لا أحد يرث الظلال إلا إن كان منها…
ولدت في بيتٍ لا يُحكى عنه، بل يُتجنّب. أبي؟ يقولون أن اسمه عمار، ويقولون أيضًا أنه كان المنقذ، ثم كان المدمر. لم أره إلا في عيون الناس… نصفها يرتجف، والنصف الآخر يشتعل.
ورثت كل شيء منه… الذكاء، المكر، الحدة، حتى الكوابيس.
لكنني لم أرث شيئًا من أيمن. ذلك الجزء النقي. ذلك “الصوت الداخلي” الذي يقول: كفى.
لهذا أنا ناقص.
منذ سنوات، كنت أبحث عن معنى. جربت الانضمام لما تبقّى من أنظمة، ثم خربتها. جربت الحب… فخنقني.
كنت أمشي اليوم في السوق المهترئ لأنوس، حين رأيته… شابًا غريب الملامح، يبتسم لفتاة تبكي. يُمسك بيدها ويقول شيئًا عن الغد. كان الضوء في عينيه نقيًا… ضوء لم أره منذ زمن.
اقتربت منه. لم أقصد.
لكنه لاحظني.
⸻
[صوت أنكوس]
أحاول ألا أنظر في أعين الناس كثيرًا. أحيانًا أرى فيها الجوع، وأحيانًا أرى الخوف، وأحيانًا… أرى شيئًا آخر.
شيئًا يشبه ما رأيته في ذلك الشاب الذي نظر إليّ اليوم وكأنني انعكاسه في مرآة متصدعة.
لم أقل شيئًا. فقط ابتسمت.
قلت للفتاة: “الحزن ليس بيتًا تسكنينه. فقط زقاق تمشين فيه.”
وعندما التفتّ إليه، وجدته يقترب دون أن يتكلم.
نظراته؟ كانت سلاحًا. كأنها تقول: “أنت تشبه شيئًا أعرفه… لكني أكرهه.”
سألني:
— من تكون؟
قلت له:
— أنا لا أعرف بعد… وأنت؟
⸻
[صوت زين]
أكرهه… لأنه يشبه ما ينقصني.
لكنني انجذبت، لا إراديًا. كنت أريد أن أعرفه، أن أفهم هذا الهدوء الغريب الذي يحمله، كأنه يعرف شيئًا لا يعرفه أحد.
قلت له:
— أنا؟ أنا ابن من لا يجب أن يُذكر اسمه…
ابتسم. بلا خوف.
— عمار؟
لم أجب.
لكنه عرف. وكأنه كان يعرفني قبل أن أعرف نفسي.
كان أول من لم يتراجع حين سمع الاسم.
وربما لهذا… بدأت القصة.
⸻
[صوت أنكوس]
لم يكن عاديًا. كنت أعلم أن اللقاء به سيفتح أبوابًا لا يمكن إغلاقها.
لكني لم أخف. بل شعرت بأن هذا الشخص… يشبهني بطريقة غريبة. كأننا نُكمل ما بدأه آخرون، أو نحاول إصلاح ما لم يُصلَح.
قلت له:
— تعرف؟ لا أؤمن بالوراثة. لا أحد يرث شيئًا دون أن يختاره.
نظر إليّ نظرة غريبة… كأنها اختراق.
— بل أؤمن أن البعض لا يملك خيارًا
صوت زين]
كيف لشخص أن يتحدث عن الرحمة وكأنها درع؟
العالم لا يعرف سوى القوة.
الخداع هو البوصلة، الذكاء هو الطريق، والحدة… هي السلاح.
أنكوس هذا؟ يشبه السراب.
قلت له:
— ستُقتل يومًا لأنك تصدّق ما لا وجود له.
أجابني:
— لا بأس، أفضل أن أُقتل إنسانًا على أن أعيش ظلًا.
عندها، غلي دمي.
— ظل؟ أتعني أبي؟ أتعني أنني…؟
⸻
[صوت أنكوس]
كانت عيناه تتوهج كأنهما ناران تحت ضغط.
لم أجب بسخرية، لم أجب بخوف.
فقط نظرت إليه وقلت:
— بل أعني أنك تُعيد نفس الأخطاء.
وقبل أن يُكمل غضبه انفجرت السماء…
لا، لم تكن قنبلة.
لم يكن زلزالًا.
كانت… طاقة.
شيء لا يُفهم، لا يُوصف.
كل ما شعرت به هو جسدي ينسحب، صوتي يذوب…
ويد تمسك بي.
يد زين.
⸻
[صوت زين]
كنت أصرخ. لكن لم أسمع صوتي.
وكل شيء احترق بالضوء.
صرخنا في الوقت نفسه، وانهارت الأرض من تحتنا.
ثم…
⸻
[صوت مشترك – زين وأنكوس]
نحن؟
نحن… لَسنا كما كنا.
هذا جسد واحد.
عقلان.
فكرتان… تتصارعان داخل قفص واحد.