وكأنما أستشعر "عبد الكريم" بدنو أجله فكان يوصي "يزن" بأن تجارته أمانة لديه أن أختاره الله إلي جواره فسيكون الوصي الشرعي هو عمه لأنهم صغار ودون السن ؛ فأوصاه أن لا يترك تجارة أبيه وكذا دراسته لا يهملها ؛ ووقف "يزن" في جنازة والده يتلقي العزاء علي قبره وهو أبن الحادية عشر كرجل يهابه أعتي الرجال ؛ فكانت نظراته كصقر جريح يضمد جرحه بنظرته الصارمة الحادة ؛ فكم من أبتلاءات صنعت رجال .
وأستلم عمه الميراث والتجارة لأدارتها تحت أشراف المجلس الحسبي لضمان حقوق الصغار فلقد كن أخواته الأربعة أكبرهن ذو الثمانية عشر سنوات وأصغرهن خمسة عشر عاما ؛ وكان ميراث الحزن الأول من نصيب الزوجة والأم الثكلي من جراء فقدانها لزوجها الغالي الحبيب ؛ وكان دوواها في بناتها ورجلها " يزن" فهو كان في عزاء والده كالصقر ولكن كان يتمتع بحنية بالغة علي أمه وأخواته الأربعة .
**********************************************
ومضي قطار العمر بين كد ومثابرة وشقاء فلقد كان العم يجهل أصول التجارة ولا يستمع لأبن أخيه بأعتباره صغير ولا يدرك مصلحته فتعثرت تجارتهم ولم تستطع زوجة المرحوم أن تشتكي العم في المجلس الحسبي فهو عم البنات و " يزن " وعند حلول تقديم المستندات السنوية عن إدارة الوصي لأملاك الموصي عليهم فأخذ المجلس الحسبي قراره برفع الوصية عن الواصي وتغريمه غرامة لصالح الورثة ؛ ولكن كان ذلك بعد خراب التجارة وأنهيارها ونظرا لبلوغ "يزن" الثامنة عشر لذلك كان القانون يحق له تسليمه ما تبقي من أرث وهو عبارة عن القليل من الأموال التي لا تسد رمق رضيع فما بالك بأسرة كاملة واربعة صبايا في عمر الزواج فعمل " يزن" ليل نهار لكي يسترجع مجد تجارة والده؛ وكم من غرباء يكونوا عون وسند عن أقرب الأقرباء ؛ فالمتعاملين مع والده بتجارته كانوا مثال حي لشهامة الرجال من الصعيد ورجولتهم الحقة .
وأستطاع الرجل الصغير ذو الثمانية عشر عاما من بلوغ أولي درجاته لسلم الأجتهاد والرزق لعائلته الصغيرة ؛ وأتمت الأخت الرابعة بالترتيب " هدي " دراستها ثم أتم زيجتها علي أبن عمها الأصغر ليطمئن قلب " يزن " ووالدته علي مصير الصبايا وبأن كلهن قد أكرمهن الله بكرمه وزواجهن بأحلي ليالي للعمر .
وتفرغ "يزن" لتجارة أبيه لسنوات عدة ليحدث ما لم يكن بالحسبة .