Enasmhanna

Share to Social Media

* بعد مرور شهر *

اعتاد آدم على أحاديث عابد وذكرياته التي حرص عابد على انتقاء ما يصح الحديث بها ليخبره إياها، يوماً بعد يوم تعلق به آدم بشكل واضح بعد مدةٍ حدثه عن حبه لابنة خالته ( نور ) واسترسل بالحديث عنها إليه، كان يبثه ما يعتمر داخل صدره من هموم، بفقدانه والديه وشقيقته، بالضياع الذي أحسه بدون عائلته، وكذلك لم ينسى أن يذكر فضل رضوان وعبير عليه, فتح له قلبه ليبثه كل ذكرياته وماضيه ..

كان يحدثه وصدر عابد يتمزق على ابنه، يتمزق ولا يستطيع أن يأخذه بين ذراعيه ليطبطب عليه.. ليخبره أني هنا...معك .
شهرٌ كاملٌ مر وكأنه كالحلم بالنسبة لعابد، حلمٌ وكابوسٌ بآنٍ معاً، متى سيعترف؟ وهل سيتقبله إن اعترف له؟! مئات الاحتمالات والأفكار اجتاحت عابد طيلة الوقت وهو يراقب آدم بتصرفاته، بأخلاقه الحميدة،تبسم بشكرٍ جلي لرضوان وزوجته لتنشئة ابنه هذه التنشئة الصالحة, ولربما اهتما به أكثر من اهتمامهما بمراد الذي يختلف عنه مئة وثمانون درجة، بأخلاقه، بالتزاماته الدينية حتى بعمله.

***********

ظل مراد جالساً أمام البحر لمدة لم يحتسب ساعاتها، ينظر شاردًا  إلى الأمواج المتلاطمة وهو يشعر باختناقٍ رهيب، حل ربطة عنقه واستلقى على الرمال لتلفحه الريح الباردة، ضغط على عينيه بأصبعيه كي يكبح دموع فقدها ثم رمى زجاجة المشروب بعدما تجرعها كاملة، رماها من يده لتتهشم على الصخور، اختفت جمانة ببساطة كما ظهرت، لم تفلح محاولاته في البحث عنها طيلة شهرٍ كامل, ظهرت كجنية لتسلبه عقله واختفت بعدها كساحرة ألقت بلعنة على حياته لتحيلها جحيمًا في غيابها.

شهرٌ تعاقب فيه الليل بالنهار، زهد بإليسا، سحق قلبها بتجاهله المميت ، وكأنها مجرد أثاث في شقته، بل وكأنها مجرد طفلة مسئولٌ عن إطعامها وإلباسها، سحق روحها البريئة دون أن يبرر ما الذي به، كانت إليسا تشعر بالحزن يفتك بروحه كذلك ولن تفهم السبب  وكأنه رجلٌ غريب ليس نفس الرجل الذي عرفته لمدة عامين، هو لم يكن مخلصاً لها طيلة الخطوبة وحتى بعد الزواج حينما خفق قلبه مرةً أخرى لجمانة، كان يريد فقط من يؤمن بأنها لن تخونه، كان يريد أمًا لابناءه، فتاة لم تقترف خطأ بحياتها، لم تتعرف على شاب قبله، ولم تشعر حتى بمراهقتها لذلك اختارها والمشكلة فعلاً أنه يحب برائتها ونقائها الجلي،

بآخر إسبوع ملت من سؤاله عما به، ملت عن سؤاله لما يطل الحزن من عينيه فلم يجبها سابقاً ولن يجيبها حتماً إن سألته مجدداً، يكتفي بمزاحه المتكلف معها وكأنها طفلة شقية يلهيها عن طلب ما تريد بعدة دقائق فقط يومياً....
كثرت سهراته الليلية و غالباً ما ينتهي به المطاف ثملاً ليرتمي على فراشه وسط حزن مطبق منها وهي تطالعه بقلة حيلة ،حتى كريم وهو أقرب شخص إليه، لم يفهم ما به..لم يستطع أن يحدث كريم بعدما رآه غير متوازن في الآونة الأخيرة..فهو ليس بحال افضل منه!

حطم مراد وح زوجته يوماً بعد يوم لتذبل أمام عينيه كالزهرة بعد أن تم قطافها، قضى ذلك الشهر بالبحث عن جمانة فقط دون جدوى، وكم تمنى أن يخبر آدم أنه عثر على شقيقته الصغرة، أن يخبر عابد بأن ابنته لم تمت بل كانت مجرد كذبه وضيعة من مديرة الميتم لتبيعها بسعر معقول لإحدى العائلات قبل أن يظهر احد من أهلها، بيعت الفتاة بالاتفاق مع أحد الأطباء معدومي الضمير لتزوير وثيقة تؤكد وفاة الصغيرة بسبب الحمى، لكن أوان هذه الجريمة قد فات عليه زمنٌ طويلٌ جداً، توفت مديرة الميتم وتوفي الزوجين اللذين تبنا جمانة بعد ثلاثة أعوام من شرائها وبهذا أخذت اسم الاب الذي اشتراها وعادت للميتم مرة أخرى  لكن الشيء الذي كان لصالحها أن القلادة ظلت معها..وأنها ذكرى من أم لا تعرفها، لتؤكد هويتها على الأقل لديه، لكن كيف سيشرح لهم ماجرى؟ كيف سيفهمهم أنه وبسبب فساد موظفة وطبيب، دُمرت حياة أسرة كاملة !؟.
سأل آدم عن جمانة عندما رأى تلك الموظفة الجديدة قد اتخذت مكانها، أجابه مراد ببساطة: -استقالت
" بضعة حروف نطقها ليشعر آدم بحزن دفين لم يفهم له سبباً، وليشعر مراد بلطمةٍ موجعةٍ على صدره مع كل حرفٍ ينطقه بتلك الكلمة !

نهض بعد مدة مغادراً شاطئ البحر، لم تكن له رغبة في العودة إلى المنزل،  اكتفى بالقيادة حتى توقف أمام فيلا عمه محمد، ترجل من سيارته وخطى إلى داخل الحديقة ليقابل كريم فهو الوحيد الذي سيفهمه دون أن يسأله عما به ..  صديق طفولته...ملجأ أسراره،  كاد أن يطرق الباب فسمع صوت ضربات عنيفة على كيس الملاكمة عرج إلى الجهة الخلفية ليدخل إلى البهو من الباب الخلفي، والذي اتخذه كريم مكانا ً لتدريباته.

دفع الباب بهدوء وهبط الدرجات القليلة وقد بدأ المشروب بالتأثير على تركيزه، ليستند من بعدها على عتبة الباب الداخلية يطالع كريم وهو ينقض بشراسة على كيس الملاكمة، يلتمع جسده جراء العرق الغزير الذي يغمره وعيناه استحالتا إلى جحيمٍ مشتعل، تمنى مراد بهذه اللحظة أن يفعل كابن عمه، أن يترجم غضبه بهذه الطريقه فقط لكنه لا ينفك بارتشتف السموم هرباً من الواقع، وهرباً من طيف جمانة !هو ضعيف جداً ، وكم كان يحسد كريم على صلابته وقوته، كيف له أن يرضخ لفكرة أن نور ستتزوج رجلاً آخر؟ خطرت له جمانة الآن، لربما هي على علاقةٍ بأحدهم لهذا هربت منه؟ لربما الآن قد تزوجت؟ مسح وجهه بيديه مطلقاً آهة ألم وشعوراً مميتا يمزق صدره فلم يكن ليتحمل أن تكون بين يدي رجلٍ آخر.

وقف كريم لاهثاً ليستريح قليلاً واستدار ببصره ليشرب من زجاجة الماء فرأى مراد مستنداً على العتبة وبالكاد يوازن نفسه"

-ألم تتعلم الطرق أو الإستئذان؟

قالها كريم وهو ينتشل قارورة الماء ليتجرع منها بينما تقدم مراد وهو يلوي شفاهه ساخراً ليرتمي على الأريكة الجلدية  وسط نظرات الاستنكار البادية على كريم
- البيت بيتك على أي حال ! .

قالها كريم ساخراً، كانت نظراتهما مفهومة، وكذلك حديثهما الغير مسموع، كلاهما منصتٌ جيد، لكن الفارق أن أحدهما زير نساء، قضى حياته متنقلا من فتاة لأخرى، يعبث بقلوبهن دون شفقةٍ أو رحمة حتى اوقعته تلك الساحرة_ من وجة نظره_بشباكها ليغرق، ليحس بطعم الألم الذي كان يذيقه لغيره... والآخر تفتحت مشاعره على أنثى واحدة فقط لكنها كذلك أودته صريعٍا جراء رفضها العنيف له

عاود كريم ضرباته على كيس الملاكمة متجاهلاً مراد المستلقي على الأريكة وهو يطالع السقف بشرودٍ وضياع، ومر الوقت بشكل بطيء على كليهما حتى تلفت مراد ناحيته وقال بصعوبة جراء ثمله : ألم تشفى  ".

تطلع فيه كريم بجمود ينافي البراكين المتقدة في صدره ليجيب برصانة: هل جربت الحب الحقيقي، هل نستطيع الشفاء منه بيوم أو اثنين ، بسنة أوحتى اثنتين ؟ .
رفع مراد يده وأشار بتهكم ناحية رأسه: هو إحساس يشعرك بمدى غبائك وضعفك، الحب غبااااء، الحب ▪▪▪▪▪▪▪
أطلق سبة بذيئة فحدق كريم به باستهجان ليدرك أنه مسلوب العقل والإدراك فهتف به : أنت ثملٌ مجدداً يا رجل؟!
لوح مراد بيديه باستهتار متمتماً: هي السبب " لتتعالى ضحكات كريم العابثة وهو يقول بتشف : -من تقصد إليسا!!! وقعت إذا  يا صاحبي ! وقعت بشر أعمالك"

ثم تقدم منه أكثر قائلا بقلق بعدما شك بأمر ما :
-خنت إليسا يا مراد؟ هل فعلتها حقاً بعد الزواج ؟!
غطى مراد وجهه بيديه ليتمتم كريم بحنق: غبي فعلاً !
ضحك مراد عالياً وقال وهو يعتدل بجلسته ويلوح بيديه
-هي جنية ...عشقت جنية مخادعة ،هووب ظهرت أمام قلبي ثم ....هووب اختفت من حياتي .
جز كريم على أسنانه بغيظ من حماقة مراد وقال بحنق: ومن هي تلك الجنية يا ترى ؟
-جمانة ...شقيقة آدم.
جمدت ملامح كريم لثوان قبل أن تتعالى ضحكاته بشكل هستيري وهو يوبخ مراد :استغفر الله!! كم شربت الليلة يا أحمق !؟
-والله إنها ....إنها شقيقته..جمانة شقيقته لست ثملًا !
جفف كريم نفسه بالمنشفة ثم ارتدى كنزته القطنية مجددًا وقال وهو يسحب مراد من يده ضاحكاً: -حسناً شقيقته، والدته، زوجة أبيه، لا يهم هيا لأقلك إلى منزلك شارف الفجر على البزوغ إلى متى ساتحمل حماقاتك، و الله ما في قلبي  يكفيني ! .

أسنده بيده ثم سار به ناحية سيارته ليقودها تلك المسافة القصيرة فلا قدرة لمراد على التوازن ..  وصلا ناحية الفيلا، كاد يريد أن يتصل بإليسا لتفتح له البوابة لكنه لا يمتلك رقم هاتفها، تناول هاتف مراد لكنه مقفل برمز خاص، زفر بحنق ثم تناول هاتفه مجددًا واتصل في نور مجبراً كي لا يقلق عمه رضوان وعبير على مراد بهذا الوقت المتأخر، وهو يعلم جيداً كيف سيكون شعورهما تجاه تصرفات مراد. ثلاث دقائق أو أكثرحتى أجابت نور بصوت ناعس وبتردد :
-ألو !!

أخذ نفسا عميقاً وهو يلعن بسره مراد وكأنه أرسله إلى التهلكة بقدميه! أجاب بصوتٍ هامس: افتحي البوابة الخارجية مراد معي.
تسائلت بذعر وهي تعتدل: مراد !! ما به؟ .
-لا تقلقي هو بخير افتحي الباب .

نهضت من فراشها بسرعة وارتدت دثاراً طويلاً وعقدت حزامه لتغطي فستان منامتها القصير ونزلت بسرعة ناحية الحديقة وفتحت لهما البوابة ليسند كريم مراد ويساعده على المسير بينما تسائلت نور بقلق وهي تشد الدثار بيديها لتغطية نفسها: ما به ؟
-إنه ثمل "
زفرت نور بغضل من تصرفات أخيها التي زادت عن المقبول وتقدمت كريم ناحية الصالة وقالت له : أدخله غرفة الضيوف ومدده على الأريكة، رجاءً بلا صوت كيلا يشعر أحد لا نريد إثارة مشاكل الليلة .

أومئ لها موافقاً واتجه به ناحية غرفة الضيوف ومدده على الأريكة ثم تقدمت منه مجدداً لتتطلع به بغضب اشتم مراد رائحة الياسمين التي اعتادت جمانة أن تتعطر به، وكذلك نور، فصار يتمتم بخفوت : ج جمانة ...لا تتركيني مجدداً" تمسك بثوب شقيقته لتشهق بفزع وهي تمسك بيديه وتهتف بحنق:جمانة!!! مراد أيها الغبي اترك ثوبي !
رفع صوته اكثر مناديا جمانة
فغلت الدماء بصدر كريم غضباً فقبض على كف مراد الذي غاب عن الوعي ليضربها على صدره ويهتف ساخطاً : اصحى و كف عن هذه الحماقات !
صار كريم بجانبها مباشرة بعدما خلص دثارها من قبضة مراد, فغزا الخجل تقاسيم وجهها واصيبت بارتباك من تواجده، وسط نظرات كريم التي لم تنزاح عنها، تنبهت لنظراته المرتكزة عليها لتحكم لف الدثار عليها وتقول بلعثمة : ش..شكرا لك "
أشاح بنظره بإحراج ثم قال وهو يخطو إلى باب الشقة هرباً منها : لا تشكريني هذا واجبي"

صرخ مراد مجدداً بصوت أعلى : جماانة .

تعالت وتيرة تنفسها باضطراب خشية أن يستيقظ والديها أو أن تسمع إليسا كلماته فمسحت وجهها بتوتر وهمهمت: ما العمل الآن؟

لا بد وأن أنادي لآدم ليصعد برفقته لعله ينام في شقته " ما إن نطقتها حتى استدار كريم بغضب وقال جازاً على أسنانه: لما تقحمينه بكل شيْ, ألن تأمني البقاء معي لثلاث دقائق؟ قلت لك أني سأغادر؟!

أغلقت فمه بكف يدها بفزع وهي تهمس: أخفض صوتك أيها الأحمق، لا أقحمه لكني لا أريد أن أتسبب بمشكلةٍ لمراد فوالدي غاضبٌ منه في الآونة الاخيرة.

وكمن صعقه تيار كهربائي جراء لمستها ليتطلع بها  جراء اقترابها الشديد منه نفضت يدها عنه بسرعة فتمتم كريم بارتباك : س. سأناديه إبقي مكانك أنت"

طرق كريم عدة مراد حتى فتح له آدم ليتفاجى من وجوده بهذا الوقت المتأخر وقال بقلق: -خيراً !! هل هنالك مشكلة ما؟

أجاب كريم باقتضاب : مراد ثملٌ جداً، ساعدني بإسناده كي ينام في شقتك، لا نريد من عمي أن يراه بهذه الحالة.

أومئ له آدم لينزلا بسرعة ناحية الشقة لتستقبلهما نور تعلقت عيناه عليها قليلا قبل أن يتقدما ناحية مراد ليسنداه مخرجين إياه إلى شقة آدم ثم أجلساه على الأريكة لتلحق بهما نور وهي ترى شقيقها بهذا الوضع البائس لا ينفك ينادي جمانة بين كلماته...حدق به آدم بعدم فهم لتنفرج عيناه بصدمة وقد أيقن أن المقصودة سكرتيرته جمانة حتماً، فهو على هذه الحال منذ استقالت من الشركة، تجاوزتهما نور بعينين دامعتين وقامت بخلع حذاء مراد وتصحيح نومه وتغطيته بلحافه وسط نظراتهما المنكبة عليها ليقول بعدها آدم بحزم: إنزلي إلى الأسفل نور...ولا تقلقي سيكون بخير.

هزت رأسها وغابت عن أنظارهما ليتطلع به كريم قائلاً : سأغادر الآن كذلك تأخر الوقت" هز آدم رأسه شاكراً ليهبط كريم درجات السلم بينما أغلق آدم الباب  وارتمى على الأريكة الأخرى وفكره مشوشٌ ومضطرب من حال مراد الذي سيدمر نفسه حتماً  بهذه التصرفات .

كادت نور أن تغلق الباب فهمس كريم وهو يهرول بسرعة ناحيتها: بست انتظري.
فرجت الباب قليلاً لتتسائل : ما الأمر؟
أخذ نفسا عميقا قبل أن يهمس : مضى ثلاثون يوماً لم أرك فيه.
هزت رأسها قائلة خفوت: حقا..مر ثلاثون يوماً ارتحت فيهم من ثرثرتي ومشاكلي..
أردف ببسمة باهتة: كيف هي علاقتكما ؟ متى سيتقدم لطلبك بشكل رسمي.
قالها بمرارة واضحة لكنها جابهته بحدة: ألا تلاحظ أنك تتدخل في خصوصياتي؟
- صحيح ..آسف نسيت أنه لم يعد لي الحق بالتدخل فيك"
رفعت كفها بتحذير: أنت فعلت هذا ...أم نسيت ما اخبرتني إياه في المرة الماضية !
ضحك بلؤم: صحيح...أنا حمار اعذريني،
ثم أردف:
ليت أحدهم يخرج الآن ..ليرانا ونحن نتحدث بعد.منتصف الليل ...وحدنا
تعالت وتيرة غضبها من كلماته وتصرفاته المبالغة فرفعت يدها بتلقائية لتصفعه قائلةً بحنق : أنت مريض.
فأجاب وقد التقط كفها بسرعة ورفعها ناحيته شفاهه:  مريضٌ بكِ" و لثم باطن كفها قبلة طويلة و بالكاد استطاع افلاتها ثم تراجع مغلقا الباب خلفه ليجتاح روحه عاصفة مشاعر ..بينما ارتجفت نور بضياع حقيقي من جنونه وتهوره وتجاوزاته معها التي زادت عن المقبول،  هرولت ناحية غرفتها لترتمي على سريرها وهي تتلمس باطن كفها مكان قبلة كريم بخوف وصدمة !

خرج  وصار يسير ببطئ  ناحية منزله غارقُ في التفكير فيها.... توقف بمنتصف الطريق وأغمض عينيه ليصرخ صرخة ألمٍ خرجت من أعماق روحه.

*********
صباح اليوم التالي ..كان يجلس في متجره بالطابق السفلي يتكئ برأسه على المكتب يستمع لفيروز فانتشله من شروده صوت فتاة تناديه: - بعد إذنك "
رفع رأسه من على المكتب ليطالعها بعينين حمراوين جعلتاها تجفل لا إراديا...قالت بارتباك:
- هل تحتاج إلى موظفة للعمل في متجرك .
تطلع بتلك الفتاة القصيرة ضئيلة الحجم، ناعمة الملامح ذات الشعر القصير الأسود والعينين الواسعتين وقال بلا اهتمام:
-تحتاجين إلى عمل.
- نعم.
عاد واستكان برأسه على الطاولة وغمغم بكلمات لم تفهمها فرفعت حاجبيها لتتسائل مجددًا: -يلزمك أم لا؟ لم افهم تكلم بوضوح !

وهل هو يفهم حقًا ما الذي يجري به ومعه، رغم ضياء شمس النهار الذي يكتسح الزجاج ليسقط على وجهه إلا أنه شعر بعتمة مفاجئة تستحوذ على روحه، لم يكد ينسى صورة نور ليلة البارحة حتى هجمت كقطة شرسة لتنشب مخالبها على صدره محدثة جرحاً لن يندمل، وكيف تمادى معها، بل كيف صار يتمادى في كل مرةٍ يراها ...كيف تحول إلى شيء قميء مثير للشفقة أمامها! ، أخذ نفسًا عميقاً يطرد الحزن المستوطن في قلبه فقالت تلك الفتاة مجددًا: ألم تسمعني!؟

تطلع فيها نظرات مستنكرة فلتتركه لوحده ولتكف عن اقتحام عالمه بحق الله ! قال بلا مبالاة لتكف تلك المتطفلة عن إزعاجه،
- حسنًا،نعم , نعم باشري عملك
تبسمت الفتاة بفرح شاكرة وقالت بحماس:
-  سأباشر إذن من الغد .
- لا يهم.
أجابها ونهض متجاوزاً إياها ليقف امام الباب يدخن بينما هزت الفتاة كتفيها بلا مبالاة وخرجت من المتجر بفرح جلي فالمرتب الذي ذكره معقول، بل جيد جدًا .
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.