يجلس سام أمام انجلينا واضعاً ساق فوق ساق شابكاً يده خلف رأسه مائلاً بجسده إلى الوراء , وفجأة اعتدل فى جلسته كمن لدغته بعوضة أو تذكر شئ هام , ناظراً إليها محدثاً إياها بنبرة كلها جدية عن أهمية الخطوة التالية من السباق , والتى لا تحتمل أى خطأ فى ظل وضعهم الحالى الذى يجب أن يتحسن نحو الافضل , إذا ارادو الاستمرار فى المنافسة والذهاب لابعد ما يكون .
ردت عليه بصوت متزن كله ثقة بأن اليكس قادر على اجتياز العواقب فى ظل هذه الظروف بخبرته واصراره , وهم على هذا الحال خرج عليهم اليكس عارياً إلا بقطعة من القماش تستر نصفه السفلى , وبخار يتصاعد من نصفه العلوى كقطعة خبز خرجت تواً من الفرن , بعد أن استرخى من تدريب شاق وصفى ذهنه لما هو آت , نظر إليهم باستغراب وتحدث قائلاً : هذه الجلسة بها أمر ما ... عن ماذا تتحدثون ؟
انجلينا : وهل هناك شئ آخر نتحدث عنه ؟ بالطبع عن السباق .
رد عليهم وهو يبدل ملابسه خلف برفان متحرك : أنتم تعيرون الأمر اهتماماً كبيراً .
نظر إليه سام بحدة وقال له بعد أن امتص ما بداخله من غضب : من يراك الآن لا يراك وانت كالأسد المحبوس داخل قفصه .
حاول اليكس احتواء الموقف وقال : لا ... ليس كما تتوقع , ولكنى أحاول تهدئة نفسى وجعلها اكثر استرخاء , وغداً يوم آخر صعب فى مسيرتى المستحدثة , لكن الغريب أن أرى القلق فى عينيك .
قلقى يزداد عند كل خطوة نخطوها نحو هدفنا المنشود , وأى خطأ سينهى حلمنا باكراً وتنكسر معه رقابنا .
لا تجعل قلقك يؤثر عليك وإلا سيكون سبباً لنقل العدوى إلى .
حسناً ... حسناً ... سأحاول ودعنا نتحدث الآن عن أمرنا .
اعتقد إننا استفدنا من مشاهدة السباق الاخير .
بالتأكيد فعامل الوقت مهم جداً فى تلك المناسبات , يجعلك تسترخى اكثر وتركز بشكل فعال .
أنا متفائلة بشكل حماسى .
وما الذى يجعلك بهذا الحماس ؟
لا أدرى , ولكن معايشتى لهذه الاجواء تجعلنى اشعر بالاثارة .
الوحيد القادر على اكمال هذه الاثارة هو اليكس .
نظر اليكس إلى سام الذى كان يرمقه بنظرة مبهمة , وتحدث وهو يبتسم نصف ابتسامة قائلاً : لن أخطو قدم إلا بساعدين يدفعانى للامام , ساعد لطيف يطيب خاطرى , وساعد قوى يشد من ازرى , ولكن ماذا ترى فى يوم غد ؟
الوضع ليس معقد ... بمقدورك أن تبلغ المرحلة الاخيرة بقليل من الجهد .
ترى أن الهدف أن اكون مع نصف المتأهلين دون التركيز على الترتيب .
نعم أرى ذلك , ولكنى مع هذا الامر أريد أن يشتت الذهن عن التفكير عنك , وأن تعلم أن القليل لديك يعادل الكثير لدى الآخرين .
ولكنك تعلم إننى لست الشخص الذى ينظر إلا على المقدمة .
اعلم ذلك ومن هنا تأتى خبرتك لحلها , وفى هذه اللحظة وقفت انجلينا ناظرة إلى سام محدثة إياه : لذلك لابد أن نتركه يستريح ويجمع ذهنه لموقعة الغد .
الآن وقد اقتربنا من نهاية السباق فلم يتبقى سوى ثلاث دورات ... وها قد ارى المتسابق الشهير اليكساندر فى وضع مناسب لبلوغ المرحلة القادمة , إلا إذا حدث أى إطراء جديد , ومن لم يعرفه فهو جاهل ومن لم يحضره فهو خاسر , فأنا أحدثكم عن اشهر من لعبها واكثر من حصد القابها , فله فيها صولات وجولات تحكى فى كل المناسبات , إلا أن إصابة بالغة ابعدته عنا , وها قد نهض من جديد باستحياء , ليضرب مثل فى التحدى والوفاء , لعشق يجرى فى الدماء .
وتزداد سخونة أجواء المنافسة مع ارتفاع درجة حرارة الطقس , واقترابنا من خط هو بمثابة نهاية طريق كان بالامكان , وبداية مشوار لكل حلام ولهان ... كان معكم دانيال من قناة
F.E.SPORT
تحرك مقبض باب الغرفة ليفتح ببطء مع صرير يصم الآذان , ليجد زوجته وصديقه فى انتظاره , شكرهما ببرود بعد أن هنئاه بالصعود , ساروا بممر طويل صف واحد بخطا ثابتة بطيئة مملة وكأن الزمن يحتضر ليشهق آخر نفس , إلى أن وصلو لنهاية الممر متجهين لبوابة الخروج , لاحظو صوت مألوف يهنئهم على النجاح , استداروا كما تستدار عقارب الساعة بشكل روتينى ليجدوا امامهم البرتو بابتسامته الصفراء ونظارته التى تخفى نصف وجهه وتضيف اليها الغموض .
تحدث اليكس بشكل ثابت بدون أى انفعال : ارى انك متابع جيد !!
أنت تعلم إننى المسئول عن أمر هذا السباق , واحرص دائماً على اكمال عملى فى أحسن صورة وهذا سر نجاحى .
اعلم هذا فأنت افضل من يتخذ القرارات المناسبة فى كل الاوقات .
يا صديقى هناك دائماً قرارات لابد أن يتخذها المرء لاكمال طريقه حتى ولو لم تعجب الآخرين .
دائماً متعجل تقفز ولا تخطو .
الحياة قصيرة أن اخطوها ببطء لكى لا اشيب قبل أن أرى حلمى يتحقق .
ولكنك اهملت القدر الذى يعاقب من ينساه .
القدر نحن من نتحكم به , نسيره إلى مقاصدنا وإن كان له ذلات فمن الممكن أن نعفو عنه .
مازلت سليط اللسان شاذ الفكر .
وانت مازلت تتحسن ولكن ببطء .
ارجو أن يغفر لى هذا الاداء فى هذا السن .
ومن سيسامحك فى السباق الاخير ؟
يا للشيطان ... لم اسمع هذه الجملة منذ سنوات عندما كنت عضواً فى فريقى .
ابتسم البرتو ابتسامة ساخرة وقام بخلع نظارته , ليرسل نظرة ثاقبة تعبر عن ما يدور بخاطرة قائلاً : ولكن الصورة قد انقلبت وقد بات الوضع مختلف .
للأسف مرآتك لا تعكس إلا صورتك , وعندما تبلى ويحول عليه الزمن لن تقدر على ابتياع غيرها .
الغضب اعمى بصيرتك فلا أرى غير الحقد يغزو جنبات قلبك , ولكنى لن اعاتبك اتعلم لماذا ؟
سكت اليكس ولم يرد فاكمل البرتو قائلاً : لقلة حيلتك .
قام سام للرد ولكن اليكس اشار بيده أن يتوقف وتحدث : مازال الأمر بيدى , وإن كان لغيرى لما كنت واقفاً أمامى الآن .
ضحك البرتو باستخفاف ونظر لكلاً من انجلينا وسام ثم شخص بصره على اليكس وتحدث : شرف لى أن أقف بجوارك واتحدث إليك , ولكن الشرف الأكبر عندما نلتقى فى حفل توزيع جوائز المحترفين وحينها تكون واحد منهم .
إذن سنلتقى عما قريب .
أرجو ذلك ... إن حالفك الحظ .
غادر البرتو تاركاً الجميع فى غمرة الدهشة والتفكير لما حدث وما سيحدث فى الأيام القليلة القادمة .