Enasmhanna

شارك على مواقع التواصل

دلفت جمانة غرفة نور التي قالت بترحاب: هذه هي غرفتي، اسمعي ستنامين على السرير وأنا على الأريكة" جلست جمانة على السرير بابتسامةٍ هادئة وهي تتأمل معالم غرفة نور ثم أردفت نور وهي تخرج بيجاما من خزانتها: أتمنى أن تكون على مقاسك"
فقالت جمانة  : أشكرك يا نور" ثم أردفت ضاحكة : هنالك فارق طولٍ بيننا لن تناسبني حتماً، لا عليك سأنام بثيابي "
توقفت نور قليلاً تتمتم ضاحكة : معك حق سيكون طويلًا " أرجعت البيجاما لخزانتها وأخرجت فستاناً قطنياً ذو أكمامٍ قصيرة وقالت : هل سيكون مناسبٌ يا ترى بهذا الجو أم اسمعي سآخذ من أليسا..
قفزت جمانة من على السرير : لا لا مهلاً... تعالي لا أريد سأنام بملابسي لا عليك سأتدبر أمري ذاتا أنا أرتدي ملابس مريحة ..
-سأضعه هنا على كل حال  وجهاز التدفئة بداخل الفيلا لا ينطفئ لذلك لن تشعري بالبرد "
ثم جلست نور على السرير  بابتسامة واسعة :  أنا اليوم أشعر بسعادةٍ كبيرة من كان يتوقع أن تكوني على قيد الحياة،  سبحان الله !
تنهدت جمانة قائلةً بألم : فعلاً من كان يتوقع أن تظهر عائلتي بعد هذه السنوات !
قالت نور بفرح:
-نظرات آدم طيلة الأعوام السابقة كانت بواد والآن...الآن أصبحت بواد آخر..بتلك الساعات القليلة التي جلسنا فيها بإشراقة وجهه تعادل جميع ما عشناه...
فعلاً يا جمانة...السعادة الحق لا تظهر إلا بوجود عائلة تحبك .
ارتجفت شفاه جمانة ودمعت عيناها لتعض نور على شفاهها بتحرج فالله يعلم ما عاشته تلك الفتاة في الميتم وبعده...
طرق الباب ودخلت عبير غرفة ابنتها وهي تحمل بيدها قطعة ثياب وحدثت جمانة: توقعت أنك لن تجدي شيئاً يلائم نعومة جسدك..لذلك جلبت بك إحدى أثواب نور عندما كانت مراهقة..إنه طفولي قليلا لكنه يفي بالغرض حتى الغد...إنه نظيف.
-يا للحرج! نطقتها جمانة على استحياء فضحك عبير وسلمته إياها .
-لا أصدق أمي ألا زلت تحتفظين بأثوابي!
أومأت عبير لنور لتخرج قليلاً. فانصاعت لمطلبها وخرجت فجلست عبير على السرير أمام جمانة واحتضنت وجهها بكفيها: ماشاءالله...لا أصدق عيناي..قالوا أنك كنت بالحفل كيف لم أنتبه على وجودك!  وقبلها كنت بحفل زواج مراد ! 

كان مراد قد صعد لغرفته ليال قسطاً من الراحة فتوقف  بجانب الباب حينما رآها...حينما رأى جمانة في مكانها الحقيقي بين ذراعي والدته...مع عائلته صارت أقرب إليه من حبل الوريد وضع كفه على صدره الذي صار ينبض بكريقة هستيرية متزامناً مع كلمات والدته:
-أنت ..أنت فعلا نسخة عنها بل نسخة أجمل !
ضحكت جمانة وقد تلبدت الدموع في عيناهما سويا فمسحت عبير دموع ابنة شقيقتها رافضة: -لا ...لا دموع بعد اليوم..من اليوم ستنادينني ماما يا جمانة .
ازدهرت نظرات جمانة الكسيرة  وتمتمت: ماما! 
أنا...أنا لم ألفظ هذه الكلمة ابدا...
قبلت عبير جبهتها : والآن لن أرضى إلا أن تناديني ماما يا صغيرتي..كان عندي بنتين والآن أصبحتن ثلاثة..
فأخذتها عبير لصدرها تخفي عنها دموعها التي سالت واستكانت نظرات مراد عليهما بتعاطف قبل أن يستكمل طريقه إلى غرفته القابعة بجانب غرفة شقيقته نور...

****
أقبلت خيوط االشمس المحملة بحبيبات ندى الصباح، تمطى مراد قليلاً في فراشه قبل أن يعتدل بتكاسلٍ، تطلع على الساعة التي لم تتجاوز عقاربها السادسة صباحاً، مسح وجهه بيديه وقرر أن ينهض وقد اكفى بقدرٍ ضئيلٍ جداً من النوم بعد تلك الأحداث المتلاحقة التي شهدها ليلة أمس ولم يستطع فيها النوم ظل ساهداً .. قلقاً...يفكر بالمستقبل كيف سيكون وكيف سيكون تعامله معها من الآن وصاعداً بل والأهم من ذلك كيف سيتقبل كونها ستبقى أمام ناظريه دون أن يتنبه أحدٌ على مشاعره التي حاول إخمادها تجاه تلك الجنية ولم يقدر! طيلة أشهر... حانت منه التفاتةٌ على إليسا الراقدة على السرير وتبسم بحنوٍ كبير فعلاً ما تزال صغيرةً جداً كطفلةٍ فعلياً تكون وهي نائمة وما تزال مصرةً على احتضان دباديبها المحشوة ! وتنهد برأسٍ يكاد صداع التفكير يفتك به خرج ناحية الشرفة وهو يأخذ نفساً عميقاً ليملئ رئتيه بعبق نسيمات الصباح الندية هو يحبها بل ومتأكدٌ من ذلك... يعشق إليسا!! لكن لِمَ يخونها ؟ لمَ يسمحُ لنفسه في كل مرةٍ بالانغماس في الضلالةِ وزوجته تحمل الآن بأحشائها مولوده الأول...ماذا يريد بعد!  سيصبح أباً أخيراً، بضع أشهرٍ فقط وسيتزين منزلهم بطفلهما ألا يجب إذن عليه أن يكف عن تصرفاته ! وأن يعيش حياة استقرارٍ وهناء ..لكن تلك الجمانة.. أسرته منذ الوهلة الأولى كذلك ! ومن حينها لم يعد ليفكر بالنساء بل وكأن تلك الجنية بسحرها قامت بمسح جميع النساء من قاموسه ماعدا زوجته بتركيبة عجائبية استطاع قلبه أن يتسع لاثنتين! ! هو يؤمن في قرارة نفسه أنها قومت سلوكه.. بل وزرعت بداخل قلبه بذرةً نقية غريبة الفهم على نفسه .. جال ببصره بأرجاء الحديقة ليفاجأ بذلك الجسد الضئيل الذي يجلس أسفل شجرة التفاح ! دقق النظر أكثر ليتبسم وهو لا يستطيع أن يشيح ببصره عنها..إنها هي! جمانة..لكن ما الءي تفعله بهذا الجو البارد ! تسائل بقلق قبل أن يأخذ وشاحا صوفيا كانت إليسا قد ألقته على الأريكة قبل أن تنام ..حمله واندفع كالمغيب ناحية المطبخ  وأعد كوبين من النسكافيه الساخن وخرج إلى الحديقة الخلفية تقدم منها بهدوء منها...كانت تضم ساقيها إلى صدرها وهي تستند على جذع الشجرة وشعرها مشعث قليلاً ..بدت ضئيلة جداً تلعب بإحدى أوراق الشجر اليابسة ...ترتدي ثوباً تذكره ما إن رآه .. ثوباً  طفوليا بحتا يخص شقيقته ذا لون أزرق يشابه لون السماء ...وجورب صوفي طويل  وصل حتى ركبتيها ...
صباح الخير" قالها بابتسامةٍ صافية فرفعت وجهها بتفاجؤ لترى مراد الذي مد يده بكوب النسكافيه فتبسمت قائلةً بهدوء : صباح النور" ثم تساءلت بعد أن التقطت الكوب من بين أصابعه : -ما أدراك بأني أفضله بالحليب؟."
اقترب منها وهو يضع الوشاح على كتفيها ثم
جلس قبالتها : أعرف أنك لا تحبين نكهة النسكافيه اللاذعة ..بل ترغبين بكل شيء حلو المذاق "

ثم احنى جذعه قليلاً تجاهها مردفاً: وأستطيع أن أخبرك بتفاصيل كل مشروبٍ وكيف تفضلينه" انشغلت عنه بتذوق النسكافيه فسأل : لمَ استيقظتِ باكراً ؟
ضحكت مجيبة بتهكم : فراش نور ناعمٌ وطريٌ زيادةً عن اللزوم..لم يناسبني"

وعلى الرغم من بساطة ما تفوهت فيه من كلمات إلا أنها اخترقت روحه... ما الذي فعلته بك الحياة يا جمانة! إلى أي حالٍ وصل بك الفقر لتقولي مثل هذا الكلام ! كان حاجباه معقودان وهو يجاهد صراعاً كبيراً يراوده ليأخذها بين ذراعيه بهذه اللحظة ولتحترق الدنيا بعدها ! أخذت نفساً عميقاً واغتالت أحلامه بسؤالها : لما استيقظت باكراً أيضاً..وما أدراك أني هنا ؟

تنحنح قائلاً بحرج وهو يحك أسفل شعره: لم أستطع النوم ...وحين نهضت ..رأيتك من شرفة غرفتي" ثم أشار بإصبعه ناحية الشرفة قائلاً : هاك هي "تطلعت لما يشير واكتفت بابتسامةٍ طفيفة..ثم قالت  وهي تحدق فيه: هل تعرف والدتي يا مراد ؟ ظل لثوانٍ حتى استوعب ما تفوهت فيه ليقول بصدق :  لا أعرفها فقد كنا بغير دولة مسافرين وبعد الخادث...آثرت والدتي الاستقرار هنا "
أومأت له بتفهم ثم ابتسم قائلاً ليزيح مسحة الحزن التي ارتسمت على ملامحها :
لكن ما أعرفه من حديث والدتي عنها أنها كانت امرأةٌ عظيمة والداكِ يا جمانة تزوجا بظروفٍ استثنائيةٍ جداً..وصعبة تحملت والدتك الكثير لأجل عابد وهو كذلك " تعلقت عينيها عليه ببريقٍ آسر جمده فقالت بلهفةٍ وهي تستدير لتصير قبالته تماماً تكاد ركبتاها أن تلتصقا بركبتيه : احكِ لي عنها " أخذ نفساً عميقاً قائلاً بارتباك وهو يهز رأسه بنفي: لا أستطيع إفادتك أنا بذلك كثيراً فمعلوماتي محدودة والدتي وسيد عابد هما من سيحكيا لكِ .

هزت رأسها موافقةً وظلا صامتين بعدها منشغلين بكوبيهما...كان مراد يخشى إن تكلم أن يتفوه لسانه الأحمق بكلمةٍ تورطه أكثر وهو لا يريد أن يتورط على الأقل حالياً وجمانة أضحت .... بعالمٍ آخير كلياً كانت عند والدتها.. ترسم معالمها، وتتلهف لاستيقاظ عابد وآدم، فلم ترتو منهما بعد تريد فقط أن ترتمي بين ذراعي والدها أن تشتم عبيره الذاكي، عبير الدفئ والحنان والحماية الذين افتقدتهما طويلاً جداً.

نهضت فجأةً من أمامه وقد أدركت نظراته السارحة فيها : إلى أين؟"
سألها فأجابت باسمة:  لا أعلم صدقاً, لكن ... أريد الإنشغال بأي شيْ لحين استيقاظ والدي وآدم"

ضحك وقد شعر بمدى لهفتها ثم اقترح : ما رأيك إذن أن نذهب لإحضار حقيبة ملابسك لحين استيقاظ الجميع"
ملابسي! تطلعت فيه مفكرة ثم أجابت بتلعثم: أنا .. لا أعرف حقاً"
ثم صمتت صمتت خجلاً من جلب تلك الملابس البالية التي لا تناسب حتماً هذا المكان الساحر الذي لم تره إلا من خلال شاشة تلفازها العتيق..

- لن أقدر الآن..سأذهب لاحقاً، عن إذنك... وشكراً لكل شيء فعلته من اجلي "
و مشت من أمامه ليتبسم ابتسامةً دافئة ..

******

وتعاقبت بضع ساعاتٍ استطاعت فيهم جمانة أن تغفو قليلاً بعدما نال منها الإرهاق مبتغاه طرقاتٍ خفيفةٍ على الباب تنبهت عليها نور لتنهض من على الأريكة بتكاسلٍ بينما دلفت والدتها وهي تتطلع بجمانة : ما زالت نائمة! 
ثم أردفت مخاطبةً نور: هيا  غيري ملابسك وتوجهي للصالة لحين أن يجهز الفطور فقد حضر عابد وآدم كذلك" أومأت لها نور بابتسامةٍ واسعة وهمت بالذهاب إلى الحمام بينما تطلعت عبير بجمانة النائمة بابتسامةٍ حانية وخرجت "

هبطت نور درجات السلم بينما يجلس الجميع مجتمعين في الصالة فتسائل عابد بلهفة: ألم توقظيها؟ تبسمت نور قائلةً : حاضر يا عمي سأذهب حالاً " لكن آدم نهض قائلاً بهلفة : بل أنا من سيوقظها.. عن إذنكم وسار بسرعةٍ ليصعد درجات السلم وسط ابتسامات الجميع الظاهرة وكان قلبه هذه المرة من يتصرف إحساس الأخوة التي دفعته دفعاً إليها.

كانت مستغرقةً في نومٍ عميق دفع الباب بهدوءٍ ودلف ناحيتها لينحني على الأرض بجانب السرير وصار يمسح على شعرها القصير..عصفت بذاكرة طفولته  تلك الرضيعة هو بالكاد يتذكر خيالاتٍ عنها وعن ماضيه مع عائلته.. ترقرقت عينيه بدموعٍ ندية ولم يستطيع الاستيعاب بعد أنه وخلال بضع أيامٍ فقط قلبت حياته مئةٌ وثمانون درجة،والده وشقيقته كانوا أمواتاً طيلة سنوات والآن وكأنهم بُعِثوا من جديد !
كانت نور تراقبه من خلف الباب دون أن تصدر صوتاً وهو جالس القرفصاء على الأرض أمام السرير على وهي كذلك تشعر بإحساسه, تنبهت عليه وهو يقوم بمسح دمعةٍ خانته ونزلت على خديه تراجعت أكثر خلف الباب فلن تستطيه إظهار نفسها..عرفت أن الرجال لا يبكون إلا لشيءٍ عظيم يكونون حينها بأضعف لحظاتهم وهي لا تريد أن تظهر أمامه بلحظة ضعف حتى ولو كان السبب مفرحاً هذه المرة !

أحست جمانة عليه لتفتح عيناها ثوانٍ حتى استوعبت وجوده لتنفرج شفتيها عن ابتسامةٍ عذبة ألقى عليها تحية الصباح وابتعد مفسحا المجال لكي تعتدل
- هيا الجميع بانتظارك بالأسفل..سأسبقك تجهزي وانزلي..
أومأت له جمانة ونهضت من على السرير لترى ثوباً آخر من أثواب نور القديمة الطفولية التي ارتدهم وهي لا تتجاوز الثلاثة عشر عاماً ربما..ذو ألوان زاهية بين الوردي الأزرق وله شريطة عريضة على خصره فضحكت وانتشلته وهي تتمتم: يبدو أنني سأعود طفلة من جديد في هذا المنزل! يا إلهي ما هذا الإحراج!

خرجت من الغرفة بعدما تجهزت   لتهبط درجات السلم فقابلتها تلك الصغيرة عسل ووقفت تحدق فيها بابتسامة واسعة وسألتها:
-من أنت أيتها الجميلة؟
تقدمت منها جمانة حتى أصبحت قبالتها وتأملتها وهي ترتدي ثوباً  قريباً  من ثوبها وتضع شرائط ملونة على شعرها فسألتها مازحة :
- أخبريني أنت أولا...من تكونين؟
- أنا شقيقة نور.
انحنت جمانة تجاهها باسمة؛
-وانا شقيقة آدم ..
-آدم! أنام واستيقظ فأرى أن عند آدم شقيقة صبية؟!
تعالت ضحكات جمانة بعفوية  ليقاطعهما صوت مراد. الذي خرج من غرفته فاعتدلت جمانة بوقفتها لتشعر بعيناه تلتهمان كل تفصيل فيها ..فما أمامه الآن شابة عادت على أقل تقدير سبع سنوات إلى الوراء ..فتاة في أبهى مراحل المراهقة ..وربما الطفولة، تقدم منها مازحاً: لاق بك كثيراً..
فهمست جمانة بحرج: أبدو كحمقاء به لا تنكر"
فرج شفاهه لينطق لكن أليسا خرجت من الغرفة ليغلق شفاهه ويكمل طريقه للأسفل أما أليسا تقدمت من جمانة وحيتها بإيمائة بسيطة واندفعت تنزل درجات السلم..

ومرت ساعات النهار بسرعةٍ كبيرة حيث توجه كلٌ منهم إلى أشغاله انطلق رضوان وعبير ناحية إحدى المعارض لتجهيز غرفةٍ لجمانة بينما آدم ذهب برفقة شقيقته لجلب أمتعتها أما نور فقامت بمساعدة الخادمة ولأول مرةٍ تفعلها في تنظيف إحدى الغرف الفارغة وتجهيزها لحين وصول الأثاث كان الكل بحالة بهجة في ذلك اليوم وكأن الشمس  لأول مرةٍ تشرق لتنير قلوب تلك العائلة .

تأمل آدم ذلك المنزل المتهالك الذي تعيش فيه جمانة فشعر بوخزٍ عميقٍ داخل صدره وهو يتخيل مقدار الألم والفقر الذي عانت منه ولم تكن آلامه على مر السنوات شيئاً يذكر أمامها على الأقل كان هو بكنف عائلةٍ تحبه يحيا حياةً رغيدة !.

بعد مدة من الزمن أنهت لملمة متعلقاتها المتواضعة وخرجت إليه لتودع جمانة ذلك المنزل وما يحمله من ماضٍ مضنٍ نحو حياةٍ جديدة.

********

وخيم الليل بنفحات الطمأنينة التي ظللت قلوب العائلة كاانت جلسةً على الأريكة بالقرب من والدها وآدم في شقة آدم ورأت صور والدتها لأول مرة كانت فعلاً تشبهها جداً ذات العينين وتفاصيل الوجه لكن باختلافٍ في الطول والجسد والشعر ...كان شعر والدتها طويل جداً..ناعم جدا..جميل جدا..
وغاصت تلك الأسرة في ذكرياتٍ بعيدة... لمس عابد إحدى الصور بأصابعه وقال بخفوت: وهذه... حينما كانت حاملاً بك يا جمانة"
ندت عينا جمانة بدموع فرحٍ وعابد يتحدث كان يروي لهما قصة حبٍ لا تتحقق سوى بالأفلام, لكن ما بجعبته من ذكريات حتماً لا تكفيها جلسةٌ واحدة

تنحنح مراد من خلف الباب قبل أن يناديه عابد : تفضل بني" دلف بهدوء وخلفه نور بابتسامةٍ صافيةٍ

-جهزت غرفتك يا جمانة.. بإمكانك رؤيتها: قالها مراد وهو يرتكز بنظراته عليها لتومئ له شاكرة: -شكراً عذبتكم معي

_على العكس, هذا أقل ما يمكننا فعله" قالها بابتسامةٍ فقال عابد: إنها فترةٌ مبدئية لحين أن نجد منزلاً لنستقر فيه

توقف مراد رافعاً حاجبيه دهشةً : لا أظن أن والدتي ستقبل بهذا الأمر...الموضوع منته بالنشبة إليها "
قالها منهيا النقاش فربت عابد على كافه:
-كيف لجمانة أن تنام بمنزلكم يا بني كي تتصرف بحرية دون قيود، وكي نكون جميعاً سوياً كذلك "

هز مراد رأسه متفهماً وقد فهم مقصد عابد الذي يتكلم برزانة فبوجوده طبعاً لن تتصرف بأريحية..وهو...هو في قرارة نفسه لن يكون مرتاحاً وجمانة قبالته..تفصل بينهما غرفة واحدة فقط...ستكون أمامه صباحا.. مساءً! أي جحيم سيعيشه..أي قوة جبارة سيمتلكها للابتعاد عنها وهي سترافقه من الآن فصاعدا تفاصيل حياته بأكمله..
تنبه على صوت الكاميرا التي انهمكت نور في تصويرها...بل تصويرهم جميعاً ثم جلست
جلست  بجانب جمانة تشاركها رؤية صور والدتها و تلاقت نظرات نور بآدم  مصادفة لتتبسم بخجل وتشيح ببصرها مجدداً  عنه بصور رغد، وقالت لمراد وهي ترفع حاجبيها تعال انظر: بهذه الصورة تشبهها كثيراً !"
تقدم منهما بهدوء بيما آدم غرق بعيني نور العلسليتين الصافيتين.. شعر بأنه في الفترة الماضية شُغِل عنها كثيراً،. بل كثيراً جداً.

تنبه عابد على نظرات ابنه ليأخذ نفساً عميقاً قبل أن يقول : تعال يا آدم أريد أن أحادثك "
نهض عابد و آدم متوجهين ناحية الشرفة فتقدم  مراد ليجلس بجانب جمانة ليرى الصور  تبسم  وهو يطالع هذه المرة الدموع الندية التي تتلئلئ في مقلتي جمانة وقد انفصلت عن الواقع تماماً  عقد حاجبيه ثم قال هامساً يحادث نور : خذيها إلى الغرفة لتراها"
هزت نور رأسها وهي تحث جمانة على النهوض فنهضت تلك الأخيرة وهي تحتضن الألبوم بكلتا يديها وهبطتا السلم أما مراد  فصعد درجات السلم ناحية السطح.. توقف أمام السور وهو يحرر أول زرين من قميصه أشعل سيجاره وصار يدخن بشراهةٍ غير مسبوقة..كان يشعر باختناقٍ رهيب كيف سيتحمل ذلك الأمر، ليس بالأمر الهين أبداً بالنسبة له تواجدهما بنفس المكان وأمام ناظريه. أغمض عينيه بألمٍ وهو يسحب نفساً قوياً من سيجاره كان عابد محقٌ فعلاً يجب على أحدهما الابتعاد كي يحميها من نظراته..كي يحميها من نفسه من تصور أعمى قد يقدم عليه بلحظة ضعف وهو بالكاد جسور علاقته مع إليسا.. لكن كيف وهو كاد أن يحترق طيلة الشهرين الذين غابت فيهما عن ناظريه!
بينما بالأسفل ربت عابد على فخذ آدم وهو يقول له : أظنه قد حان الوقت يا بني"
تصنع آدم عدم الفهم ليقول : على ماذا؟

تبسم عابد مجيباً : سأخطبها لك يا آدم، سأحادث رضوان بشأنكما قريباً جداً " انفرجت أسارير آدم وحاول وآد مشاعره كيلا تفضحه قائلاً برصانةً خرجت واهيةً جداً :لكن الوقت غير مناسب لتلك الخطوة..ما زلت لم أستقر بالعمل يا أبي "
شرد عابد بارتباك ابنه لكنه احنى جذعه ناحية آدم قائلاً بابتسامة: ضربات قلبك تثبت العكس هذه اللحظة أيها المهندس إن كانت أساساتك متينة فلا تؤجل البناء "
لم يستطع هذه المرة إخفاء ابتسامته فاستدار وهو يحك أرنبة أنفه : الأساسات فولاذية.. مترسخة"

إذن على بركة الله"

*************
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.