع ذلك الرجل الذي أصر على توقيع العقود هذه الليلة لاضطراره الى السفر لخارج المدينة استسلم مراد موافقاٍ وتطلع بساعته مجيباً بإيجاب ليعود بعدها إلى مقر الشركة ....
دلف مراد إلى المكتب بعدما تجاوزت الساعة الثانية والنصف بعد الظهر وقال بلهجةٍ آمرة حتى دون أن ينظر إلى جمانة أو يلقي السلام:
- ألغي جميع المواعيد لهذا اليوم وغداً إلى الأسبوع القادم وسلمي مخطوطات المنتجع إلى ضياء الدين ثم جهزي عقود الفندق الساحلي... سنسافر بعد قليل"
وقفت مشدوهةً من سيل الأوامر التي نطقها بسرعة وبعدما فطنت لما تفوه به لحقت به إلى الداخل قائلةً بازعاج : سفر!!! أي سفر ؟ لن أسافر معك إلى أي مكان أيها المتخلف !
ألقى سترته السوداء بإهمال على الكرسي وهتف بها صائحاً وهو يجهز اوراقه ليضعها بالحقيبة :
- أنا لا أطلب اذنك يامحترمة ... أنا آمرك نحن هنا بعملٍ وعملك كسكرتيرتي الشخصية يتوجب عليكِ تنفيذ أوامري، ابقي مسائلنا الشخصية اللعينة خارجاً ."
انفرجت عيناها من طريقته العدائية الفجة في الحديث فأجابت بنفور: لو لم أقابل عمي رضوان صباحاً وطلب مني مرافقته الى الشركة ما كنت لأحضر أصلا ...اعتبرني استقلت "
-بجهنم..اخرجي من الشركة ومن حياااتي" صرخ بها وهو يضرب المكتب بقبضة يده
فزمت شفاهها بغضب قبل أن تندفع تجاه الباب وتغلقه بعنف ليرتج الزجاج .
صاح من خلف الباب بصوتٍ جهوري وهو يلوح بيده: وهذا اللعين لا يغلق بطريقتك الهمجية.... لسنا بشارعٍ هنا "
أطلت برأسها مجدداً بعدما لملمت أشيائها وصرخت به :
ما أنا ذاتا تربية شوارع، وبالمناسبة لم انسى ما فعلته من وقاحة في الحفل، وتاكد بأنك ستدفع ثمن تطاولاتك معي"
ضربته تلك الحمقاء بعمق رجولته ليهب من وراء المكتب مواجها إهانتها: احفظي لسانك يا كومة الغباء المتحركة"
دفعت الباب أكثر لتدلف وتغلقه بعنف مرة أخرى وأخرى ليرتج زجاج النوافذ وسط ذهوله من نوبات جنونها أدارت وجهها حتى التقطت إحدى الاكواب الموجودة على الطاولة الجانبية وقذفته بها وهي تصيح : سترى مدى غباء كومة الغباء .....
شهق وتراجع عن مرمى يدها لترتطم الكأس خلفه على الحائط وتتناثر شظاياها لتشتعل عيناه بغضب
وما زال ألم صدغه يفتك به، بل تلك الحمقاء أججت غضبه ليلطق لها سيلا من السباب البذيء ولأول مرة يفعلها مع الجنس اللطيف!! .....أمسك منفضة السجائر دون وعي منه وقذفها ناحيتها لتركع على الأرض متفادية تلك الصدمة الوشيكة ونهضت بعدها تكيل له المزيد من الشتائم اللاذعة بعدما رمت شهادته الجامعية المعلقة على الحائط لتتكسر ويتناثر شظايا بلورها.
تراجعت بتلقائية عن عيناه المشتعلتان من الغضب حتى التصقت بالباب وهو يتقدم منها مدت يدها من خلف ظهرها لتفتحه وتغادر ...
فكان الأسبق ومد يده بتلقائيةٍ وأدار المفتاح ليقفل الباب عليهما رغم تأجج النيران داخل حدقتيه قال وهو يسحب المفتاح ويضعه بجيب قميصه: لن تخرجي من المكتب ...وسأريك الجنون على أصوله يا ابنة الأصول "
تراجع والمفتاح بيده ليجلس خلف الطاولة ويعاود عمله المزعوم على الرغم من وجوب مغادرتهما خلال بضع دقائق ليستطيع السفر هذه الليلة لتوقيع العقود. ببرود مستفز لها، ظلت تراقبه بانزعاج وهو يتجاهل تلك الجنية التي تفور وتغلي من الغيظ مما زاده لؤما. !
أخرج هاتفه ليستكمل سيل التعليمات لمسؤول العمال في موقع الإنشاء بل ويستطيل في الشرح لتفرك جمانة صدغها بعصبيةٍ من تصرفه وهي تدور أمام الباب كالقطة المحتجزة بداخل قفص !.
دقائق مرت حتى قالت بحدة : افتح الباب اللعين قبل أن أصرخ لأهدم هذه الشركة فوق دماغك أنت توترني ! "
تبسم بانتصار وأرجع بجذعه ليستريح على الكرسي قائلاً بخبث :
-لتتهدم... نحن شركة إعمار سأعاود بناءها مجدداً "
وتعالت ضحكاته المستفزة الحانقة وأخرج سيجاراً ليشعلة وهو يلتهمها بعينيه كمن يشاهد عرضاً مسلياً في السيرك !
ثم أردف بذات العبث : المفتاح بجيب قميصي يا عروس"
صرخت به وهي تتقدم : كف عن سخافتك مراد وهات المفتاح وإلا سأتصل بآدم كي يفجر دماغك السميك !
قهقه لاستفزازاها أكثر مجيباً : عشنا وشفنا..... جمانة تحتمي بأحد!؟ يا لهذا الزمان ! "
أستدار بكرسيه ليدير لها ظهره متأملاً الواجهة الزجاجية فعضت على شفاهها بحنق وضربت الأرض تحت قدميها وهي تتقدم ناحيته والتفت ناحية الجهة اليمنى من المكتب بلحظةٍ أدارت الكرسي ليصير قبالتها ومدت يدها بخفةٍ وانتشلت المفتاح فأمسكها من ساعدها وجرها ليسجنها بين الكرسي والمكتب واستند بكفيه على حافته، وقف وركل الكرسي بقدمه بعنف ليتطلع بهاتين الجمرتين اللتين اتسعتا ذهولاً من فعلته :
-احفظ ماء وجهك وابتعد عني "
قالتها بقوةٍ جليةٍ أمامه، فتطلع بها بشرود على الرغم من أنها بهذه اللحظة لا حول لها ولا قوة إلا أنها ما تزال مصرةً على المجابهة! هذا بالنسبة لما يراه أمامه لكن فؤادها بهذه اللحظة يرتجف من الداخل هلعاً وهو يسحقها بنظراته وبحقده، و
بالكاد خرجت تلك الحروف رصينةً من بين شفاهها، شد بقبضته على المكتب وهو يقترب أكثر بهدوء ينافي البراكين التي تتوقد داخل فؤاده،كانت صغيرةً جداً ضئيلةً أمام هذا العملاق الذي بالكاد تصل حتى صدره رفع حاجباً وأخفض الآخر لترتسم ابتسامة شقية على شفاهه ويقول وهو يفترسها بنظراته : اليسا عرفت وطلبت الطلاق..
حدقت فيه بعدم استيعاب وتمتمت: أنت مجنون"
اومأ لها مؤكداً وتابع: ضربتها....اعتبريني مجنون وحقير ...لكن هذا ما حدث
هالتها حالته المروعة وهو يحدق فيها بجنون ظاهر ...طال صمتها تخاف إن تكلمت أن تطالها نوبات جنونه...قال بعد دقائق طويلة بطريقة مفاجئة: دم دم تك" قلبي يعلن اقتراب ساعة الصفر.
انفرجت عيناها على جنونه لتتعالى ضحكتها الذاهلة على استطاعته التصرف بهذه الطريقة!
-سأهب عمري كاملاً في سبيل الحصول على ضحكةٍ أخرى من شفاهك "
قالها بابتسامةٍ هادئة وهو يصارع أفكار هذه اللحظة لتشيح بنظرها بعيداً عنه وتدفعه برفق
فقال بهدوء: أصنافُ الرجال أربعة... الغبي، والغبي المتذاكي، والذكي، والذكي المتغابي...يُهزمُ جميعهم باستثناء الأخير فاحذري مني, لأني مستعدٌ لارتكاب فعلٍ غبي هذه اللحظة "
رفعت رأسها بشموخ ولسعته بلدغة كلماتها السامة : أنت قلتها..الرجال, لا أشباه الرجال.. لذلك لا خوف منك"
*******