تدعي "حور" هذا كان أسمها فلقد أجابت "حسام" بأرتعاش شديد وهي تنطق بأسمها بعد محاولاته المستميتة لطمأنتها والتي أستجابت لها أخيرا بعد أسابيع عديدة من الأستجوابات دون النطق بأي حرف ؛ وسردت قصتها أو بالأحري مأساتها فترويها قائلة :
" أسمي حور .. كانوا دايما يقولوا لي صفاتك من أسمك ومعناه وهو البنت الجميلة وكفاية أنه ذكر في آية من آيات القرإن وكبرت علي الكلام اللي اتقالي ؛ كان أبويا موظف علي قد حاله في وزارة الأوقاف وكنت بنته الوحيدة وأكتفي بيا بعد صبر سنين يترجي من ربنا ضفر عيل وفرح بيا عكس ما كان متوقع أنه يحزن أن ربنا أطعمه ببنت مش ولد ؛ بس فرح بيا فرحة كبيرة لدرجة أنه أكتفي بيا ؛ وحمد ربه عليا ... كبرت في حنان وحنيته وحضن طيبته اللي مالهاش حدود ؛ بس الدنيا مش بتدي الواحد كل حاجة ؛ بس اختصتني انا بقلم علي وشي مفاجيء متوقعتهوش لما خدت أبويا مني ؛ أتخانقت معاه أمي اللي مكنش بيعجبها العجب ولا كانت بتحمد ربنا عليه وعليا ؛ كانت دايما تشتكي من غير ما توقف شكوى .."
وأنقطع الحديث بسبب دخولها في نوبة بكاء حار يقطع نياط القلب وأواصره إلي فتات ؛ ومد إليها "حسام" بيده بمنديل تكفكف به دمعها الغزير وكوب من الماء لعلها تهديء وتستكمل الحديث والذي لم يكن هو بالشخص الوحيد المستمع لقصتها ؛ فلقد سمع "يزن" أيضا مأساتها من أولها .. وعندما أنتباه الأثنان علي وجود مستمع ثان إليها فزعت وجزعت فهديء روعها "حسام" قائلا:" متخافيش ده "يزن" هو اللي أنقذك لما لاقاكي مرمية وغرقانة في دمك وكلمني علشان أجيب الأسعاف بسرعة تنقذك .. كملي وبعدين .. أنتي في أمان .. أي حد بيهددك بحاجة أحنا قادرين نحميكي ..."
وتسمرت عيناها علي ملامح "يزن" فقد رأت بملامحه جزع ذكرها بوالدها الراحل ؛ وأكملت قصتها وهي تحكيها ل "يزن" وكأنما الغرفة خلت إلا منهما فقط دون "حسام" ؛ لتستطرد روايتها لتقول :" كانت أمي متمردة علي عيشتنا مع أننا كنا عايشين مستورين الحمد لله وأحسن من غيرنا كان ابويا الله يرحمه مكنش بيبخل علينا بحاجة ومن كتر ما مخلينا مش محتاجين لحاجة سرحت بخيالي بقصة ساذجة أنه يكون وارث لعم له فالبرازيل وعنده مزرعة فول سوداني زي الأفلام .
كانت في بيتنا بركة غريبة في كل حاجة ؛ ولما كبرت ووعيت فهمت أن البركة دي كانت بتحل علي بيتنا بسبب أبويا وطيبته وحنيته فكأن ربنا بيكافأه ببركة فاقت الحد ؛ كنا بنلبس كويس اوي خصوصا أنا كان بيجبلي فساتين حلوة من غير ما أطلب وكانت أمي تصرخ فيه حتدلعها وتطلع مدلعة أكسر للبنت ضلع يطلع لها ٢٤ .. " ونظرت لجسدها وقد ألتئمت بعض جروحه وليس كلها وكم الندوب المتخلفة نتيجة لما حدث لها ثم أكملت :" كان أبويا يقولها حور دي ست البنات وتستاهل حنية الدنيا كلها ؛ وفي يوم أمي أتخانقت معاه خناقة كبيرة بس كنت صغيرة ومكنتش عارفة ليه أو أيه سبب الخناقة بس اللي عمري ما أنساه هو كلام أمي له كانت أقسي من أي مرة ووجعته بكلامها وبعدين ختمت وجعه بطلبها للطلاق بحجة أنها مش طايقة العيشة معاه حتي مش طيقاني أنا كمان ؛ أبويا مقبلش علي نفسه ده وطلقها وزغرطت لما رمي عليا اليمين وهو حاضني وبيحاول يمنع عني أذي خلافهم الأخير ومشيت من البيت وكان أبويا بيزود جرعة الحنية عليا أكتر من الأول لحد ما في يوم قالي سامحيني يا بنتي مش بأيدي لو مبقاتش معاكي أفتحي الظرف ده واقريه وأعملي كل اللي كاتب لكي فيه ؛ كنت وقتها عندي تمان سنين كنت في تالتة أبتدائي مفهمتش من كلامه ولا حرف وقتها بس دموعي وبكايا كان لغتي الوحيدة فالموقف ده ...
وصحيت الصبح لقتني راح عليا معاد المدرسة وده عمره ما حصل قولت يمكن من كتر بكايا بالليل بابا أشفق عليا فجريت أدور عليه لقيته نايم في سريره فضلت أصحيه ؛ أصحي يا بابا أتأخرت علي الشغل وأنا كمان أتاخرت علي المدرسة ؛ ومردش عليا بقيت أكلمه أنت زعلان علشان ماما مش معانا متزعلش أنا ح أهتم فيك أبلة "سميرة" اللي بتدينا أقتصاد منزلي علمتنا نعمل أزاي كيكة بالفانيليا وصقفتلي لأني كنت شاطرة بس حضرتك تولع لي الفرن لأني بخاف منه ؛ بابا .. بابا .. رد عليا .. وجريت علي جارنا عمو " بكير " كان راجل جميل وطيب زي بابا بس كان أكبر منه وطالع عالمعاش وجيه شافه وقالي البقاء لله مفهمتش يعني ايه فقالي يعني بابا ربنا أختاره عنده وطلع للسما ؛ يومها منزلتش دمعه من عيوني وكأن دموعي نشفت طبعا عمو أتكفل بكل شيء وبعتوا لأمي تيجي رفضت وقالت انا ما صدقت أرتحت منه ومش عاوزة بنته لانها بتفكرني بيه ؛ مكانش ليا غير عم بس مش طيب زي بابا قفل الشقة بتاعتنا وعشت معاه هو ومراته واولاده الخمسة كانوا تشكيلة بنات علي ولاد بس كانوا ولا المرستان ... دوشة وتكسير في اللعب وتقطيع لكتب المدرسة وانا مكنتش كده .. مرتحتش أبدا معاهم ؛ لحد ما في يوم هربت من البيت لأن مرات عمي ضربتني علقة لما لقتني باذاكر ورفضت أكنس وأمسح البيت وكنت وقتها بالأبتدائية شهادة يا ناس ولولاش تفوقي اللي كان بيدفع عني مصاريفي للمدرسة كان عمي قعدني منها ؛ ده غير غيرة بناته مني علشان كنت باذاكر وأجيب درجات حلوة ؛ بس ضاقت الدنيا في وشي وروحت لعم " بكير " أستنجد بيه من عمايل مرات عمي وسكوت عمي عن عمايلها فيا ؛ وأحتضني عم "بكير" وأعتني بيا لسنين لحد ما كبرت وسني بقي ٢١ سنة وكأن ربنا مد عمره علشاني .
بس كأني ماليش حظ في الدنيا ومات عم "بكير" ومكنش له اولاد أو ورثة وفوجئت انه كتبلي الشقة بأسمي علشان يأمن لي حياتي ؛ كنت بأشتغل في مصنع وقتها موظفة بالأدارة أسجل حضور وأنصراف العمال والعاملات أكتب وأسجل في الدفاتر البضاعة اللي جاية وخارجة وكانت صاحبة المصنع بتحبني لأني في حالي وماليش دعوة بحد.
شقتنا سكنت بناس لانها كانت إيجار وبعد وفاة ابويا الراجل صاحب الشقة اخدها لاني كنت صغيرة ومحدش بيرعاني ويعيش معايا فيها وعمي مهمتش غير بحياته واولاده وبس ومراته المفترية فمسألش عني ؛ ومبقتش أستغرب من حاجة في الدنيا ولا من البشر إذا كان أمي اللي ولدتني سابتني ومفكرتش تسأل عني وبقي يوصلي من المعارف انها بتتجوز وتتطلق من أكتر من راجل اللي كبير واللي من سني ودلوقتي متجوزة واحد أصغر مني ... يالا ربنا يجازي كل واحد بعمايله.
ابن صاحب المصنع كان بيضايقني كتير وكنت بوقفه عند حده وده مكنش عاجبه ومرضتيش أشتكيه لمدام "عايدة" صاحبة المصنع لتصدق كدبه وتطردني ؛ ويمكن دي كانت أكبر غلطة غلطتها ووصلتني للي أنا فيه .