Enasmhanna

شارك على مواقع التواصل

استدار كريم تجاه عابد وقال بابتسامةٍ ساخرة: أهلا بعابد، أهلاً بوالد الغالي آدم...اشتقنا لك يا رجل"

بهتت ملامح آدم و تبدلت نظراته بينهما لا يفهم...عقله لم يستوعب عءه الكلمات التي اخترقت أذناه....أردف كريم بحقد وهو يخاطب آدم : آه عفواً ....ألم يخبروك بعد أنه والدك؟!

-اخرس أيها المجنون: نطقتها نور وضربته على صدره باكية بينما تقدم آدم خطوات متباطئة  ناحية عابد وقال بجمود: هل ما يقوله صحيح؟!

نطقها بحروف بالكاد خرجت من فمه، طال صمت عابد ليغمض عينيه بألم مفجع ليردف كريم وهو يخطو بعيداً عنهما: سأترككما الآن لتحلا مشاكلكما العائلية "
ثم حياهما ببسمة لئيمة وغادر ....مسحت نور وجهها بكفيها بخوف وتقدمت ناحية آدم وتمسكت بذراعه: آدم ! نطقتها بلوعة لينفض يدها عنه بعنف ويهتف وقد نفذت طاقته عن الصبر ليعيد سؤاله لعابد : هل..هل ما يقوله هذا الرجل صحيح؟!

- آدم بني..... كنت سأخبرك لكن " قالها عابد بلعثمة واضحة فأردفت نور باندفاع: اسمعه رجاءً  كان ينتظر الوقت المناسب لإخبارك"
تطلع فيها كذلك نظرات خاوية..ضائعة  ووقف مبهوتاً حتى هي كذبت عليه ! حتى نور   شاركتهم هذه الدناءة!؟
هز رأسه وضحك ضحكةً متقطعة حانقة ورفع كفيه ليمسح شعره  : والدي !
ولاهما ظهره  وقد اضطرب تنفسه فربتت على كتفه لينفضها عنه بعنف ويهتف: أغربي عني" استدار وتقدم يضرب الأرض ضربا تحت قدميه ثم صرخ بغضب وهو يشير لعابد: قضيت عشرون عاماً بكذبة! ، عشرون عاماً يا عابد  وأنا مستسلم لواقع أني يتيم، عشرون عاماً ويعاد ذلك الكابوس اللعين مراراً ومراراً يوم حادث السفينة حينما قتلت والدتي أمام عيني، وأنت...! أنت ببساطة تعود بعد تلك السنوات على أنك رجل آخر ! بل وتعيش معي بذات المنزل تراني كل يوم على أنك غريب ...ماهذه القسوة والأنانية التي تتحلى بها يا رجل !؟

آدم ! نطقتها نور بلوعة فاستدار ناحيتها وصرخ بجنون : اخرسي أنت "
غطت شهقاتها الباكية ليعيد آدم صب غضبه على عابد الذي توقف متحجرا أمام ابنه :
-طيلة السنوات السابقة ألم تشعر بالفضول ناحيتي؟ ألم تتسائل كيف قضيت سنوات عمري !؟ اغفلت روحك وبصرك عن ابنك الوحيد. ...أفهموني أنك ميت ! لما ! واين كنت طيبة عشرين عاما؟! أين كنت مختفٍ !؟ تركتني لهم وغادرت.. هل تزوجت؟ هربت كيلا تتحمل مسؤولية ابنك ؟!

-كنت في السجن " نطق عابد تلك الكلمات بعيون جامدة ليتعالى لهاث آدم الغاضب وتتسع حدقتيه بصدمة فأردف عابد بجلادة:

-عشرون عاماً قضيتها في السجن بتهمة تهريب السلاح ... وكنت مستسلماً لحكم المؤبد الذي أصدر بحقي، كنت فعلا ميتاً، ميتٌ بالنسبة لك وبالنسبة للجميع، ولم يجدر بي أن تعيش طوال حياتك بوصمة عارٍ تلاحقك "

هز آدم رأسه بعصبية وصرخ به مجدداً : لاا.
ضرب على صدره بقبضة يده بعنف وصرخ : -أقسم بالله أنك أحرقت حياااتي بظنونك، وحتى لو كنت سجيناً، مسافرا ً، هارباً من العدالة ..... سفاح ، أهون علي من أن تكون ميتاً، أتدرك شناعة هذه الكلمة ! أتدرك لوعة قلبي طيلة سنوات بسبب أنانية تفكيرك !؟ .
قبض عابد على ساعد آدم بقوة وقال مشدداً على حروفه : لن أدرك حتماً، لأن لكل منا أوجاعه وآلامه الخاصة .

-أي ألمٍ أقوى من أن يعيش طفلٌ بدار رعاية لسنوات وُيعامل بذلٍ وقسوة ؟ تموت شقيقته الرضيعة ليبقى وحيداً !؟ أي ألمٍ أقوى من ذلك!؟

تحجر الدمع بمقلتيه وهو يطالع والده الراسخ بثبات على الأرض، كجبل يقف شامخاً ولم تدمع عيناه حتى ! أي قسوة تحملانه عيناه بحق الله ! أي جبروت يتمتع به !
وكأنما الظلام قام بابتلاع كل ما حولهما هذه اللحظة، حتى نور كفت عن البكاء وشاركتهم لغة الصمت العنيفة، كسر آدم هذا السكون القاتل لترتسم على شفاهه ابتسامة ساخرة، تراجع إلى الوراء خطوتين وكأنما بذلك ستفك لعنة سحر الصمت بينهما ثم استدار مغادراً عبر الشارع...صار يمشي، هرول بسرعةٍ بعدها وخلع جاكيت بذلته ورماه أرضًا ليعدو راكضاً وكأنه يهرب من جحيم ماضيه ...وابتلعه ظلام الشارع.

شعرت نور بربتةٍ عابد على كتفها: تعرض لصدمة ٍعنيفة، لكن ...سيكون بخير " قالها عابد
بجلادة

توقف آدم لاهثاً على أعتاب الحديقة التي تقع على بعد ليس بالقليل عن الفيلا، كاد يود لو يصرخ بعنف ليطفئ لهيب صدره، لكنه لمح شبحاً ضئيل الحجم يجلس على إحدى المقاعد الداخلية للحديقة ويدير ظهره للشارع، هدأ من صوت أنفاسه اللاهثة ودلف إلى الحديقة ليرتمى على إحدى المقاعد لكنه تعرف على تلك الفتاة بشعرها القصير, أدركها جمانة فخطى بهدوء ليقف قبالتها، رفعت رأسها ناحية هذا الشاب الذي توقف أمامها وتطلعت بعيون آدم المحتقنة، تعانقت نظراتهما فطال السكون بينهما للحظات، شعر بألم اكتسح صدره من عينيها الباكية كذلك! وودت جمانة للحظات بأن ترتمي على صدره، شعرت بأمانٍ غريب تجاهه على الرغم من أنه يبقى غريباً بالنسبة لها، قطع هذا السكون الغريب آدم وهو يقول بنبرة جادة : ماالذي تفعلينه هنا بهذا الوقت من الليل !

أجابته بصوتٍ جاهدت لجعله متماسكاً: خرجت بعد الحفل لأعود إلى المنزل ولم أرى وسيلة مواصلات.

هز رأسه بجمود وجلس بجانبها على المقعد يطالع القمر المتربع على عرش السماء، كان شعوره الآن لا يوصف،وكأنه عاد بالزمان عشرون عاماً إلى الوراء، لأول يومٍ رموه فيه بالميتم، يحتضن شقيقته الرضيعة وهو يرتجف بخوف، ألبسها عقدها ذلك اليوم وهو العقد الذي وضعته والدته بكفه قبل أن  تتوفى ...

ندت دمعةٌ من عينيه فتطلعت فيه جمانة نظراتٍ مبهمةٍ ليأخذ نفساً عميقاً ماسحاً دموعه بسرعة، وبدون شعور منها انسابت دمعتها كذلك وهي تربت على كفه التي تتمسك بالمقعد وكأنه يحتمي فيه : أكان يومك سيئا أيضاً؟ تسائلت ببراءة غريبة تجاه رجلٍ لا يحق لها أن تسأله عما به حتى! تنبه عليها ثم تطلع على كفها التي ترتبت على كفه فقال بانزعاج ولربما كان يريد استكمال صب غضبه على أحدهم :
-ما الذي كنت تفعلينه برفقة كريم على السطح...لوحدكما ؟! أو أنك تريدين الإيقاع بأي أحدٍ من رجال العائلة الثرية وفقط بعد ابتعادك عن مراد؟

صرخت بعنف وهي تنهض: ما هذا الجنون الذي تتفوه فيه احترم نفسك"

ضحك آدم ضحكة ساخرة وأجاب بقرف:
-مثلي الآن دور الفتاة الشريفة " وتلقى الإجابة من خلال صفعةٍ عنيفةٍ هبطت على وجنته لتتعالى وتيرة أنفاسه الغاضبه،قبض على كفها بعنف لتتأوه بألم : ستدفعين ثمنها غاليااً  أفلتها فصرخت بوجهه باكية: كنت أظنك رجلاً محترماً ....لكنك ... أنت " وابتلعت باقي حروفها عندما أدركت الجحيم المطل من عينيه..تركته وغادرت باكية إلى الشارع الرئيسي ليركل هو المقعد بعنف ويصرخ بصوتٍ هادر : هذا ما كان ينقصني !

******
طلقني...

نطقتها تلك الصغيرة التي اكتشف مراد أنها نضجت فجأة، طلقني.... كلمة كان وقعها كالصدمة عليه وهو يتطلع فيها بعيون قد تعالى جحيم غضبها، تقدم منها خطوات ثابتة وهزها بعنف وهو يصرخ: قسماً بذات الله إن نطقتيها مجدداً فسيكون آخر يوم بحياتك "دفعته بغلظة وهتفت بقهر: سأعيدها مرة ومرتين وعشرة ...لم أعد أريدك، أنا أكرهك مراد، أكرهك " صفعها بعنف  لتجمد ملامحها على وجهه..تهدج تنفسها ليتدارك نفسه ويقول بارتباك : أليسا .. أنا" قطعت كلماته بأن نطقت بقهر : أخرج من غرفتي"

-سأخرج...لكنني حينما أعود ستكونين قد وضعت عقلك برأسك"

وجلس في الصالة  ورأسه بين كفيه ...حتى فتح باب الشقة لتدلف العائلة... كانت عبير دامعة العينين اعتدل بمجلسه وتسائل بقلق: ما الأمر؟ ما الذي جرى أمي؟

قال رضوان بغضب وهو يرتمي على المقعد: ابن عمك المحترم، خرب الحفل و أخبر آدم بأن عابد والده...كني سأعلمه الأدب سأعلمه كيف يتطاول ويتواقح بهذا الشكل"

ارتمت عبير على الأريكة وبجانبها نور التي تمسكت بكف والدتها لتهدئتها..قال عابد بهدوء ينافي براكين صدره : سأحل كل شيء، كان لا بد له من معرفة الحقيقة عاجلاً أم آجلاً "
نهض مراد قائلاً بحذر: و... هل كان كريم بمفرده.. أقصد ألم يكن برفقته أحد ؟

تطلع فيه الجميع باستغراب ليقول : لا تهتموا، سيعود قريباً لا تقلقوا وكما قال سيد عابد كان لا بد له من معرفة الحقيقة.
تطلع فيه رضوان مجدداً وقال بتساؤل: وأنت لم نرك بالحفل ما السبب ؟

حدق فيه مراد بتعب وكاد أن يجيب لكن إليسا دخلت بهذه اللحظة وهي تجر ورائها حقيبتها تطلع الجميع ناحيتها  هرعت ناحيتها نور وتسائلت عبير: مالذي جرى ببينكما؟

هزت اليسا رأسها بألم مجيبة:أريد العودة لمنزل عائلتي" تقدم رضوان من مراد بغضب وهتف به: ما الذي هببته مجدداً.

تجاهل مراد والده وقال بصوتٍ متماسك وهو يطالع إليسا بغضب: عودي إلى الداخل.. الوقت ليس مناسبٌ لحماقتك.
فغمغمت بهسيس: كف...كف عن إهانتي..لقد اكتفيت.
نهضت عبير وطبطبت عبير على كتفها برجاء : -اسمعي كلام زوجك يا إليسا ...رأفة بي أرجوك رأسي سينفجر لا ينقصني مصيبة أخرى" اطرقت إليسا نظراتها على الأرض وقالت بعد لحظات وهي تلتمس الألم الواضح بكلمات عبير: حاضر د, لأجلك فقط.

وتوجهت نور لمساعدة اليسا في حمل الحقيبة لغرفتها فقال والده مؤنبا: ستحكي الآن ما حرى بينكما...الآن
أشاح بصره عنه بغضب فقال عابد باستئذان: -سأغادر أنا الآن وتحدثوا بأريحية.

خطى ليغادر فصدع صوت مراد  : قف يا عم عابد الموضوع يخصك كذلك.

توقف عابد بعدم فهم ليتطلع فيه والدي مراد باستغراب: الموضوع له علاقة أساسيةٌ بك، اجلسوا رجاءً.

تطلع الجميع ببعضهم وانصاعوا لمطلبه وما كاد أن ينطق حتى سمعوا صوت نور تصرخ  "
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.