Enasmhanna

شارك على مواقع التواصل

ومشت من أمامه وسط ذهوله وضرب كفاً بكف وهو يتمتم : أقسم أنها مجنونة !
لحق بها مسرعاً وهو يصيح: مهلاً جمانة ... جمااانة!!!

لكنها كانت قد اختفت عن ناظريه بسرعة البرق بعدما قطعت الشارع للجهة المقابلة وتوغلت بين الأبنية ! استندت عند الانعطافة لتراه وهو يقف ينظر بكل اتجاه باحث عنها حتى يأس واستقل سيارته لينطلق...
تبسمت بألم وهي تتمتم: هكذا أفضل .

*******

كانت عبير تجلس على الأريكة وهي تحاول الاتصال في آدم... ونور كذلك كانت طيلة أيام تحاول الوصول إليه دون أن يجيب عن مكالماتها
مسحت دموعها وهي تتذكر نظراته ناحيتها...قبيل أن يغادر، نظرات غضب وخذلان...اعتصرت الهاتف بين كفيها قبل أن تبحث عن رقم كريم ...ذلك الذي نفخ سمه قبل أن يختفي كذلك..اتصلت فيه ووضعت الهاتف على أذنها تنتظر أن يجيب ..
أجابها صوته الأجش رغم استغرابه من اتصالها في هذا الوقت ...بل وبعد ما جرى !
واستمع لكلماتها وهو يحدق بأمواج البحر التي تشارك نور نواحها ..: أكرهك يا كريم, أقسم بأني أكرهك..على قدر احترامي واحتياجي السابق لك ...أكرهك من اللحظة ستبتعد عن طريقي أتفهم ...ستبتعد عني وعن حبيبي"

تبسم كريم بقهر مغمضاً عينيه للحظات فلم تعد لسعات السكاكين التي تخترق صدره تؤثر فيه أو توجعه ظل صامتاً وهي تنتحب عبر الهاتف، لم يهتز له جفن على الرغم من شدة كلماتها الجارحة، بل بقي صامتاً محدقاً بالأمواج يعد مرات تحرك ماسحات الزجاج التي تشطف آثار المطر عن زجاج سيارته الأمامي وصمتت بعد دقائق.. جلى صوته قائلاً بجمود : إن انتهيتِ بإمكانك إغلاق الهاتف..وشكراً لاتصالك"

رفعت حاجبيها بصدمة وقد صعقها برود تصرفه..تطلعت بشاشة الهاتف وكأنها تريد التأكد من أنها تحدثت مع كريم وليس أحد آخر
شدت بقبضتها على الهاتف ورمته على السرير وخرجت من غرفتتها لربما غرورها الأنثوي كان يريد منه التشبث بها أكثر إظهار لهفته ككل مرة وربما كانت لتتخذها ذريعة للشجار معه..حثه على الحديث أكثر ..لكن رده الجامد قد صفع كبريائها بعنف.

بينما كريم أغلق الهاتف وهو يضبط وتيرة تنفسه انطلق بسيارته مجدداً وشد على المقود بقبضتيه..بعد أن كان عائداً إلى المنزل بعد يوم عمل طويل قرر أن ينحرف إلى مكان آخر...
خسر مرةً في حياته تلقى طعناتٍ عنيفةٍ على صدره مراتٍ ومرات وليس مستعداً لتلقي المزيد، سيشفى منها حتماً الليلة... ضغط على دواسة البنزين أكثر وانطلق، بهذه اللحظة كان شكره لنور صادقاً .. وهاهو الآن يردم رفات عشقه لها، يهيل عليه التراب، ضرب البرق مجدداً ليكتسح عتمة السماء وليكتسح عتمة قلبه بنورٍ مفاجئ، ولن ينطفئ هذا النور الجديد.. وقد قرر ذلك وحان وقت التنفيذ.

****
دلف آدم منزل خالته بعد اختفائه لأكثر من اسبوعين مكث فيهما في شاليه البحر بعيداً عن كل شيء، معزول عن العالم الخارجي ليرتب أفكاره... ليبتلع تلك الصدمة التي اكتشفها بعد عشر ن عاماً من استسلامه كونه يتيماً...متخبطا في ماض عنيف يلاحقه كابوسه كل ليلة .... تلاحقه صورة اخته الرضيعة التي اختفت فجأة .. وتوفيت ولم يستطع الحفاظ عليها وفاءاً لوصية أمه...
عاد آدم وكأنما بمجيئه عادت الروح لسكان الفيلا، انطلقت عبير لترتمي على صدر آدم بعتاب وتلومه على الغياب الذي طال على الرغم من اطمئنانها عليه سابقاً عندما حادثها لمرة واحدة وطمأنها على مكانه فلم يقدر صبراً على تلويع فؤادها لكنه طلب منها أن تبقي الأمر سراً عن الجميع حتى يستطيع أن يواجه ظروفه الجديدة، قبل جبينها معتذرا قبل أن يتوجه ببصره ناحية رضوان..الذي ربت على كتفه واحتضنه بمودةٍ بينما : حمداً على سلامتك يا بني"
ليومئ له آدم بابتسامةٍ طفيفة وهو يبحث بعينيه عن والده، فقال رضوان مجدداً : سأدعو عابد ليراك"
وابتعدت عبير ناحية المطبخ بعد أن قالت بلهفة: -أنت جائع أليس كذلك ..وجهك شاحب يا صوء عيني .
وما كاد يرد حتى اختفت من أمامه ليبتسم ..نزلت نور بذات اللحظة التي استدار فيها ليجلس على الكرسي فتوجه ناحيتها : كيف حالك؟

ضحكت باستهزاء ونطقت بقهر: لن أكون بأفضل مما أنا عليه" وتجاوزته لتتوجه ناحية الحديقة لكنه أمسك بكفها ليمنعها همس بجانب اذنها : -اشتقت لكِ جداً .."
-ممم واضح"
مسح وجنتها هامساً: لم أكن بوعيي اعذريني...
-أقلقتني عليك جداً..

شعرت بقدوم والدها وعابد فابتعدت عنه خطوتين ليستدير آدم بتلقائية وهو يكبح ضربات قلبه المضطربة للقاءه بوالده، طالت نظراته على عابد الذي يتقدم منه بابتسامةٍ عاتبة وبدموعٍ متحجرة لا تفارق عينيه كعادته، تحدى آدم نفسه هذه اللحظه وغلبته عاطفته ليهرول ناحية والده ليرتمي على صدره، قبل جبهته ويديه باشتياق عشرون عامٍ، ولأول مرة تفتح الزنزانة عن سجن الدموع ليطلقها عابد، ليحررها فتغرق شعر ابنه، قبل جبينه بشوق وهو يحمد الله ويشكره تهدج صوته عندما احتضن وجه ابنه قائلاً : انتظرت هذه اللحظة طويلاً جداً يا بني"

لأول مرةٍ منذ سنوات ينطق آدم بهذه الكلمة التي زلزت كيان عابد : اشتقت إليكَ يا أبي ..اشتقت للفظ هذه الكلمة التي حرمت منها"

**********

كان كريم يتكئ على السيارة ينتظر جمانة بلهفةٍ قريباً من المنزل .. اتصل بها مراتٍ عديدةٍ سابقاً لكنها لم تهتم حتى بالإجابة على اتصالاته، كانت هذه الأيام من اسوأ أيام حياتها لكنها فهمت أن كريم لا يحتاجها سوى للملمة كرامته المهدورة من نور ..وكأنه يريدها أن تكون منصة للقفز ليتجاوز ماضيه..رجعت من العمل الذي بدأت فيه حديثاً لتراه جالساً وغير آبهٍ للمطر المنهمر عليه،غير آبه لهذا الجو البارد وهو يرتدي مجرد كنزة خفيفة قصيرة الكمين... تطلعت فيه بتوتر.. بكيانه الضخم الذي اغرقته مياه المطر
..أسرعت الخطى هرباً منه فهرول ناحيتها وأمسكها من كفها ليديرها إليه هامسا:
-هل من الممكن أن أعرف سبب هروب السندريلا عن الجميع في كل مرة ؟ لماذا تهربين ومم تخافين!؟
تنهدت جمانة وقد تعلقت عينيها عليه يريد الحقيقة إذن.. فلا مجال للكذب بعد الآن جلت صوتها وقالت : أتعرف .... طيلة حياتي وأنا أسير على الطريق بثبات على الرغم من العقبات التي واجهتني كفتاةٍ وحيدةٍ ... يتيمة إلا أنني كنت أحاول الوقوف من جديد وكنت أنجح في كل مرةٍ بذلك لكن عندما التقيت بإحدى محطات حياتي بابن عمك مراد، من حينها وأنا أتعثر بمشاكل متلاحقة وبعدها بك .. آسفة لما سأقوله لك لكن ما أريده فعلاً هو الابتعاد عن عائلتكم وكفى ما طالني من أذى بسببكم أو قد يصيبني..ما أريده أن أعيش حياة هادئةً فقط أهذا كثير؟!"

-جمانة! من آذاكِ بالتحديد؟ لا يستطيع أحدٌ من عائلتنا إيذائك تأكدي من هذا" نطقها كريم فأردفت جمانة بذات الطريقة : حتى الآن لربما لم تؤذوني فعلياً لكن....يكفي الاتهام الذي طالني بأني ألاحق شباب عائلتكم الثرية وكأنني كأي فتاةٍ رخيصة أو لعوب بيد الرجل الثري أولا مراد وملاحقته لي والآن أنت! "

حدق بها بصدمة ليتسائل وقد اغرقهما المطر بالكامل : ومن أخبرك بهذا الكلام الغبي؟

لوحت بذراعيها قائلةً : وما الذي سيتغير إن أخبرتك؟ هل ستقطع ألسنة الناس؟ هل ستنفي التهمة عني ...

أجابها بامتعاض :وهل أنتِ ممن يهتم بما تلوكه ألسنة الناس ؟

-أن أكون مع شخصٍ من عالمي لا فارق بالنسبة لي ما يلوكه الناس لكنكم من عالمٍ آخر بعيدون كل البعد عنا " ثم حدقت بعينيه بجرأة وهتفت فيه: انظر حولك... أترى الوحل الذي غرقنا فيه جراء المطر! ؟ أترى البناء من حولك.. الناس.. حتى السيارات ممن يمتلكون سياراتٍ هنا!! وانظر لنفسك لسيارتك الفارهة، لحذائك الذي يتجاوز ثمنه أثمان أحذية سكان الحي بالإجماع ! لساعتك الباهظة التي نشتري بثمنها منزلاً بهذا المكان!

-ماالذي تريدين الوصول إليه بالتحديد؟ ما هذه التخاريف ؟

تبسمت بمرارةٍ وأجابت : سابقاً جراء ملل ابن عمك اتخذني أداةً للتسلي..لملئ أوقات فراغه زرعني بلعبة رخيصة في شركته، كنوعٍ من التغيير عن روتينه الممل، في كل مكانٍ كان يظهر كاللعنة في حياتي...والآن فجأةً ظهرت أنت كما كان يفعل هو بالضبط ، واختفى هو من حياتي وكأن فصله في روايتي قد انتهى لتبدأ فصولك أنت للتسلية بي لا أكثر ! وكي تهرب من حبك لتلك المدعوة نور ,صرت تلاحقني كذلك أتريد توضيحاً أكثر !!

ضحكت ضحكات متقطعةٍ حانقة مردفة : -ألبستني فستاناً كالسندريلا ذات ليلة لأكون برفقتك أو لأكون مناسبة لرفقتك .... فستاناً احتاج لثلاث سنوات على أقل تقدير لدفع ثمنه هذا وإن استطعت ادخار المال لذلك...اخذتني أنت والبستني إياه بذريعة أن هنالك أمراً خطيراً ستخبرني به ولم تفعل بل رميتنا على السطح كالقطط الضالة! لم تخبرني كما لم يفعل مراد من قبلك، بل تركتموني وحيدةً هناك وحيدةً لدرجةٍ مريعة, دهستني بقدميك حين رأيتها معه فأنا لست بذاتِ قيمة لكما ولن أكون...

تمسك كريم بساعديها قائلاً بعتاب: جمانة الأمر كما تتصورين.. هنالك الكثير لا تعرفينه عن ماضيكِ يجب أن نتحدث"

لوحت بكفها صارخة : أي ماضي!!! ماهو هذا الماضي الذي تتكلمان عنه أكنت اختك بالرضاعة دون ان أدري! !

تبسم قائلاً : الله وحده يعلمن أننا نخطط لإخبارك ..

-أخبرني الآن إذن أو غادر "قالتها بحدة ليتطلع فيها مفكراً وقد تشتت تفكيره، هل يصح أن يخبرها الآن؟ هل يستطيع ذلك
أعادته جمانة للواقع مرةً أخرى وهي تتبسم باستهزاء : اصمت...هذا ما أجنيه منك ..الصمت فقط"
ثم تركته لتدلف العمارة وسط عجزه عن إيقافها"

***********
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.