Tahani Muhsin

شارك على مواقع التواصل

بعد نجاح 'عبد الحميد' في الدراسة الثانوية، قرر أن يكمل دراسته في أوروبا كغيره من أبناء الأثرياء. فحقق حلمه ببيع ميراثه من والدته إلى خاله 'فرحان'، وسافر للدراسة في أعرق الجامعات الفرنسية. وخاله الطيب لم يتردد في توفير كافة المصاريف التي يحتاجها خلال فترة وجوده في الخارج..

تذكر كيف درس بجد وبكل طاقته. في الصباح درس الفرنسية والهندسة المعمارية، وفي المساء أخذ دروساً مسائية في اللغتين الإيطالية والألمانية، وإدارة الأعمال..

وفي السنة الرابعة من دراسته لفتت انتباهه الفتاة الجميلة 'نرجس نصر الدين'، التي كانت في نفس القسم ولكن في المستوى الثاني، ببشرتها البيضاء ورشاقتها وعيونها الخضراء وشعرها الأصفر الطويل..

حاول التقرب من صديقاتها لمعرفة معلومات عنها. وعلم أنها تحمل جنسيتين مختلفتين عن والدها المصري ووالدتها الفرنسية. وفرح عندما علم أن والدها هو رجل الأعمال المعروف في مصر وأوروبا، ففكر في مضاعفة جهوده لجعلها تقع في حبه وتضع أموال والدها في جيبه لأنها وريثته الوحيدة..

ولأنه كان يعرف طباع الناس، عرف كيف يلعب حباله عليها ويطاردها دون أن تشعر بذلك. علم أنها من النوع الذي يلبي احتياجاته بسهولة ويمل منها بسرعة، فكان يظهر أمامها ويتجاهل وجودها وكأنها لا تلفت انتباهه وليست نوعه المفضل. وهكذا جعل الفريسة تظن أنها الصيادة، فدخلت الفخ دون أن يسمي عليها أحد. فأنقض عليها الصياد بخفة وأمسكها ببراعته..
         
               ♡•♡•♡

أخبرت 'نرجس' أباها عنه وطلبت منه أن يزوجها به بأي وسيلة، ولو يشتريه بالمال كما يشترى لها بقية طلباتها. خاف والدها أن يكون شاباً فاسداً مثل بقية أصدقائها الذين عرفهم من قبل، فأرسل مخبرين للبحث عن ماضيه وتاريخه الكامل، حتى نوع الحليب الذي شربه وهو رضيع. وبعد أسبوع وصل ملفه إلى مكتب 'جمال'، وفرح عندما قرأ في التقرير أنه شاب عصامي يدرس ليل نهار وليس لديه الوقت لإشباع رغباته وأهوائه ويضيع وقته كغيره من الشباب. ففكر أن يقربه منه ليختبره حتى يتأكد من نزاهته، ثم يزوجه ابنته، ويسلمه أمواله بعد عمر طويل إن شاء ﷲ..

وبعد أيام قليلة وصل 'عبد الحميد' إلى مقر شركة 'جمال نصر الدين'، وهو فخور بنفسه لأنه نجح في الخطوة الأولى في دخول عالم المليونيرات. دخل مكتب 'جمال' بخطوات واثقة بشخصيته وباعتزاز شديد بذكائه..

ابتسم 'جمال' عندما رأى 'عبد الحميد' ونهض من مكتبه متواضعاً لاستقباله، وأعجب بوسامته وشخصيته.. 

... "'عبد الحميد الهاني'، طويل القامة، عريض المنكبين، واسع العينين، شعره أسود كثيف، بشرته داكنة قليلاً، ذو وجه حليق " ...

نظر 'عبد الحميد' إلى 'جمال' وشعر بالتوتر والخوف من نتيجة خطوته، وأحس بتأنيب الضمير.. "هل ما يفعله صحيح؟!!"..

... "'جمال نصر الدين'، 46 عاماً، طويل القامة، شديد البياض مع احمرار بسيط في خديه لأصوله التركية البنمية المختلطة، ممتلئ الجسم، شارب عريض، عيون زرقاء، شعر بني فاتح، ذو عقل رزين وذكاء " ...

'جمال' - بابتسامة - :- أهلاً بيك في شركتي، تشرفت بمقابلتك !!
'عبد الحميد' :- الشرف ليا 'جمال' بيه، انبسطت قوي لما عرفت من 'نرجس' أنك عايز تقابلني في شركتك. لو تعرف من زمان نفسي أتعرف برجل ناجح زيك وب..!!
'جمال' - بلا مبالاة - :- أقعد يا أبني. مابحبش المجاملات. كل إنسان وعارف بمقداره !!
'عبد الحميد' - بحماس - :- حضرتك من الناس النادرة اللي مابتحبش المجاملات. دلوقتي كبرت في نظري أكثر !!
'جمال' - بجدية - :- وأنت كمان عاوزك تكبر في نظري. عارف أن حبك لبنتي هو بس علشان توصل لي ولفلو...!!

أحمر وجه 'عبد الحميد' من صراحة 'جمال' وكشفه لمخططه بكل سهولة، فسرعان ما قاطع كلامه ليحفظ ماء وجهه الذي سيضيع..
'عبد الحميد' - بغضب - :- لو سمحت أنا ماجيتش هنا علشان تهزئني وتفكر أني إنسان إنتهازي وخسيس. عايز أستغل عواطف بنتك علشان أحقق أحلامي. أفتكر أنك أنت من طلب مقابلتي، ولو فاكر أن حبي لـ 'نرجس' حب مصلح..!!
'جمال' - مقاطع - :- أيوووة أشكرك لأنك قلت بالنيابة عني اللي كنت عاوز اقوله لك. أنت بكدا اختصرت عليا الطريق !!
'عبد الحميد' - بتهكم - :- هممم يعني أنت لسه ماقولتش الكلام اللي كنت عاوز تقوله لي؟ أومال كنت هتقول إيه كمان لو فضلت ساكت وأنت بتتهمني..!!

لم يستطع 'عبد الحميد' إكمال كلامه، فقام من مكانه غاضباً.. 
'عبد الحميد' :- اسمح لي امشي وأوعدك أني هبعد عن طريق بنتك ومش هتشوفني هنا ثاني !!
'جمال' - بسخرية - :- طبعاً لأنك واثق من نفسك أن بنتي الوحيدة خلاص وقعت في حبك ومش هتقدر تبعد عنك، وهتضغط عليا أعمل اللي عايزه منها. أسمع أنا قادر أخذ بنتي وأسفرها لأبعد قارة وأبعدها عنك، وهشتري لها شويه مجوهرات وشنط، وصدقني هتنساك بسهولة ومن أول أسبوع. ماتفكرش أني بنيت نفسي وحافظت على أملاك جدودي وأنا معايا عقل غبي حتى يجي شاب صغير ويفكر أنه يقدر يأخذ اللي قدامي واللي ورايا عن طريق حبي لبنتي. دي خطة بقت قديمة قوي !!

خاف 'عبد الحميد' من تهديد 'جمال'. فإذا نسيته 'نرجس' ستضيع كل خططه وأفكاره، وتنهار أحلامه في النجاح والثروة السريعة. وبالفعل، كانت ورقته الرابحة في الضغط على والدها..

فكر 'عبد الحميد' أنه لا فائدة من اللعب مع شخص أذكى منه، فصمت ليعرف نهاية المقابلة..
'جمال' :- أول حاجة أقعد وخلينا نشرب قهوة، وبعدها هقولك ليه طلبت مقابلتك !!

جلس 'عبد الحميد' على الكرسي بهدوء، وقد أنزاح عن صدره هم كبير لأنه لن يدخل الأسرة عن طريق المكر والخداع، فأوراقه أصبحت مكشوفة..

'جمال' - لنفسه - ... " أنت معدنك أصيل، وهيثمر فيك تعبي. أنا راجع مصر أستقر فيها واستثمر فلوسي، وأنت اللي هعتمد عليه !! " ...

              ♡•♡•♡

تذكر 'عبد الحميد' بداية عمله في القرية السياحية بشرم الشيخ وكيف عمل بكل طاقته. فبيده رسم كل شبر من القرية، وبعرقه بني كل طوبة من بيوت القرية..

وبعد أربع سنوات من المقابلة، تحقق حلم 'عبد الحميد' الثاني. تزوج من 'نرجس' في أفخم حفل زفاف وبحضور ضيوف من كل أنحاء العالم، واكتملت فرحته بولادة ابنيه التوأم 'آدم' و'إيريس' اللذين أخذا من شخصيته وورثا جمال والدتهما..

والآن تذكر 'عبد الحميد' سبب زيارته لأخته والسبب زوجته 'نرجس'..

في بداية خطبتهما اكتشف شخصيتها الأنانية، وخلال أشهر الحمل تحمل عصبيتها وجنونها على أتفه الأسباب. وصراخها في لحظات عصبيتها وتمزيقها أوراق مخطوطات مشاريعه، ملقية كل أيام تعبه وسهره في الرسم عرض الحائط..

وبعد إنجابها، تركت تربية طفليهما بالكامل للمربية الأجنبية. وتذكر كيف كانت تتأفف في وجود طفليهما، خاصة إذا احتاج أحدهما إلى التنظيف، فكان يقوم بنفسه بتنظيفهما ويغير لهما لأن السيدة لن تتنازل إذا لم تكن المربية موجودة..

وأخيراً، سئم من تصرفاتها غير المسؤولة، خاصة بعد أن سافرت مع والديها إلى فرنسا دون أخذ إذنه، وكأن ليس لديها رجل في حياتها، فقرر تأديبها..
فأقسم لها خلال مكالمة هاتفية أنها عندما تعود إلى مصر، ستجد نفسها وقد أصبح لديها ضرة تنافسها عليه..

༺༻
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.