WaleedFathy

شارك على مواقع التواصل

انفرجت أسارير السماء بألعابها النارية , التى أعطت بهجة وأضاءت عتمتها الوارية , وقد سبقها أراضيها بتوهج قناديلها العملاقة , بسواريها المعلقة , تنشر نورها الفتان بحب وحنان , وقد شبع هواءها بعليل حماس ينبض ثم يزداد انفعالاً , لتخرج منه هتافات يسترسل لها الجمهور بآهات , تحرك الوجدان وتقشعر لها الابدان .
ارتسمت على شفتيه ابتسامة رضى واعجاب , لما يشهده هذا الكرنفال من تناغم سلس بين موادها المتشابكة , لا ترى فيها نشاذ يزعجك أو تقصير يقلقك , فالجميع يعمل وكأنهم مسلسلون بحلقات متصلة صلبة لا يقدر أحد على فصلها , إلا إذا حدث شئ غير عادى مرتبط بالفعل الإلهى .
أثارته نشوة مصاحبة بكبرياء , لا تعلوه أنفتها ولا يغريه عزتها , فهو كالجواد العربى الأصيل عندما يطئو قدميه أرض الميدان ينثر رمالها على جوانب حافريه وكأنها بسطت جميعاً لاستقبال ملكيه .
وقف الملك ينتظر استعداد حاشيته لبدأ المناورة , التى ستبدأ قريباً وستحظى على المغامرة ,
ليعلن فى نهايتها عن وزيره والباقى سيدفن فى المقبرة , مع العلم أنه أول اختبار لكنه سيحدد الجد من الهزار .
التفت فجأه عندما شعر بأن أحد يناديه وهو أيضاً يريد أن يناجيه , لتلتقى فيها العيون ويصبح الملك فجأة عاشق ولهان وابنته سلطانة هذا الزمان , ليحدث شئ خارج عن الحسبان , إذ القت بقبلة فى الهواء , استقبلها بعد أن التفت حوله للتأكد إنها تخصه , حيث كان منافسه فى السباق وغريمه فى حبها ليس بقريب , ليشاركه هذه اللحظة المعقدة الغير متوقعة , وكانت زوجته بالقرب منها لكنها ولحسن الحظ تعرف ماهيتها , أما بالنسبة لمن يجلس فى المقصورة الخاصة بكبار الزوار فالزوجان مهتمان بكافة الاسرار , مع أن الاهتمام مشترك لكن طبيعتها تختلف .
تهجم وجه الغريمان عندما التقى الحبيبان , بعد فراق دام لأعوام , أعوام من الفراق انصهر له الاشتياق , اشتياق زلزل هيبة وكبرياء الزوج , الذى شل تفكيره للحظات ولم يستوعب ما يحدث , أهذه طفلته التى رباها فى منزله تخرج عن طوعه , ابعد كل ما دار بينهما ورأى تأثيره فى عينها يتحول مجرى الماء فى مصب آخر غير الذى استنفزه فى شقه , اليس الذى ربا واهتم وأسس خير من الذى غرس وأهمل , ولكن كما يقولون العرق دساس .
وما عصف بكيان الأم وجعلها تشطاط غيظاً وتزداد كدماً , بعد أن خان الوعد وأنقض العهد الذى كان بينهما , ولم يصبر حتى ينقضى الوقت الذى لم يتحدد , ولكنها ارادت أن تتمدد لأطول أجل أو يأتى الأجل .
ادار الملك ظهره للمناصرين , ليستعد لمعركة لم يتخيل أن يخوض غمارها على أرض اشتاق لترابها , ليضمها من جديد إلى خزائن عرشه التى فقدت وحان الوقت لاسترجاع إرثه .
بدأ السباق مصاحب بتركيز عالٍ وانفعال مغالٍ , وكأنه فى نزال اشتد معه القتال , يقود بسرعة جنونية , لا يشعر بها أو يفطن لها , وكأن الزمان تجرد من الحركة إلا فى هذه العربة , حتى اقترب من المقدمة مع منافسين لهم نفس المقدرة .
وهنا بدأ الزمن يتراجع تدريجياً إلى وضعه الطبيعى الذى من قبل , بإدراك نفسه بمن حوله , بنفس قياس الزمن مع محيط المكان , الذى استبعده فى فترة تألقه .
بدأ يشعر بالارتياح بعد عاصفة من الهياج , اجتاحته فى غمرة نشوته وهو يزاحم كبريائه بين عُلية القوم وصفوة الخواص , لتدنو له الرقاب ويحلق مثل العقاب .
تأجج الصراع على أرض البقاع , مع من يفرض نفسه بالقوة ومن يتراجع خطوة ليفسح المجال أن يقفز للأمام .
وهنا تشابكت خيوط اللعبة , واصبحت كشبكة العنكبوت التى تعشعش باركان البيوت , إن لم تخرج منها بأمان ستصبح فريسة لهذا العدوان .
لذلك كان من الضرورى أن ينفك هذا الترابط وأن تنحل هذه الخيوط , لينسدل حبلها بسلاسة وهدوء ويسيروا معاً على خط ممدود .
مع اقتراب نهاية السباق واحتدام المنافسة مع فرسى الرهان , أصبح وطى الصراع على أشده , بعد ترتيب الادوار وحجز الامتار .
ولأول مرة منذ رجوعه من عالمه الافتراضى الذى كان يعيش فيه دون حياة , إلى عالمه الحقيقى الذى يعيش فيه دون ممات , فهو يحيا فى عالم روحانى لا تسيطر عليه المادة ولا ينفك فيه الظلام , اصبحت المقدمة بالنسبة له متعة , متعة القيادة والزعامة لا يشوبها التكبر والرعانة , يرمى فشله من وراءه دون التفاف أو لفت اهتمام , فقد استجمع خبرة السنين الطوال وحنكة الابطال , فى هذه النسخة المصغرة المكررة فى زمن غير الزمن الذى اعتاد عليه والف تكراره .
ولكنه إنسان بشرى ضعيف النفس بهفواته وذلاته , وإن كان يتعبد فى محرابه بخشوع إلا هناك من يوسوس له فى خضوع , فالقى بنظرة محرمة إلى الوراء لينظر من ينافسه على الصراع , وهو يعلم جيداً إن ما سيفعله يمكن أن يسحبه إلى القاع .
إلا أن هناك شعرة فى الحياة تعطيها الخطيئة لذة الاحساس بالذنب , فتتلقاها بحسن نية قبل  الوصول إلى الغية .
تحركت مقلتاه بسرعة خاطفة كالبرق , ليلقى نظرة عن منافسه المتبقى , الذى أكد ظنه وحدثه شكه , بعد أن رأى سيارته تقترب أكثر فأكثر , بعد هزة رجفت قلبه وارتعشت بها يده , لا يدرى ما اصابه بهذة الحالة غير أنه ربطها بابنته التى تعشق هذا الفتى , الذى بدأ يضيق عليه الخناق ويريد أن يتعدى .
ازداد التناحر بين الاصدقاء فى آخر جولتين من عمر البقاء , تقترب وتبتعد المسافات حسب شدة الطرد والجذب والمد والجزر , مع الحفاظ على الادوار التى لم تتغير منذ تشبثه بالمقدمة , فهو من القلائل الذين يتقنون حنكتها ويستفيدون من هديتها .
اصبحت المهمة على وشك الانتهاء بعد اشواط من العناء , فاصبح التركيز أعلى والمثابرة أكدى , لأنه لا يوجد وقت للعتاب أو اتخاذ موقف لتصحيح الاخطاء , على أنه يعلم جيداً إن لمنافسه اختيارين , سيتخذ إحداهما فى آخر جولة , دون أن يترك له أى اختيار أو مناقشة لهذا القرار , الذى اتخذه وهو فى أعلى سلم مجده وهو الربح أو الانهيار .
أما الاختيار الأول فهو المخاطرة التى ستوصله للمقدمة أو ستزجى به إلى المؤخرة , فيكون قد خسر كل شئ , الفوز بالسباق أو ربح النقاط , وهو الاختيار الثانى والاخير , بأن يضمن ويستفيد بما أحرزه ولا يراهن فيندم على جرأته .
ليس أمامه غير هذا المنحنى الشديد ثم ينطلق إلى عهد جديد , وإن تعثر فلن يندم عليه أحد أو يتحسر .
تخطى الدوران بمهارة فائقة يستهل بها حكمة "السهل الصعب " , يلحقه منافسه بشراسة وهو يعلم إنها كانت آخر فرصة جديرة بالمحاولة ولكنه استغلها بفراسة .
أصبح الطريق ممهد للفوز بالسباق , لكن حدث شئ خارج عن السياق , بأن ينجح منافسه بتخطيه قبل خط النهاية بأمتار , ماذا حدث ؟ لايعلمه إلا شخص واحد متحكم بدوائر الحدث .
جميع ما فى الملعب مصدوم لا يتقوقعون هذا المشهد المفتون , الذى كمم الافواه وشل العقول , من شدة الصدمة وغريب ما يبصرون .
ترجل من عربته مبتسماً , لا ترى فيه هزة من كيان وليس الخبر كالعيان , لا تدرى أهو مصدوم من شدة الصاعقة التى نزلت عليه فجعلته مبكوم , أو ما حدث جعله مكموم , لا يبرح بأى انفعال حتى لا يبوح بما هو مستور .
جعل الاقربون منه مذهولون , لا يجرؤن الاقتراب منه , فهم لا يعلمون ايهنئون أو يواسون , ويخشون ردة فعله فى هذا الوقت المشحون .
إلا شخص واحد قدر على فعلها , بعد أن نزع قيوده وهدم سياج خوفه , فارتمى فى حضنه وهو يبكى بحرقة , كالطفل الذى اشتاق لغياب والده الذى لم يره لسنين .
لم يتمالك نفسه , فسالت دموعه على وجهه تزلزل اركان مشاعره , ينظر إلى السماء وكأنه يشكر إله على عطيته التى منحها إياه , بعد فراق ودون عتاب .
لم يفق من سكرته إلى أن جاءت زوجته , تذكره أن هناك أيضاً من يستحق العناق , فضمها إلى صدره ليشملهما جناحه برعايته .
همت كريستين بالوقوف منتفضة , بعد أن فقدت اعصابها وتأرجح قلبها بين ضلوعها , لا تعى ما الذى جعل الأمور تسير بهذه السرعة وبهذا الشكل ؟ اكانت مخطأة عندما اخبرته بسرها أم غلب أمرها ممن يجلس بجوارها , يا لها من معادلة صعبة يمكن حلها ولكن الوقت نفذ ورجعت الامور إلى نصابها .
حاول البرتو أن يسحبها من معصمها , لكنها دحجته بنظرة تقول "اتركنى وشأنى الآن فهذا ليس وقت للمجادلة حتى لا تندم على المحاورة" , وافلتت يدها وهى تستعد للمغادرة .
تركها وشأنها بعد أن تأكد أنه خسر معركة وكسب رهان , أما الحرب فلا تزال قائمة ويمكن ترتيب أوراقه والاستعداد من جديد , أما الرهان فقد يشفى غليله فى ظاهره ولكن باطنه فيه شئ مريب , لا يقدر على تفسيره أو لا يريد حتى لا تقل همته وتختفى سعادته .
اقترب المنافس الشاب منهم بنفس منكسرة وخطى متكاسلة , يحمل بين طياته مشاعر متضاربة بين سعادته الغامرة بهذا الفوز الثمين وحزنه الشديد ببعد الحبيب , وعدم تفسيره لهذه الخطوة الجريئة وتحولها من إعجاب إلى انجذاب , ولكن ما شد أزره وثبت عزمه أنه رأى بينهم زوجة لا تغار وهو لا يقدم اعذار .
وعندما رآه اليكس ابتسم واعتدل , ليأخذ موقف الجدية لشخص تسلسل إلى قلبه دون حيادية , تقدم إليه بجسده بعد أن ترك وراءه قلبه وروحه , صافحا بعض بحرارة وقد هنئه اليكس بالفوز الكبير المستحق الذى جاء بعد إصرار ومثابرة .
شكره الشاب على هذا الاطراء وعينه وجوارحه تنظر للوراء , للحبيب الذى تحول إلى غريب , وللزوجة التى لا يبدو عليها أن هناك شئ مريب , ولهذا الشخص الذى جاء من بعيد يحلم أن يكون فى هذا المكان المجيد , وها هو بدلاً من تحقيقها يمنحها كهدية فى مناسبة أو عيد .
قاطع اليكس همومه التى تحوم حول شكه وظنونه قائلاً له : عندما تصبح أب ستعى ما فعلته , ومد يده اتجاه ابنته وزوجته , ادركا أنه يريد كارا أن تذهب إليه , فربتت انجلينا على كتفها بأن تستعد لحياة جديدة مع أب بارك حبها ومستعد للتضحية من أجلها .
سارت كارا اتجاههما وهى تحبس دموعها , تنظر تارة للحبيب الذى لمعت عيناه وتغيرت ملامحه من ذهول ما علمه ولم يستوعبه , وتارة أخرى إلى والدها الحقيقى الذى يقف شامخاً كالجبل أمام الجميع وديعاً كالحمل عندما تنظر إلى عيناه , فادركت على الفور إنه الحب الحقيقى الذى لا يضاهيه أى حب .
امسك اليكس يد ابنته واهداها إلى حبيبها بعد أن طبع قبلة بين عينها , وكأنه فى عرس ويقدمها إلى بعلها , ثم رجع إلى زوجته التى كانت فى انتظاره من زمن بعيد ولم تعلم أن حب آخر سيجعله سعيد , بعد أن شعرت ببعض الغيرة لمشاركتها حبه ولكن ليس بغضض لأنها ببساطة حولته لإنسان جديد .
وهنا تترائى كريستين واقفة بمنتصف الطريق , تنظر إلى ابنتها ومعها حبها , يسيرا معاً إلى مستقبل لم ترد أن تراه أو تحدد فحواه , وفى الطرف الآخر ترى اليكس مع زوجته متشابكين الأيدى وكأنهم عاشقان متيمان , ادركت حينها أنها خسرت كل شئ , ابنتها التى لم تستطع من الآن كبح زمامها , وحبها الأول وهى التى جعلته يعود وها هو يتركها كأنها عود , والآن تسير إلى مجهول مظلم بعد أن انطفأ نور عينها عين بنتها وعين حبيبها , وها هى تتكأ على عصا ينخرها السوس من زمن ومسيرها أن تقع على عجل .
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.