WaleedFathy

شارك على مواقع التواصل

سمعت صوت دقات ساعة الحائط المشيرة إلى بداية آخر ساعة قبل انتصاف الليل , ورفع الستار عن حفلها الصاخب الذى بدأ مع انتهاء شمس المغارب .
بدأت تتوتر نسبياً بعد أن وعدت اصدقائها بمفاجأة فى حفل عيد ميلادها , الذى بدأ أملها يتناقص تدريجياً مع اقتراب نهاية موعده المحدد بصرامة من قبل والديها .
الأب الذى كان مشغولاً مع اصدقائه الذين حضروا تلبية لرغباته , أما الأم التى كان حالها ليس بافضل حال عندما رأت معها هذا المحتال الذى يريد أن يأخذها بعربة السباق يسبحوا معاً عبر الآفاق , لا تدرى متى ترجع لحضنها لتشبك ضفائرها التى اصبحت كعرائش الكروم التى تتلألأ فوق الغصون .
شعرت بالألم بعد أن فقدت الأمل مع آخر صديق تركها لتغلق بابها , لتتجه مرة أخرى بعد سماعها جرسه يدعوها لفتحه وكشف هوية من أتى لزيارتها بعد انقضاء حفلتها , لتجد أمامها من خلف وعده ولم يأتى فى موعده , ليبرر لها عن موقفه بعد أن علم منها أنه خذلها بين أقرانها وسبب حيرة فى أمرها .
محدثها بحبه للهدوء وتجنبه الضوضاء وابتعاده عن الظهور بعودته مرة أخرى نجم مشهور تسكب له الخمور ... قالها وفى عينيه وشفتيه ابتسامة مزاح تعيد له الايام الملاح الذى فقدها من زمن مضى اعتقد أنه انتهى , ولكنه وجد شرذه فى كومه رماد , التى تثاقلت فى فترة رقاد , لتتوهج فى لحظة عناد ... فاحاطها بكل جوارحه لتنير له نفسيته المتعطشة لهذا الدواء .
اعطاها الهدية التى كانت فى يده وطلب منها أن لا تفتحها إلا بعد مذهبه , وهنا جاء صوت رخيم من اعلى يتسائل عن ما يحدث فى الادنى , فتبعه صوت رقيق بجواره أن يتمهل حتى نعلم سبب حضوره .
فبادرت الفتاه بالكلام لما تعلمه من عدم وئام , قائلة بنبرة ثبات تعطيها المبادرة لما هو آت .... إنها من قامت بدعوته لحفلها وأنه استجاب لطلبها .
لكن الحفلة انتهت والجميع قد ذهب ... قالتها الأم .
آسف على التأخير وعدم التبكير , ونظر لهما نظرة ثقة وعتاب واردف قائلاً : ألم يحن للمضيف أن يرحب بالضيف .
نأسف على أسلوبنا المبتذل فنحن نضع القواعد ولا نريد أن تختزل .
أنا لم آت إلى هنا لأغير المسار أو لأرتب الافكار فلكم حر الاختيار .
كان وجه البرتو متهجم لدرجة أنه لم يعقب , لأنه فكر إذا تحدث وهو فى هذا المزاج سيحرج ابنته الجوزاء , فكتمان ما بداخله من غليان شعرته بعدم إتزان , بدخول اليكس إلى عالمه الخاص الممنوع من الاقتراب بهذه السرعة والجرأة التى اقلقته وبدا معها يبحث عن سببها بعيداً عما يشك فيه أو تتواتر خاطره به .
أظن أن بضع دقائق مع الضيف لن يعكر صفو اصحاب البيت , قالتها كارا آخذة بيده داخل المنزل وعلى وجه والديها الحيرة والتعجب .
اندهش اليكس من جرأتها وشخصيتها القوية بين أفراد عائلتها الذى يعرفهما شخصياً ويعلم حدة طبع من يدعى أنه والدها وحب الامتلاك التى تشتهيه والدتها , جلس امامهما شاخصاً  نظره بعينها مائلاً رأسه للأمام وهمس بصوت غير مسموع للعنان قائلاً : اعتقد أن لنا بعض السمات المتشابة .
ابتسمت ابتسامة رقيقة ناظرة بعينين ناعستين متسائلة عن طبيعة هذه السمات .
قال لها ... الجرأة والإقدام وبعض الحماقة التى يسترسل بها الشبان , ثم رفع ظهره على كرسيه ليجلس أمامها معتدلاً ثابتاً ناظراً إليها وهى تأخذ نفس الوضع الذى هو عليه واستطرد قائلاً : إنها فترة محبطة للآمال تعطى دروس لمن لديه أحلام .
تحدثت متعجبة : ولكنها الفترة التى حققت فيها ما لم يحققه غيرك .
قال لها بصوت ضعيف مستكان : ليس كل ما يتمناه المرء يلقاه .
وما الذى تمنيته ولم تحققه ؟
الحب ... الحب الافلاطونى الذى لا يمثله شئ على وجه الارض , حين ترى المحبوب أمامك تجد نشوة تغمر قلبك وينبت من بين اضلاعك جناحين تطير بهما إلى السماء تجوب بهما الفضاء .
تنهدت كارا تنهيدة خرجت من اعماقها وكأنها تؤكد على ما استرسل به صديقها , ثم تحدثت بعد أن رجعت إلى رشدها بعد ومضة روحية لمسه وجدانها قائلة : ولكن لديك الآن رفيق , ألم تشعر معه بهذا الحب ؟
هذا الحب الذى حدثتك عنه خيالى , حدقت به متعجبة ولم تعقب ثم استطرد قائلاً : نعم ... هو حب من خيال الفلاسفة ونظم الشعراء , الحب الحقيقى تجده على أرض الواقع تلمسه بين يديك ليس له مصلحة ولا تجد به أنانية .
لديه عقدة قديمة وهو الآن ينفث عنها , قاله كارا هذه الكلمات المحبوسة فى سجن الحياء , كى لا تشعره بالندم أنه تلفظ امامها بهذه الكلمات .
شعر اليكس بما يدور بخاطرها بعد أن طال صمتها وانعقد لسانها , ولكى يجتاز هذا الموقف من شط الحرج إلى شط الفرج , عبر بتلميحات عن أناقة مظهرها بجمال فستانها وتصفيف شعرها مما شرح صدرها وانفرجت اساريرها لهذا الاطراء , وجعلها تفتح له باب قلبها على مصرعيها وتفجر طاقتها فى الحديث عن ماركة الفستان وثمنه والجلد الذى صنع به الحذاء ومقاس رجلها الصغير وأمور كثيرة لا تعير اهتمامه واهتمام الكثير من الرجال , ولكنه كان ينصت لها بحب وهو سعيد بهذا الكلام .
إلى أن هناك صوت اقتحم المكان لينبههم عن تجاوزهم موعد المنام , واضطرارهم إلى انهاء الحديث لينعم اهل البيت بالراحة والأمان ...
كان هذا صوت والدتها الذى تدخل فى وقت قد بدأ معها رحلة التآلف والانسجام , إلا أنه خضع من غير ضغينة لرغبة اصحاب البيت للرحيل وترك بابه موارب ليسهل دخوله من غير استأذان.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.