كانت ليلة تتحاكي بها البلد والبلاد المجاورة وبني مزار والمنيا بأكملها فلقد حضر وفود حاشدة محبة لزفاف "يزن" ليتسابق الجميع في التحية والمشاركة وكان الزفاف كتقليد أهل الصعيد الراسخة بأن ينفرد الرجال في مجلسهم بالمندرة دون النساء وفوجئت بقدوم عمها ليكون وليها كما جاء بسنة الله بأن يكون الزواج صحيحا بوجود ولي للعروس وكم فرحت لقدوم عمها وزوجته واولاده فلقد غيرتهم الحياة وبدلتهم وهمست زوجة عمها معتذرة تطلب الصفح منها والغفران .
وأنقضت الليلة بخير وأنفضت الحشود من الحاضرين ولأول مرة يغلق باب الدار عليهما والجميع يعتقد بأن زواجهما حقيقي ولا يدرون بأنه مجرد حبر علي قسيمة زواج من ورق؛ وأصر "يزن" أن ينام بغرفة أخواته البنات دون غرفتهما .
لتبدأ أول ليلة بينهما في زواجهما بالهجر والشتات .
ظل "يزن" قرابة الأسبوع قبل أن يعلن رحيله للقاهرة لأمر عاجل وكانت تعلم " حور" بأنه يهرب منها للمجهول ؛ وعكس أي عروس تكون مملوءة بالفرح وتشع جمالا وسعادة ؛ ظهرت آثار الحزن عليها وعللت لكل من يتساءل هو سفر "يزن" وبأنها أشتاقت إليه .
وطال الغياب وطال معه سهادها وحزنها العميق والكل يطاردها بالسؤال " حيجيلنا أمتي الحفيد للراحل الحاج "عبد الكريم؟!!" لتجيب ببسمة غير مفهومة لا تدل علي أي أجابة ؛ وظلت ترسل له الرسائل ليحضر إليها فأخذ العند منه ليقرأ دون أن يجيب .
وفي يوم من الايام زارتها "هدي" مصطحبة معها "مليكة" لتسعد "حور" بحملها ورؤيتها ؛ وبالفعل دبت خطي الفرح بقلبها لرؤيتها وظلت تداعبها لساعات طوال فرحة بالملاك البريء ؛ وفطنت "هدي" لحزنها ولم تسألها عن تفاصيل ؛ وأسرعت بأعداد خطة حتي تعيد الفرحة لقلبها الحزين.
أرسلت "هدي " برسالة مستنجدة بشقيقها تشكو له من زوجها وبأنها لم تعد تطيقه ؛ وليسرع وينقذها علي الفور
ولبي الأستغاثة ذو القلب الحنون فيما عدا علي "حور" ليكتشف عدم صدق ادعاءها ليستشيط غضبا من تلك الحيلة والتي من وراءها كان سيتعارك مع النسيب .
وضحكت "هدي" طالبة منه السماح والغفران معللة بأن غرضها شريف ؛ وأستأذنته برعاية زوجته فلقد بدا عليها الأعياء لعلها بشري بقدوم مولود جديد؛ وهجم "يزن" عليها غاضبا لأعتقاده بأنها تأمرت مع شقيقته عليه لأحضاره عنوة دون أرادة منه ليستجيب .
وعندها أنفجرت "حور" في بكاء كالنحيب لينتفض جسدها الهزيل من كثرة بكاءها وشدته ولم يدري ماذا يفعل معها حتي تهدأ وتستكين ؛ ونحيبها يزيد فما كان منه إلا أن يحتضنها لتجري حنيته مجري الدم بالوريد لتستكين بين ذراعيه وعن الوعي تغيب .
وأستفاقت عليه وقد أراح جسدها علي السرير ؛ والقلق بادي علي المحيا له ول"أم الخير" التي حمدت ربها لأنها تفيق وتسترد وعيها لتسرع بحجة أحضار الطعام لتتركها مع زوجها الحبيب ؛ ليتحول "يزن" للنقيض متسائلا:" أنتي قولتي ايه لهدي علشان تحتال عليا لاول مرة في حياتها وتكذب كده " فأقسمت بالله انها لم تقل شيئا ولم تعلم عما بدر منها ؛ ومن ملامحه تبين بأنه لم يقتنع .
ومكث "يزن" أسبوعا كاملا بالبلد ولكن كانت تراه نادرا جدا لتنتكس حالتها مرة آخري دون أن يشفق علي ما آل إليه حالها .