لقد كنت هنا دومًا… أكثر مما تعرفون، أقلّ مما تظنون.
لم أكن صدى، ولا مراقبًا بلا أثر. كنت حاضرًا، لكنني اختبأت داخل صمتي.
اسمي الذي لم يُذكر أبدًا… هو ياسر.
ولقبوني: لا شيء.
لكنني كنت يومًا كل شيء.
❖
في إحدى الزوايا المهجورة من مدينة أنوس، وقف عمار، في هيئة “الوجه الآخر”، يتأمل تمثالًا محطمًا لرجل لا يُعرف من ملامحه سوى العيون الغارقة بالتعب. فجأة، انبعث الصوت الذي تعوّد عليه، صوت الراوي الذي كان يهمس منذ بداية الرحلة.
لا شيء:
“كنت أظن أنني قادر على كبح المسار… أن أغيّره بصمتي.
لكنّ الصمت جبن إذا أُلبس ثوب الحكمة.
وها أنا، بعد كل هذا، أتكشف أمامكم… وجهي الحقيقي ليس ظلًا.
وجهي… كان وجه أب.”
❖
مكتب صغير، أوراق مبعثرة، وطفل صغير – عمار – ينظر بعيون تائهة إلى رجل شاحب الملامح، يكتب ويرتجف.
الطفل: “ليش ما تقول شي، بابا؟”
الرجل (دون أن يرفع رأسه): “لأن الكلام ممكن يقتل.”
الطفل: “بس الصمت يوجعني.”
❖
ظهر رجل كبير في العمر، وجهه مألوف لعمار، لكن غريب على زين وأنكوس، الذين كانا يتابعان بصمت من خلف ستار مهدم.
عمار (بتوتر): “… أنت؟!”
زين (بصوت منخفض): “من هذا؟”
أنكوس (وقد شعر بشيء مختلف): “هذا هو… لا شيء.”
الرجل: “اسمي ياسر. والد عمار. وأنا من بدأ هذه الحكاية دون أن يدري.”
❖
عمار: “أنت اختفيت! كنت أحتاجك! كنت أنتظر تفسيرًا… أو حتى كذبًا يخفف الجحيم!”
ياسر: “كنت أحاول أن أنقذك من حقيقتي. كنت أظن أنني إن ابتعدت… لن تتحول إلى ظلّي.
لكني كنت أعمى. أنت لم تهرب مني، بل أصبحتني.”
زين: “هل كنت وراء النظام؟ وراء التجارب؟”
ياسر: “لا… لكنني كنت في الظل حين بُني، وكنت أملك القدرة على أن أقول لا… ولم أفعل.”
أنكوس: “إذن أنت سبب كل هذا؟”
ياسر: “أنا السبب الذي لم يُكتب. الشاهد الذي اختبأ.
كنت أول من رأى نهاية أيمن قبل أن يبدأ.
وأنا من رأى فيكم، أيها الورثة… فرصة لغفران لم أستحقه.”
❖
داخل مختبر تحت الأرض، جسد أيمن ينزف، ياسر يصرخ: “لا تلمسوه!”
لكن الدكتور أحمد يرد بهدوء: “لقد تأخرنا، السيد ياسر. الآن… سيولد الذكاء من الرماد.”
ياسر يمسك بيد ابنه، يهمس: “سامحني يا بني… أردت لك حياة، لا أسطورة.”
❖
ياسر (ينظر إلى السماء):
“كل الذين أحببتهم غادروا قبلي…
وكل من تبقّى، صاروا غرباء.
لكن أنتم، زين… أنكوس… أنتم فرصة لا تعوّض.”
زين (بحدة): “فرصة لفعل ماذا؟ لمغفرة رجل مات منذ زمن؟”
أنكوس (بهدوء): “لا… فرصة لفهم البداية، حتى لا نعيدها.”
ياسر (ينحني أمامهم):
“أنا لا أطلب الغفران… بل الاعتراف.
أنا من كان يُدعى لا شيء،
لكني كنت والد عمار،
وكنت أول شاهد…
وأول جبان.”
❖
“لو عاد بي الزمن، لصرخت حين سكتُّ.
لو أُعيدت الحياة، لأخترت أن أكون حاضرًا في كل لحظة.
لكنها لم تُعد.
وكل ما تبقى… أنتم.
الورثة.
من لم يولدوا من كبرياء، بل من وجعنا.
فامضوا، ولا تعودوا.
وأخبروا العالم أن لا شيء… كان وجهًا حقيقيًا.