Enasmhanna

شارك على مواقع التواصل

وكما هو مخطط صعدا درجات السلم حتى وصلا ناحية السطح، تقدم كريم من السور الحجري واستند بمرفقيه عليه ليتطلع إلى الحديقة التي اكتظت بأصدقاء العائلتين، أشعل سيجاراً و شرع بتدخينه ريثما يصل مراد إليه.. كان الجو أميل للبرودة والقمر مكتمل يغمر بضياءه الموجودات حولهما.. تجولت جمانة قليلاً وضحكت ببلاهة فالسطح يلتمع أكثر من ذلك الزقاق الذي تعيش فيه! توالت الدقائق وكلاهما في عالمه الخاص حتى قفزت لتجلس على السور الحجري تنبه كريم لتلك الجنية التي جلست على السور فأمسك بساعدها وهتف بغيظ: إنزلي يا متخلفة ستقعين !
- إنه عريض..كنت أسير على سور أضيق منه في الميتم أتريد أن أريك ؟

نفخ بضيق وقال بجدية: لا شكراً. انزلي  لا ينقصني أن أبتلي بك في هذه الليلة"
انصاعت لمطلبه وبقفزة واحدة كانت على الأرض, شرعت بالحديث مجدداً لولا أن كريم سمع خطوات سريعة تصعد على السلم..تقدم بهدوء ليتأكد من أنه مراد فجحظت عيناه وركض من فوره ناحية جمانة وهو يشير لها بأن تصمت دفعها ناحية الغرفة التي على السطح وأغلق الباب بهدوء وقد أدرك ان آدم قد صعد : هس هنالك أحد قادم "

تقدم بخطى بطيئة ناحية النافذة ليدقق النظر, لحقت به جمانة وحشرت نفسها وتمتمت بابتسامة لم تستطع إخفائها: استاذ  آدم"
-هس, هس" قالها كريم ولكزها بكوعه بخفة لتصمت وعاود مراقبة آدم الذي أخرج هاتفه وصار يعبث به.

تناولت نور فستانها الوردي الناعم الذي وجدته على سريرها
قرأت على بطاقة كانت معلقة به : هدية لأجمل دكتورة .. مراد "

تبسمت بسعادة وارتدته وتأملت نفسها في المرآة: كان فستاناً طويلاً   صدره يتزين بأزهار هفهافة بيضاء وأكمامه طويلة من الشيفون، رفعت شعرها الكستنائي بطريقة بسيطة لتتزين بخيط رفيع من الماس،وقبل أن تخطو خارج غرفتها بعث لها آدم رسالة نصية : لاقيني على السطح نوارة "

خطى مراد تجاه إليسا وهي تتزين أمام المرآة، حاوطها بذراعه وشدها إليه قائلا بخفوت : فاتنةٌ كعادتك يا وحس الشوكولاه" تبسمت إليسا بتهكم ثم أجابت بقوة لم يعهدها بها : فاتنة ! نعم لكنني أتزين لأجل أن أشارك نور فرحتها وفقط"
قربها منه أكثر ليردف : لا تكوني قاسية، أعرف بأني قصرت بحقك كثيرا في الآونة الأخيرة "
ضحكت باستخفاف وهي تطالعه عبر المرآة وأجابت : أتعلم ما الفرق بين جراح الروح وجراح الجسد يا مراد ؟ " حدق بها عبر المرآة لتردف بذات الثبات: جراح الجسد قد تلتئم وتشفى بسهولة مع الزمن، أما جراح الروح فهي كشقوق الزجاج لن تلتئم "
أرواحنا كالزجاج إن تهشمت لن تلتصق أبدا"
أدارها ناحيته فجأة ليهتف باستغراب : من علمك هذا الكلام بحق الله !
ندت عيناها بدموع قهر لتجيب وهي تصفق بفرح مفتعل : مفاجأة أليس كذلك"
ثم دفعته بصدره لتردف بقسوة: أخبرتك أني لم أعد أرنبة صغيرة، لقد كبرت أرنبتك يا مراد بك والفضل يعود لك... فشكراً"
اضطربت روحه إثر كلماتها الملتاعة فدفنها بصدره ليقول بصوت مرتجف: أليسا ! حبيبتي !،
قالت وهي جامدة كصخر بين يديه: حبيبتك! أشك بذلك فعلاً...طيلة الشهرين الماضيين لم تصحى فيهما عن ثملك، سمعتك مراراً وأنت تهذي باسم جمانة، لم أتوهم ذلك، وقبلها كنت مجرد طفلة حمقاء وصدقت أكاذيبك، تتسلى مع النساء كمراهق ثم تعود لأرنبتك الصغيرة بعدما تنال ما بشبعك منهن "

أبعدها عنه قليلا ليحدق بعينيها الواسعتين بحزن دفين..صعقته كلماتها.. بل أحرقت روحه، ليست تلك البريئة التي تزوجها،ليست تلك الصغيرة العاشقة للشوكولاه والألعاب، من أمامه الآن أنثى أخرى تماماً همس بصوتٍ مرتجف : لا أريدك بأن تكبري إليسا، أريدك طفلة، طائشة مجنونة، أريد تلك البرائة التي كانت تطل من عينيك، أظهريها من جديد، أريد ذلك النقاء الذي عشقته فيك"
دفعته من صدره بغلظة لتهتف به :
- لقد سحقت برائتي بقدميك، كبرت بهذه الاشهر  التي قضيتها معك عشرات السنوات"
هز رأسه بندم وهو يقول بلوعة : لا تكبري أرجوك، لا تدخلي مستنقع الكبارلتغرقي فيه، بل اسحبيني لأعود طفلاً من جديد، إسحبيني لنقاء روحك "
طالعته بعيون كالفولاذ وقالت :

- طلقني مراد "

******

ضحكت نور بخجل من رسالة آدم وصعدت درجات السلم لتجده واقفاً بانتظارها وخرجت إليه ...ليتوقف بآدم الزمن وهو يطالعها بعشق لم يستطع كبحه، وليحدق بهما كريم بغضب أحرق روحه لينقبض حاجبيه حتى كادا أن يلاصقا بعضهما..

تبسم آدم، قتلته نور بفتنتها هذه اللحظة ليقترب بهدوء قائلاً بافتتان: سبحان من أبدعكِ"احمرت وجنتاها خجلاً وتهربت من عينيه لتتسائل : لما طلبتني؟

تهدجت أنفاس كريم، تعالت وتيرة تنفسه كثورٍ هائج, صارت أنفاسه المتسارعة تلفح جمانة كريحٍ عاتية، رفعت وجهها تجاهه لترى تجهم وجهه بطريقة مخيفة، أرعبتها نظراته لكنها أشاحت ببصرها عنه مرغمة عندما سمعت همسات آدم :

-أعشق رائحة الياسمين التي تفوح من شعرك" استند كريم بكفه بجانب النافذه ليزداد تقضب حاجبيه وهو يستمع اليهما
جثى آدم أمام نور ليخرج علبة مخملية اللون فتحها ليبان خاتم زواج.. شعرت بالدماء تغزو وجهها ليصطبغ بلون أحمر ،قال بابتسامةٍ عاشقة : -هل تقلبين بأن تشاركيني مستقبلي وحياتي لتكوني عشقي الأول والأخير" دمعت عينيها بصدمة فرح، واحتقنت عينا كريم بدمعة غضب من وراء النافذة...

طال تحديق نور به فقال مازحاً: أسرعي بالتفكير لأن البنطال ضيق وسيتمزق إن ظللت جاثياً طويلاً "
كادت جمانة أن تصدر صوت ضحكة فاغتالتها كف كريم التي غطت فمها لتمنعها عن الضحك.

تدلى فك نور قبل أن تتعالى ضحكاتها فقالت بغضب : أضعت شاعرية اللحظة يا مغفل. لن أوافق" قهقه بعفوية ونهض قائلاً: علي الطلاق بالثلاثة ستوافقين "
عقدت يديها أمام صدرها وقالت بدلال: وإن لم أفعل؟

أدارها ناحيته قائلاً بمكر : إذن ستعيدين تلك القبلة التي قبلتني إياها حين أطلعتك على نتائج الامتحان .
شحب وجهها من مطلبه فضربته على صدره وهتفت بحنق : أنت قليل التهذيب "
حاصرها بيديه على سسور السطح الحجري ليقول مرة أخرى: أنا طلبتك بالحلال وأنت تتكبرين. فتحملي النتيجة" ثم قال مجدداً: أعيديها وإلا أنا من سيعيدها.... لكن بفارق بسيط .

شعرت جمانة بتشنج جسد كريم بجانبها وعيناه اللتان استحالتا لجحيمٍ مستعر وتناسى هو كفه التي تغطي فم جمانة بقوة بسبب الحرب الطاحنة التي تنشب داخل صدره .

هتفت نور بخجلٍ وعتاب: آدم !
-روحه .
شعرت بنفسها تذوب خجلا منه فقالت مجددا بلعثمة وارتباك : آدم !!" ليجيب بذات الطريقة العاشقة : حياته "
وضعت كفيها على صدره لإبعاده لكنه لم يتزحزح :
أطرقت برأسها أرضا بخجل مغمضة عينيها : آدم كفى " ليقول بذات اللهجة المتيمة : هل تشعرين بضربات قلب آدم هذه اللحظة ؟! يا عشق آدم و روح آدم وحياة آدم " رفع وجهها بأنامله ليردف بذات الشغف: ضاع آدم بسبب قبلة خرقاء منك لم تحسبي حسابا لعواقبها "أشار على وجنته قائلا بثبات: مفتاح تحريرك هنا وإلا فستبقين الليل بطوله هكذا أسيرتي.....يا أجمل أسيرة قابلتها"

استكان كريم بجبهته على الحائط فلم يعد قادراً على التحمل.. تطلعت به جمانة بجزع بعدما تشنج جسده  لكنها آثرت الصمت فلو كان يريد إظهار نفسه لفعلها حتماً.. ربتت على كتفه فلم يتحرك بل ازداد اضطراب تنفسه .

ونعود لما وراء النافذة... لعند نور تحديداً عندما تراجع آدم إلى الوراء خطوتين لتتطلع به بخجل، تعاظمت ضربات قلبها المضطرب منه، تناول يدها ليلبسها الخاتم ثم قال : غدا سأكلم والدك،
ثم اردف مازحاً :
-أنا وجنتي شريفة بالمناسبة، لن أسمح لك بأن تقبليها مجدداً قبل الزواج" ضربته على صدره بعنف وهتفت: أنت غبي" فتطلع بها ليقول باسماً: وأنت تعشقين هذا الغبي..هيا...هيا إلى الأسفل" أشاحت بوجهها عنه تكتم ضحكاتها، وتجاوزته مغادرة لتهرول درجات السلم وسط ابتسامته التي لم تفارق محياه لحظة واحدة ولحق بها مسرعاً..

استدار كريم لينزلق على الأرض مستنداً على الحائط وكأن مئات السكاكين قد اخترقت صدره بل وتلذذت بنحره بحقدٍ وغل، غطى وجهه بكفيه ففتحت جمانة الباب ليسقط عليهما الضوء ويبدد العتمة: أنت لخير؟ تسائلت بقلق وهي ترى انهياره لكنه كان بعالمٍ آخر كلياً، تخللت أصابعه خصلات شعره ليطلق صرخةً مدويةً فأجفلت في مكانها برعب.. رفع عينيه لتلتقيا بعينيها الفزعتين وبصق حروفه بحقد: اخرجي من هنا "

لكن س.. سيد كريم أنت ءءء" اغتال بقية حروفها وهو ينهضت كثورٍ هائج ويدفعها بغلظة حتى كادت أن تقع ويغلق الباب بعنف حدقت مشدوهةً بما جرى وبدون إرادةٍ منها تساقطت دموعها لتهرول كذلك مغادرةً السطح وتهبط درجات السلم...
كان آدم وعابد هذه اللحظة قد خرجا كذلك من باب شقته ليطالعا عيون جمانة الباكية...رفعت عينيها بضعفٍ ليلتصق عابد بالباب وقد عصفت به ملامح رغد بكل وحشية...حدق بها كم رآى شبحاً وقال آدم بصدمة : جمانة !

لكنها لم تعرهما أي انتباه بل اكملت هبوط السلم.. تدارك آدم نفسه بعد لحظات ليلحق بها نزل الدرجات بسرعة حتى دلف الحديقة فلم يرها بين الوجوه وكأنها اختفت بلمح البصر
جال ببصره الأنحاء لكن لم يكن لها وجود وبقي فكره مشغولاً بها وما الذي كانت تفعله على السطح, هل كان مراد برفقتها؟ هل كانت هناك عندما كان برفقة نور!! مئات الافكار والاحتمالات غزت رأسه حينها ولم يجد لها إجابات.

دلف عابد مجدداً ناحية المنزل وشطف وجهه ليهدئ نفسه، فمن هي تلك الصغيرة التي تشبه زوجته بهذا الشكل ! وكأنها نسخة مصغرة من رغد! تمالك نفسه قليلاً ثم خرج لينضم إلى الجميع خارجاً ومرت ساعة من الزمن.. كل شخصٍ بهم كان هائماً بعالمه الخاص. وكأن هذا الحفل أقيم لسحق أرواح الجميع دون استثناء..فجأة تبددت الأضواء لتخفت تدريجياً، وسُلط الضوء على الفرقة الموسيقية ليصفق الجميع لهم بتشجيع وهم يعزفون مقطوعات موسيقية متفرقة ووسط العتمة تقدم أحدهم ممسكا المايكروفون من أحد الزوايا.. كان مخفيا بسبب العتمة وقال بصوتٍ أجش : هدية خاصة لنجمة الحفل"
وبدأ بالغناء بصوت هادئ وهو يقترب بخطى بطيئة ليقف أمام المدعوين...

لم يحدثْ أبدًا .. أنْ أحببتُ بهذا العمقْ
أنّي سافرتُ مع امرأةٍ ..  لبلادِ الشوقْ
وضربتُ شواطئَ عينيها كالرعدِ الغاضبِ أو كالبرقْ
فأنا في الماضي لم أعشقْ بل كنتُ أمثلُ دورَ العشقْ
لم يحدثْ أبدًا .. أنْ أوصلني حبُ امرأةٍ حتى الشنقْ
لم يحدثْ أبدًا سيدتي أنْ ذقتُ النارَ وذقتُ الحرقْ
لم يحدثْ أبدًا .. أنْ أوصلني حبُ امرأةٍ حتى الشنقْ
لم أعرفْ قبلكِ واحدةً غلبتْني
غلبتْني .. أخذتْ أسلحتي
هزمتْني .. داخلَ مملكتي
سيحبُكِ آلافٌ غيري وستستلمين بريدَ الشوقْ
لكنّكِ لن تجدي بعدي رجلاً يهواكِ بهذا الصدقْ
لا في الغربِ .. ولا في الشرقْ

ثم سسلم المايكروفون لأحد العازفين و غادر ...غلت الدماء بعروق آدم الذي سيتفجر من الغيظ فثبته عابد بكفه ممسكاً بكتف آدم وهمس له: دع الليلة تمر بسلام يا بني" اطلق آدم سبة بذيئة واستدار إلى الخلف لتبهت ملامح نور وهي تحدق فيه بارتباك،...
بكت أمينة على حال ابنها بينما اكتفت رهف بمسح دمعتها التي اصرت على النزول لأجل أخيها الوحيد، تطلعت نور بالخاتم الذي زين اصبعها تعالى الغضب داخل صدرها فهرولت  بسرعة بالاتجاه الذي اختفى فيه كريم
خرج من بوابة الفيلا ومشى عبر الشارع فصرخت به  : كريم"

توقف في مكانه دون أن يستدير ...  بإصرارٍ منه حتى صارت خلفه وهتفت : لماذا؟! لمَ تصر على اغتيال فرحتي كل مرة، لمَ لا تكف عن هذا العبث !؟

استدار ناحيتها مستنكراً: عبث! إنها مجرد أغنية "
ثم أرف ساخراً: لا تخافي...سأكف حتماً بعد اللحظة، مبارك يا عروس..

اغتيلت كلماته بلكمةٍ عنيفة جعلته يتراجع خطوتين إلى الوراء لتشهق نور بفزع من آدم الذي ظهر بينهما فجأة.. تمسك آدم بتلابيبه وقال جازاً على أسنانه: أتراقبنا أيها المريض، أوصلت بك الوقاحة أن تراقبنا "
تبسم كريم ساخراً وأجاب وهو يمسح فمه من الدماء : بل كنت قبلكما هناك.. ورأيت هذا العرض المبهر"

لكمه آدم مرة أخرى بعنف فصرخت نور بفزع وحاولت انتزاع ساعد آدم الذي تشبث فيه وأبى أن يفلته وكريم مستسلم له ...وكأنها لا يحدق به بل تعلقت عيناه على نور ولم يزحهما...
خطى عابد مسرعاً  ليفض بينهما:
-كفى يا آدم،كف عن هذا"

انخلعت عينا كريم أخيراً عن نور تجاه عابد وقال بابتسامةٍ ساخرة : -أهلا بعابد أهلاً بوالد الغالي آدم.. اشتقنا لك يا رجل"
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.