AmmarB

Share to Social Media

كان الهواء أثقل من العادة.

لا أدري إن كان ذلك بسبب القيود على يدي، أو النظرات المسمومة من حولي، أو لأنني ببساطة… في طريقي إلى الموت.

المركبة تسير بي، جسدي محشور بين رجلين لا أعرفهما، لكنهما يعرفان كل شيء عني.
نقاطي، جرمي، تاريخي، وربما حتى لحظة موتي.

المنفى ليس مكانًا.
هو حفرة يُرمى فيها من لم يعد يليق بالعالم.
مجرد أن تنزل، يُغلق الباب خلفك إلى الأبد.

“ستعيش هناك؟”
قالها الجندي، وهو يضحك كمن يسخر من جثة لم تُدفن بعد.

لا أظنه سألني. كان فقط يطمئن نفسه أنني لن أخرج أبدًا.

أنا؟
لم أكن خائفًا.
كنت فارغًا… كما لو أنني مُتّ بالفعل عندما قالت أمي:
“نعم… هذا ابني، هو من فعلها.”

تمنيت حينها أن ينفوني دون أن ينظروا إلي، دون أن يمرّوا اسمي عبر فم قاضٍ كاذب.
لكن لا…
أرادوا أن يضعوا وجهي في الشاشة، اسمي في البيان، وجريمتي في التاريخ.
قالوا: “قتل والده…”، وأغمضوا أعينهم عن الحقيقة.

لم أكن قاتلًا…
لكنني تعلمت، في ذلك اليوم، أن الحق لا يُجدي ما دام في يد الضعفاء.

المنطقة صفر…
أرضٌ من الغبار والموت والجوع.
قالوا: لا أحد يخرج منها إلا مجنون… أو ميت.

عندما رمتني المركبة خارجها، سقطت على ظهري، والسماء بدت أضيق من صدري.
وقفت، رأيت الظلال تتحرك… بشر؟ وحوش؟ لا أعرف.

لكنني رأيتهم.
رأوني أيضًا.

كانوا حفنة من الغرباء، أعينهم تلتمع بشيء يشبه الجوع… لا للطعام، بل لفرصة.

“هذا جديد؟”
قال أحدهم، وخطى نحوي.

لوهلة، تمنيت أن أموت قبل أن أصل إليهم.
لكن شيئًا في رأسي استيقظ.

لا أعرف كيف، أو لماذا، لكن صوتًا داخليًا قال:
“اخدعهم… لا تكن أنت.”

تغير صوتي، نبرة وجهي، طريقتي.
قلت لهم ببرود لا يشبهني:
“أنا قاتل من الطراز الأول… من اقترب، سيموت.”

وصمتوا.

خطوت نحوهم، وهم تراجعوا.
بعضهم همس: “منفي خطير… لا نقترب منه.”
ضحكت. داخليًا فقط.

أنا؟
كنت أرتجف.

لكنهم صدقوني…
وكانت تلك أول مرة، أشعر فيها بأن الذكاء ليس أسوأ قدرة في هذا العالم.
بل ربما… أعظمها
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.