Enasmhanna

شارك على مواقع التواصل

خطى رضوان بخطوات واثقة داخل الرواق الطويل.. وبعد التفتيش جلس في غرفة الانتظار ، أطل هذا الرجل الخمسيني  من الباب بابتسامة اطفأتها جدران السجن العطنة وقام  باحتضانه وربت على كتفيه : كيف حالك ؟
تبسم رضوان قائلاً : بألف خير الحمد لله وكيف هي أحوالك هنا ؛ هل ينقصك شيء ؟.

ارتمى الرجل على الكرسي قائلًا : دعك مني الآن ، أخبرني عنه، كيف هو، هل تخرج من جامعته ؟
تبسم رضوان مجيبا : إنه بألف خير لا تقلق
تخرج من جامعته وسيعمل ضمن الشركة بعد بضعة أيام حينما نتفرغ من ترتيبات حفل الزواج ..
وكما طلبت سابقاً أحضرت لك عشرات الصور له، لا نترك مناسبة إلا ونقوم بتصويره فيها ..
دمعت عيناه وهو يتناول المظروف وصار يقلب الصور بلهفة غسقت عيناه وهو يرى الفرحة تطل من عيني ابنه..ابنه الذي حرمت السنوات منه ...
-هذه ...هذه نور اليس كذلك ؟
اومئ له رضوان وهو يربت على كفه المرتعشة: اوكلنا مهمة التصوير لها ..فتقوم دائماً بالتقاط الصور لهما معا من هاتفها كي لا يشك بأي شيء ابنتي مهووسة تصوير .
هز الرجل رأسه دامع العينين وهمهم: -ماشاءالله...ماشاءالله
قال بعد صمت ليس بالطويل :
-رضوان ....ألم يحن الوقت بعد لإخباره الحقيقة ؟.
تعلقت عينا رضوان عليه ثم أجاب : صدقني أخاف من إخباره بهذا الوقت، هو مندفع وعصبي كما أخبرتك، لا أعرف كيف سأشرح له ،دعه يثبت نفسه في مجال العمل أولاً كيلا يتخذ مني موقفاً وحين يثبت على قدميه ويتمكن من العمل ...سأخبره إن شاءالله

تنهد الرجل قائلاً بيأس : حسناً ...لا تخبره ، لا أريد للحقيقة أن تؤلمه..دعه يعش حياته دون ان يعكرها صفو الماضي .
ربت رضوان على كتفيه قائلًا : كن قوياً كما عهدتك دائماً ، وإن شاءالله الفرج قريب .
ضحك الرجل باستهتار قائلا ً: الفرج على من تضحك يا رضوان !!.صدقني لم أعد مهتما بشيء حاليًا ، حين ماتت وافترقت عنهم، مت أنا وانتهى الأمر .
تنهد رضوان قائلاً : لا تكن متشائما ً.
-لست متشائماً ، هذه هي الحقيقة أنا محكوم بالمؤبد ..

دلف السجان قائلاً بجمود : انتهت الزيارة .
قام الرجل من على الكرسي دون أن يضيف حرفاً آخر ، تناول مظروف الصور من على الطاولة وسار عائدا إلى زنزاته الصدئة  .

*******

الاسبوع الذي مر على الجميع وهم يستعدون لحفل زفاف مراد وإليسا كان كالحلم ، سريع ، هادئ نسبياً ، وبلهفة جلية من اليسا ًالتي ستتزوج من فارس أحلامها مراد ، بعقل مراهقة ساذج اختلقت بمخيلتها حياة رغد وهناء مليئة بالحب والوفاق ، مليء بالزهور  وأغان العشاق التي ظنت أن مراد سيترنم بها لأجلها فقط ،اختلقت اجواء رومنسية كالأفلام  التي تعشق متابعتها، وغفلت على أن الحياة الزوجية هي نتاج مشترك بين المسؤولية والصعاب والمشاكل والحب ولم تكن تعرف، أن مراد لا تكفيه ولن تكفيه امرأة واحدة !.

بيد أن مراد وبأنانيته كان يفكر بعائلة سوية ، بأطفال يحملون اسمه من انقى امرأة في الوجود متغافلا ًأن الزمن سيدور بعجلته حتماً ،والخيانة ستكشف يوماً ما  كان زاهداً بكل النساء حوله هذا الأسبوع على غير عادته لكنه لم يستطع تجاهل جنيته جمانة التي استحوذت على تفكيره بشكلٍ غريب ولا يهنأ له بال حتى يستفزها بكلماته التي يستطيع التلاعب بحروفها، بات يعشق استفزازها فعلًا ..يعشق تأمل انفعالاتها حينما تغضب، حتى بعض العملاء وحينما يزيدون التملق لها لم يسلموا من لسانها السليط !
وبذات الوقت حاول الانخراط بعمله رغم محاولات والده بأن يتغيب هذه الأيام كي يهتم بترتيبات الزواج...

قبل ليلة حفل الزفاف، طرق الباب ، نهضت جمانة وفتحته فإذا به( راغب ) السائق الخاص لمراد
-مساء  الخير آنسة جمانة .
- راغب!  .
مد يده ليسلمها حقيبة وقال : يقول مراد بك ، هذا لأجل الحفل غداً .
ظهر الامتعاض على تقاسيم وجهها وهي تفتح الحقيبة لتتفاجئ بفستان أغلقت الحقيبة فوراً دون أن تكمل رؤيتها:

- أخبر سيدك أنه ليس من ضمن بنود العقد أن أحضر حفل زفافه .
رفع راغب حاجبيه بعدم فهم ثم اخرج هاتفه النقال وأخبر مراد ما قالته حرفياً، صمت قليلاً يستمع ثم قال لها ببرود :
-يقول لك سيد مراد أن يوم الحفل هو الخميس أي أنه منطقياً ضمن أيام العمل وبما أن عطلتك الرسمية هي الجمعة فهذا طبعاً من ضمن بنود العقد .

جحظت عيناها من ردوده الجاهزة دائماً فهتفت براغب : قل له أن يمزق عقده ويرميه للكلاب.
كاد راغب أن يوصل كلماتها فقال مراد بتأفف وهو ينهض من على سريره الذي كان مستلقيا عليه:
- لا تعيد لقد سمعتها، شغل المايكروفون "

ضغط راغب المايكروفون فقال مراد : اسمعيني أيتها الجنية العنيدة، سترتدين الفستان وسأراك غداً في الحفل وكفي عن الجدال في توافه الأمور، لست المدعوة الوحيدة فجميع الموظفين سيتواجدون غداً والكل حصل على هدية كما حصلت أنت ...أي أنك لا تملكين امتيازات عن غيرك .

سحبت الهاتف من يد راغب ودخلت شقتها لتتحدث إليه : لا ألبس الفساتين المكشوفة أيها السيد كأمثال طبقتكم المخملية .
.
تبسم مراد واستلقى على السرير مجدداً قائلاً : لم تريه إذن ! اطمأني ليس مكشوفاً، فأنا لا أحب لمن تخصني أن تعرض جسدها للرجال .
احتقن وجهها بانفعال وهتفت وهي غير مصدقة وقاحته : أخصك !!! أنت ألا تخجل من نفسك وزواجك بعد بضع ساعات فقط !

-شش ، شش " قالها مراد لإسكاتها ثم أردف : ألست السكرتيرة الخاصة بي ؟ إذن تخصينني ، وراغب سائقي يخصني أمره كذلك، لا تدعي الكلام بيننا ينحرف لاتجاه آخر ...
ثم أردف بعبث : مع أني أعشق فعلا ً الانحراف .
-مررااااد !!
صرخت به بصوت هادر فقال مصححاً كلمته : -الانحراف في الطرق يا ابنتي ! لا تستغلي طيبتي وتفهمي كلماتي بطبيعتك العبثية "

ورغم عصبيتها منه إلا أنها ضحكت وهي تمسد جبينها  !  ليردف مراد مجدداً بصوت هامس : جميلة بكل حالاتك أيتها الجنية  !

أبعدت الهاتف عن أذنها وكأنها لا تصدق ما يتفوه به هذا الأحمق وحفل زواجه غدا ! ألا يحب عروسه ؟ ألا يحترمها !
ودعته على مضض وأغلقت الهاتف فتنهد مراد بعمق وهو يمسح وجهه بيديه متسائلاً بجنون :
-ما بك مراد ؟ما الذي يميزها ؟! تسائل لنفسه بقلق فلأول مرة تستحوذ امراة على تفكيره بهذا الشكل المخيف، جميع علاقاته السابقة كانت مجرد نزوات عابرة، أما هذه الفتاة فهي نكهة مختلفة ، فريدة، للحظات تلخبطت مشاعره، هو فعلاً يحب إليسا وبرائتها، يعشق روحها المرحة وضحكاتها التي تناسب سنوات عمر الزهور .

أما الجنية جمانة !شعلة من الجنون والوقاحة! تناقض بين النار والجليد ، كتلة من الديناميت المتفجر ، إعصار متحرك كما وصفها جارها مسعود حينما التقاه،  زفر بقوة ثم اعتدل بمجلسه وخرج قاصداً شقة آدم لعله يشغل تفكيره عنها قليلاً .

أما جمانة فأغلقت الخط واتجهت مباشرة ناحية راغب الذي ما يزال واقفا أمام الباب يستمع لحديثهم يكاد يفشل في إخفاء ضحكته انتشلت الحقيبة من بين يديه وأغلقت الباب بعنف بعدها واتجهت ناحية الصالة ...طرق الباب مجدداً فهتفت به : -ما الأمر الآن ؟ .
أشار إلى يدها قائلاً : هاتفي معك .
تطلعت إلى يدها وزمت شفتيها ثم سلمته الهاتف وضحكة بلهاء ارتسمت على محياها :
- إن مديرك سيسبب لي أزمة قلبية فعلاً .
ضحك راغب وهو يتناول الهاتف منها وأجاب : -أتخبرينني أنا على الأمر !
-كم مضى لك وانت تعمل عنده؟
اتكئ راغب على جانب الباب وهو يمضغ اللبان ويفكر فحدقت فيه باشمئزاز...إنه شاب ناعم طري...وجهه يلمع أكثر من وجهها، قال راغب : -يعني ...يعني منذ حوالي الثلاث سنوات...نعم ثلاثة .
وضعت جمانة كفيها فوق بعضهما وصاحت فيه : -اعتدل يارجل ماهذه الميوعة  ! .
وقف راغب متأهبا ثم قال بتلكؤ: عن..عن اذنك

******

في ليلة الزفاف ....
انهى عقد ربطة العنق وهو يتأمل ملامحه الهادئة لا يعرف إن كان  هذا التوتر الخفي بسبب زواجه أم لأنه قد تسرع...أو ربما لأن مشاعر عنيفة تجتاحه تجاه امرأة أخرى وهو عريس!
ويا ليتها امرأة! لا تمت للأنوثة بصلة ! تمتم وهو يعقدها بعنف حول رقبته  فمد آدم كفيه تجاه ابن خالته وهو يقوم ربطة العنق له بهدوء :
- اهدأ مراد مابك! لا يعقل أنك متوتر! لا اصدق!
حدق مراد بعينين تائهتين بعيني آدم ولكنه لم يره...كان تائها خارج المجرة تائه بعينين سوداوين واسعتين تللحقان أحلامه قبل يقظته...تائه بضحكة عصبية من صاحبة الشعر الأسود القصير  تخيلها مراراً بثوب أنثوي...بماكياج صارخ لكنه كان ينفر من تخيله لها بهذا الشكل ...هي جذبته هكذا..لأنها هكذا ! لكنه الليلة حلم فيها وهي ترتدي فستان زفاف يعرفه حق المعرفة...
لأن عروسه ترتديه الآن وهو من اختاره لها ككل شيء يخصها.
انتشل مرتد جاكيت بذلته واندفع خارجاً  فتوقف آدم أمامه وقال بهدوء عكس البراكين التي تتفجر بعينيه:أعرف أنك انتظرت طيلة تلك الفترة تفسيراً ...لكن اعلم أني لست جباناً  يا ابن خالتي .
حدق مراد فيه مطولاً  وهو يربت على كتفيه :

- أعرف بأنك لست جباناً لكنك مطالب بالإفصاح عن مشاعرك إن لم يكن للجميع فعلى الأقل لأخيك الكبير الذي سيساندك بكل تأكيد ...خلق الحب لكي نفصح عنه لا لكي نخبأه بداخلنا.
أجابه آدم بشرود : أحياناً قد نخاف الاعتراف بهذا الحب...ليس لأننا جبناء بل لأن هناك ظروف أقوى من الحب...
تنهد آدم بينما كان مراد يؤكد على كل كلمة نطقها ابن خالته ..هناك ظروف أقوى من المشاعر والحب...قال آدم مجدداً :
أنا وكما قال كريم مجرد علقة تمتص تعبكم ومجهودكم ، لعلي و حينما أباشر بعملي الخاص..حين أستقل ماديا  سأتقدم بقوة، كي أعيل نفسي قبل أن أعيلها ...كل مبلغ يتم تحويله لحسابي منكم...يشعرني بدونيتي..يشعرني وكأنني عالة.

قطب مراد حاجبيه من طريقة تفكير آدم ثم شف ثغره عن ابتسامة حانية : -تعرف بأننا لا نفكر بك بهاتك الطريقة أبدا فلا تختلق الأوهام والاعذار التي لا صحة لها... أنت لك نصيب كبير من إرث والدتك...
ضحك آدم بألم ونطق : وما هو ذلك الإرث؟ منزل قديم بمدينة أخرى ...وقطعة أرض قاحلة. 
تنهد مراد بشرود ثماعتصر كتفي آدم بقبضتيه: اسمع ...لا أريد اليوم ما يعكر حفل زفافي...كف عن هذه الأفكار واهتم ببناء مستقبلك وإن كنت فعلاً تريد الإنتظار حتى تقف على قدميك وتستقل مادياً، فعلى العكس سنكون فخورين بك ، صدقني يا آدم لن أئتمن على نور سوى معك ولن أثق بأحدٍ للعناية بها سواك ...أنت أخي يارجل، أخي ...أتفهم.
عانفه مراد بحرارة ليغمض آدم عينيه الدامعتين..لكم يعشق كلمة أخي..عائلتي التي يسمعونها له دائماً  ليرمموا الفجوة الكبيرة بينه وبين ماضيه .لأيام عاش فيها وحيداً بعد وفاة والداته .

*******
ومن قال بأن الأرض تدور !
الأرض ثابتة ....ثابتة بشكل جنوني كنظرات آدم  لمن أضافت البهجة والضياء لروحه قبل قلبه
لنور التي تزينت بثوبٍ أحمر طويل و ضيق، ذو أكمام من الشيفون وشعر كستنائي طويل سرحته بطريقة بسيطة واسدلت غرتها لتحتضن الجانب الأيسر من وجهها، بتبرج ناعم مناسب لسنوات عمرها التي لم تتجاوز الثمانية عشر ربيعاً ،

انشغل عما يدور حوله من صخب وجنون في حديقة الفيلا التي قاموا بتزيينها لأجل الزواج الذي قرر مراد أن يكون في الحديقة  ،
تقدم آدم بخطوات سريعة متزامنة مع ضربات قلبه ، بل كانت ضربات قلبه هي التي تسير ناحيتها دون إرادة منه، ألقى السلام بلهفة ناحيتها فرفعت وجهها بتلقائية لتتأمله وتبتسم بدورها بسعادة غريبة تسللت لتبث الارتجاف في قلبها:
-أهلاً آدم .
أهلا ً بعشق آدم ....وقلب آدم ...وكيان آدم الذي سحقتِ روحه بجمالك الليلة "

ولكم تمنى بأن يبوح بتلك الكلمات  لكم تمنى بأن يأسرها ليهرب بها بعيدا ًعن الجميع لتستوطن صدره فقط، لكنه اكتفى بابتسامة بسيطة تسللت من ثغره وهو يقول : تبدين رائعةً هذه الليلة نوارة.

توردت وجنتاها بحمرة الخجل وقالت : وانت أيضا تبدو ...تبدو أنيقا جدا " لتزيد من اختلاج هذا الأحمق الذي سيصر على فضحه الليلة لا محالة وهو ينبض بعنف ... كتوصيات من واليدها اقتربت منه كعادتها وهو يحدق بعينيها العسليتين غارق فيهما .. همست بصوت هادئ: ابتسم ورفعت الهاتف لتلتقط لهما عدة صور...
نسى آدم الكاميرا التي تصور وانشغل فيها فقط..برائحة شعرها التي تخترق كيانه..فينبض صدره ينبض وينبض وينبض كضربات الأمطار العاصفة والتي ستتحول إلى كوارث رعدية عندما تقدم منهما كريم بجسد متشنج متجاهلا آدم ليلقي بكلماته القاتلة .
-سبحان من أبدع هذا الجمال يا ابنة العم ! .
حدجه آدم بنظرات كجمرة من لهيب ستحرق الحديقة بمن فيها.. انتشل نور على حين غرة قائلاً بحدة : كفى تصوير لنجلس شعرت بغثيانٍ مفاجئ .

اعتصر كريم قبضة يده  وبالكاد سيطر عليها كيلا تنفلت على وجه آدم مجدداً، وهما يبتعدان عن مرمى بصره ليجلسا على الطاولة لكنه لم يشأ اختلاق مشاكل خاصة هذه الليلة وتمتم بسخط : - ستنتهي هذه المهزلة عما قريب أنا اعدك .

جلس آدم بجانب نور ونظراته ترتكز على كريم الذي ما يزال يرسل تهديداً صريحاً تجاهه وشعر باضطراب نور كذلك، فقال هامساً بجدية اسبقيني إلى السطح أريد محادثتك "
-ما الأمر ؟ تساءلت بقلق فقال مجددا ً:
-نتحدث بالأعلى هنا صخبٌ جداً .
وفعلا بعد دقائق قصيرة صعدت الى السطح وتبعها بعد لحظات بعدما تأكد من انشغال كريم
مع والدته ..
امينة هانم التي حدقت بابنها من اعلى لأسفل وتمتمت بغضب وهي تضربه بمروحتها اليدوية على كتفه: -بنطال من الجينز يا ابن بطني في حفل الزفاف!!
ستفضخني انت...ستفضحني بضمير مرتاح.
ضرب كريم قبضتيه ببعضهما وغمغم : لا تؤاخذيني..سيترك  الحضور مراسم الزفاف وينظرون لمؤخرة بنطالي الجينز أليس كذلك!
تأدب ولد ..تأدب أقص لسانك والله !
ضحكت رهف بأعلى صوت ثم تابعت الحوار الشيق: والله قد تأنق يا أمي الا ترين انه يرتدي قميصاً اسود... وحذاء جلديا.
فانتفضت والدتها بغيظ:
-اخرسي انت اخرسي ...لا أنقصك أنت الأخرى
تبدين كالمتبل الشامي بفستانك ذا اللون الباذنجاني ..  وتسريحة شعرك المنفوش.
آآه يا قلبي...آه .
حركت أمينة المروحة بعصبية امام وجهها ثم استدارت  حينما القت عليها إحدى معارفها السلام فتشاغلت معها... كبح كريم ضحكاته وغمغم لشقيقته:
- حمدا لله...تركت ياقتي واستلمتك.
- كي تعرف مقدار المعونة التي أقدمها لك..كريم ..هل فستاني قبيخ إلى هذه الدرجة! أأبدو حقا كالمتبل الشامي!
ضحك كريم وهو يحدق بشقيقته وأجابها مازحاً : -بل تبدين كالبابا غنوج بعقدك الأحمر كحبات الرمان .
لطمته على كتفه بغيظ فمال عليها مازحاً: تبدين كالقمر ...لا تشغلي بالك الاذواق تتفاوت ثم تعرفين أمينة هانم اسطانبولي لا يعجبها العجب .
- لا تتساخف على أمك..
-أنا اتساخف ! أليست من أصول تركية؟
حركت رهف رأسها بيأس ثم سألته :
..ها ..أين عروسك المستقبلية... رأيتها؟
انعقد حاجبا كريم بانزعاج وغمغم: رأيتها.للحظة ...لحظة ..لا اعرف أين هي الآن .. فرقعت كحبة بوشار ولم أرها بعدها! .

*******

كان مراد برفقة عروسه يتلقى المباركات والتهنئة، وصلت جمانة مع زميلتها فرح تجاههما، تعلقت عيناه بها ...شعر باضطراب يغزو كيانه وبلا إرادة منه ترك الجميع خلفه واتجه ناحيتها بضع خطوات ليستدرك نفسه فوراً ويقف في منتصف الطريق، قطبت اليسا حاجبيها بعدم فهم من ابتعاده المفاجئ لكنها انشغلت مجدداً عنه بصديقاتها...
تقدمت جمانة ناحيته بخطى واثقة وهي ترفع رأسها بشموخ .، لم ترتدي الفستان الذي أحضره و لم تكلف نفسها عناء رؤيته بل انتقت لنفسها فستانا بسيطا فيروزي اللون قصير الأكمام يصل حد الركبة من الأمام وله شاحط ناعم من الخلف تبرجت بخط كحل جريء وبأحمر شفاه وردي جعلها متباينة بشكل جنوني!  أرجعت خصلة من شعرها الأسود القصير إلى الخلف وزينته بدبوس شعر على شكل فراشة .
قالت فرح بسعادة وسط هذه الضوضاء : مبارك مراد بيك .
وتمتمت جمانة كذلك بالمباركة، كانت عيناه لا تحيدان عنها،شخص فيها.   وفعلاً كما قال ليلة البارحة...هو لا يحب أي فتاة تخصه أن ترتدي القصير ، تأملها بانبهار حقيقي تبدلت مائةً وثمانون درجة أضحت أنثى....أنثى بكل معنى الكلمة!

تطلع فيها بغيرة توقدت داخل صدره من نظرات بعض الرجال التي حطت عليها، كانت وعلى الرغم من بساطتها جميلة فعلا !

رغب في أن يوبخها، أو ينطق أي كلمة لكن وجود فرح معهما أخرس لسانه ! أحادت جمانة ببصرها عنه وتعلقت عيناها على العروس ..اليسا  وانفرجت شفاهها بصدمة حقيقية، استأذت فرح من مراد وسحبت جمانة معها للمباركة للعروس، بينما جمانة تمنت بهذه اللحظة أن تلكم فكه ، كيف له أن يكون أعمى البصر والبصيرة يحود عن جمال تلك الفتاة ويفكر بخيانتها ! أي تفكير أحمق يمتلكه؟ كان شعر أليسا الاحمر الثعلبي مرفوع ومزين بتاج من الألماس بينما تساقطت بضع خصلات بعشوائية جعلتها بهية المنظر...تناثر النمش على وجهها الأبيض المشوب بحمرة طفيفة ...تشوش تفكيرها وهي تتقدم ناحيتها وهمست لفرح : إنها صغيرة جداً عليه ..بل وفاتنة..يا إلهي أتزوج من دمية !
أومأت فرح وأجابت : لا تتعدى السبعة عشر عاماً .
شهقت جمانة وصرخت بصوت مرتفع:
- قاصر!
اخرستها ضربة فرح الخفيفة : يا الهي الجمي لسانك حبا بالله ..ستفضحيننا .

*****
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.