Enasmhanna

شارك على مواقع التواصل

بداخل الفيلا تجهزت بحقيبة صغيرة ليحثها مجدداً على الهاتف فتلقفته وصرخت: حسناًاا حسنااً سأنزل .
قالتها بحنق وهبطت درجات السلم لتقابل عبير بالصالة فتسائلت عبير باستغراب :
إلى أين يا جمانة ؟
اجابتها بوجه مكفهر : هناك توقيع عقد ويريدني أن اذهب معه"
-آدم؟
-لا مراد"
استنفرت أعصاب عبير ما ان نطقت جمانة اسمه حتى وقفت ومشت تجاهها تتسائل: لوحدكما ؟
-على الأغلب نعم خالتي .
شدت عبير بغضب على قبضة يدها ليهبط مراد درجات السلم قائلاً بنفاذ صبر :
+ ألم تنتهي حتى الآن سنتأخر " . القت جمانة السلام على عبير مودعة فقالت عبير لمراد فوراً : -هل يعلم عابد بأنها سترافقك .
تطلع مراد بعيني والدته المحذرة وقد فهم مغزى نظراتها التي تخترقه ليردف بثبات: يعلم حتماً  ووالدي سيلحق بنا من مقر الشركة مباشرة وسنلاقيه هناك لن اختطف السندريلا أمي !!
ثم أردف ساخراً: سنوقع العقود وغداً منذ الصباح ستكون بأحضانك لا تقلقي، هيا جمانة "

حدقت عبير فيه بانزعاج: اليسا تبكي منذ الصباح....ورفضت حتى تناول الطعام.
هتف بعسيس: لا آخذ منها سوى البكاء...وندب حظه، ،دعيها تبكي حتى تشبع.
هزت عبير رأسها بغضب: عندما تعود...لي حديث طويل معك .

جلست جمانة بجانبه بالسيارة وهو يقود بصمت يحاول تهدئة اعصابه التي أتلفتها تلك الهوجاء التي غرق بحبها رغماً عن أنفه،
لاحظت جمانة انعقاد حاجبيه وسرحانه طيلة الطريق لكنها لم تتحدث فلا تريد شجاراً جديدا بينهما يكفي ما حصل هذا الصباح يكفي نا الذي فعله مع إليسا بسببها.....

كان الطريق يستغرق ساعتين تقريباً رفعت صوت المذياع وأرجعت رأسها إلى الوراء تستمع إلى الأغنية بعقلٍ شارد وهو يقاوم معركة عنيفة داخل صدره...

اسدلت جفنيها رغمًا عنها حينما شعرت بالملل لتغفو مسندة رأسها على الزجاج ليتنبه عليها بعد دقائق... وكيف لتلك الجنية أن تختطف قلبه دون رحمة بهذا الشكل، تطلع فيها رغماً عنه ورفع صوت المذياع أكثر ليكمل الطريق.....

ومر اليوم سريعاً جداً ما بين توقيع العقود وحفلة عشاءٍ بسيطةٍ ضمت رضوان ومراد مع العملاء ليعودوا إلى الفندق الذي تم حجزه مسبقاً،
كان كريم طيلة الوقت يحادثها.. صحيحٌ أنه غضب أشد الغضب كونها سافرت معه كونه يشعر بالغيرة من خصمه العتيد إلا أنها طمأنته... فتلك الجنية عند اللزوم جنيةٌ بحق وخاصة أن والده برفقته...ولن يفعل حتماً  شيئاً غبيا بحضور والده!

وأطل الصباح الجديد.... ومراد كعادته يدفن رأسه طيلة الليل على الطاولة يرتشف مشروبه الكحولي كان غاضباً حانقاً من تجاهلها طيلة الوقت وكأنه على هامش حياتها...
لم يتصل بإليسا، لم يطمأن عنها طوال رحلته وكأنه قام بمسحها من قاموسه ولربما هي بهذه اللحظة لا تريد اتصالاته ولم تعد تنتظره بعد قلح ما فعله !

استغل مراد فترة انشغال والده  خارجاً  وصار يطرق باب حجرتها فتحت له وهتفت :
-ما الذي تريده بحق الله !
-يجب أن نتحدث قبل أن نسافر" زفرت بتململ وهي تمسح وجهها بيديها وما كادت تخطو حتى دلف ورائها وأغلق الباب لتنتفض وهي تستدير مجدداً ناحيته : ما الذي تفعله مراد ؟ اخرج سأغير ملابسي وأوافيك للاستراحة الفندق"

لا " قالها باقتضاب وجلس على الأريكة بأريحيةٍ مردفاً : أعرف لسانك الطويل وحماقة أسلوبك... ستفضحيننا أمام خلق الله ثم لا ينقصني فضيحة أمام والدي"

جلست قبالته قائلةٍ بنبرةٍ جادة : أتعرف أثق بأنك لن تستطيع إيذائي فمهما جرى بيننا بالنهاية انا ابنة خالتك وبهذه اللحظة أنا أمانةٌ بعنقك لذلك سمحت لك بالجلوس لنتحدث وكما أخبرتني سابقاً بأريحية كيلا أفضحك أمام خلق الله وتعرف أن فضيحتي فضيحة بحق...ستمرغ وجهك بالتراب بعدها...
-أعرف .
-حسناً إذن تفضل ... أنا استمع "

أجاب بهدوء ينافي براكين صدره : دائماً ما تهربين مني ... أقترب فتبتعدين مع الجميع تكونين كالهرة الوديعة ومعي أنا وكأنك برفقة الشيطان، طيلة اختفائك صرت كالمجاذيب وأنا أبحث عنكِ... تعلقت بكِ حد الجنون، عشقت عنادك، تمردك، طيشك، جنونك، ألبستك الغريبة التي لم تزدني إلا هوساً بكِ "

أخذ نفساً عميقاً وهو يتفرس بملامحها الجامدة أمامه وانحنى أكثر تجاهها لتتلاقى عيناهما قائلاً برجاء : جمانة.....لا أطالبكِ سوى بالشعور بي..احترام مشاعري، أهذا صعب"

أطرقت برأسها إلى الأرض وقالت بصوتٍ متهدج : الم تفهم أنني خطبت لكريم!
رفعت يدها  كي يرى الخاتم وقالت بجمود: أنا الآن محسوبة على اسمه...أي أن كل شيء ستود قوله ما عادت له فائدة بعد الآن...
اعتصر كفها وأنزلها مشدداً على حروفه:
-أنا لا اعترف على هذا الخاتم الغبي.
- أتعرف لماذا؟ لأنك غير مؤتمن، فحتى لو لم أكن مخطوبة، لا أشعر ناحيتك بأي شيْ لن تجبرني على محبتك انت شخص لا تقدر معنى الأسرة، لا تفهم معنى الوفاء ..ما أراه أمامي مجرد رجل فارغ أجوف أناني مسيطر..

كلماتها غرست سكيناً داخل صدره ليرفع صوته مجدداً بغلظة :لطالما شعرت ُبمشاعرك تجاهي قبل أن تهربي مني... شعرت بمشاعرك وبنظراتك تجاهي !

- كان بسبب حياتي اللعينة السابقة فارق الطبقات، فارق السن، فارق المشاعر، لربما فعلاً أحببت ذلك الاهتمام الذي اغدقتني به في وقتٍ كنتُ فيه ضائعةً وحيدة، بائسة ... لكن اهتمامك بي اثار هلعي منك، زواجك من إنسانةٍ كإليسا، ثم ثم عاداتك السيئة، معاشرة النساء بالحرام، ارتشاف الكحول وغيرها وغيرها وغيرها...

صاحت بانفعال بينما هو يقف أمامها مشدوها وهي تتلفظ بتلك الرصاصات التي تخترق صدره لتمزقه شر تمزيق اردفت بقهر : خياناتك المكررة لزوجتك، نظام حياتك العبثي كل شيءٍ يشعرني بالنفور منك .. و ,... وفجأةً ظهرت عائلتي ليتغير مجرى حياتي بالكامل ... وبعدها ظهر كريم بحياتي.... كريم الذي أحبني بصدق لما أنا عليه.. لم يطالبني مرةً بأن أتغير لأجله... لم يطلب مني بأن أغير من تصرفاتي وألفاظي وألبستي بل على العكس أحبني كما أنا، ليس كحالك وأنت تقوم بانتقادي كلما سنحت لك الفرصة ! لم يتخيل شكلاً لفتاة أحلامه وأجبرني على ممارسة هذا الدور بحياته كما فعلت أنت، أفهمت ما الذي تغير يا مراد، أفهمت ما الذي جرى لأتغير ؟.!

لو...لو كنا بموقعٍ آخر، لو لم تكن متزوجاً... لو كان نمط حياتك مغايراً، لو كنت تحترم النساء ولا تعتبرهن متعةً خالصةً لك... لوكنت ملتزماً أخلاقياً.... ربما كنت سأسمح لمشاعري بالتمرد, لكن بظروفك ووضعك الحالي يستحيل...بل يستحيل لأنني وجدت الإنسان الذي سأحبه.
قال بسخرية مريرة:
-أي انك لم تحبيه بعد!
-للعقل كلمته...والقلب سيختار الطريق الصحيح قريبا جداً...لأن علاقتنا مبنية على الوضوح من البداية .

تعالت وتيرة أنفاسها وتهدج صوتها لتنتشل حقيبتها قائلةٍ : سأعود بمفردي ... سأستقيل من الشركة ،وبكافة الأحوال سننتقل مع أبي وآدم قريباً..
اسمع اعتبر الماضي ذكرى جميلة تذكرني بها واكتفي بذلك.ورجاء كف عن ملاحقتي .... يكفي لقد اكتفيت يامراد.. اكتفيت من تصرفات الأطفال تلك."

وغادرت الغرفة وهو ما يزال يتطلع بمكانها الفارغ... شعر بأنه يتقلص ويتقلص حتى أضحى كالحشرة الوضيعة وتلك الجمانة سحقته بكعب نعلها دون رحمة!

*********
عبرت سيارة رضوان بوابة الفيلا الحديدية وترجل منها رفقة جمانة...
كانت عبير قد سألت عن مراد ليحيبها رضوان باقتضاب : آثر البقاء هناك هذه الليلة أيضاً.
هزت عبير رأسها بانزعاج بينما انسلت من جانبهما جمانة التي لاحظت تعابير وجه عبير الغير مرتاح سألت نور عن إليسا لتخبرها أنها في غرفتها ولم تخرج منها .
اندفعت جمانة ناحية غرفة إليسا دون أن تطرق الباب فوجدتها جالسة على الشرفة في شرود ..
خطت الشرفة وجلست أمامها على الكرسي المقابل فتجاهلتها إليسا وهي تمسح بقايا دموعها..
قالت جمانة بعد دقائق: لن استطيع مواساتك لكني أشعر بك ..ولن أستطيع إلا أن أقول لك أن هذا الرجل ....
انتفضت إليسا صارخة فيها : هذا الرجل ...هذا الرجل ماعاد يعنيني اشبعي به..أنا لا احد يشعر بي..لا أحد يشعر بالنار التي تحرقني منذ دخولك هذه الفيلا..
نهضت جمانة لتهدئتها: أخبرتك مراراً ان لاعلاقة لي بأي تصرف صدر منه... لا خوف مني .. أخبرتك أنني صددته ..لكن...هذه هي طبيعته هذا ما هو عليه زوجك، فإن لم اكن أنا نصب عينيه..لأوجد مائة فتاة غيري ليتسلى بها .
انهارت اليسا على الكرسي من جديد تبكي بحرقة : ما الحل...ما الحل وأنا عاجزة هنا..خسرت حياتي..مدرستي وطفلي بأحشائي أشعر أنني كرهته قبل حتى أن أراه لأنه مرتبط باسم مراد أهلي يستحيل أن يسمحوا لي بالطلاق ..وأنا..أنا خائفة .
عانقتها جمانة وقد سالت دموعها قهراً..
دخلت نور الغرفة ووقفت على باب الشرفة تستمع لهن..عاقدة ذراعيها لاجمة اللسان لا تستطيع لفظ كلمة تدافع فيها عن شقيقها ..
رفعت جمانة وجه إليسا وهتفت فيها: من الآن فصاعدا ستكونين قوية إليسا..ستكفين على البكاء بسبب أي أحد...أنا لم أصل لهذه المرحلة من القوة إلا بعد الذي تعرضت له ...وما تعرضت له قبيح جدا...قبيح ولن تتخيلي مدى سوءه، لذلك عليك أن تنهضي أن تقاومي رفقة طفلك، ستعودين للدراسة وستنجحين اعتبري مراد في هامش حياتك بعد الآن سواء بقيت على ذمته أم لا..
المهم أن تستمري بالمقاومة وتتمسكي بأهدافك.

-جمانة! أتريدين منها الطلاق من أخي! لا تشجعيها على ذلك لطفاً .
سألتها نور بارتباك وخوف  لتحدق فيها إليسا  بقلب مسحوق: عندما طلبت الطلاق في المرة الأولى نلت صفعة منه ..لكنني تحملت وصمت بعد معرفتي بخبر الحمل...وقد بدا سعيداً جدا..رفعني لأعالي السماء ثم هوى بي من جديد... وبعد أن قررت الابتعاد قام بتهديدي.. ومن يعرف ما الذي سيفعله بعد ذلك .
شهقت نور وانحنت تجاهها بألم: اليسا أنا...
هزت اليسا رأسها: لا تبرري .. احترمكم جدا..أحبكم جميعاً..لكن هذه الحياة لم تعد تطاق يا نور .لقد أطفأني أخوك...أكاد اجن من التفكير وقلة الحيلة .
ربتت جمانة على كتفيها: لن أتركك ما حييت يا اليسا.. هيا الآن كفانا حديث عن هذا الموضوع...انهضي معي لنجلس في الحديقة الجو جميل جداً اليوم...
قالتها جمانة وهي تسحب إليسا بالغصب معها لتومئ لها نور...: وأنا سأصنع بعض المقبلات اللذيذة..أشعر بجوع شديد .
استطاعت جمانة استدراج اليسا لتجلس بالحديقة
علها تستنشق بعض الهواء النقي ...علها تشعر ببعض الراحة ..لينضم إليهم بعد دقائق باقي أفراد العائلة ...
نهض آدم من على كرسيه وهو يخاطبهم: استأذنكم الآن سأختطف عروسي قليلاً..
ارتبكت نظرات نور ليحدق فيه رضوان بصرامة: -عيني عليك يا ولد، أي حركة غريبة لن يهمني أن والدك لديه مهارت قتالية ليدافع عنك ..اقتلك بأرضك.
ضحك عابد وهو يرفع كفيه : من ناحيتي لن اتدخل بشيء...إن اخطأ فهو تربيتك..
ضحك آدم وهو يسحب الكرسي ويقبض على كف نور ويجرها خلفه هامسا: عقدنا القران ولم أنتهي
فظيع أبوك يا نوارة....فظيع!!
ضربته بخفة على ساعده: تأدب يا ولد لا تتحدث عن أبي.
وصلا الطرف المقابل من المسبح  وجلس تحت شجرة التفاح وسحبها لتجلس بجانبه فرفعت الهاتف بتلقائية لتلتقط صورة  لكليهما فابعد الكاميرا: ألا تكتفين من التقاط الصور!!
- لا...إنه شغفي، هيا ابتسم.
انهت التقاط الصورة فرفع كفه وقبض على كفها التي تحمل الهاتف وتمتم بسعادة وهو يلتقط الصورة من مكانه لهما : هو شغفك ...كما أنت شغفي"
والتقت نظراتهما ...كان يحتضن كف تلك الفاتنة التي سحرته بأنهار العسل المطلة من حدقتيها الواسعتين.... لم تسحره بل أغرقته ولن يتمنى يوماً أن ينتشله أحدٌ من هذا الغرق !لا لجمالها...لا لروعة تدرجات العسل الذي جمعته في كل جزء من أجزاء جسدها ..بل لأنها هي ..لأنه يعرف أفكارها ..يعرف عنادها..ما يغضبها ما يفرحها...يعرف أخلاقها .
طالت نظراته دون أن يتكلم بشيء فقط يحتضن كفيها الناعمين بين يديه

وعلى الطرف المقابل من المسبح يجلس الباقون
كانت إليسا شاردة عيناها محتقنتين بشكل واضح...بائت محاولات الجميع لإسعادها بالفشل فما الذي سيفعلونه وأهم شخص في القضية قد باعها...
تنحنحت نور بخجلٍ من نظراته وهو غارقٌ بالتفكير سارحٌ فيها وهمست :
-كف عن النظر ناحيتي بهذا الشكل والدي سينتبه.
ازاح خصلاتها من أمام وجهها باسما: لينتبه..صرت حلالي..ثم كيف يكف القلب عن النبض؟ كيف تكف الأرض عن الدوران؟ أو الشمس والقمر عن التعاقب !
قالها بلهجةٍ آسرة فأشاحت بوجهها بعيداً ليردف : -مع الأسف لا أجيد الغناء أو إلقاء الشعر  ولا أجيد الرسم لأرسم وجهكِ الذي يفتنني كل تفصيل فيه... ولا النحت لأحفر هذه الابتسامة التي تعتلي شفاهك.. ومع ذلك راغبٌ و بشدة أن أعبر لكِ عن مشاعري .

دمعت عيناها لصدق مشاعره وشدت بأصابعها على كفه لتجيب : كن وفياً لي وابقى معي وبجانبي فقط....ولا أريد شيئاً آخر "

اختلجت ضلوعه وتعاظمت حدة ضربات صدره عن المعتاد...وكأنها تخاف من تكرار تجربة إليسا مع شقيقها مراد، كان آدم يقر بخوفها وهي ترى أقرب الأشخاص لها يعامل زوجته بهذه الطريقة اللامبالية والمهينة  دون احتسابٍ لمشاعرها ! اقترب منها بهدوء وقبل كفها مغمضاً عينيه :

- لا تقارني مشاعرنا بأحد!! سيبقى حبك متملكاً مني ...حتى تنسحب الروح من جسدي "

ابتعد قليلاً يراقب هذا الوجه الذي تملكه الخجل ود هذه اللحظة أن يخفيها بين ضلوعه بعيداً عن الجميع وما المانع من أن يفعلها !! لا شيء أبداً ......
همس والبسمة تشق وجهه وكأنه لا يستوعب بعد:
-أنت زوجتي !! يا الله كم انتظرت أن ألفظ هذه الكلمة" تاهت أفكاره وهو يحدق بها... بكلمة زوجتي التي نطقها وأعادها وكأنه لا يصدق بعد أنها أصبحت ملكه...حلاله !
حدق برضوان الذي كان يغلي من الغيظ وبدا هذا واضحاً فقال مازحاً: والدك سينهض ويمزقني .
-اذن اترك يدي ..لا أريد أن أترمل قبل زواجنا.
-إذن لأعترف لك قبل أن يقتلني...أتعرفين أنك معجونة من أنواع العسل..
ضحكت وهي تشيح بوجهها متمتمة: جن آدم!!!
  فاستكمل :
لعينيك لون عسل اللافندر..
ولشعرك لون عسل السدر..
أما بشرتك..
فانتفضت بتهديد : إياك وتشبيه بشرتي بالعسل! لست سمراء !!
ضحك عالياً : حسناً أيتها المغرورة... لبشرتك لون العسل الأبيض الصافي...

ألقت جمانة السلام على والدها واستأذنت بالانصراف وانطلقت تجاه سيارة الكريم المتوقفة أمام البوابة واستقلتها برفقته ...كان وجهه رائقا مبتهجا...السعادة تشع من حدقتيه ..لم يقابلها بابتسامةفقط بل كانت عيناه تضحكان، شفاهه تضحك رغم هدوئهما الظاهر وقلبك يضحك ضحكات لم يشعر بها سابقاً بهذا العنف والقوة...
- ما سر هذه النظرة يا ترى؟
سألته جمانة وانتقلت عدة الفرح تلقائياً لتغمر روحها لكن ما لم تكن تتوقعه أنه مال ناحيتها ولثم وجنتها قبلة جعلتها تجفل وتبتعد لتلتصق مؤخرة رأسها بزجاج النافذة. .
- ما الذي تحاول فعله!
أدار المقود وحرك السيارة  مجيبا بجدية : لم أحاول بل أخذت.. وهذه هي مراسيم الاستقبال التي ستستقبليني بها  في كل لقاء .
- لن أفعل..
- ستفعلين جمانة...ستفعلين .
وزاد من سرعة سيارته فهتفت به :
- لن افعل وانطح رأسك بأقرب حائط...
داس الفرامل بعنف لتطلق السيارة صريرا عالياً وتتوقف بغتة فكاد رأسها أن ينطح الزجاج الأمامي لولا أنه بسط راحة كفه أمام جبهتها ليثبها
صرخت فيه برعب ليطلق ضحكة رنانة ألجمتها بضربة على كتفه:
-  أنت مجنون! اتعرف أنك كتلة عضلات مجنونة معجونة بالحمق والتناحة.
ألجم ضحكته واستدار ناحيتها محذرا:
-كل كلمة شوارعية تخرج من فمك سيكون عقابها قبلة: فنظفي ألفاظك جيداً  أيتها الجميلة ...أنت تحتاجين لترويض فعلاً!
فرجت عيناها وقالت مدافعة : كدت تسحق رأسي بزجاج سيارتك!
فتجاهل كلمتها وانطلق من جديد قائلاً بهدوء: -حذرتك..فانتبهي لكلماتك جيداً...لأنني منذ اللحظة سأبدأ باستفزازك .

عضت شفاهها بحنق وادارت وجهها عنه لتحدق بالطريق السريع فأدار وجهه الباسم ناحيتها..هذه الفتاة ستنسيه نور بأسرع مما  تخيل ..ستمحوها من جميع سجلات ذكرياته حتى! سالته بعد دقائق:
-إلى أين نحن ذاهبان لم تخبرني؟
-لندعها مفاجئة ما رأيك ؟
فأومأت له وعادت تنظر من النافذة التي فتحتها هذه المرة لتقتحم الرياح السيارة وتلاكم بشرتها لتشعرها بانتعاش جميل ...
توقفت السيارة بعد حين ناحية البناء ذي الواجهة الزجاجية التي غطيت مبدئياً بعازل حتى ينتهي من استكمال إعداده...نزل وترجلت خلفه تحدق بهذا المبنى بعدم فهم ثم خطت داخله بعدما قام بفتح البوابة وإشعال الإضاءة ...لتنفرج عيناها وتضحك وهي ترى المعدات الرياضية المتراصة .. : ما هذا بالضبط!
سألته بتردد ليقول وهو فارد ذراعيه: حلمي...أنت الآن تقفين بداخل حلمي.
ثم قال مازحاً..لا مهلاً : يبدو أنهم حلم بداخل حلم!
-إنه...إنه لك! هذا المركز الرياضي لك !
قالتها بفرح وهي تنتقل من جهاز لآخر فأومأ لها مؤكداً...
-كل شبر فيه لنا.
استدارات ناحيته بعدم فهم ليردف وهو يحاصرها بعينيه...هذا المركز من الآن فصاعدا لنا.. ستستلمين القسم النسائي فيه لأنني وبكل بساطة، أريد أن أشاركك جميع تفاصيل حياتي..جميع لحظاتي.
أريد أن أشاركك جميع عواطفي التي بدأت بتشكيلها من جديد ..
ازدادت ابتسامتها اتساعاً وهي تسمع مل كلمة يلفظها...كل حرف كان ينطقه يقابله ازدياد في معدلات نبضها..
اقترب منها أكثر وأمسك بكفها لينتقلا إلى قسم النساء الذي جعله بالطابق الثاني  وجهزه كذلك بعدة أجهزة  وقال باسما: لكن يجب أن نختبر قدراتك البدنية ومهاراتك... كي تستحقي هذا العمل...أليس كذلك؟
ضحكت وتقدمت ناحية كيس الملاكمة قائلة باندفاع: وأنا جاهزة .
سلمها القفازات وارتداها هو كذلك ورفع قبضتيه أمام وجهه...
-لنرى مدى براعتك...
تلكأت قليلاً قبل أن تتقدم بتشجيع منه وبدأت بلكمه  خجولة ليصدها ببراعة ..وما هي إلا عدة لكمات صغيرة حتى بدأت باستجماع قواها لتثوم بلكمه مراراً وبسرعه لكن كفته كانت الراجحة فصد جميع لكماتها فبدأ بالضحك وكأن من أمامه طفل صغير يقوم بضربه بقبضتيه  ليزداد انزاعجها منه وتتالت ضرباتها التي صدها جميعا لكن بإعجاب لمهارتها...إنها ماهرة فعلاً! ..توقفت بعدما يأست من اقتناص ضربة منه  وصدرها يعلو ويهبط وقالت بانزعاج وغيظ: هذا ليس عدلا...إنها معركة غير متكافئة .
توقف لاهثلا:
- أخبرتك ذلك من قبل...والآن لأدركت سبب ضحكي السابق حينما تحديتني أمام الجميع..
كان بإمكاني اختبارك امامهم لكنني وقيتك الحرج.
حدقت فيه بغيظ وهي تخاع القازات وترميهم بجانبها: لا تسخر مني..لم تتأثر بضرباتي لأنك ضخم كالدب.
مد يده وق كتفيها واعتصر عنقها بساعده مثبتا إياها:
-أخبرتك أن تنتقي ألفاظك وإلا..
حدقت فيه برعب وخجل وهزت رأسها رفضت: إياك...كريم.
حدق بنظرات الرعب التي قلبت معالم وجهها فتعالت ضحكاته وأفلتها ليخلع قفازاته..ثم خرجا من المبنى ليعيدها إلى المنزل..ولم تتلاقى عيناها طوال الطريق ...بل كانت تخشى النظر ناحية نظراته التي تفتنها قال بعد برهة :
-أنا جائع لنأكل شيئاً
رمشت بعينيها وهمهمت باضطراب: أنا تناولت.....العشاء.
- لا مشكلة تأكلين مرة أخرى معي...لنذهب عند مريومة.
فتحت شفاهها وغمغمت من جديد : حسناً أحب أكل مريومة.
وأنا صرت أحب أكل مريومة ايتها الشرهة ! .
قالت بمرح مفتعل لتخفيف حدة توترها وهما يسلكان طريق البحر: يبدو أنني خسرت الوظيفة.
- توسطت لك لدى صاحب النادي... العمل ينتظرك بعد الافتتاح مباشرة ..لكن حتى ذلك الوقت لا أريد منك ان تذهبي إلى الشركة .
حدقت فيه وقد فهمت مقصده ليردف بذات الأسلوب المباشر بالأوامر: وسنقوم بإجراءات عقد القران سريعاً وحتى ذلك الحين حاولي عدم الاحتكاك بمراد بأي شكل ويفضل أن تنتقلي لشقة آدم...وبكافة الأحوال منزلكم انتهى تقريباً ستنتقلون قريباً .
- لكن يا..كريم، إن شقة آدم صغيرة...
قال بنبرة هادئة لكنها بدت غريبة جداً وهو يحدق فيها دون أن يعير اهتماما للطريق الذي يقطعه بسرعة بسيارته: لا أظن أنك ستضعينني بموقف سخيف كل لحظة وأنا افكر فيه...وبنظراته ومشاعره تجاه زوجتي..لم يركبوا لي خاصية قرون الاستشعار بعد...
- كريم... الطريق...الطريق يا كريم!.... انتبه..
قالتها بخوف وهي تحدق بالسيارات المتسارعة التي تمر بجانبهما وهو يركز بنظراته عليها حتى انسلخ أخيراً عن التحديق فيها وتابع طريقه لتتنهد براحة...
قال بحدة فجأة: هل تكلم معك بشيء اليوم؟
هزت راسها بنفي: لا...لا انتهينا و...ورجعت فوراً مع عم رضوان .
ضرب المقود بكفيه : لا أحب الكذب...جمانة، الكذب لا أحبه...
زفرت بغضب وهي تحدق بزجاج السيارة :
-لم يقل شيئاً.. ولا أريد بدء صراع جديد ...
-حسنا اهدئي لم أقصد .
- بل تقصد  ألا يكفي ما يفعله ويقوله ابن عمك ..بل وما تفعله زوجته التي تغار ثم تأتي أنت لتهدد وتتوعد وتتهمني بالكذب...
أوقف كريم السيارة على جانب الطريق واستدار ناحيتها:
-جمانة رجاءً كفى ...كان مجرد نقاش طبيعي.

-لا لم يكن نقاشاً كان اتهاما...جميعكم تتهمونني بمراد إن لم يكن علانية فبعيونكم..حتى خالتي عبير رأيت نظرات اتهام بعينيها
فتحت باب السيارة وهبطت منها دامعة العينين ووقفت أمام الحاجز الحديدي أمام البحر فلحق بها مسرعاً لتردف وهي تحدق فيه:

-لقد قلبت حياة العائلة منذ ولوجي ذلك المنزل وكأنني لعنة ..لعنة متنقلة أينما حللت بحل الخراب...والداي المتبنان ماتوا بحادث قضيت بعدها أسوء سنوات عمري في الميتم بلقب اللقيطة، وحين ابتسمت لي الحياة من جديد وغادرت رفقة امرأة طيبة تخاف الله لتعتني بي ..زج زوجها بالسجن ثم ماتت قهراً عليه وأنا عدت لحياة الضياع من جديد...والآن .الآن بعد أن رأيت عائلتي الحقيقية ..قلبت كيان الأسرة جميعاً...
انت...كفاك تعصف وتبرق وتلسع ثم تحاسبني على شيء لا علاقة لي به إن كانت علاقتنا ستستمر بهذه الطريقة فأنا لا...
كلدت أن تخاع الخاتم فاقترب منها  واغتال باقي حروفها وهو يعتصر كفيها هامسا : هذا الخاتم...لن تخلعيه إلا على جثتي...حين أموت فقط بإمكانك رمي الخاتم على قبري



**************

عادت إليسا إلى غرفتها ليلاً وجلست على  السرير تقلب بألبوم صور زفافها...  كانت تبكي محبته التي سحقها دون رحمة، ليست عمياء، هي تعرف مشاعره...مئات الاحتمالات والأفكار كانت تتصارع داخل مخيلتها.. خاصةً بعد الجدال العقيم الذي دار بينها وبين والدتها منذ أيام حينما صارحتها بمخاوفها !!!

لربما أنت مهملة يا اليسا الرجل من حقه أن يتزوج مرةً واثنتين وثلاث...المهم من كل الأمر هو نصيبك من ثروتهم... نصيب حفيد المنصور فقط ولا تفكري بشيءٍ آخر!
كانت كلمات والدتها تطعن كبريائها، تسحق روحها بكلماتٍ لا تنم سوى عن الطمع ...

النقود هي من ستجعلك سعيدة" قالتها بهية لابنتها مراراً سابقاً مسحت اليسا دمعاتها قائلةٍ بقهر وهي تقلب بالصور: ولكني لستُ سعيدةً يا أمي !!! لستُ سعيدة .
أطلقت تنهيدةً عميقةً وهي تتلمس بطنها ولربما الآن تشعر بالخواء فقط... بالضعف والعجز بعد أن انهارت أحلامها واحداً تلو الآخر... الدراسة.. الحب.. العائلة المستقرة..الأمان !"

لم يعد للدموع أثرٌ يذكر.. الدموع لن ترجع حقك يا إليسا " قالتها بصلابةٍ لم تعهدها سابقاً وهي تتطلع بنفسها في المرآة وتقدمت بقدمين بالكاد تحملانها لتخرج من غرفتها...سترمي بتحذيراته  وتهديداته عرض الحائط فلم تعد تبالي ..أثقلت الهموم أوجاع روحها أكثر من الحمل ... استندت على حافة السلم وقد شعرت بدوارٍ عنيفٍ يهاجمها بعد امتناعها عن الطعام منذ  الصباح ولم تكد تهبط أولى الدرجات حتى التوى كاحلها وتدحرجت على الدرج بعنفٍ ليستقر جسدها هامداً على الأرضية

************
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.