WaleedFathy

شارك على مواقع التواصل

استيقظ البرتو من نومه فى ساعة متأخرة من النهار , بعيون مقفرة من الجهد وجفون مغلقة من السهد , ووجه منتفخ كأنه كان فى نزال مع خصم , وألم شديد فى الرأس بعد أن تلاعبت به الافكار طوال الليل .
هبط إلى الاسفل بعد أن نشط جسمه بحمام دافئ , وانعش ذهنه بفنجان قهوة لاذع , بحث عن زوجته فلم يعثر عليها فعلم أنها خرجت إلى عملها , ثم سأل عن ابنته فأجيب إنها لا تزال فى مخدعها , فطلب أن يجهز الفطور وأن تستدعى لتناوله مع والدها .
جلس البرتو على سفرة طويلة لم يشتغل من الطعام إلا ربعها , وبجانبه ابنته التى تبدو سعيدة وهى تتناول إفطارها , انهمك الاثنان فى الطعام دون النظر أو فتح كلام , فكلاهما يعلم ما يدور بخاطر الآخر وإن كان الصمت لهما عنوان , ولكن ستأتى اللحظة التى سيفتح أحداهما فاه ويفرغ ما بداخله من كتمان .
أخرج غالونه واشعله ومع أول نفس بدأ كالمنتشى مع اغمضاض عينه ورجوع رأسه على كرسيه , ثم تحدث بعد أن فتح عينيه مراقباً دخانه المتطاير أمامه قائلاً وهو ينظر إلى فتاته الصغيرة التى تجلس أمامه وهى تسكب الشاى: تعلمت شئ مهم جداً البارحة ألا تعلمين ما هو؟
نظرت كارا إليه باهتمام واستفسرت عن هذا الأمر ...
قال لها بهدوء : إنه أنت ... ثم تحول الهدوء إلى حماسة وصوت مرتفع : فتاتى التى اكملت عامها السابع عشر , كل عام وانت بخير يا طفلتى الجميلة .
اندهشت كارا لسماع هذا الاطراء المنفعل بالحماس الغير تقليدى على والدها الذى يتمتع بالهدوء والاتزان , ووقفت لتقبيل والدها الذى رده إليها بنفس الاحساس .
ثم حدثها بعد أن رجع إلى وضعه الطبيعى : كان يوم جميل منذ شروق شمسها الأصيل حتى انتصاف ليلها العليل , إلى أن ظهر هذا البطل الموهوم الذى ظن أنه امتلك الكون .
ولكن يا أبى لا أدرى ... ما العلة فى ذلك ؟
صمت قليلاً ثم قال بصوت واهن شاخصاً نظره إلى الأرض : لا توجد علة , ولكنى لا أريد ذلك الأمر أن يحدث .
أرى أنك تخفى شئ !!
أى شئ ؟ قالها وهو يرفع رأسه ناظراً إليها وبعينيه بعض الارتباك .
وإن كنت اعلم لما سألتك .. هناك شئ لا أعلمه عن علاقتكما ببعض بعيد عن الصداقة الزائلة .
هناك اشياء تبقى فى الصدور ولا تكتب على السطور .
ولكنها ستنكشف وإن غابت مر العصور .
إذن انتظرى حتى تأتى اللحظة المناسبة لفك طلاسمها والبوح بأسرارها .
سيبقى فكرى مشغول وسيتنابنى الهموم , ثم نظرت إليه نظرة طفل برئ يستعطف ليحصل على ما يريد , واستفسرت : أهذا حقاً ما تريد ؟
القى عليها نظرة استحسان عندما يستدرج بها الذئب الحلمان , وابتسم ابتسامة انفرجت عنها نصف اسنانه , لا تعرف عنها أهى دهاء ثعلب مكار أم طاعة حمل مسيار , ثم قال لها ليزيد تحفيزها وينشط رغباتها : أنت الآن اصبحت فتاة ناضجة يعتمد عليها , وسأراهن نفسى بأنك ستحكمين عقلك قبل قلبك , ولن تأخذى ما سأسرده بصورة شخصية تبنين عليها ردة فعلك .
لمعت عيناها كالقطط بعد أن شعرت بأهمية وخطورة ما سيزيحه والدها من صدره لتتلقاه على عاتقها ... ثم أتت فترة صمت قصيرة اعقبها حديث بصوت موزون لما يشهده هذا الموقف المشحون قائلاً : ليس هناك شئ ثابت فى الحياة , الامور تتغير وتتبدل كذلك الأشخاص فالكل لديه قناعة بأمر ما , ولكن ستأتى اللحظة وينسف ما لديه من ثوابت .
دحجته بنظرة أن ينهى المقدمات ويأتى بالمسلمات ثم استطرد : كنت فى فترة شبابى شخص متواضع مادياً ومعنوياً , حتى تعرفت على شخص أصبح بعد ذلك مشهور وانتابه الغرور , إلى أن جاءت اللحظة التى قصمت ظهر البعير وحولتنى من طفل برئ إلى وحش جسور , حين اصابنى سهم الحب بدوار , بعد ان علمت أن لا على أن اختار , حتى يؤذن لى أو اتركه بعد إضجار , وبعد فترة سقط من لا يتوقع أن ينهار , لاقتنص الفرصة ويرجع الاصل إلى بيت أهل الدار , فاصبحت مِلكُ لى بعد أن تركته من إكبار .
بدأ قلب كارا يخفق بقوة مع زيادة توترها وهى تسأله أن يخبرها عن إسم بطلا قصته , التى خمنته ولكنها تريد أن تؤكده .
هو الذى يدور برأسك ولا يتقبله قلبك ... والدتك الجميلة وصديقك الجديد .
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.