Enasmhanna

شارك على مواقع التواصل

كانت تصعد برفقة نور وهي بالكاد تستند على سور السلم ..عيناها محتقنتين وصدرها يرتجف اثر الصفعات الروحية التي تلقتها من مراد منذ زواجها....أما الصفعة الحقيقية على وجنتها فلم تشعر فيها...صار شريط حياتها يعاد أمامها وظنت أنها وبزواجها ستتفتح لها آفاق جديدة...ستهرب من جو عائلي متراخ ومفكك والآن لأدركت معنى الألم الحقيقي بالتجاهل...

التجاهل المميت الذي عاملها به مراد اللهم إلا مرات قليلة كان يعاملها فيها معاملة الطفلة...لم يكن هكءا قبل زواجهما أو ربما لأنه كان يراها لمرات قليلة في الاسبوع فيحاول جاهداً بث أشواقه ولهفته عليها ..
مسحت دموع عينيها المنهمرتين ونور تربت على كتفها مواسية حتى دخلتا الغرفة ...ولم تكد تصل السرير حتى سعرت بدوار مفاجئ..ترنجت قليلاً تستجدي نور بعينيها الزائغتين أن تساعدها فلم تقدر على النطق...وما شعرت إلا بأنها تتهاوى .
وغابت على الوعي .
هب الجميع  متجهين ناحية حجرة إثر صرخة نور : الحقوني...أغمي عليها..
هرع مراد فحملها مراد بين ذراعيه ليضعها على السرير بينما قام رضوان بالاتصال بالطبيب من فوره،

بعد دقائق قصيرة استطاعت عبير بمساعدة مراد إفاقة إليسا من إغمائها، تنهد مراد بارتياح وقال باسما : الحمد لله على سلامتك،أقلقتني جدا"  تطلعت فيه إليسا بعينين ذابلتين والتفتت ناحية عبير وخاطبتها بوهن بعدما استشعرت قلقها : أنا بخير لا تقلقي"
لتربت عبير على كتفها وتقول بابتسامة : الحمد لله على سلامتك" خطى رضوان برفقة الطبيب إلى الداخل ليخرج الجميع من الغرفة باستثناء عبير التي بقيت معها حتى استكمل الطبيب الفحص دقائق قضاها مراد يذرع الرواق جيئة وذهابا بقلق ونور تستند على الحائط المقابل للباب بينما رضوان وعابد توجها للأسفل ليجلسا على الأرائك بانتظار النتيجة .
فتح الباب أخيراً وخرج الطبيب من الغرفة ومن خلفه عبير الباسمة فتسائل مراد بقلق ظاهر : ما بها؟ هل هي بخير.
اومئ الطبيب له قائلاً : لا مشكلة ظاهرة الحمد لله لكن لنجنبها التوتر  هذه الفترة وارجو مراجعة العيادة الطبية بأسرع وقت"
فقالت عبير بسرعة  وهي تربت على ساعد مراد: -إنها بخير بني .
اومأت للطبيب ليهز رأسه ملقيا السلام ثم يهبط درجات السلم بينما قالت عبير لمراد الذي توقف أمام والدته بعدم فهم: أليست بخير؟! لما العيادة ؟
صعد رضوان وعابد درجات السلم ناحيتهم بينما ربتت عبير على كتف مراد قائلة بسعادة  :
- يبدو أن كنتنا حامل "
تطلع فيها مراد مصدوما وهتف بعدم تصديق:
-نعم ! كيف ذلك .
تلقى صفعة على كتفه من رضوان الذي قال بحنق : ماهو الكيف ذلك يا غبي !؟
لتتعالى ضحكات الجميع وليحتقن وجه مراد خجلا بعدما استفاق من صدمته لتتسع ابتسامته ويدلف الغرفة قائلا بلهفة : حسنا وداعا....آسف، اعذروني"
وأغلق الباب بوجه الجميع لتضرب عبير كفاً بكف وهي تتمتم : جن الولد ! .

أغلق مراد الباب متجاهلا ضحكاتهم وهم يهبطون درجات السلم وهرول ناحية إليسا التي احتقن وجهها بخجل.. جلس بجانبها على السرير قائلا بلهفة : حمداً لله على سلامتك، مبارك حبيبتي، مبارك لنا، أنا...أنا فعلا لا أصدق "
-لم نتأكد من شيء بعد"
ثم أشاحت بوجهها عنه ليردف بعدما احتضن كفها بيديه وقبله: وآسفٌ عما جرى لتكسر اليد التي مددتها عليكِ بلحظة غضب "
عضت أليسا على شفاهها بارتباك وقالت بعتاب: لا تقل ذلك ليبعد الله عنك السوء "
-بل ليقطع الله عمري إن فكرت بجرحك مرة أخرى، ليلعن الله الشيطان، لا تفكري يا أليسا انه بإمكاني التخلي عنك للحظةٍ واحدة .
تطلعت فيه بدموع وقالت بألم : وجمانة ؟
ضيق مابين حاجبيه ليجيبها وهو يتنهد: جمانة ... لجمانة قصة طويلة جداً "
انفرج حاجبيها بصدمة ليضربها بخفة على جبهتها قائلا بابتسامةٍ صادقة : الآن قلبي لا يتسع سوى لاثنتين فقط "
تعالى تنفسها وتهدج صوتها وهي تهتف فيه : نعم !! أتريد أن تتزوجها أيها .... ؟!
تعالت قهقهاته وأجاب مصححا ً وهو يقرصها من أنفها : ما بداخل قلبي لا يتسع سوى لأرنبة حمقاء تحمل بأحشائها طفلي! طفلي الأول! .
أهدته ابتسامة عذبة لينهض مقبلاً جبهتها بحنو ثم شرع يحدثها عن هوية جمانة بأنها تكون شقيقة آدم ليقطع الشك بتفكيرها ولربما ليقنع نفسه أن جمانة أولاً وأخيراً ما هي إلا نزوةٌ عابرة كغيرها فبالنهاية هي ابنة خالته وربما كان اهتمامه فيها ولهفته عليها لا تندرج تحت نسمى الحب..بل ذلك الرابط الخفي الذي جعله يندفع ناحيتها ليكتشف السر ! "
******

قارب الليل على الانتصاف لتيأس جمانة من رؤية وسيلة مواصلات لتقلها إلى المنزل واكتفت بإطلاق سيل الشتائم واللعنات على هذه العائلة التي لا تنفك تورطها بمشكلات متلاحقة ! خلعت الحذاء ذا الكعب العالي واكملت المسير بإرهاق فأوقفها صوت آدم الذي هتف وهو يتجه ناحيتها : - لن تري وسيلة مواصلات حتى لو بقيتِ الليل بطوله هنا عليكِ المسير حتى الموقف، سأقلك إليه .
تطلعت فيه نظرة غضب  : لا دخل لك في شؤوني .
كظم آدم غيظه وقال مجدداً: لا يجوز أن تعودي بمفردك بهذا الوقت من الليل "
استدارت ناحيته مجدداً وقالت بحنق : أخبرتك قبلًا...لا دخل لك، بل فتاة لعوبٌ كحالي لا يهمها المسير بهذا الوقت، بل من مثلي يخرجن بهذا الوقت من الليل لاصطياد الفرائس "
ضرب الأرض بوطئ قدميه وهو يتقدم اكثر تجاهها وهتف بحنق : لا تستفزيني بكلماتك مجددا ً لست أنقصك بحق الله، تقدمي أمامي لأوصلك حتى الموقف بدون حرف تنطقينه، هل كلامي واضح .

تعالت وتيرة و تقدمته بما يشبه الهرولة ليتنفس بعمق مهدئًا من وتيرة غضبه ويلحق بها حتى الموقف المخصص للحافلات فهو فعلاً شعر بأنه مسؤول عنها ...
وصلا بعد مسير عشرون دقيقة تقريباً ناحية الموقف فتوقفت تنتظر مجددًا أن ترحمها إحدى الحافلات وتجيء لتقلها، لكن بعد فترةٍ اوقف آدم سيارة أجرى مرت وقال بلهجة لا تقبل النقاش : -اركبي سأوصلك بنفسي"
حدجته بغضب لكنها انصاعت لمطلبه فلا حل آخر لديها ليصعد هو بجانب السائق قائلًا بجفاء : أملي عنوانك للسائق "
أملته العنوان و ارتمت مرجعةً رأسها إلى الوراء تحاول فهم ما حدث معها هذه الليلة ... وبعد نصف ساعة تقريباً كانت السيارة تتوقف بالقرب من زقاق العمارة التي تقطن فيها، هبطت من السيارة وضربت الباب خلفها  : شكرًا "
وولت لتدلف داخل الزقاق دون حتى أن تنتظر جوابه..

ظل كريم ساهداً لتتعاقب ساعات الليل الطويل حتى تسللت أولى خيوط الصباح ذات السحب الداكنة التي قررت أن تروي الآرض بدموع أمطارها، بينما أهدابه لم يستطع ان يغلقهما لحظة واحدة، تعالت ضربات الأمطار على الأرض احتجاجا ً على آلام أرواح سكانها فنهض كريم من على سريره ليعد لنفسه كوباً من القهوة عله يطرد آثار السهاد والأرق الذي سلب منه القوة، شغل اسطوانةً لفيروز كعادته الصباحية وجلس على الشرفة يشربه وهو يراقب سيول الأمطار البائسة، تنهد بقلة حيلة وهو يعبث بهاتفه يطالع صورها، ليعتصر قلبه ألماً وهو يتطلع بعينيها العسليتان بعتاب ويتسائل إلى متى يا نور؟ إلى متى بحق الله ستفعلين هذا بي" إلى متى سأتعذب بهذا الشكل.. إلى متى سأفني عمري جراء وهمٍ لن يتحقق ! بل وباتَ هذا الوهم كابوسٌ لعين يبعدني عن الواقع .

أطلق زفيراً حانقا ًمغلقا ًالهاتف وهو يتذكر ما حصل البارحة بينها وبين آدم على السطح. لربما وضعه الله بذلك الموقف حتى يتنبه لنفسه قبل أن يغرق أكثر ويُغرِق نفسه بألمٍ لن يصحو منه أبداً, ولكم تنمنى هذه اللحظة أن تغسل الأمطار أوجاع روحه وقلبه الأحمق الذي ما يزال مصراً على التمسك بابنة عمه...ليست ابنة عمه فقط ..بل شيء مغروس بأعماق روحه، مغروس بقلبه النابض...فكيف سيختلعها من صدره دون أن يؤذي نفسه!
إنها حالة من أعتى حالات الحب...

ووسط عاصفة مشاعره انتابته فكرةٌ كالبرق وتذكرها تلك المعتوهة التي شدته قصتها وحياتها مما رواه مراد عنها،  تلك الجمانة التي تقتحم مسلسل حياته كفاصلٍ إعلاني مبهج رغم مرارة أجزاءه، فضرب بكفه على جبهته وهو يقول بانزعاج : جماانة !! نسيتها كليا، يا إلهي !!"

ترك كل شيء بمكانة ونهض ببيجامته الرياضية السوداء  ذات الأكمام القصيرة وخرج من منزله مسرعاً ليطمأن عما جرى لها في الأمس بعدما صب جام غضبه عليها،استقل سيارته وانطلق إلى منزلها متجاهلاً كذلك أن الساعة لم تتجاوز السابعة صباحاً !
ربما كان يود لشيء أن ينسيه ابنة عمه والتفكير فيها ..
وصل ناحية شقتشقة جمانة واتصل بها مراراً لكنها لم تجبه ثم طرق الباب بإصرار حتى استيقظت أخيراً لتطلق سباباً  على قليل الذوق الذي يطرق بابها من الصباح الباكر .جاهدت لتنزع رأسها من على الوسادة، شطفت وجهها بسرعة ثم قالت بغيظ بصوت عالٍ : سأفتح أيها الأحمق ، لحظةٌ فقط....لحظة !

تبسم كريم باطمئنان على كونها بخير، ارتدت مئزرها فوق ثياب منامتها ثم فتحت الباب وهي تتثائب كفرس النهر! اغتالت التثائب وهي ترفع رأسها وحدقت فيه  بحاجبين معقودين بينما رمقها كريم بنظرات اعتذار وقال باسماً : صباح الخير .

صحيحٌ أن قلبها اضطرب بضرباتٍ خفيفةٍ لرؤيته... لكنها لوت فمها بسخرية متسائلة : هل تركت فيها خيراً ! ما الذي تريده منذ الصباح.

تنحنح كريم بارتباك لصراحتها الفجة وأجاب : -جئتك معتذرًا عن سخافة فعلتي البارحة معك..لم أقصدك أنت بغضبي.
تطلعت فيه نظرات طالت تجاهد وسامته الفتاكة لكنها عقدت حاجبيها تحارب اختلاج ضلوعها التي ستعلن انهزامها أمام عينيه ليهز رأسه بعدم فهم بعدما طال صمتها : أخبرتك أني جئت معتذرًا !
هزت رأسها كحرباء وقالت ببلاهة: سمعتك"
رفع حاجبيه باندهاش ونطق مجددًا : إذن ؟
رفعت كتفهيها متسائلةً كذلك : إذن ؟ هل تريد شيئًا آخر ؟
شعر بأنه بهذه اللحظة على أعتاب الإصابة بنوبة قلبية من هذه الفتاة المستفزة ليقول بنفاذ صبر : -ما تزالين غاضبة إذن ؟
- لا "
-إذن ؟! .
وقهقهت بطريقة عفوية وهي ترجع رأسها إلى الوراء مجيبة : أليس بقاموسك سوى كلمة إذن ؟ .
ضرب كريم كفاً بكف وقال بحنق:
-يا فتاح يا عليم، أتتعاطين الحشيش منذ الصباح الباكر يا بنت !؟
-لا اتعاطاه قبل النوم..
-نعم!!!
لم تستطع كبح ضحكاتها ثم هتفت : قطعت نومي الهانئ لتتفلسف أمام باب شقتي ألم يكن باستطاعتك تأجيل الاعتذار لبضع ساعاتً فقط لأشبع نوم على الأقل! ؟
-لأني فعلا شعرت بمدى سخافة فعلتي البارحة فحتى اللحظة لم استطع النوم وأردت الإطمئنان على أنكِ بخير و اخبرتك اني جئتك معتذراً ولكنك كالبلهاء تحدقين بي "

-بعد الإهانة التي فعلتها البارحة تنتظر مني أن آخذك بالأحضان من كلمة آسف ققط !
-فكرة لا باس بها !

نطقها بغير وعي منه وصمت الإثنان لوهلةٍ وهما يحدقان ببعضهما ليتلاشى الكدر فجاةً وتتعالى ضحكاتهما العفوية على أعتاب الباب تنحنح كريم بعد لحظات قائلاً : هل سأبقى واقفاً طويلاً أمام الباب ؟ لم أشرب قهوتي بعد !
-اعذرني ..انت كاذب ..لقت شربتها، هناك بقعة قهوة على كنزتك"
كبح بسمته وهو يميل برأسها ليرى مكان بقعة القهوة  وأردف برجاء: معك لها نكهة مختلفة"
تطلعت فيه جمانة نظرة استغراب : انتظرني بالأسفل وسأقوم بدعوتك على فنجان قهوة ٍ خارجاً "

جلى صوته بخجل وحك ذقنه قائلأً : آه, حسناً سابقى على عتبة بابك كما و تشائين سنحتسيها خارجاً برفقة المطر...لكن إن رأينا مقهى يفتح بهذا الوقت من الصباح.

أغلقت الباب بوجهه ليتبسم بطيب نية ثم نزل إلى الأسفل وجلس بسيارته منتظراً ..وشعر بأنه سينتظر دهراً كعادة الفتيات الأزلية لكنه تفاجئ أنها بعد عشر دقائق فقط كانت تجلس على مقعد السيارة بجانبه !! بل وتقول له انطلق في أمان الله !! حدق بلا إرادةٍ منه على كنزتها الخضراء القاتمة وبنطالها الجينز الكاحت، حتى حذائها الرياضي... ارتفع بنظره كذلك ناحية وجهها الطبيعي الذي لا يحتاج  لذرة كحل ولا لخربشات البنات الاعتيادية ! ولشعرها القصير الذي تغطيه بقبعةٍ صوفيه تبسم بلا إرادةٍ منه شارداً بها..يحاول التماس بينها وبين شقيقها ..لكن هيهات هي تشابه أحدا!
لتتسائل بحاجبين معقودين : هل هنالك خطبٌ ما ؟

هز رأسه نافياً ثم أجاب : لا لكن ... أشعر بالفضول ناحيتك " همس بها وهم بالتحرك بسيارته فتسائلت : فضولٌ من أي ناحية؟
قال وهو يحدق بالطريق :
- لا أعلم... كل تفصيلٍ بشخصيتك غريبٌ عني أو لنقل عن عالم البهرجة والمثاليات الذي ترعرعت فيه..أنت طبيعية بشكل يثير الإعجاب"

أطلقت ضحكة خافتة مصححة: تقصد عالم السجن والمحظورات "

تبسم وهز كتفيه مجيباً : ربما "

-اعرج على الشارع الجانبي واكمل به حتى أول انعطاف " تطلع فيها فأردفت فوراً : ألم أقل لك أني سأدعوك لفنجان قهوة إذاً سيتنازل سيدي اللورد ليشربه في عالمنا الطبيعي"

قهقه كريم عالياً وقد بددت هذه المعتوهة تعكر مزاجه بل وتبدده في كل مرةٍ يتواجد برفقتها. ليجيب بعدها وهو يرفع إحدى حاجبيه : تحت أمرك سأتنازل لكن إن لم تعجبني سأسكبها فوق رأسك أتساهل بكل شيٍ إلا بالقهوة "

أوقفته جمانة  عند مدخل إحدى الحارات الضيقة : عليك أن تركنها هنا كي نسير إلى أن نصل للمقهى" واتجه برفقتها متوغلان في هذا الزقاق بعد أن ركن سيارته...شارع عجيب ببساطه..بأوراق نباتاته الخضراء المزروعة ببدائية بأحواض على جانبي بعض المنازل وأمام نوافذها.
وصلنا ..هاك هو" قالتها جمانة  ليتطلع كريم عبر الزجاج ناحية هذا المقهى العتيق ..تقدمته جمانة وهي تصيح بصوتٍ جهوري : عم عبد الرحيم " أطل عجوزٌ من خلف الباب بابتسامة واسعة وهو يتقدم ناحيتها لتقول وهي ترمق كريم نظرات ذات معنى : يود السيد أن يتذوق القهوة من بين يديك الجميلتين "

تطلع العجوز بهما مرحباً : أهلاً بك بني تفضل..لكنني ما زلت..كما ترين  "
تقدمت جمانة وقد فهمت انه افتتحه لتوه ويحتاج للقليل من التوضيب وترتيب الكراسي فرفعت أكمامها بعفوية : هيا إذن سننتهي بوقت أسرع إن تعاونا معا"
ودلفت باندفاع ناحية المقهى وشرعت بتوضيب الكراسي ومسحها ليضحك عبد الرحيم ويلحق بها محتجا: -وضيفك"
تقدم كريم مازحاً: لست ضيفاً يبدو أنني سأصبح من أهل البيت!
وما زال الذهول من عفويتها وبساطتها مرتسم على وجهه...وسرعان ما انتهوا فاقتادهما
عبد الرحيم ناحية إحدى الطاولات الخشبية القليلة ليجلسا عليها، صار كريم يتلفت حوله وهو يدقق بتفاصيل هذا المقهى وقال بسعادة غريبة تسللت لتجتاح كيانه : على الرغم من بساطته وقلة إمكانياته إلا أنه يبعث الراحة في النفس !

هزت جمانة رأسها موافقة ثم أجابت : الراحة والسعادة لا ترتبطان إلزاماً بالثراء..
هز رأسه مجيبا بجمود : معك حق في ذلك، الثراء لا يجلب السعادة .
أردفت جمانة وهي شاردة بعم عبد الرحيم: هنا أنت بقلب المدينة، ترى الناس على حقيقتهم.. بعفويتهم، دون تملق ولا زيف ولا بهرجة ..حتى بشجاراتهم التي تشعر من خلالها أن أحدهم سيقتل الآخر لا محالة لكنك تفاجئ بعد يوم او اثنين أنهم يجلسون على ذات الطاولة يمرحون...الحياة بسيطة إن أردت لها أن تكون بسيطة .." 
شرد بكلماتها....كلماتها التي ضربت على أوتار قلبه، ليته يأخذ الحياة ببساطة .
-صحيح..ماكان سبب  دعوتي إلى الحفل؟
- كل ما اعرفه أن هناك شيء هام جداً كان على مراد أن يصارحك به .
بان الانزعاج على وجهها ليردف كريم مصححا وهو يضحك:
-ولا أقصد طبعا أنه سيطلبك للزواج لا تقلقي"
أدار عبد الرحيم المذياع العتيق وثبت على صوت فيروز الذي أشعره بأنه بداخل أحد الأفلام القديمة...وصارت جمانة تدندن معها..قبل أن تقول بمرح: تعال ذات يوم مساء وأعدك أنك سترى أجواء تراها للمرة الأولى ..
-معك ...يبدو أنني سأجرب أشياء كثيرة أراها للمرة الأولى!
قالها مازحاً لتسىرح جمانة بكلماته.. وبقطرات المطر التي بدأت بضرب الزجاج...قبل أن تسأل:
-هل تحبها لهذه الدرجة "

أعادته جمانة إلى الواقع بشراسةٍ ليرتطم بوقع كلماتها ويحدق فيها مدعياً عدم الفهم:عفواً... من ؟

تبسمت وهي تقول : تلك التي كانت برفقة السيد آدم"

أشاح عنها بوجهه وقد عادت ذكرى الليلة الماضية تدق ناقوس قلبه وذاكرته ليغمغم بكلماتً غير مفهومة، تنبهت على كدره لتقول باعتذار: آسفة إن أزعجتك بسؤالي" هز رأسه بجمود وأجاب : لا عليكِ.

لاحظت جمانة انقلاب مزاجه بشكلٍ حاد فصفقت قائلةً بابتسامةٍ مرحة: وها قد حضرت القهوة..تسلم ايدك.
انفرجت اسارير عبد الرحيم وهو يضعها على الطاولة : بالهناء والشفاء"
كاد كريم أن يرفع الفنجان ليرتشف منه فوضعت كفها فوراً أمامه قائلة: مهلاً لحظة، إن لم يعجبك قلت أنك ستغرقني به، لكن إن أعجبك ما الذي ستفعله حينها؟"

رفع حاجبه مفكراً وقبل أن ينطق قالت باندفاع: -إن أعجبك سأغرقك أنا بكأس الماء وليس القهوة كيلا يتسخ قميصك الأبيض أنا رحيمة، اتفقنا " مدت يدها ناحيته ليرفع حاجبيه مفكراً قبل أن يصافحها موافقاً بابتسامةٍ رقيقة : اتفقنا "

وبعدها مباشرةً تناول كريم الفنجان وارتشف منه القليل ليتطلع بها نظرات حزن مفتعل قائلاً : -بالحقيقة إنها لذيذة " اتسعت عيناها بانتصار وأمسكت كأس الماء فرفع يديه ملوحاً لها : لا مهلاً لحظة، قالها برجاء فتعالت ضحكاتها قائلةً بعبث : -هل تراجعت ؟ هز رأسه نافياً ثم أمسك الكوب من بين يديها وأفرغه على رأسه لتشهق ضاحكةً بعدما ابتل بالكامل، تعالت ضحكاتها أكثر فقال وقد اتسعت حدقتيه لتأسره ردات فعلها العفوية : -من مبدأ اقتل نفسك ولا تدع عدوك يتلذذ بانتصاره "
ضيقت حاجبيها مجيبة: حسناً سيد فيلسوف غلبتني هذه المرة هيا فقد تأخرنا عن العمل "
وفعلا كانا قد غادرا ناحية المتجر بعد أن ابتاع بعض شطائر الجبن ليأكلاها على الطريق..ودخل متجره الفخم الذي يلمع بأفخر وأجمل أنواع الفساتين والأزياء..صار يحدق بوجوه زائراته من الطبقة المخملية الراقية ...وجوه رغم بريق ما ترتديه إلا أنها كالحة ...تركبها الهموم ربما و الكثير من التفاهة في أغلب الأحيان ..وصار ينشغل عن التفكير في نور رويدا رويداً..يهرب من التفكير فيها...يهرب من صورها التي قام بمسحها ذات ليلة كيلا يضعف مجدداً..اختارت نور طريقها وقال القلب كلمته فلا يلومها على ذلك ..آن له أن يعيش ..آن له أن يتأقلم على أن قصته معها انتهت قبل أن تبدأ حتى ...

ذات يوم وبعد أن غادرت جميع الموظفات وقبل أن تغادر جمانة إلى منزلها أوقفها كريم :
أتذكرين وعدك لي بزيارة مقهى العم عبد الرحيم  والحارة في الليل.
ضحكت جمانة وأومأت له : وأنا عند وعدي"
-هيا إذن.
- الآن!
- الآن"
فقالت باسمة: لكنني جائعة .
فأكد كريم : وأنا جائع جدا..نأكل على الطريق بإحدى المطاعم.
فهزت رأسها بنفي..تعال إذا سأدعوك للعشاء عند مريم آكل عندها كل يوم .
ضحك وهو. يقفل المتجر متسائلاً: ومن مريم أيضاً!
رفعت كتفيها وما زالت صامتة  فتوجها ناحية طريق البحر حتى طلبت منه التوقف ...
وترجلت من السيارة فتبعهاليتمشيا قليلاً  حتى وصلا ناحية إحدى العربات لتتكئ جمانة مازحة على العربة  وهي تخاطب البائعة : أربعة هذه المرة...وأكثري الشطة "
أعقبت وهي تسأل كريم: تحب الشطة أليس كذلك ؟
فصحك كريم : حسنا أحبها لكن على ماذا؟
وتطلع ناحية العربة إلى الخضار المقلية وأنواع من اللحوم المطبوخة ..
بعد حين ..تناولت جمانة الشطائر وأعقبت باسمة: -إن مريومة أعظم من تحضر الشطائر على الساحل لمحدودي الدخل ..معاملة لطيفة وأكلها نظيف "
ضحكت مريم وقالت تشاكسها: تتملقين لأخصم لك من ديونك أيتها الشقية !
-فضحتني  مريومة سامحك الله"
ثم أردفت وهي تهمس: سأدفع آخر الشهر هشش"
شرد فيهما كريم ضاحكاً ثم أخرج ثمن الشطائر وأنقدهم لمريم  وتوجه مع جمانة ليجلسا على أحد المقاعد الخشبية على الطريق أمام البحر...
رائحة الرطوبة والرياح المحملة برذاذ البحر ...ورائحة هذه الشطائر الغريبة عديمة المذاق...إلا أنها كانت أشهى شطيرة أكلها حتى اللحظة، شعر بتوازن نفسي غامض..براحة وسكون بعد أحداث مريرة عاشها طيلة أشهر كاملة بسبب حب مسموم لم تبادله إياه نور..
بعد دقائق ...كانت جمانة أمامه مباشرة قد انهت تناول شطائرها فقال ليداري ارتباك شروده من خلالها: انهضي قبل أن يتأخر الوقت لنذهب لمقهى العم عبد الرحيم" فحدقت فيه جمانة باسمة :
-أنا واقفة بالمناسبة ..محظوظة من أخذت عقلك"
نهض معتذرا: شردت قليلاً..لكن..لكن فعلا أنت قصيرة !
لست أنا القصيرة بل أنت الضخم ..والآن هيا
لنعيد إليك تركيزك ..لنتسابق ناحية السيارة .
فضحك وهو يحدق بجسدها الضئيل والفارق الشاسع بينهم ففهمت مغزى نظراته المستخفة في قدراتها.
-إن هزمتك سآخذ يوم غد كإجازة اتفقنا ؟
-وإن غلبتك أنا؟
-واثقة من قدراتي..لكن أيا يكن نفكر بشرطك لاحقاً لأنني واثقة من فوزي
أومأ لها بتحد: لا تنسي إذا كلماتك.
فرفعت كفها لتطرقها بكفه : اتفقنا.
اجتازا السور ناحية الرمال وبلحظة كانت تلك المعتوهة قد أطلقت ساقيها للريح والغريب أنها تركض بسرعة عالية  لينطلق من خلفها بأقصى سرعته بعد مناورتها المفاجئة.. وبالفعل كان قد اجتازها ببضع خطوات فضرب براحتي كفه على حائط مبنى عند بداية الطريق الذي ركن قبالته سيارته واستدار لاهثا والضحكة تعلو ثغره ..وبلحظة لم يحسبا لها حسابا تعثرت جمانة بإضاءة المقهى الأرضية التي تم غرسها على الرمال لم تستطع رؤيتها لأنها كانت مطفئة ..وبلحظة انكبت على وجهها وسكنت حركتها ليهرع كريم بقلق وخوف جثا بجانبها مناديا وحاول رفعها لتنقلب فجأة على ظهرها وتطلق ضحكات متواصلة مذهولة مما جرى...وضعت ساعدها على عينيها وظلت تضحك على الرغم من قوة ارتطامها وتمزق شفتها السفلى
ظل جاثيا  بركبتيه على الرمال ذاهلا وقد طرقت كلمات جيرين جدران ذاكرته: عليك أن تتزوج بمجنونة كي تتحمل نوبات جنونك...العاقلات لا يناسبنك.

رفعت ساعدها عن عينيها لتراه محدقاً فيها .. محدقاً لا يرمش وصدره مضطرب بعنف فاعتدلت بجلستها وهي تنفض وجهها عن الرمال الملتصقة فيه ثم مسحت شفتها لتفاجئ بالدماء النازفة فقالت بعفوية : حالتي كارثية أليس كذلك؟
- كارثية فقط! تبدين كقطة شريدة ..!
أخرج منديلا من جيبه وطبقه على شفاهها مكان النزيف يمسح الدماء التي سالت فحاولت سحب المنديل منه إلا أنه أزاح كفها : هشش سأنتهي ..
أبعد المنديل ثم نهض مسرعاً : انتظري سأعود .
ثم نهض عن مكانه  وتوجه ناحية المقهى وعاد بعد لحظات وقد اشترى  الماء وبعض المناديل ..
لكنه كان قد اخفى المنديل  الملوث بدمائها في كيس بلاستيكي اشتراه  ثم وضعه في جيب معطفه وعاد ناحيتها ..بلل المناديل وعاد ليمسح أثر الدماء مجدداً وهي جالسة على الرمال أمامه..تنظر له باستغراب اهتمام تتلقاه لأول مرة بحياتها بهذا الشكل..كان اهتمامه رغم بساطته جميل جداً..اهتمام لا مشروط من شخص لا تعرف كيف أقحمه القدر بحياتها بهذا الشكل..ولا تعرف إلام سيؤول المستقبل ..ولم يكن يهمها سوى أن تستمتع بهذه اللحظات القليلة من الاهتمام..أغمضت عينيها باستسلام مخفية أثر دموعها التي لم تسمح لها سابقاً بالمرور من حاجز رموشها .ولن تسمح لها.. شعر كريم باضطرابها فهمس بقلق: هل هل تؤلمك؟ هل يؤلمك شيء!.
فتحت عيناها لتحتضنها عيناه الدافئتين...بدون أدنى جهد منه تبث عيناه موجات جاذبية يصبح الفكاك منها أمر مستحيل .
أغمضت عيناها وهزت رأسها بنفي رداً على سؤال لا يعنيها في شيء.. حدقت فيه مجدداً وقد شعرت بحاجة صارخة للبكاء ..البكاء لأنها سقطت بهذه الحياة الغير منصفة، همهمت بتهكم:
-جمانة لا تتألم بسبب سقطة..هي تتألم دائماً..تتألم منذ سنوات..

صمتت هنيهة وهو أمامها..يستمع لكلماتها القاتلة التي تعرف كيف نطقتها لشاب لم تعرفه إلا قليلاً..لكنه اقتحم حياتها.. شعرت بأنها تعرت فجأة أمامه بأفكارها بالظلم الذي تعرضت له فجعلها بهذه الوحشية ...أردفت كالمغيبة :
-جمانة تتألم من أيام الميتم حيث كان الأطفال يدورون حولها صائحين ضاحكين:
-لقيطة لقيطة ...
كان الأيتام بالنسبة للقطاء يعيشون حياة رفاهية عالية ..يحصلون على الألعاب والثياب الجديدة ..يحظون باهتمام الإعلام والجمعيات الخيرية وحتى المدراء وآنسات الميتم...
أما اللقطاء فكان لهم معاملة خاصة..خاصة جداً.
لأن ابن الزنى ملعون...ملعون مجهول النسب والهوية ...يدفنونه وهو على قيد الحياة ..يهيلون على روحه الآدمية التراب ثم يحاسبون سوء تصرفاته وردات فعله...
تساقطت دموعها ونظراتها ما تزالان جامدتين مثبتتان على عيناه اللتين تأثرتا بشكل واضح..هاله تحولها المفاجئ..هاله هذا الماضي المريع الذي كانت فيه في الوقت الذي كان هو فيه  ينام على وسائد الريش شعر بالخزي من نفسه باحتقارها على ثراءه الذي جعله بعيد كل البعد عما يدور بالخفاء خلف الأبواب المغلقة التي ما همه يوماً كيف يعيش سكانها ..ولأي ألم ينتمون...أردفت جمانة بذات الأسلوب وكأنها تشرح ما تراه عيناها الآن بشكل مباشر:
أخبروني دائماً هناك أنني لاشيء..مجرد جسد قميء هزيل بلا هوية ولا انتماء ..
أخبروني أنني أنتمي للقمامة ..انا ابنة القمامة وابنة الخطيئة ..
هز رأسه رافضاً ورفع ذقنها بكفه فأردفت بقهر:
- والآن...أنت لوثت يديك بهذه القمامة.
نظر بعمق داخل عينيها وقال بقوة:
-جمانة.. إياك والتفكير بهذه الطريقة.إن كانوا وحوشا هذا لا يعني أن عليك أن تتأثري الآن...أنت..جميلة، قوية، القمامة هي تلك النفوس المريضة التي تطلق الأحكام دون وجه حق"
مد أصابعه لينفض بعض حبيبات الرمال الملتصقة بشعرها.. هاله حاجبيها المنعقدين بهذا الشكل ..هاله حالة عدم الأمان التي تعيشها..قال باسما ليريحها من أفكارها السوداء :
- المهم أنني فزت عليك..لن تجارينني مهما فعلت يا قصيرة القامة وطويلة اللسان.
حدقت فيه بنظرة ذابلة : لديك مطلب إذا بعدما طارت إجازة الغد!
همس بشرود مجدداً وهو يمسح دموعها بإبهاميه: - تذكري إذا..أن عندي مطلب وعليك تنفيذه" 
ثم نهض ومد يده لمساعدتها  :
- لا حاجة أنهض لوحدي"
  فحرك كتفيه وبدأ ينفض نفسه وما كادت جمانة تنهض وتخطو خطوتين حتى تعثرت مجدداً  بالإضاءة ذاتها للتتعثر وترتطم على صدره بعنف ليتلقفها بين ذراعيه وهو فاغر شفاهه..أطلق ضحكة رنانة : مجددا... مجدداً جمانة أيتها الحالة الميؤوس منها!!
أغمضت عينيها وعضت شفاهها وقد شعرت بإحراج شديد وغمغمت: برأيي أن أذهب إلى المنزل ..أخاف إن استمررت على هذا النحو أن ينتهي اليوم بكارثة غبية كتصرفاتي!
كادت أن تكمل لكنها قاطعها قائلاً بصدق وقد ارتبك من نظراتها: أتعرفين جمانة ... أنتِ حقيقية.. بكل شيءٍ ببساطتك بعفويتك، باندفاعك لا أعرف لكن... أشعر بالارتياح وأنا برفقتك...أنتِ كبلسمِ الشفاء  تزيلين الكدر عني كل مرةٍ نتواجد فيها سوياً !..
بل أنت أجمل شيء حصل بحياتي ..أجمل وأنظف  وأكثر بنت مجنونة قابلتها حتى اللحظة .
شعرت جمانة بالخطر يقتحم روحها من جديد..
اعتصرت  كفيها بتوتر جراء إطراءه، لربما كان لا يعني شيئاً بكلماته لكنها  شعرت بالحرج ولأول مرة بحياتها ولأنها تيقنت من مشاعره لابنة عمه لم ترغب في التمادي بأحلامها... فهي لن تكون مجرد مخدر مؤقت لأوجاعه...لن تقبلها على نفسها وعليه فالعواقب لن تعجب أحدا..، وكما قال سابقاً لها عن مراد ... هما من عالمين مختلفين تماماً .. طال صمتها فقال مجدداً : جمانة أنت معي !؟

تنبهت له أخيراً لترفع رأسها مجيبة : نعم معك ... لكن " نظرت إلى ساعتها وقالت لتتحاشى نظراته المضطربة كذلك
تأخر الوقت يجب أن أذهب"
- تأخرتِ عن ماذا؟ ألم نتفق أن نذهب لمقهى العم عبد الرحيم..
- علي أن استيقظ باكراً ..
-سأعطيكِ إجازةً غداً إن رغبت.
هزت جمانة رأسها بابتسامةٍ طفيفة وأجابت :
-ألم أخبرك بأني استقلت .

********
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.