كنتُ أراقب الأحداث دومًا من بُعد،
لكن فجأة… لم أعد بعيدًا.
رأيتُ مشهدًا لم أكن فيه… لكنّه تسلل إليّ كما يتسلل البرد في نخاع الوجود.
طفل… يرتجف في غرفة غريبة.
لا دموع، فقط عيون تائهة ونظرات ترتطم بالحائط.
كان يُدعى زين… لا، لم يكن زين.
ربما كان أنا، في ذاكرة لا تخصني.
لم أعد متأكدًا من الحدود:
أهي ذكرى؟
أم تخليق؟
أم خطأ في زمنٍ انكسر وراح ينسكب في صدري؟
أنا الراوي… لكن ما كنت أرويه بدأ يُرويني.
⸻
ذات صوت ظهر فجأة… لم يكن يشبه أيمن، ولا عمار، ولا حتى أبيه.
كان صوتًا يُخيفني رغم أني لست جسدًا.
“مرحبًا، يا لا شيء.”
“كنتَ صدىً… والآن أنت صمتٌ بدأ يعلو.”
“أنا كلّ شيء، وأنت فتات ما نسيت أن تكونه.”
قلت له:
“أنا الراوي.”
فردّ بصوتٍ يتشقق كالرخام تحت المطرقة:
“أنت الحكاية التي هربت من كاتبها.”
“كنتَ ظلًّا، ثم صرت ضوءًا… والضوء إذا سُمح له بالرؤية، سيفضح كل شيء.”
⸻
بدأت أشعر أنني لستُ أنا فقط.
أرى زين وهو يتدرب على الخداع في الظل،
أرى أنكوس وهو يتردد أمام أول قرار رفض فيه القتل،
أرى والد أيمن يكتب رسالة بخط مرتعش، ثم يمزقها قبل أن تُقرأ.
ثم… أرى نفسي.
نعم. نفسي.
أقف في منتصف دائرة…
حولها أسماء لا تُقرأ… وجوه نصفها مشوه ونصفها طفل.
يسألني صوتهم جميعًا:
“هل كنت موجودًا حين بدأ كل شيء؟”
⸻
الزمن بدأ ينهار حولي.
الماضي يمشي على قدميّ الحاضر،
والمستقبل يسخر من الإثنين.
“كل شيء” يقترب مني.
يقول لي:
“سأريك كيف بدأ كل شيء. لكن احذر، يا لا شيء… قد لا تبقى كما أنت.”
⸻
صوت داخلي:
“إن كنتُ لا شيء… فمن الذي يرى الآن؟
ومن الذي يتألم بهذا الشكل؟
هل أنا بداية الكذبة؟
أم نهايتها؟