جلس البرتو بجانب زوجته الجميلة كريستين , بجسمها الممشوق الفارع وشعرها الذهبى الساطع وفستانها الابيض الفضفاض المزخرف بورود زاهية باكتافها العارية لتعطينا لمسة من أنوثة طاغية , وغموض وكبرياء وهى تضع ساق فوق ساق , ناظرة للامام من اعلى قمة تطلعها خلف نظارتها الصفراء , وهى تثبت بيدها اللمساء قبعتها الرقراق من نسيم نظرات من يترقبها ويتغزل بجمالها .
همس البرتو فى أذنها دون النظر لعينها قائلاً : هاهو واقف هناك بجانب زوجته وأحد مساعديه.
ردت عليه دون التاف أو تغيير نبرة صوت : وهل دعوتنا اليوم بسبه أم بسببك ؟
كل شئ هنا بسبى , ولأكن صريح وغير متحايز أنا شغوف لمعرفة النهاية .
ارتعشت فرائصها بقوة ونظرت إليه دون أن تلفظ بأى كلمة , ثم عدلت نظرها وقالت بصوت مضطرب يظهر عواطف كامنة غير مرئية : اتركه وشأنه فليس لك مبررات بعد هذه السنوات.
الامر ليس بيدى ... قالها بصوت كله جدية .
بيد من إذن ؟ قالتها وكأنها تستعطفه أن يبعد عنه أو تتوسط لإخراجه من هذه الازمة .
بيد الرب , ولا سبيل لنا إلا المشاهدة والاستمتاع .
حزقته بنظرة جافة وهو يشير بكلتا يديه إلى المضمار لمشاهدة بداية السباق .
اصطف المتسابقون الستة وعشرون فى أماكنهم بشكل متناسق حسب ترتيبهم , وكان اليكس يتوسط هذا المشهد المنظم , إلى أن اطلقت رصاصة الرحمة لتشهد انطلاق السباق وتبعثر الأوراق , لتعيد هيكلتها مرة اخرى بترتيب متفاوت غير ثابت .
كانتا بؤرتا كلا الزوجان تحدقان إلى هدف معين , إلا أن الزوج كان لها اهتمام إضافى لم يدم طويلاً حتى اصبح الاهتمام مشترك , بعد أن لاحظت أن هناك شئ مضطرب وخفى يحدث من زوج من المتسابقين احدهم يسبق اليكس والآخر يليه , فاصبحا كالكماشة التى تطبق على صاحبها لتفتك به , وكان ذلك قبل اربع دورات من نهاية السباق وترتيب اليكس حينها هو الخامس , فطن اليكس لما يحدث لن يستوعب الامر فى البداية ولكن الامور أصبحت اكثر وضوحاً بعد أن تقلصت المسافة , حاول المراوغة اكثر من مرة ومن طريقة ولكنهم باءو جميعاً بالفشل , إلى أن قام بتصرف غريب ادهش الجميع .
حبس الجميع انفاسهم من الصدمة , بعد أن تراجع خطوة أخرى للخلف وابتعاده عن المنافسة , بقى خلف المنافسين بثبات دون مراوغة أو لفت اهتمام حتى انتهت دورة وتبقى ثلاث , وقد لاحظ أن المتسابقان اللذان يحاولان تعطيله اصبحا على مقربة من المتسابق صاحب الترتيب الثالث طمعاً فى المركز , لم يرد أن يخاطر ويقترب اكثر حفاظاً على نفس المسافة .
اصبحت وطأة المنافسة على اشدها من الثلاث متسابقين مع إقتراب نهاية السباق , ولم يتبق سوى دورتين وينتهى الحلم ليصبح كابوس لمن أعطى أمل ولم يحققه , انخفضت سرعة الثلاث متسابقين نسبياً بعامل المراوغة واقترابهم اكثر من بعض , حاول صاحب المركز الرابع تعدى المتسابق المتقدم عنه بأكثر من محاولة لكنه لم يصب , إلى أن اتخذ القرار بالتقدم بعد رؤيته أن الوقت قد حان , إلى أن حدثت المفاجأة واصطدم الاثنان بعضهما ببعض بعد احتكاك إطاره الأمامى بإطار منافسه الخلفى وهو يدافع عن مكانه خشية فقدانه , فاحتضن احدهم الجدار والآخر توسط المضمار .
وقف الجميع مذهول للحدث المهول , والاثارة التى وقعت حتى آخر دورة فى عمر السباق , والتى اقتنصها اليكس وانطلق بأقصى سرعة متعدياً الجريحان وقبل أن يفكر منافسه أن هناك من يزاحمه على بطاقة التأهل وواجبه أن يمنعه حدوث هذا الأمر , فانطلق من جواره كالريح يشق المضمار الفسيح الممهد بالحرير لاستقبال الفارس الاخير .
اشتعلت المدرجات بصيحات وهتافات الجمهور لعودة بطلهم مرة أخرى للساحة , وتناثرت اوراق الورود لتشكل تاج لملكهم المفقود , ليمثل هذا اليوم الموعود انطلاق عهد جديد لمتسابق من زمن ليس ببعيد .
حدق البرتو من طرف عينه تجاه زوجته وهى واقفة تؤازر بحرارة بلا حياء , تاركه بلا اهتمام قبعتها تسبح فى الهواء , كأنها إهداء من عاشق ولهان فقده من زمان .
اشتعلت نار الغيرة والحقد قلب البرتو بعد رؤية زوجته تتصرف بعفوية مما يؤثر على مكانته كشخص مهم فى المجال وكزوج له كل التقدير والإجلال .
شعرت كريستين بكف قاسية تقبض على راحة يديها لتوقظها من غفلتها وتعيدها لمقعدها , ساد صمت طويل عميق كلا الطرفين وهدوء ينظر بعاصفة قادمة لامحالة .
نظرت إليه وهو محدقاً أمامه وما زال يده تقبض على يدها بقوة الامتلاك , حتى استهلت الحديث بأن الوقت قد حان للمغادرة فلم يتبق أحد سواهم .
نظر إليها بحدة وضغط على يدها بقوة وتحدث وهو يجز على اسنانه قائلاً : تملكين جرأة كبيرة لم اعتاد عليها وعندما قمت بها لم تكن فى الوقت ولا المكان المناسب , شرعت كريستين فى الحديث والرد على منتقدها ولكنه قاطها مكملاً حديثه ... لا الومك على حرية وهبتها اياك , ولكن عدم الإحساس بالزوج الغيور والمنافس المكسور اعطتنى شعور بخيبة أمل لا تمحى إلا .. إلا .. أن اشعر بأن ما حدث ما هو إلا وهّم تغلغل بعقلى وآمنت به , وأريد منك أن تكفرين عن ذنبك أن تكفرى بما آمنت به , وأن تعملي جاهدة على محو هذا الاحساس وعدم شعورى به , وإلا لن يكون هذا الوهم إلا حقيقة معترف بها منك وتأكيداً على ما اشعر به .
لم تنبس كريستسن بأى كلمة لأنها لم ترد أن تلفظ بكلمة لا تعرف إلى أين سيسير اتجاهها فى هذا الوقت وإلى هذا العقل , ولكنه شعرت براحة فى يدها بعد أن فلت قبضته ونهض منتظراً إياها حتى تتقدمه إلى الخارج حسب التقاليد والاعراف .