WaleedFathy

شارك على مواقع التواصل

ضرب جرس تليفون الغرفة حتى ارهق من التعب , فعاود مرة أخرى رنينه , فتهاوت على سماعته كف يد قاسية وكأنها تطبق على حنجرته لكتمها وانهاء ازعاجها , وقبل أن يضعها على أذنه لمح بطرف عينيه النعساتين ساعة الحائط التى تشيرإلى انتصاف الساعة الخامسة مساءاً, والدلة على قيلولة كافية لأكثر من ساعتين بعد تدريب شاق للفترة المسائية .
الو ... تحدث بصوت أجش لمن لم يفق بعد من نعاسه .
الطرف الآخر من المكالمة : آسف على الازعاج , ولكن هناك صديق لك يريد مقابلتك .
اليكس : اجعله ينتظر وسأوافيه بعد قليل .
هناك شخص فى انتظارى .
موظف الاستقبال : ها هو جالس أمامك , وأشار بسبابته إلى شخص متوسط القامة نحيف بين العقدين الرابع والخامس من العمر .
خطى اليكس بقدميه نحو الصديق المجهول الذى انزل بساقه من على الأخرى ووقف لتحيته .
مرحباً اليكس ... لم تغير عاداتك , لقد انتظرتك اكثر من نصف ساعة .
وانت لم تكن فى ذهنى طوال هذه السنوات .
انت لم تتذكرنى بعد .
انا لا انسى من اساءو إلى وإن اخفوا وجوههم خلف نظارة سوداء وتغير شكلهم من كثرة الجفاء .
ألم نجلس الآن ونتحدث كما يتحدث الاسوياء .
جلس اليكس وصديقه بعد أن طلبا قهوتهما الممتزجة بالحليب , ليفيق اليكس بعد نوم عميق ويستعد الصديق لمعاتبة رفيق .
اليكس وبدون مقدمات ... ما الذى جاء بك الآن ؟
لم يتفاجأ صديقه القديم من حدة السؤال , فالظهور الغير متوقع بعد زمن من الإختفاء جعل الذهن يرتبك غير مدرك ماهية السؤال .
الصديق وبكل هدوء يصل للبرود : علمت من أحد الاشخاص أنك مشارك فى المسابقة , فاراد القدر أن نلتقى بعد كل هذه السنوات لأجدك بعد معاناة من البحث والاجتهاد .
نحن لم نلتق صدفة لنجعل القدر وسيطاً بيننا أو منحنى يستر عيوبنا .
انت تعلم من ساندك فى محنتك ومن تخلى عنك , فلا تصدر احكاماً بمنظور واحد وتتجاهل الآخرين , فالسيارة  التى بدون مرآة تسير وحيدة وببطئ على جانب الطريق .
كان لدى عدة مرايا لامعة تعكس ضوئها لمن حولى فتضئ صورهم الباهتة بهيئتهم الغابرة , وعندما شرخت مرآتى هربوا جميعاً بعد أن شاهدت أمساخ على هيئة بشر يتلاعبون أمام عينى كالقرود , يقفزون من شجرة مالت آلت للسقوط .
هز الصديق رأسه متعجباً من اصراره وعدم تجاوبه لكلماته وتحدث قائلاً : البشر يا صديقى يساندون من يريد النهوض ويصر عليه , ولكنك استسلمت لمصيرك وتخليت عنه , وصنعت لنفسك حاجزاً عجزنا عن اختراقة والوصول إليه , أما الآن أرى أنك بدأت تتعافى وهذا ما اسعدنى واثلج صدرى , لذا سأتركك تكمل مشوارك الذى بدأته من سنين بهدوء وبدون أى ضغوط .
ووقف ليرحل , إلا أنه شعر بيد قوية تقبض على ساعده توقفه , ليرى اليكس ماسكاً به وهو جالساً على مقعده محدقاً إلى الاسفل محدثاً اياه : انتظر دانيل .
لم يتحرك دانيل وثبت فى مكانه واردف : اجلس ولا تغضب , فالدنيا أخذت منا راقات جمة حسنة , فالنبق على القليل منها ولا تجعل غضبك فوق غضبى .
ظل دانيل واقفاً ناظراً أمامه يستجمع شتاته وتهدأ أنفاسه , ثم جلس مرة أخرى .
لم ينتظر دانيل طويلاً حتى رفع اليكس رأسه وحدق بعينه نحوه , وكأنه يحاول اكتشاف اسرارها وما يدفن فى عمقها , وتحدث سائلاً : هل الرب ارهق بعد أن خلق الكون فاستراح فى اليوم السابع أم جعل لهذا اليوم عيد ليستمتع بما صنع ؟
اندهش دانيل من هذا السؤال المريب فى هذا الوقت الغريب وتحدث قائلاً : منذ متى وانت تسأل هذه الاسئلة ؟ فانا على حد علمى انك لا تذهب للكنيسة سوى أيام الآحاد أو فى الاعياد والمناسبات .
ولكنى اعلم أنك يهودى مؤمن ... ملتزم , أم طرأ عليك تغيير .
لا لم يطرأ أى تغيير , ولكن وقت واسلوب سرده ادهشنى .
إذن وقت الدهشة مضى فاجبنى .
سرح دانيل فترة وقال : لا اعلم ... ولكن لماذا هذا السؤال بالتحديد وما هدفك منه ؟
لا شئ , اتعجب فقط عندما يهرم الانسان تمسكه بالحياة يكون اكبر وكأنه سيعيش اكثر مما عاش .
وما خلط سؤالك بوجهة نظرك ؟
تعلم أننا تجاوزنا ربيع عمرنا وزهرة شبابنا فى اللهو ,ألم يحن الوقت أن نرتاح ونحن نستمتع بما تبقى , ألم يخطر فى ذهنك وأنت جالس على كرسيك الهزاز وابنائك واحفادك من حولك تسعد برؤيتهم تتمنى عدم افتراقهم , ليغزو الشباب جسمك الكهل ويتدفق الدم إلى عروقك لينبض بأكسير الحياة , ولكن عندما تشعر أنك وحيد كنخلة شاردة وسط صحراء قاحلة تجف عروقك وتذبل روحك , أنت حينها اشبه بالزومبى حى بقلب ميت .
الحياة مثل الحرب إذا نزلت بساحتها فلا مجال للهرب منها , فإما أن تُقتل ويبدد كل شئ جميل بداخلك , وإما أن تنجو فيجدد قبولك للحياة , ومن السهل أن تستسلم فتبقى أسير افكارك السلبية وعقائدك الانهزامية , ولكن الاصعب أن تنتصر إلا بعد لطمات التجارب ولدغات الأيام .
وهل حققت النصر ؟
أحمق من يعتقد أنه حققه فلا يبقى له أى شئ يناضل من أجله , فكل نجاح لابد أن يعقبه نجاح أكبر يفوقه , وإلا سيعيش فى وهم يقضى على آمالة وتطلعاته .
معذرة ... أنك لم تحقق الشهرة الكافية فى مجالنا , فدائما كنت فى منتصف الطريق .
ولكنى لم استسلم حاولت واجتهدت , ولم يحالفنى الحظ كثيراً , ولم أكن مثلك أو مثل أقرانك من مشاهير اللعبة , وحينما حان الوقت طويتها وحفظتها فى مكتبة حياتى , فكل فترة امضيها من عمرى هى بمثابة كتيب صغير يسرد تجاربى وتفاصيل منابعى التى تشكل حلقات شخصيتى , والآن أمر بمرحلة اخرى تثقل معرفتى وتنحت شخصيتى , فأنا اعمل مذيع فى إحدى القنوات المعروفة وهذا ما جاءنى إلى هنا بعد أن ابلغنى زميل لى أنك نهضت من جديد, وارجو أن نلتقى مرة أخرى ولكن أنت من سيحدد طبيعة اللقاء , اكان عمل رسمى وأنا اجرى معك حوار أو لقاء ودى كصديق يتبادل معه النقاش .
افترقا الصديقان بعد أن وعده اليكس إن فى لقائهما القادم سيشهد تحول فى المسار .
ياله من شعور غريب صعب وصفه أو تبيانه , أن تشاهد السباق وأنت خارج النطاق , فمن داخل كويكبك الصغير تشعر بأنك وحيداً شارداً بين المجرات , يتطلع عليك المكتشفين بمجاهرهم العملاقة دون أن تشغل لهم بال أو تحسب لهم طول .
أما خارج هذا الكويكب الشارد أنت نجم مثل كل النجوم التى تملأ مدرجات السماء تزين به عتمة الكون .
القلق يبدو أكبر من اعلى ... تحدث اليكس
سام : الجمهور يتابع الجميع وحتى لو صب اهتمامه على متسابق وحيد , أما فى الأسفل فالمتسابق يهتم بأمره فقط .
وهل هذه تعتبر ازدواجية فى القلق ؟
لا أعى ماذا تقصد .
أن يقلق الجمهور عنى وأنا ملهى , وأن اقلق عن نفسى دون أن اعير اهتمام لغيرى .
يالك من فيلسوف صغير تبحث عن ماهية الاشياء دون النظر إلى حقيقتها .
وما هى حقيقتها ؟
أنت تمتع الجمهور بمهاراتك وهم يدفعون لك المقابل .
احمر وجه اليكس وتحدث وهو يستشيط غيظاً : وهل سيدفعون المقابل عند عجزى أو موتى ؟ أم سيترحمون على تسليتهم !!
أنت سريع الغضب ولن اعتذر عما قلت , لأنه يحدث فى كل مكان وفى أى وقت , انظر إليك وأنت تستمتع بشرب قهوتك فى الصباح تدفع لتستمتع , وأنت تأكل .. تلبس .. وحتى وأنت تمارس حياتك الطبيعية مع زوجتك تعطى لها حبك ومشاعرك ووقتك وجهدك , هى كذلك الحياة لكى تأخذ شئ يجب بالمقابل أن تدفع ما يناسبها أو يساويها مثل المقايضة , فلن تجبر أحد أن يعطيك بلا مقابل .
ولماذا تعمل معى دون أن تحصل على مقابل ؟
بالفعل أنا لا أحصل الآن على مقابل مادى , ولكن وجودى معك وبجوارك يشعرنى بالسعادة وهو مقابل معنوى , ثم طبطب على كتفه بابتسامة صغيرة وقال : لا تقلق سأحصل على ما أريد ولكن ثبت عزمك وأوصلنا للنهائيات
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.