Enasmhanna

شارك على مواقع التواصل

وأعلن الغروب عن انتهاء نهارٍ جديد، تخللت خيوط الليل لتمتزج بنفحات الشمس البرتقالية المتوارية في الأفق، وختمت حكاية النهار ليلج الليل بسكونه ... عبرت السيارة بوابة الفيلا الحديدية وتوقفت أمام المبنى لتترجل منها جمانة ويتبعها مراد بخفة،

لاحت منه اتفاتةٌ ناحية إليسا الشاردة ليتوجه ناحيتها بهدوء بينما القت عليهما جمانة نظرةً عابرةً ودلفت إلى الداخل ...اقترب مراد من زوجته بهدوء ليربت على كتفيها بحنو ثم يقبل رأسها برقة: بمَ أنتِ شاردة؟
قالها وسحب كرسياً ليجلس بجانبها لتتبسم له :
لا شيء محدد " أحنت رأسها للأسفل وهي تتلمس بطنها وقالت بخفوت : خائفة "
ضيق ما بين حاجبيه متسائلاً : والسبب!

أطلقت تنهيدةً عميقة وهي تتطلع بعينيه : مراد.. صمتت قليلاً قبل أن تقول مجدداً : أنت تغيرت جداً في الآونة الأخيرة، لم أعد أفهم مابك، دائم الشرود والتفكير، أصبحت سريع الغضب، أنا خائفةٌ من المستقبل، ومن هذا الطفل الذي لا أعرف كيف سأهتم به وأرعاه "
أطرقت رأسها أرضاً لتنهمر دموعها مردفةً وهي تمسح دموعها بطفولية: خائفةٌ من عدم إكمالي لدراستي ومنك ومن عدم اهتمامك بي "

ابتلع غصةً بحلقه وانحنى تجاهها أكثر ليحتويها بذراعيه وقد سحقته كلماتها والتي هي فعلا محقةٌ فيها : أنا ... أنا لم أعد من أولوياتك دائم الانشغال عني لم تعد تجالسني لنتحدث.لم تعد تصطحبني خارجاً كما كنت تفعل سابقاً أشعر بالوحدة الشديدة وبالألم "

مسح على شعرها بكفه ثم قبل جبهتها قبلةً طويلة وقال بخفوت :الحياة في بعض الأحيان تجبرنا على سلك طرقٍ لم نحسب لها حساباً.. لا تعرفين مقدار الألم الذي أعاني منه "
أغمض عينيه بينما يعترف لها وقلبه قد تعاظمت حدة نبضاته، ابتعدت عنه قليلاً لتقول ببراءة : أنت لا تحكي لي ما يؤلمك ؟ سأتفهم ما تمر به، أخبرني فقط لا تتركني وكأنني هامشٌ في حياتك"

أخذ نفساً عميقاً وهو يمرر بأصابعه على خصلات شعرها : أنا فعلاً وبهذه اللحظة لا أعرف مابي" قالها بتهكمٍ وهو ينظر شارداً ناحية السماء، لست الوحيدة الخائفة يا إليسا أنا كذلك خائف"

تعالت ضحكات جمانة ونور وعسل وهي تسحبها من ساعدها لتجلس على الأرجوحة.ط
-هيا ادفعيها لأطير عالياً" قالتها عسل وهي تقهقه بفرحٍ بينما صارت جمانة تدفعها لتتحرك الأرجوحة، شرد بها وقال وهو يقرب إليسا أكثر إلى جسده ليحوط خاصرتها بذراعه :خائفٌ من المستقبل وما يحمل من مفاجآت"
وبالكاد انتشل عينيه عن جمانة ليحدق بالبراءة المطلة من عيني إليسا التي تقتله بهذه بنظرات اللون...شعر بهذه اللحظة أنها تعرف...تعرف مشاعره لابنة خالته لكنها تريد منه أن يفصح ويعترف، رفع كفه الثانية ليحتضن وجهها قائلاً بخوفٍ جليٍ ظهر من خلال حروفه المهزوزة : لا تكفي عن حبي رجاءً , ما أريده فقط هو أن أعود في كل مرةٍ إليكِ، لربما أستلف القليل من هذه البراءة التي تحييني دائماً "

_هل هنالك أحدٌ بحياتك الآن ...بهذه اللحظة هل هناك أحد: نطقتها بقلب متألم وخوفٍ من كلماته المبهمة ليذوب في خجله وتفكيره خوفاً من الاعتراف، لا يستطيع الإجابة فعلياً عن هذا السؤال، هو يحبها بل يحبها جداً، ومع هذا يعشق جمانة! غارقٌ ما بين كتلةٍ من البراءة وإعصارٍ من الديناميت المتفجر..
تعالت ضحكاتهن أكثر لينتشلن تفكيره عن اليسا ويتطلع مجدداً بجمانة التي ركضت لترتمي على صدر آدم وتقبل وجنته شاكرة بعد أن سلمها كيساً ما لم يتبين محتواه، وتبسم بلا إدراكٍ منه متنهداً، غادرت جمانة على ما يبدو لكي تضع الكيس داخل غرفتها فعاود مراد التطلع مجدداً بعيني إليسا التي تنتظر الإجابة رفع كفها ليلثمه قبلةً ثم أجاب : لا تفكري بهذه الطريقة ولا تخافي وأنا معك، أنا أحبك إليسا، أتفهمين ذلك.. جءءءء...آآآآخ أيها ال...."

قالها مراد مغتاظاً بعدما قذفه آدم بالكرة لترتطم بوجهه بعنفٍ فتعالت ضحكات اليسا وعسل ونور عليهم لينهض مراد ويركض وراء آدم أوقعه أرضاً وسط ضحكات الفتيات التي لم تهدأ عليهما
ثبت ذراعيه على الأرض قائلاً بحنق : أوجعتني أيها اللئيم !!
راقص آدم حاجبيه بمكر وقال هامساً : تنحنحت مرةً واثنتين ولم تفهم أيها الغبي ! اختلي بزوجتك بعيداً عن أعيننا ألا تقدر مشاعر رجلٍ أعزب وأنت تنهمر عليها بقبلاتك أمامنا !
انفرجت عينا مراد ليلكمه بحنقٍ على معدته صائحاً : أيها الوقح ! أكنت معنا أم تتحدث مع الفتيات ! " قهقه آدم لاستفزازه ثم ركله بساقه على معدته ونهض قائلاً بشقاوة : معكما طبعاً ومن أول قبلة أيها الرومانسي !

غمز له وهرب إلى الداخل فتمتم مراد بسخط: أيها الغبي.. والله لأحطم رقبتك انتظر فقط أن أمسك بك ! " اندفع لداخل الفيلا مسرعاً فتعثر تعثر بكيانٍ ضئيل الحجم في طريقه حتى كادا أن يسقطا أرضاً لولا استطاع مراد تثبيت نفسه بآخر لحظة حينما تمسك بمقبض الباب بينما جمانة صرخت وارتدت جالسةً على الأرض" شهق بعفويةً وهتف : أنت جنية!!! والله جنية ! كدت أن أسحقك يا متخلفة !
أمسكت صدغها قائلةً بحنق : أنا كالجنية أم أنت تظهر في كل مرةٍ أمامي كالبلاء !!

مد يده ليسحبها من ساعدها لتقف بعدما تعالت ضحكته وقال بعدها : أنتِ بخير ؟
أومأت له باقتضاب مجيبة: بخير لم تتكسر عظامي بعد !

افلتها من قبضته ضاحكاً ثم انطلق مجدداً يصعد درجات السلم للطابق الثاني ناوياٍ أن يبرح آدم ضرباً !!

********
ارجع يا ولدي ..ارجع وكل شيء سيرضيك، تعال فقط لمنزلك.
نطقها محمد وهي يتحدث مع كريم عبر الهاتف...قبل أن يلين كريم ويعود إلى منزله ليستقبله والداه بحفاوة...ومع ذلك ظل محتفظا بهالة من التوتر والاضطراب...فعاد من جديد لسيل لكماته العنيفة لكيس الملاكمة وكأنه المنفس الوحيد عن غضبه لعل الحياة فعلاً لا تريد منه أن يشعر بالسكينة جوار امرأةٍ يختارها قلبه! ربما اختياراته الخاطئة! لربما انجرافه وراء عواطفه بهذا الشكل هي ما توقعه كل مرةٍ بالفشل ! ربنا لأن تجاربه معدومة مع النساء .لا يستطيع معرفة نظرة الإعجاب وتمييزها! لا يدري حتماً ما الخطب في حياته ولما تصر دائماً تلك الحياة أن تسلب منه شعور الحب تجاه من يختارها قلبه !

كان مراد كذلك يشعر بالعجز.. يحلم بأن يتزوج جمانة فقط وبأي وسيلةٍ كانت...بعد أن اقتنع بأن هذا هو الحل الوحيد.. يحلم بأن توافق وترحمه، وبذات اللحظة يشعر بانكسارٍ رهيب تجاه كريم...صديق طفولته و ابن عمه .
وجمانة, تلك التي تخبطت مشاعرها ولأول مرة.. بكلامٍ صادق خرج من فم كريم شعرت بخفقات القلب لربما شعرت بالحب وروعته . ذلك الشعور الذي يدغدغ القلب ويغمره بالسكينة وبذات الوقت لا تعرف لما تبتعد عن مراد كابتعاد الانسان عن الشياطين؟ لا تفهم سبب هذا الارتباك الذي يظللها بقربه، هي تخاف منه، من خياناته المتكررة لزوجته، تخاف من ماضيه الأسود الذي أضحى كوصمة عارٍ متلازمةٍ له، لعلها ذات يومٍ بدأت بالإنجذاب ناحية ذلك الكيان الثري ذو النفوذ الواسع، لعلها غرقت ذات ليلةٍ بعينيه الحادتين كعيني الذئاب...فهي تعجبها هذه الشخصية القوية الواثقة، تعوضها عن حالة النقصان السابقة لها ..

أعجبها لأيام ملاحقته لها دوناً عن كل الفتيات منذ تعارفهما.. لكنها بذات الوقت لا تستطيع أن تأمن له، هو مغرور وغروره دائماً ما يجعله يحصل على ما يريد، أنانيٌ بجدارة فالمهم هو أن يحصل على متطلباته وبعدها ليتعذب الجميع فلا يهمه ! لكن تلك المشاعر ناحيته قد تلاشت أدراج الرياح بعدما هربت منه طيلة شهرين.. بل واختفت تماماً بعد أن التقت بكريم..

ظلت تفكر بينهما وقد غلفها الحزن طيلة أيامٍ لأن كريم اختفى وكأنه لم يعترف لها عن مشاعره، ما الذي جرى؟ وبما تحدث مع مراد ذلك اليوم ! تساؤلات ملأت صدغها حتى كادت أن تجن, تنتظر فقط مكالمةً منه، رسالةً تطمئن بها عليه لكن كبريائها وخجلها منعها عن ذلك بعد ان اتصلت أوب يومين ولم يجبها... و لا تعرف أن كريم بهذه اللحظة يتمنى أن تتصل به أن يسمع صوتها .

كانت نور بعالمٍ آخر تماماً فها هي ستقيم حفل خطوبتها بعد أيامٍ قليلة، جمانة لن تستطيع مساعدتها بانتقاء الفساتين فهي حتى لا تعرف كيف ترتدي الكعب العالي أو التبرج كأي فتاةٍ طبيعية ولا تستبعد ان تختار لها بنطالا وقميصا لحفل الخطوبة ! وإليسا ما تزال متعلقةً بعالم الطفولة وكأنها فعلاً لا تريد أن تكبر! وستنتقي لها فساتين غريبة وطفولية !

وهي تريد بهذه اللحظة أن تكون أنثى كاملة بنظر آدم فلا بد إذن من مشورة رهف تلك التي تلاحق الموضة والأزياء وتهتم بانتقاء بعض الموديلات لمساعدة شقيقها في متجره، وفعلاً تحدثت معها ليتسوقن فستاناً مناسباً لحفل خطوبتها... اتفقت الفتيات لمقابلة رهف للذهاب للتسوق وكي يشترين فساتين لهن كذلك..

طرقت جمانة باب مكتب مراد ودلفت بهدوء ناحيته بعد ان عاد من موقع الإنشاء خلع جاكيته بذلته واسنده على الكرسي فقالت برتابة :
-سأغادر الآن إن كنت لا تمانع "

فتح الحاسوب وتطلغ فيها متسائلاً :إلى أين؟
أخذت نفساً عميقاً مجيبة : سأذهب مع نور والفتيات لانتقاء فستانٍ لحفل خطوبتها "
أومئ لها موافقا ثم قال فجأة :
-ومن سيرافقكن ؟

-أهو تحقيق !!؟ قالتها بحدة لينهض قائلاً بوقار : -أخفضي صوتك آنسة جمانة نحن في الشركة"
-حسناً آسفة وعن إذنك "
قالتها وهمت بالمغادرة ليوقفها صوته مجدداً : -معك نقود؟ فحتماً تريدين شراء فستانٍ لك أم أنك تريدين ارتداء بنطال الصيادين العريض في الحفل ؟

عضت على شفاهها بغيظٍ وهي تمسك مقبض الباب وتكاد أن تختلعه بقبضتها أفلتته واستدارت بغتةً لتشهق بعدما وجدته أمامها مباشرةً لا يفصل بينهما سوى خطوة! :
- لا دخل لك فيما سأرتدي لكن تأكد أنني لن أسبب إهانة لحضرة اللورد وعائلته"

قذفت كلماتها بوجهه ليخرج من جيبه بطاقته الإئتمانية قائلاً بثبات : عائلته التي هي عائلتك على ما أظن، خذي البطاقة ووفري طلقات الرصاص التي يطلقها لسانك المستفز "

-لا أريد منك شيئاً معي نقود " زفر من عنادها قائلاً بنفاذ صبر: جمانة ! بحق الله كفي عن الجدالِ مرةً واحدةً بحياتك، أهذا صعب؟ هيا خذيها "

وسحب يدها ليضع بداخل كفها بطاقته وأملاها بهدوء الرقم السري ثم قال بخفوت : اختاريه أزرق اللون سيناسبك جدا، لكن إياكِ باختيار فستانٍ قصير لأني وكما تعرفين... " وقالها هامساً : لا أحب لمن تخصني بأن ترتدي الضيق والقصير " غمزها واستدار عنها باتجاه مكتبه ليستكمل عمله .

**********

وبعد أن انتهت الفتيات من الشراء وفعلاً كن بحاجةٍ إلى رهف التي تشارك شقيقها بذوقها الراقي، أوصلنها إلى المنزل فطلبت منهن النزول فما زال الوقت باكراً وكي تتعرف جمانة على منزلها فهي ولأول مرةٍ تزورهم ولأجلٍ غايةٍ في نفسها كذلك ...

-حسنا راغب بإمكانك المغادرة الآن فكريم سيوصلهن مساءً" قالتها رهف لراغب الذي اومئ لها وانطلق بالسيارة ناحية الشركة مجدداً

شعرت جمانة باضطرابٍ جلي وخشيت أن تسأل رهف طوال الطريق وحتى عندما دلفن إلى الفيلا عن كريم خشية أن تدرك اهتمامها به ! فاكتفت بالحديث معهن ..وفكرها متعلقٌ به !
جلست الفتيات بداخل الصالة لدقائق ومن بعدها انضمت لهن أمينة التي رحبت في جمانة ببرود شديد فهمته جمانة على الفور قالت رهف قبل أن تبدأ والدتها بوصلة الردح التي تبتكر أساليبها :

- يا بنات سأري جمانة الفيلا ونعود سريعاً لن نتأخر خذا راحتيكما "

قالتها وسحبت جمانة من يدها لتتجولا بالفيلا وهي تشرح لها وتثرثر ومن بعدها نزلت درجات السلم والتفت من الخلف ناحية السلم المؤدي إلى البهو قائلةً بابتسامة مكر : وهنا يا عزيزتي ساحة القتال، آوه عفواً مركز تمرينات كريم "

توقف جمانة للحظات وقد اختلط حديث رهف بضرباتٍ صادرةٍ من الداخل لتتوقف على درجات السلم , هيا ما بك ؟ تسائلت رهف بمكر لتجيبها : لا شي، قادمةْ ! "

- إذن هيا " وسحبتها معها لتدلفا قاعة التمرينات فتسارعت خفقات ذلك القلب حينما وجدته في البهو ينهال بضرباته المتقنة على الكيس وقد برزت عضلات صدره العاري، تبسمت رهف وهي تراقبها ثم جهر صوتها : كريم ألن ترحب بضيوفنا"

تنبه لصوت شقيقته فاستدار بتلقائيةٍ وهو يلهث لترتكز نظراته على جمانة ليتصلب جسده وينعقد حاجبيه بصدمة غير متوقعة، نقلت بصرها بينهما لثوانٍ ثم قالت وهي تخطو خارجاً :
-عن إذنكما كأن ماما تناديني .
وقبل أن تتفوه جمانة بحرفٍ أوصدت رهف الباب عليهما لتتجمد جمانة بمكانها وهي تزم شفتيها بتوتر: ك..كيف حالك!
تقدم بهدوء وما زال الإنهاك بادياً عليه جراء تمريناته واجاب باقتضاب: بخير وأنتِ "
-الحمد لله "
كانت تتحاشى نظراته واضطرابه البادي، ودت أن تتكلم لكن جموده ولا مبالاته ناحيتها جعلتها تعتصر قبضة يدها وترخيها باستمرار ثم قالت بخفوت : أين...كنت مختف طيلة اسبوع !

ارتمى على الأريكة وتجرع من قارورة الماء مجيباً باقتضاب وهو يتحاشى النظر إليها : - هنا...في المنزل لا أفعل شيئاً..."

أحست بأنها فعلا غير مرحبٍ بها هذه اللحظة. أصابت برودة التعامل معها ألما بداخل صدرها، لم تفهم كيف له أن يقابلها بهذا البرود بعدما ماجرى بينهما آخر مرة ! أو ربما ندم على اعترافه وتسرع ذلك اليوم،
رفعت رأسها بكبرياء ناحيته وهو يشغل نفسه بقارورة المياه فقالت بجرأة وكأنها عادت تلك الجمانة القوية :كانت رهف تطلعني على منزلكم، ونزلت بي إلى هنا، اكمل تمريناتك كيلا ازعجك أكثر، عن إذنك .."
استدارت لتغادر فهتف من خلفها: يبدو أن هذا اللباس الرسمي لم يناسبك...يشعرك بالضيق أليس كذلك.
ثم أردف ساخراً: مبارك....رجعت سكرتيرة لمراد "تطلعت فيه ببساطة : عرضوا علي العمل ووافقت ... خيراً من أن أبقى في المنزل بلا عمل.
-مممم عظيم...اعملي بجد إذن مع ابن خالك"
- سأعمل بجد كما كنت دوماً لا تشغل بالك .
وغادرت المكان فاعتصر بقبضة يده قارورة الماء وقذفها على الأرض بغضب.
*****
تعال يا ولدي يجب أن أذهب لمكان ما وسترافقني "
قالها محمد وهو يدلف إليه. الذي بات كريم يقضي جل وقته فيه...حيث أن رهف هي من استلمت العمل في المتجر بدلاً منه في هذه الفترة، نهض كريم على مضض من على الأريكة الجلدية مستجيبا لمطلب والده..كما العادة ..لا يرفض له طلبا، وما يزال يشعر بتأنيب ضمير على الاحراج الذي سببه لوالديه ذلك اليوم على شاطئ البحر أمام الأقارب ...
كاد أن ينطلق بسيارته إلا أن رهف كانت قد قفزت إلى المقعد الخلفي بخفة وقالت باسمة: لن أفوت هذا الأمر..
- أي أمر؟!
تسائل كريم وهو على مقعد القيادة فربت والده على كتفه : هيا انطلق الى هذا العنوان ..ستعرف بعد قليل...
وفعلاً بعد وقت قصير كان قد وصل للعنوان الذي أملاه إياه والده حتى توقفا أمام مبنى مكون من طابقين واجهته زجاجية بالكامل..
لحق كريم بوالده الذي فتح البوابة الحديدية ودخل العقار ولحق به كريم ورهف التي اتسعت ابتسامتها وهي تتأمل المكان بانبهار : رائع...عظيم! القسم العلوي للرجال.والقسم السفلي يمكن تغطيته بالكامل ويصبح للنساء .
ضحك محمد وأومأ لها: هذا ما سيقرره أخوك.
- ما هذا بالضبط...قررتم توسيع العمل وفتح فرع آخر لمتجرنا!
اقترب محمد من كريم وشد على ساعديه بفخر : بل هذا لك..لتفتح مشروعك الخاص، ألم ترغب دائماً بفتح ناد رياضي.
جمدت معالم كريم على والده غير مصدق لما سمعه...ابتسم وهو يستدير حوله بصدمة وفرح بآن معا غير مصدق: حقاً!! تقصد أنني!
فقال والده :
- من الآن وصاعدا لن أتدخل في حرية اختياراتك بني...كنت أظن أنني أدرى بمصلحتك، لكني لن أسامح نفسي إن كنت سبباً في انزعاجك الدائم بسبب عمل لا ترغب فيه أو زواج لا تريده.
انحنى كريم واحتضن والده وقبل كفيه باسما هانئا سعيداً وقال بلهفة: - أدامك الله يا أبي.وأنا إن شاءالله سأكون عند حسن ظنك بي..
لكن المتجر!
فقالت رهف بحماس:
-أنا استلمه يا كريم.
فضحك والده مازحاً: سنخسر نصف الزبونات بعد رحيلك لكن لا يهم... المهم هو راحتك فقط..
أما...المفاجئة الأكبر فهي ليست اليوم.
-أيوجد مفاجئة أكبر من هذه يا أبي!!! أنا حقا لا أعرف كيف اشكرك.
احتضنه محمد في تأثر: بلى يوجد...يوجد مفاجئة أكبر وأحلى تنتظرك في الأيام التالية ...

*******
بعد أيام...

-أريد أن أكون جميلةً هذه الليلة يا رهف"
نطقتها جمانة بجرأة وهي تطالع رهف عبر المرآة لتتبسم لها تلك الأخيرة وهي تمسك بكتفيها:
-سأجعلك نجمة الحفل يا جمانة أعدك بذلك، أصلاً أنت جميلة وتحتاجين فقط للقليل من لمسات رهف السحرية "
قالتها باسمةً لتتبسم لها جمانة عبر المرآة ولا تعرف فعلاً لما تريد أن تكون جميلة ! لربماً انتقاماً من برود كريم ذلك اليوم معها، لربما لتشعل غيرة مراد وبعدها تطلق عليه سيل رصاص كلماتها اللاذعة ! لربما انتقاماً منه لأنه نعتها بابن البقال ذات يوم...وربما محاولة ساذجة منها لتري الجميع أن باستطاعتها كذلك أن تتزين وتتجمل كفتيات هذه العائلة الراقية التي صارت تنتمي إليهن...
*****
أغلق آدم أزرار قميصه الأبيض أمام المرآة وهو يشعر بأنها ليلة العمر لا مجرد خطبة! المهم عنده هو كتب الكتاب الذي أصر أن يقام الليلة لأنه يريدها أن تكون ملكه وله فقط بأية طريقة..أن تكتب على اسمه كما نقشها بالحب على صدره. أخذ نفساً عميقاً وهو يلقي نظرةً أخيرةً على هيئته ليتبسم راضياً، لمح عابد يتكئ أمام الباب بابتسامة حانية ليلتفت إلى الوراء ويتقدم من والده : ما رأيك ؟

شد عابد على كتفي آدم مجيباً بابتسامةٍ هادئة : -ليبارك لك الله يا بني،مبارك"
انحنى آدم ليقبل كف والده ثم رفع رأسه مجدداً قائلاً بفرح :
- كنت أحلم دائماً بحلم أن يكون لي أب ليتقدم لخطبتها لي، كنت أحلم بأن يكون لي سنداً وعوناً وملجأً أتكئ عليه في لحظات ضعفي...، أشكرك لأنك ظهرت بحياتي من جديد"
أخذ نفساً عميقاً كابحاً دمعه ليحتضنه عابد بقوةٍ ثم أبعده قائلاً : هيا أيها المهندس عروسك بانتظارك"

بعد دقائق التفت الثلاثة ناحية إحدى القائلات : نزلت عرروسك "
أحدهم ابتسم بحنانٍ لشقيقته، والآخر أشاح ببصره بسرعةٍ وهو يعقد حاجبيه كيلا تهاجمه ذكريات الحب الذي وأده منذ أيامٍ قلائل ! والثالث....كتعويذة سحرٍ أضرمت النيران داخل صدرهه ليلفحه لهيبها ....كأعمى أرجعت معجزةٌ بصره ! تأمل آدم هذا الملاك الذي يتزين بفستانٍ ذهبيٍ طويل...كملكةٍ هبطت عن عرشها.. اختلجت ضلوعه وأضرمت بركاناً سيتفجر بأية لحظة، تقدم منها وكأن قدميه لا تلامسان الأرض لتبتسم له بخجلٍ أطار له ما تبقى من عقل! رفع كفها وما زالت عيناه معلقتان على أنهار العسل المتدفق من شعرها وعينيها وفستانها الذي ينبض بالحياة ... لكن عقله الأحمق لم يترجم للسانه أي كلمةٍ ينطقها، وهي ما كانت تهتم بكلماته الغير منطوقة ..تكفيها نظرة عينيه التي فضحت الكثير جداً...
رفع كفها لتتأبط ذراعه وتقدما ناحية المأذون الذي باشر بإجراءات كتب الكتاب.

تطلعت جمانة نظرةً أخيرةً ناحية المرآة ثم تبسمت بقسوةٍ وخرجت من غرفتها بعدما أعلمتها إليسا بأن المأذون قد وصل"
أومأت لها شاكرةً ثم هبطت درجات السلم

*******
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.