Enasmhanna

شارك على مواقع التواصل

كان مراد قد وصل لتوه ليراهما على هذه الحالة، بعدما أغلق كريم بوجهه خط الهاتف حينما أخبره بأنه استطاع المجيء لاستلام الفستان ليقوم كريم بتجهيزه.. تطلع كريم بها مشدوها غير مصدقٌ أن جمانة التي اختفت لشهرين عن مراد هاهي بهذه اللحظة بين يديه ! بينما تطلعت هي بصدمة بمراد الذي جمد بمكانه وكريم ما يزال ممسكاً بقلادتها بكف والكف الأخرى تلامس ذقنها، خرست أفواه الثلاثة ليعم الصمت المهيب المكان، بلحظةٍ تمالكت جمانة نفسها وتنبهت لالتصاق كريم الشديد بها بل وملامسته لوجهها بهذا الشكل فدفعته بكف يدها ليرتد إلى الوراء جالساً على الأرض بينما هتفت به بارتباك : ماهذه الوقاحة !

وقفت بمكانها مستعدة للهرب بينما تقدم منها مراد وقد أعمي بصره عن كل من حوله، بلحظةٍ كان قبالتها مباشرة، بل وكأنه رأى شياطين الأرض أمامه قد اجتمعت، هي بهذا الفستان على الأرض وأمامها كريم! كريم! ما هذا بحق الجحيم أي كابوسٍ لعينٍ هذ؟! تمسك بذراعها بعنف دون أن ينبس بكلمة وجرها ورائه ليصعدا درج المتجر للطابق الثاني.. وعينيه قد استحالتا لجحيم مشتعل،صرخت به محاولةً أن تحرر ساعدها من قبضته ليصرخ بصوتٍ جلجل جدران المكان: ابتلعي لسانك" فهتفت بلعثمة وهي تحاول السيطرة على خطواتها: مراد الفستان طويل سأتعثر، أيها الغبي" استدار ناحيتها فوراً لترتطم بصدره فانحنى ورماها على كتفه وأكمل خطواته التي تضرب الأرض وكأنه سيسحق البلاط تحت وطئ قدميه.

تدارك كريم نفسه ووقف متنبهاً لنظرات الزبائن والموظفين الذاهلين حوله لأن ابن عمه المجذوب قد  حمل الفتاة كشوال الأرز!  تنحنح بارتباكٍ وخطى صاعدًا ورائهما...
رماها مراد على الكرسي الجلدي وضرب الباب خلفه وقد تعالى صياح الشياطين خلفه ومن حوله.. تطلعت بعينيه برعبٍ جلي .. توقفت أمامه محاولة استجماع قوة تظنها ستظهر حتماً ، تعالت وتيرة أنفاسه، كان يريد فقط إطفاء لهيب صدره المتوقد جراء اختفائها، لا بل يريد أن تنالها حرائق صدره، لتلتاع كما لوعته طيلة شهرين كاملين، صفعها بعنف لتشهق بصدمة بعيون تحجرت الدموع فيها ابعدته بعنف لتغادر عنها لكنه أخذها بين ذراعيه، شدها بقوة إلى صدره وهو يشتمها ساخطاً...اعتصرها بين زراعيه وأردف بضعف: يا مجنونة، بحثت عنكِ بكل مكان.

انكمشت على نفسها وهو يشد بذراعيه على جسدها حتى كاد تنفسها أن ينقطع، قالت بلعثمة وبحروف بالكاد خرجت: ابتعد..س... سأختنق !
لكنه لم يستمع لكلماتها، لم يفهم ما تنطقه تلك الجنية القصيرة، كان بعالمٍ آخر تماما ً وكأنه حظي بكنز ثمين طال بحثه عنه ..ولم يشعر إلا على قبضة عنيفة تعيده إلى الواقع مجدداً، ضغط كريم على ساعده قائلا بحدة :
- اتركها يا مراد..هل جننت! .

عاد إلى رشده أخيراً وابتعد عنها مجبراً بينما احتقنت عينيها بدموع ألمٍ وغضب ونقلت بصرها بينهما بتفاجئ وغنغمت : أنتما متفقان إذن !؟
وأردفت بحدة وهي تخاطب مراد : إن تعرضتما لي مجددًا أقسم بالله العظيم أني سأقدم بلاغاً لرجال الشرطة "
صرخت بهما بصوت هادر ثم رفعت الفستان بكفيها وركضت خارجة من الباب لتهبط درجات السلم حتى خرجت إلى الشارع، حاول مراد اللحاق بها فأوقفه كريم قائلًا بثبات:
- لن تتجاوب معك، سأعيدها لا تقلق"
أومئ له مراد برجاء: لا تجعلها تضيع مني مجدداً ...
فأسرع كريم الخطى راكضًا ورائها، كانت قد وصلت ناحية الشارع المقابل، قطع المسافة بسرعة وشدها من ساعدها قائلاً :
-قفي لحظة، هنالك سوء فهم بالموضوع.

حاولت أن تتملص من قبضة يده وصرخت به: -الموضوع واضحٌ جدًا أيها المحترم .
ضيق كريم عينيه قائلاً بثبات وهو يجذبها ناحيته بعيداً عن السيارات: أنا أخبرتك أن هنالك سوء فهم، كوني عاقلة كي أشرح لك، لا يصح بأن تسيري بهذا الفستان ليلاً خصوصاً وأنت بهذه الحالة !

حدقت به وكأنه قام بامتصاص الغضب من داخلها، هزت رأسها موافقة بخضوعٍ تام ليقوم برفع كفها ليقبض عليها كيلا تباغته بحركة مجنونة وتهرب...فقال بوقار : جيد جداً
، تفضلي الآن لأشرح لك الموقف كاملاً .
انصاعت له وعادت برفقته إلى المتجر ليهب مراد بحنق عندما وجده يقبض على كفها.  كاد أن ينطق لكن جمانة اخرسته بمقولتها لكريم : -سأتحدث معك شريطة ان يخرج هذا الكائن من هنا.
- انتقي ألفاظك يا وقحة ! قالها مراد حانقاً لتزداد ابتسامة كريم وهو يخاطبه:
حسنا أيها الكائن اخرج وسأناديك لاحقاً"
غمز له كريم دون أن تتنبه عليهما جمانة ليجز مراد على أسنانه بغيظٍ ويستدير ناحية البوابة ويخرج ليقف خارجاً فجلست جمانة على الكرسي أمام كريم تنتظره أن يتكلم .

تبسم بلطافة ثم قال هامساً: الزبائن تحدق بنا" لنصعد إلى المكتب كي نتحدث بهدوء" جالت ببصرها قليلاً تطالع وجوه النساء الفضولية ثم نهضت لتتبعه على مضض ليصعدا السلم للطابق الثاني، جلست على الكرسي الجلدي فقام بإغلاق الباب ثم تقدم منها وهو يضع يديه بجيبي بنطاله، تعانقت نظراتهما لوهلة فتبسم قائلا :
-إذن أنت هي السندريلا الهاربة !
-سيد كريم لو سمحت "
-حسنا آسف، لكن يا جمانة لا افهم حقا، كيف لي أن اتفق معه وأنت من قدمت للعمل عندي ولا اعرفك سابقا حتى !.
أطرقت رأسها أرضا وهي تهز قدميها بعصبية فأردف بذات الأسلوب وهو يجلس على الكرسي مواجهاً لها :
-وثانياً وآسف يعني لأقولها؛ ألم تنتبهي إلى اسم العائلة ؟ رفعت رأسها ناحيته ليقول وقد مال بجذعه ناحيتها: كريم المنصور ...مراد المنصور ! أنا ابن عمه أيتها الجميلة وجاء الليلة لاستلام الفستان لحفل شقيقته فرآك مصادفة، هذا هو الموضوع فقط " شهقت جمانة بصدمة ليردف ساخراً : ألم تقرأي بطاقة واحدة من عشرات بطاقات المتجر التي على مكتبي والتي تحمل اسمي!؟
هزت رأسها وتمتمت بسخط :البشر يهرولون هاربين من المشاكل وأنا أعشق الركض لأقع فيها، وكأنني عاشقة بالفطرة لها، مجرد فتاة ٍغبية !

قهقه كريم مرجعاً بجذعه للخلف مجيباً : بل أنت طيبة جدًا جمانة، وما أراه فتاة رقيقة ترتدي ثوباً لا يليق بها البتة، تتخفين بقناع الفتاة المسترجلة لتستطيعي التعايش مع البشر .
ضيقت عينيها واجابت : ومن طلب منك دراسةً لشخصيتي !

نهض من مكانه والتف حول المكتب ليصب لها كأساً من الماء وقدمه لها فتناولته وتجرعته دفعةً واحدة لشدة عطشها ثم أردف : أتعلمين، مراد بحث عنك طويلاً، لقد قلبت كيانه وبسببك ساءت علاقته بزوجته"

اتسعت عيناها فنهضت وضربت بكفيها على الطاولة وهتفت بحنق: لا دخل لي بمشاكله، أنا هربت من ملاحقته وإزعاجه الدائم لي. أفهمته أن كلانا من عالمٍ مختلف، لا اناسبه..  لكنه لا يفهم.

احنى بجذعه على الطاولة حتى صار بمستوى بصرها وقال باسماً: لربما تطلعتِ فيه ذات النظرات التي تحديقنها بي هذه اللحظة حتى أضحى أسيراً لعينيكِ" رمشت بعينيها كالمخابيل أمامه كمن صعقها بكلماته.. فقال وهو يعتدل بوقفته ويشيح ببصره نحو الواجهة الزجاجية ليتدارك تلك الحماقة التي خرجت منه : على كل حال أنتما فعلاً لا تناسبان بعضكما، وطبعاً أنا لا أقصد إهانتك بكلماتي، إنه متزوج حديثاً، وزوجته تحبه.

اخذت نفساً عميقاً تملئ به رئتيها ثم قالت بثبات: -أعرف ذلك و لست مفتونة بجمال أمه بل أريده أن يتركني وشأني فقط"

فقال مراد من خلفهما وقد دفع الباب وتقدم ناحيتها : أنت مخطئة..بعد الآن لن أستطيع التغافل عن وجودك بحياتي..حتى ولو لم تكوني لي بالمعنى الحرفي لكني لن أسمح لكِ بالهرب مجدداً"

استدارت ناحيته فأردف بذات الثبات: لن أستطيع التغافل عن وجودك بحياتي بعد الآن مهما حاولت.

تقدمت منه بإصرار وهتفت: أخبرتك أننا ننظر باتجاهين مختلفين أيها السيد" مد يديه ليسحب القلادة من عنقها ليقرب وجهها منه وهو يطالعها بعينيه العاشقتين وأجاب : طبعاً لأننا ننظر إلى بعضنا"

سحبت القلادة من بين يديه محتضنةً إياها بكفيها وتسائلت بحنق: وما بالكم مع قلادتي بحق الله أيها القوم!؟
تعانقت نظراته بنظرات كريم فقال الأخير من ورائها: هذا موضوعٌ آخر سنتحدث فيه لاحقاً حتماً"

استدارت ناحية كريم الذي أردف مجدداً: وأظنك بهذا الموضوع تحديداً ستكونين راضيةً جداً" نظرت له باستغراب فتطلع كريم إلى ساعة يده وقال لإنهاء الحديث: تأخر الوقت الآن علي إقفال المتجر سنتحدث لاحقاً.. لكن رجاء يا جمانة لا تختفي كالمرة السابقة اتفقنا"

هزت رأسها باستسلام وتجاوزت مراد دون أن تضيف كلمة لتهبط درجات السلم ..تطلع مراد بكريم نظراتٍ ذات معنى فهز كريم رأسه موافقاً وخرج ورائها.. استبدلت جمانة ملابسها وخرجت من المتجر ليلحق بها كريم دون معرفتها بذلك,توقفت أمام الموقف على الشارع المقابل للمتجر اوقفت ميكروباص وصعدته، فاستقل سيارته وقاد ورائها حتى ترجلت ودخلت بإحدى الازقة القديمة، ترجل من سيارته وسار ورائها حتى دلفت لإحدى العمارات القديمة المتهالكة، انقبض صدره بعنف على الفرق الشاسع بين معيشتها ومعيشتهم، صعدت للطابق الثاني ودلفت إلى منزلها، راقبها بعينيه وتمتم بانبهار وتعجب : فعلًا كما قال؛ أنثى من نوعٍ آخر !
صباح اليوم التالي كانت جمانة قد حضرت فعلاً إلى المتجر لتقوم بعملها كما طلب كريم منها، اتفق مع مراد لاصطحابها إلى الفيلا كي يقوما بتلك الخطوة لتتعرف إلى شقيقها ووالدها..فلا ظاع للتأجيل كيلا تتصرف إحدى تصرفاتها الحمقاء
مساءً وحينما شرعت الموظفات بالمغادرة، ناداها على مكتبه فاتجهت إليه، تطلع فيها قائلاً بجدية: -كنت تريدين معرفة ما سر تعلقنا بقلادتك أليس كذلك يا جمانة؟
هزت راسها موافقة وأجابت: طبعا، أريد أن أعرف"
ازدادت ابتسامته ليقول وهو يمد لها بفستان ناعم :إذن ارتدي هذا الفستان لأنك سترافقينني إلى حفل ميلاد ابنة عمي"
-نعم.! أنا اذهب !! ولما سأرافقك ؟
حك أرنبة انفه قائلاً بلهفة جلية : ستعرفين السبب هناك، وصدقيني هذا لمصلحتك اولًا وآخراً .
-لم أعد أفهم شيئا!
تنهد مجيبا وهو يضع الفستان بين يديها : ستفهمين كل شيء هناك لكن اولا يجب أن نذهب إلى الحفل
.
هزت رأسها موافقة بتردد ثم هبطت درجات السلم ودخلت لحجرى تبديل الملابس لترتدي الفستان، كان فستانا أسود..ضيق بسيط التصميم يصل لركبتيها.. تطلعت بنفسها في المرآة وتبسمت..بدت متناسقة بشكل ملفت رغم بساطتها..بشعرها الأسود وكحلها الأسود الذي تطابق مع لون عينيها الواسعتين وأهدابها الكثيفة.. لا تذكر انها ارتدت فساتين سوى بحفل زواج مراد والآن بحفل شقيقته، شردت بالمرآة وهي تتسائل بعدم فهم: ما السر وراء هذه العائلة والتي يصر القدر على إقحامها بحياتي!

تنحنح كريم خلف الستار متسائلا: هل انتهيت جمانة؟
تنبهت لتأخرها بالداخل فسحبت الستار وخرجت، كان مديراً ظهره للستار يدخن ولا ينكر انه أحس بنوع من الفرح وكانه يشاهد بعينيه نهاية فيلم شيق...
شعر بخطواتها تقترب ليستدير متطلعا بها...لهذا التناغم العجيب الذي يلفت العين و يقتحم القلب بلا استئذان  لترتسم ابتسامة هادئة على شفاهه، لكن ابتسامتة ازدادت حينما قال: والان يا سندريلا ستنتقين إحدى هذه الأحذية،
فتطلعت إلى تلك الاحذية المرصوصة بجانب بعضها البعض

أطرقت براسها إلى الأرض وقالت بخفوت: لكني اخبرتك أني لن استطيع انتعال الكعب العالي"
-جميعهم قليل الارتفاع وسأسندك كيلا تتعثرين لا عليك "
أومات موافقة وانصاعت له لتنتقي واحدا وتنتعله ليخرجا من باب المتجر، انتظرت حتى قام بإغلاقه ليتوجها ناحية الفيلا ..ناحية نهاية الحكاية كما كان يفكر كريم طيلة الطريق الذي قطعاه في صمت مطبق لا يقطعه سوى صوت الموسيقى التي شغلها كريم ..

وصلا ناحية فيلا رضوان ترجلت من سيارته لتتطلع بانبهار مرة ثانية لهذه الفيلا التي ستغير حياتها حتما، مد يده ناحيتها وأومئ لها لتتأبط ذراعه وليدلفا سويا إلى الحديقة حيث أشعلت الأنوار الملونة بين الشجيرات وبدأت الموسيقى تنبعث لتبدد هدوء المكان....

استقبلهما مراد من البوابة ليخفق قلبه باضطراب عنيف، مد يده لمصافحتها فاومأت له بابتسامة طفيفة وجلست على إحدى القاعد المجاورة، نفخ بضيق من هذه الجنية ومد يده لمصافحة كريم وسارا حتى توقفا على بعد عدة حطوات منها، شد بقبضته على كريم وهو يصافحه وقال : لا داع لالتصاقك بها بهذا الشكل الفج"
ظهرت ملامح الضيق على كريم فأجاب : وما ذنبي هي لا تعرف السير بكعب عال !
-حسنا إسمع إصعدا على السطح ريثما أخبر والدي عنها وسنوافيكما سريعا لنرى ما علينا فعله لا أريد لأحد ان يراها الآن..إنها ترتدي القلادة ؛ على الأغلب سنجمعهم مباشرة
هز كريم رأسه متفهما وعاد حيث تجلس جمانة بانتظاره واصطحبها معه لأعلى ...
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.