دخلت انجلينا غرفة اليكس لتجده يهيئ نفسه للنوم , ابتسمت نصف ابتسامة وهى تدور بمقلتيها نحو ساعة الحائط قائلة : الوقت مازال باكراً فالنهار لم يطو صفحته من وقت طويل .
رد عليها وهو جالس على طرف السرير : اشعر ببعض الارهاق ومزاجى متقلب .
من الخطأ أن تغفل وأنت بهذه الحالة , ارتدى افضل ما لديك واترك نفسك لى .
ماذا تقصدين ؟
اجعل الامور تسير على طبيعتها ولا تشغل بالك بأى أمر , وهمت بالخروج واكملت : سانتظرك بالخارج لاتمم بعض المسائل , وطبعت قبلة فى الهواء مع كلمة أحبك قالتها باستحياء .
ضمت يده بيديها كالأم تحتضن طفلها , سارو على الرصيف تتأرجح سواعدهما بشكل روتينى
ساعد تشعر ببهجته والآخر يلقى وحدته , ليأخذه دفعاً للأمام دون مقاومة وباستسلام , إلى أن وصلا لمكان مزدحم بالعامة بعد أن عبرا الطريق تجاه قلب المدينة , وهنا توقفت حركة ساعدهما وتحرك عقله المشدود بدافعها المنشود يقطع حبل الصمت المطبق على طول الطريق.
فاخذت المبادرة بطلب الجلوس على مقهى بعد أن اجهدت من السير مع مسافر مغبر بافكار تشاؤمية لا ترقى للواقعية , فاستفسرت عن طلبه فحدثها أن تختار له أو تطلب ما ترغب لنفسها , فأجابته على الفور بأن الاختيار دائماً يكون لك وأنت من يحدد الهدف .
أريدك أن تشاركينى الاختيار .
لا أمانع ولكن فى النهاية القرار لك .
ماذا تريدين الآن ؟ قالها بشئ من العصبية .
أريد أن تشاركنى الايس كريم ؟ بأى طعم تريد ؟
ابتسم وقال لها بالطعم الذى تحبينه ...
مذاق الأيس كريم جيد , يشعرنى بالطعم الحلو للحياة .
يسعدنى أن يشعر به واحد منا .
إن لم تشعر به فهذا ينقص حلاوته فى حلقى .
آسف لسماع ذلك , ولكن اعلمى أن مرارة القهوة تعطيه المذاق الجيد .
دار فى خلد انجلينا الكثر من الافكار عن سبب وصول زوجه لهذه الحالة من الانفار , التى ليس لها مبرر إلا داخل عقله المشوش , الذى يرسل إليه ومضات تذكره من حين لآخر بماضيه الحزين , كانت قد ردمت وانهال عليها التراب , ولكن الظهور المتكرر لأشخاص غير مرغوبين , أثرت على نفسيته لتجعلها اكثر تشتت وحيرة , وفى هذه اللحظة سُمع دقات كنيسة ميلانو الشهيرة بابراجها الكثيرة وهيبتها العظيمة , التى تهيمن على المكان لتجعله أكثر دفئاً وحيوية .
ياله من مكان جميل ؟
بالطبع فأنت تجلسين فى ساحة الدومو وتسطع أمامك الؤلؤة البيضاء .
يا لها من تحفة فنية كأنها صممت خصيصاً لهذا المكان .
الأشياء الثمينة تضع فى الاماكن المناسبة , ليس من المنطقى أن تتخيلين برج باريس بوسط نيويورك أو تمثال الحرية فى الصين أو سور الصين فى الفاتيكان , وإن تخيلته لن تجد فيه المتعة والاندهاش التى تجده عندما ترى الأهرامات وسط الصحراء .
وجهه نظر جديرة بالمناقشة , ولكن هل تنطبق عليك ؟
تحدثت عن التحف والآثار , الاشياء الثابتة على مدى العصور , الشئ مختلف تماماً عن طبيعة الانسان البشرية المتقلبة من حين لآخر الفانية لزمن آخر .
الانسان يفنى ولكن يبقى أثره الخالد واسمه المحفور فى عقول المحبين , أنت لم تطق أن تبقى محبوس داخل وظيفة روتينية , تعمل لمدة معينة تقوم بميعاد وتغفل بميعاد وترتاح بميعاد , وأن اردت الرجوع فأبوابها دائماً مفتوحة على مصرعيها لا تصد أحد ولن يسألك عن السبب .
انظرى جيداً واملإى عينيك لهذه الكنيسة ثم إغمضيها ...(فعلت ما قاله ) وتخيلين زلزال قوى ضرب هذه البلاد , ودمر وشرخ جزء كبير من هذا المبنى , كيف سيكون شكله ؟
الدمار شئ مخيف تخيله , ثم انتظرت قليلاً لتتخيل وتستكمل الصورة , ثم تحدثت بصوت مفزع : إنه شئ بشع أن اتخيل شئ لم يحدث , وهزت رأسها نافية لا .. لا .. لا يمكن أن تكون بهذه الصورة , سيكون شئ مؤسف أن يتشوه المكان , وسكتت قليلاً ثم اكملت : ولكن مع بعض النحاتين والعمال الجيدين سيرجع مثل ما كان .
وهذا ما اريد أن أصل معك إليه .
وهو ؟
أن ببعض العمالة الماهرة يمكن تصلحين العيب ويبقى المكان مثل ما كان عليه من قبل , ولكن ليس فى أعين الناس , الشئ الاصلى إذا تغير ثم رجع مره أخرى إلى أصله لن يصبح براقاً كمن قبل .
اجمل شئ فى الكائن المسمى "الانسان" هو النسيان , لأنه إذا تذكر كل شئ لن يستطيع استكمال حياته , وجعلته حيوان كاسر يغضب لاتفه الاسباب .
هناك اشياء للمسامحة والنسيان واخرى لا تغتفر تبقى خالدة معك لا تنفصل , فهى تعلمك وإن رجعت مرة أخرى فهى تؤلمك .
اعتقدت أنك تستمتع بلذة الألم كثيراً اكثر من الألم نفسه , كالذى يجز على اسنانه من الألم فهو يتألم ولكن من ناحية أخرى يستمتع بها , فيكررها تارة وراء أخرى , ولكى تتخلص من هذا الألم نهائياً ستشعر بألم شديد لا يمكن تحمله دون مسكنات ولن تجد مسكنات , فإما أن تتعايش معه وتستمتع به دون اعذار , او تتحمل فراقه بجلد واستثبار .
معك حق فيما قلته , ولكنى اجهل كيف ساستمتع بهذا الألم ؟
بأن تتحداه أن تسخر منه , فلن يبقى حيلة يزعمها أو طرق ممهدة يسير عليها .