AmmarB

Share to Social Media

منذ متى لم أبكِ؟
لا أعلم.
لكني بكيت، وكنتُ أكره البكاء.
كان وجهه أمامي، علي.
ذلك الصديق الذي دفنّا أحلامنا معًا حين بدأ النظام، ثم افترقنا… وأنا نُفيت، وهو بقي.
وحين رأيته، لم أرَ وجهه فقط. رأيت نفسي قبله. رأيت الأمل، البيت، الضحكة.
وحين بكيت… لم أبكِ من الضعف، بل من الذكرى.

“من أنت؟”
قالها وهو ينظر إليّ، يحاول أن يفكك هذا الوجه الذي صار يحمل ملامح الحرب.
فقلت له، بصوتي وصوت آخر معي:
“أنا من نُفي، ومن عاد. أنا من مات هناك، وعاش هنا. أنا… عمار.”



في ذلك الوقت، لم أكن أنا فقط. كان “نحن”.
أنا وعمار. وجهان لذاتٍ تمزّقت ثم التحمَت.
كنت أعيش داخل ذاتي، لكن ليس كصوت واحد. كانت الأفكار تُتداول داخلي كأنها في غرفة اجتماعات.
عمار – ذلك العقل الذي خرج مني – لم يعد فكرة. أصبح خطة. أصبح كيانًا.

في لحظة المواجهة، بعد اللقاء مع علي، جلسنا معًا.
أنا وعلي… ثم هو أخبرني.
قال:
“أيمن… لقد أنشأنا شيئًا. منظمة… تُدعى ‘ردع العُلاء’، لمواجهة النظام.”

وهنا ضحكت. ضحكة لم يسمعها العالم من قبل.
فقال: “ماذا؟”

أجبته وأنا أحدق في السماء:
“الحظ ليس حظًا. أحيانًا، هو الوجه الآخر من التخطيط.”
لكن الحقيقة؟ لم يكن هذا تخطيط أيمن.
كان… تخطيط عمار.



حين عدت، لم أعلن عودتي.
كنت كظل. كشبحٍ ذكيّ يقتحم خيوط النظام دون أن يراه أحد.
بدأت بالتسريبات.
الفضائح.
سرقة مستندات المخططات القديمة.
نشر أسماء المتواطئين.
تنفيذ اغتيالات استراتيجية.
زعزعة السوق.
كشف الصفقات بين الطبقة العليا والمجلس.

كنت أزرع الفوضى في إمبراطورية الظلم، قطعةً قطعة.
كنت كمن يفتح كل باب مغلق بمفتاح الذكاء.
ولم يعلم أحد من أنا.



الناس أسمَوني “الظل”.
قالوا إنه منظمة.
قالوا إنه جن.
قالوا إنه العقل الأعلى.

لم يعرفوا أنه كان… “أنا”.



مرت شهور.
والنظام يرتج.
المجلس يجنّ.
سارة… أختي، كانت ترتعد.
أنجلو كان يشك في كل من حوله.
أثينا… كانت تصمت. لا أعرف ماذا دار في عقلها، لكني أعلم أنها كانت ترى وجهي كل ليلة وتخاف أن يكون قد عاد.

ثم…
أتى اليوم.
اليوم الذي قررت فيه أن أخرج من الظل.

دخلت مقر المجلس.
من الباب.
لا خيانة. لا دخان. لا سمّ.
دخلت كأنني دخلت بيتي.
كأنني أعود لأصُلح الكسر الذي بدأ يوم نُفيت.



سارة وقفت، وجهها شاحب.
أنجلو أمسك بحافة الكرسي.
أثينا أغمضت عينيها.
أما كاستياس؟
وقف. صفّق.

ثم صمت الجميع.

نظرت إليهم.
ونظرت إلى نفسي.
وقلت جملتي، ليس بصوت أيمن فقط… بل بصوت عمار داخلي:

“نفيتموني كأنني لا شيء… هاهو اللاشيء يقلب كل شيء. اليوم… ينتهي نظامكم. ويبدأ عصرنا… عصر الحرية.”



لم أقتلهم.
لم أذبحهم.
أنا لم آتِ لأكون نسخة جديدة من نظامهم.
بل سجنتهم.
في نفس السجن الذي نفيت إليه.
ليتذوقوا ما ذقت.
ليدركوا أن الإنسان حين يُجرح… إما أن يموت، أو يُبعث من جديد.

وأنا…
بُعثت.



لم أعد أيمن فقط.
ولستُ عمار فقط.

أنا من وُلد من الظلم، وعاد بالحقيقة.
أنا من نسي نفسه، ليصنع للعالم وجهًا آخر.



انتهى النظام.
الناس خرجت تهتف، تبكي، تسأل:
“من فعلها؟”

ولم يكن هناك اسم يُقال…
سوى:

“عاد عمار.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.