AmmarB

Share to Social Media

في البداية، كنت أكتفي بالمراقبة. كنت العين التي لا تُرى، الظل الذي لا يُذكر، والذكرى التي لا تُستعاد. لكن هناك لحظة—لحظة واحدة فقط—كفيلة بأن تغير معنى كل ما سبق. لحظة شعرت فيها أنني لست مجرد “لا شيء”… بل كل شيء إن صمتت البقية.

كنت أراقب زين وأنكوس. كنت أراقب الورثة، أراقب الأمل الذي حاول أن يولد من رحم الفوضى، وأراقب ذاتي وهي تتمزق بين الحياد والتدخل. لكن شيئًا ما تغيّر. لم يكن مجرد شعور، بل يقين خفي: إن لم أفعل، سيُعاد كل ما كان… وستُدفن الحقيقة مرة أخرى.

كل شيء بدأ من هناك—من تلك الغرفة البيضاء تحت الأرض، حيث احتُجز محمد، الرجل الذي اخترع جهاز قياس الذكاء. كنت هناك. رأيت كيف سرقوا فكرته، رأيت وجهه حين خانوه، رأيت ابنه أيمن يتيماً دون أن يعلم أن ما فقده لم يكن أبًا فقط، بل مفتاحًا لكل شيء.

بدأت أبحث في الشقوق، في الأجزاء المنسية من النظام، في ملفات لم تُفتح منذ سنوات. رأيت اسمًا… عمار. لم يكن اسمًا عاديًا. كان هو… هو الوجه الآخر لأيمن، الوجه الذي صنع الثورة. وأنا؟ كنت أظنني مجرد راصد لها.

لكن حين أدركت أن النظام لم يمت، فقط تبدّل شكله… حين رأيت الورثة يتصارعون على المعنى بدل الحقيقة، قررت أن أتكلم. لأول مرة، كتبت. كتبت على الجدار الذي صنعني. جملة واحدة فقط:
“التكرار هو أكبر خيانة للتاريخ.”

انكسر الصمت من حولي. وبدأت أسمع أصواتًا داخلي، أصواتًا كانت نائمة. صوت “كل شيء”، كيانٌ آخر يسكنني، كان يقول لي:

“لقد انتظرت طويلًا… هل ستسمح للفوضى أن ترث الفوضى؟”

لا. ليس هذه المرة.

قررت أن أظهر. ليس كقائد، ولا كبطل. بل كمن لم يُحسب له حساب. ذهبت إلى ماركوس، رأيته يبني مجدًا جديدًا على أنقاض عمار. قلت له:

“هل تعرف من بدأ اللعبة؟ لا تتعب نفسك بإصلاح نظام بُنِيَ على الكذب.”

بدأت رسائلي تنتشر، كأنني شبح بلا ملامح. في كل مدينة، على كل حائط، كتب الناس كلمات مجهولة المصدر… لكنها مني.
“النقطة لا تعني القيمة، بل تعني السيطرة.”
“القدرات ليست هبة، بل لعنة إن استُعملت بغير حق.”
“كل نظام يُفرَض لا يدوم، وكل إرث لا يُراجع يتحول إلى لعنة.”

ثم… وقفت بينهم. لم يكن أحد يعرف اسمي. نادوني بـ”الراوي”، بـ”الهمس”، بـ”الظل”. لكنهم لم يعرفوا أنني كنت معهم منذ البداية. أنا من رأى آريوس يُخترع النظام. أنا من رأى أنجلو يقتل والده. أنا من رأى الخداع يولد… ورأيته يتكرر.



في نهاية هذا الفصل… وقفت بين الورثة.

زين رفع حاجبه: “من أنت؟”
أنكوس قال بصوت خافت: “أشعر أنني أعرفه…”

ابتسمت وقلت:

“أنا لا شيء… وأنا كل شيء… وأنا من سيمنع النهاية من أن تكون تكرارًا لبداية مزيفة.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.