لم أعد أعلم منذ متى بدأت أكتب هذه الكلمات…
أو من الذي يمليها حقًا.
أنا أيمن، على الورق، في السجلات، وفي ذاكرتهم…
لكن منذ لحظة النفي، شيء بداخلي انقلب.
كان هناك صوت… لم يشبهني، لكنه عرفني أكثر مما أعرف نفسي.
“أنت لست مستعدًا يا أيمن.”
“دعني أُرِهم من نكون.”
لم أكن أقاتل هذا الصوت، لم أقاومه، بل… كنت أراقبه يتصاعد بداخلي كالنار التي ترفض أن تنطفئ.
صوتٌ لا يحمل الرحمة، لا يتردد، لا يشفق.
كان يُدعى: عمار.
⸻
حين خرجتُ من المدينة، من أنوس التي كانت تشبه المستنقع، ظنّ الجميع أنني انتهيت.
أن من يُنفى لا يعود…
لكن ما لم يعرفوه هو أنني لم أعد وحدي.
عمار… لم يكن مجرد “قدرة”.
بل حالة عقل، وجهٌ جديد، ولادة عقلية خارقة لا تخضع لموازين هذا النظام المريض.
كانت قدرته الثانية، “الوجه الآخر”، تعمل دون أن أطلبها.
تنبض داخلي كأنها القلب نفسه…
وحين أغمضتُ عيني في أول ليلة بعد النفي،
فتحتها مجددًا… كـ”عمار”.
⸻
الخطة؟
ليست خطة، بل منظومة.
شبكة أفكار هندسية، كل نقطة متصلة بأخرى، كل احتمال محسوب.
بدأتُ أراقب: من بقي من أصدقائي؟ من تغيّر؟ من اختفى؟
علي وعمر، إخوتي، لم يخونوا الذاكرة.
وكان ماركوس… القدوة التي طالما حلمت أن أصلها، هو أول من شعر أنني لم أمت، بل تغيّرت.
هو من سلمني أول خيط نحو الرأس الأول في مدن تحت الصفر.
⸻
ذلك الرجل… كان كلبًا من كلاب المجلس.
قوي، دموي، لا يرحم.
لكن هناك ما لا يعرفه أمثاله…
الخداع لا يحتاج عضلات.
بل يحتاج إلى صمت في الوقت المناسب، وكلمة في الوقت القاتل.
ووجه لا يمكن قراءته.
لقد خُدع.
كل خطوة خطاها، كانت مرسومة.
كل كلمة قالها، كنت أريد سماعها.
كل موتٍ من حوله… كان تمهيدًا لسقوطه.
وحين سقط، لم أقتله.
بل قلت له:
“أخبر المجلس… أن الوجه الثاني عاد.”
⸻
منظمة القتلة؟
أعدت تسميتها إلى:
“مجموعة الخداع”
لا نقتل من أجل القتل…
بل نزرع الشك في كل قلب، نجعل كل عضو في المجلس ينظر لظله ويسأله: “هل أنت معي؟”
⸻
وعندها… وعندها فقط…
جاء ذلك الرجل العجوز، الضعيف… أو هكذا بدا.
هو من بدأ النظام.
فقير، منفي، مثلي تمامًا.
لكنه لم يَمت، بل كان ينتظرني.
قال لي:
“هل تعتقد أنهم من بنوا هذا العالم؟ لا… أنجلو، أثينا، كاستياس… كانوا مجرد تلاميذ. وأنا تركتهم يتمادون… بانتظارك.”
كلماته كانت كصفعة.
أنجلو…
أثينا…
كل من كرهني، خانه قلبي، كل من طعنني…
هم رؤوس المجلس.
⸻
في تلك اللحظة، توقف كل شيء.
لا أذكر أني تنفست،
ولا أن قلبي نبض،
ولا أن عيني رمشت.
كأن الزمن تجمّد.
كأنني لم أعد أيمن، ولا حتى عمار…
كنت شيء آخر. شيء لا يوصف.
⸻
عندها، فهمت ما يجب فعله.
الخطة لم تعد إسقاط نظام فقط.
بل إعادة صياغة العالم.
لا من أجل الانتقام…
بل لأجل أن يعود الإنسان إنسانًا.
⸻
وعدتُ.
لكن ليس باسمي.
الناس سيعرفونني باسم جديد.
سيظنون أنه قائد مجهول…
لكن في الواقع، أنا الظل الذي طردوه.
أنا الذكاء الذي احتقروه.
أنا الوجه الثاني.
أنا عمار