Enasmhanna

شارك على مواقع التواصل

دق جرس الباب...
استجابت عبير وتوقفت بوجها بوجه مع هذا الرجل...الذي بالكاد تتذكر ملامحه..
أعادها سنوات طويلة جداً إلى الوراء...تمسكت بمقبض الباب ونظرات الذعر قد أطلت من عينيها
فشد عابد بقبضته على حقيبة يده وحدق بعبير يحاول التماس طيف تشابه بينها وبين شقيقتها الصغرة رغد، ظلت صامتة مبهوتة من صدمة لم تستفق منها حتى تقدم رضوان من الباب متسائلا بعدما توجهت عبير لتفتح الباب ولم يصدر منها أي صوت : من الطارق ؟
قطع كلماته حينما رأى عابد أمامه..الصدمة قد تملكت منه أيضا لكنه تجاوز عبير وتقدم منه محتضنا إياه وهو يقول بحرارة وعيناه معلقتان على أعلى السلم : أيعقل!!! حمدا لله على سلامتك،
كيف خرجت ؟ متى ! يا الهي!!
تلاحقت أسئلته فتبسم عابد متسائلا : ألن تدعوني للدخول ؟
تنتح رضوان بارتباك معتذرا : آسف، اعذرني تفضل بالدخول، الصدمة أربكتني .
تنحى رضوان ليدلف عابد وهو ينظر حوله بينما عبير دمعت عيناها وهي تراقبه لتذكرها شقيقتها، فقال رضوان : ادخلي وأغلقي الباب .
وقبل أن تتابع المسير تقدم منها رضوان قائلا يهمس : أرسلي بناتك ليشغلاه عن النزول إلى هنا وبسرعة.
هزت برأسها موافقة وهو تدعو الله  أن يمر الأمر بسلام وتوجهت مسرعة نحو غرفة نور لتقول بلهفة : نادي عسل واصعدا  لشقة آدم واشغليه عن النزول حتى أتصل بك بسرعة "
حدقت بها نور بعدم فهم وتسائلت : لما ؟ ومن الذي حضر "
-هيا هيا لا تكثري الحديث ونفذي ما أخبرتك به فورا"
- ماما؟؟ ما الأمر من الذي حضر .
ارتدت عبير على السرير جالسة بقدمين ترتجفان وقالت بخوف: والد....آدم، هرج من السجن.
شهقت نور فغطت يدها على فمها وهرعت من فورها ناحية عسل لتقبض على كفها وتصعدا ناحية شقة آدم.
أغلق رضوان باب غرفة مكتبه  وجلس بجانب  عابد على الأريكة متسائلا بلهفة : كيف خرجت ومتى؟
-شملني قرار العفو العام "
تبسم عابد بسعادة :سبحان الله! و الحمد لله على سلامتك، ألم أقل لك أن فرج الله قريب"
هز عابد راسه موافقا وفكره مشغول وهو يتلفت حوله ثم سأل بلهفة وقلق: أين هو الآن؟

عرف رضوان مقصده فأجاب : في شقته في الطابق العلوي "
أغمض عابد عيناه بفرح لم يستطع كبحه فقال رضوان فورا : اصبر قليلا وستخبره بنفسك كل ما جرى لكن دعها للغد حتى ترتاح قليلا، ربما يعرفك  إن رآك، ملامحك لم تتغير كثيراً عن ذي قبل "

تنهد عابد قائلاً بقلة حيلة : عشرون عاماً قضيتها صابراً يا رضوان، عشرون عام!
- والله سبحانه قد رأف بك، من المؤبد إلى العشرين عاماً فاصبر حتى الغد على أقل تقدير لنخبره بذلك.
أغمض عابد عيناه ثم قال وهو ينهض إذا سأغادر كي لا يراني الليلة "
-لا لن تغادر طبعا، أرسلت ابنتي نور وعسل لإلهائه عن النزول هذا المساء وغداً سنرى ما علينا فعله "

*******
حدجها آدم بنظرة تشكيك وسأل مجددا :استمكثين طويلا عندي؟
رفعت حاجبيها دهشة وأجابت: هل مللت مني سيد آدم !؟
تبسم قائلاً وهو يحدق بعسل المشغولة بالرسم وأجاب يهمس: و هل يمل المرء من روح تسكن جسده !
أشاحت نور بنظراتها عنه وقالت بارتباك : كن مؤدباً يا ولد قلت لك لن أنزل حتى يغادر الضيوف"
- ومن عندكم ؟
- صديقات والدتي من الجمعية ...و كي لا تشاغب عسل أمامهم صرفتها والدتي وصرفتني معها .
قهقه آدم عندما صاحت عسل باستنكار: أنا مشاغبة يا ملاك الحي العاقل !
-حسنا لا تتشاجرا الآن "

******
هبط مراد درجات السلم وخطى إلى داخل المكتب بعدما أعلمته والدته عن قدوم عابد، تهللت أساريره وهم صافحه بحرارة : أهلا بك يا عمي وحمدا لله على سلامتك"
ربت عابد على كتف مراد مجيبا بفخر : ماشاءالله كم كبرت يا مراد، ومبارك زواجك أخبرني رضوان بأنك تزوجت منذ فترة وجيزة "
-ليبارك الله بعمرك، نعم منذ بضعة أشهر فقط ما أزال حديث العهد بهذه المعركة "

ارتسمت ابتسامة حانية وشرد مجددا يغالب غليان صدره للقاءه بابنه  خطت عبير لداخل المكتب وقالت بحبور :جهز طعام العشاء، تفضلوا"
وجلس الجميع أمام طاولة الطعام، وافتهم إليسا بعد لحظات قليلة وهي تلقي السلام على عابد وتتخذ مجلسها بالقرب من مراد .

التفت عابد ناحية مراد وتسائل بشغف : هل هو بارع في عمله؟ حدثني عنه، عن تصرفاته والدك لم يكن يروي فضولي عندما كان يزورني في السجن "
تبادل رضوان وزوجته نظرات شفقة على لهفة عابد الجلية لمقابلة آدم فقال مراد باسما :
لن أستطيع أن أصفه لك يا عمي، مهما تكلمنا عنه لن ننصفه، انتظر قليلاً حتى نحادثه بشأن وجودك وحينها ستراه كما هو .

لاحت مسحة حزن على وجه عابد فقال مراد معقبا بابتسامة ليزيح غمامة الحزن عنه : لكن أتعلم ...إنه دونجوان، سبحان الله ما إن خطت قدماه أرض الشركة حتى سلب عقول الفتيات هناك"
حتى الموظفة- فرح- أبي...تعرفها حتما، حدقت به كالمخابيل حينما قابلته .
تبسم عابد وأردفت عبير بحنو بعدها: ولدك شهم يا عابد، محترم، أستأمنه على عائلتي  ولم يخذلنا يوماً أو يستغل الأمانة....إنه كأحد أبنائي.
تنهد عابد وقال بامتنان صادق :
-الحمد لله والفضل في ذلك يعود لك ولتربيتك الحسنة له لاحتضانه واحتوائه، لن أنسى فضلكم ما حييت.
ربت رضوان على كفه بابتسامة فتسائل مراد عن نور وعسل فقالت عبير: بشقة آدم..هل تريدهما بشيء ؟
-لا .. الحمد لله لقد شبعت ! عن أذنكم سأصعد إليه إذن "
وهرول مراد درجات السلم وهو يتمتم بسخط : طبعا سيروق له ذلك حتماً فحبيبة القلب عنده "

كانت عسل ماتزال منشغلة بالرسم برفقة نور بينما آدم خرج إلى الشرفة لربما هرباً من الانفراد بها بينما يكتفي باختلاس النظرات عبر الزجاج بين فينة وأخرى،
صعد مراد درجات السلم ليتبسم من فوره عندما استدرك أن الباب مفتوح على مصراعه، خطى إلى الداخل :مساء الخير .

رفعت نور رأسها ناحيته وردت السلام فناداه آدم بعدما سمع صوته: أنا هنا.

اتجه ناحية الشرفة بتؤدة ثم اتكئ على الباب الزجاجي : عودة سريعة أليس كذلك "
فقال آدم مجيبا : جميعكم غريبون هذه الليلة، هل تحضرون لحفلة عيد ميلادي قبل شهرين مثلا !
قهقه مراد وهو يجلس على الكرسي بشكل معكوس قائلاً : لربما من يدري.
ثم رفع صوته جاهرا لتسمع شقيقته:
ولربما سيختارون لك عروسا بهذه المناسبة
على كل حال، المفاجآت جميلة كيفما كانت .

راقب مراد تعبيرات الانزعاج البادية على سحنة نور وهو يطللعها عبر الزجاج فأردف بهدف إغاظتها :
سمعت أنها جميلة جدا "
تطلع فيه آدم مجددا وسأل : من هي ؟؟
-العروس "
غمز آدم وهو يحدق في نور  من خلف الزجاج إلعب غيرها...

انفرجت أسارير نور لترتسم ابتسامة استحياء على وجنتها فأطرقت برأسها أكثر ناحية عسل بينما قال مراد بغيظ وبصوت خفيض : تأدب يا ولد، على الاقل احترم كونك تتحدث عن شقيقتي!

قال آدم بجدية:سيتغير كل شيء في القريب إن شاءالله .
ليدحجه مراد بنظرة ذات مغزى وهو بالكاد يكبح جماح نفسه عن الافصاح بصدمتين متتاليتين ينتظر فقط أن يتأكد من الثانية! و قال بشرود : فعلا ستتغير الكثير من الأشياء في القريب العاجل .

خطت نور إلى الشرفة وهي تقدم كأسا من الشاي لمراد فقال : تجهزي وأخبري إليسا سنسهر سويا هذه الليلة "

******
لم يفشل كريم طوال حياته، لطالما حصل على كل ما يرغب به لكن وبسبب نور...خسر كل شيء، دلف إلى غرفته بخطى بطيئة ليرتمي على السرير من فوره حتى دون أن يهتم بتبديل ملابسه، صار يعبث بهاتفه حتى أخرج صورة نور.... ندت من عينيه دمعة مسحها من فوره وهو يتمتم : أحبك
ثم تنهد وهو يحادث صورتها: تعرفين أنه لا قدرة لي على إيذائك، وها أنذا أموت كل يوم أي جنون هذا !؟ .
صرخ بعنف ورمى بالهاتف على الحائط بعنف واستدار إلى الجهة الأخرى ليدفن وجهه بالوسادة .

خطت والدته أمينة لداخل حجرتها وقالت لزوجها محمد: يكفي، لن أسمح له بالتمادي أكثر بسبب تلك المدللة، سيضيع بسبب عشقه لها.
تنهد محمد وهو يرجع راسه إلى الوراء قائلا بضيق: -وما العمل! أجبرته على العودة لفتح متجره صباحاً كي يشغل نفسه عنها، لكن ليلا لن أستطيع الضغط عليه أكثر من ذلك .
جلست على حافة السرير ثم قالت بحدة : لكن انا أعرف ما علي فعله، لن ينساها إلا إذا زوجناه .
رفع محمد حاجبيه قائلاً : لا تتسرعي، لا نريد أن نزيد الامر سوءا...ليست ضغطة زر و ينساها...يحتاج وقتاً .
- بل هذا هو الحل الوحيد لمشكلته، انتظر وسترى ما الذي سأفعله .

******
هرولا درجات السلم فقال آدم وهو يهم لطرق باب منزل مراد : سألقي السلام عليهما وأعود سريعا لم أرهما الليلة "
لكن مراد سحبه بسرعه وقال وهو يدفعله ليهبطا السلم : لن تتناقص ساعات حياتك إن لم ترى خالتك لليلة واحدة هيا هيا تحرك أمامي .

كان ثوبا أسودا ناعما طويل الأكمام يضيق على جسدها ويصل إلى ما أسفل ركبتيها، تألقت به نور بينما حملت معطفها الأحمر وتقدمت منهما ... تاهت نظرات آدم وهو يطالعها بانبهار ولم يشعر إلا بلكمة اخترقت معدته من مراد الذي همس حانقا: إكسر عينيك !
-غبي !! هذا مؤلم "
فرك معدته بكفه بينما رفع مراد حاجبه الأيمن قائلا بلا مبالاة: عندما تصبح حلالك حدق كما تشاء"
فتمتم آدم بوله: قريباً إن شاء الله... قريباً.

*******
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.