Hishamaryqy

Share to Social Media

إذا أعطي العبد همة كبرى، ارتحلت به في دروب الفضائل، وصعدت به في درجات المعالي.
ومن سجايا الإسلام التحلي بكبر الهمة، وجلالة المقصود، وسمو الهدف، وعظمة الغاية.
فالهمة هي مركز السالب والموجب في شخصك، الرقيب على جوارحك، وهي الوقود الحسي والطاقة الملتهبة، التي تمد صاحبها بالوثوب إلى المعالي والمسابقة إلى المحامد.
وكبر الهمة يجلب لك -بإذن الله- خيرا غير مجذوذ، لترقى إلى درجات الكمال، فيجري في عروقك دم الشهامة، والركض في ميدان العلم والعمل, فلا يراك الناس واقفا إلا على أبواب الفضائل، ولا باسطا يديك إلا لمهمات الأمور، تنافس الرواد في الفضائل، وتزاحم السادة في المزايا، لا ترضى بالدون، ولا تقف في الأخير، ولا تقبل بالأقل, وبالتحلي بالهمة، يسلب منك سفساف الآمال والأعمال، ويجتث منك شجرة الذل والهوان، والتملق، والمداهنة، فكبير الهمة ثابت الجأش، لا ترهبه المواقف، وفاقدها جبان رعديد، تغلق فمه الفهاهة.
فكبر الهمة تاج على مفرق القلب الحر المثالي، يسعى به دائما وأبدا إلى الطهر والقداسة والزيادة والفضل، فكبير الهمة يتلمظ على ما فاته من محاسن، ويتحسر على ما فقده من مآثر، فهو في حنين مستمر، ونهم دؤوب للوصول إلى الغاية والنهاية.
فالهِمَّة الهمة؛ فإنها طريق إلى القمة، فأسرع الوصول ولا تنظر إلى الخلف، لا تنظر إلى أي عائق، واعلم أن شبراً بذراع، وأن ذراعاً بباع، وأن مشياً بهرولة، فضلا من الله ومِنَّة.
اصبر، وجِدِّ، ولا تسأم، ولا تمل بالعمل الصالح, بالنصح، بالدعوة، بالقيام بما أوجب الله عليك، فلا تنظر إلى لوم لائم، ولا إلى عتاب عاتب، ولا إلى هوى نفس أو شيطان, فالنفس تحب التحرر من القيود، والانطلاق والتفلت، فتراها تستلذ الحرام والشهوات، همها هواها، لكن صاحب الهمة العاقل الحازم يمنعها هواها، ويداريها، فيأخذها تارة بالعزائم، وتارة بالرخص، ويستعيذ بالله من شرها، ويدعو بتزكيتها، لتزكو وتتربى، وتسمو وتترقى.
فلتكن هِمّتك عالية, وهدفك صائب, وغايتك مشروعة, ليكن لك في التاريخ ذكرا, وبعد الموت أثرا, طالع الكتب, ألّف كتابا, ابني مسجدا, اوقف أرضا, اعمل صدقة جارية, احفظ كتاب الله, احفظ آحاديث رسوله, فلتكن همتك عالية ورفيعة, ناطح الثريّا بهمتك, ناطح نجوم السماء, كن أرفع من الجبال, وأوسع من الأرض, وأرقُّ من الخيط, وألين من الماء, وأحلى من العسل.
كن كالجبل نصفه تحت الأرض عميق, ونصفه فوق الأرض رفيع, غايته وهدفه مناطحة قمم السماء, لا يهمك جور السلطان, ولا غلا الأسعار, ولا ارتفاع صرف الدولار, ولا سوء الحال, كن كالجبل, لا يذوب, لا يتقلقل, لا يتحرك, لا يتمايل, لا يتصدع , همّه خدمة غيره, لا تهمّه نفسه, ولا يخدم نفسه, إنما همّه حماية الأرض من التمايل والعدول, لكن ذوبانه واضطرابه وتصدعه كلها من خشية الله{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}().
أنت! أنت!, كن كالجبل, اصعد سلّم النجاح وناطح الثريا, واجعل خوفك وخشيتك من الله دون غيره.
فبقدر همتك واهتمامك وبذْلك وتضحيتك تكون مكانتك، ولا يعطى لك المجد جزافا.
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله... لن تبلغ المجد حتى تلق الصبرا.
التفوق والمثابرة لا تعترف بالأنساب والألقاب ومستوى الدخل والتعليم, بل من عنده همة وثابة, ونفس متطلعة, وصبر جميل, أدرك العلياء, وناطح الثُريا.
انظر إلى أصحاب الهمم العالية, والأهداف الناصعة, والغايات الصالحة, أمضوا حياتهم كلها عمل في عمل, وجهد في جهد, وتعب في تعب, وصبروا وجدّوا واجتهدوا, حتى وصلوا إلى القمة, وناطحوا نجوم السماء, وتركوا أثرهم ثمارا طيبة لمن بعدهم فرحمة الله عليهم.
هاهو رسول الله –صلى الله عليه وسلم– الذي غفر من ذنبه ما تقدم وما تأخر كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من ضلع الدين وغلبة الرجال))().
وقام من الليل حتى تفطرت قدماه، وربط الحجر على بطنه من الجوع، وربما صلى أكثر الليل، وصبر على الإيذاء والسب والشتم والطرد والتشريد من الأوطان، والجراح في المعركة والجوع، وجاهد أعداء الله من مشركين، ويهود، ونصارى، ومنافقين، وكان أعظم الناس جهاداً، وأحسنهم خلقاً، وأجلهم إيماناً، وأسدهم رأياً، وأنبلهم كرماً، وأكرمهم نفساً، وأطيبهم عُشرة، وأشجعهم قلباً، وأسخاهم يداً، وأكبرهم همة، وأمضاهم عزيمة، وأكثرهم صبراً -صلى الله عليه وسلم-.

وصبر معه أصحابه أَجلَّ الصبر، وجاهدوا أحسن الجهاد، فوقفوا مواقف تشيب لها الرءوس، فضحوا بأموالهم وأنفسهم، وقدموا الغالي والرخيص في سبيل الله، ولقوا الألاقي في مرضاته، فنكل بهم من أعدائهم، فمنهم من قتل، ومنهم جرح، ومنهم من قطعت أعضاؤه ومزقت أطرافه، وأكلوا من الجوع ورق الشجر، وسحب بعضهم على الرمضاء وحبس البعض، هذا وهم صامدون مجاهدون مناضلون مكافحون، يستعذبون من أجل دينهم العذاب، ويستسهلون الصعاب، ويتجرعون الغُصف.

فهذا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-, ينفق ماله في سبيل الله، ويهب عمره كله لمرضاة الله، فهو المصلي الصائم المنفق المجاهد المضياف الجواد البار الصادق الذاكر العابد القانت الأواب، حتى إنه ليدعى من أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة؛ لكثرة فضائله وإحسانه، وهو رفيق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة، وصاحبه في الغار، ما تخلف عن غزوة، ولا تأخر عن معركة، بل هو السَّباق الأول إلى الإسلام، والهجرة والجهاد والبر والتقوى، وما استحق كلمة الصدّيق ولا تاج القبول ولا وسام البر إلا بعد جهادٍ عظيم، وخلقٍ مستقيم، وفضلٍ عميم..
وهذا الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-, بلغ الغاية في الزهد والورع مع ما سبق له من المقامات الجليلة في الإيمان، والتضحية والهجرة، والجهاد، والإنفاق مع خشيته لربه، ومراقبة لمولاه، وعدلٍ في رعيته، وضبط لشئون المسلمين، وإتقانٍ لعمله في الخلافة مع الصدق في السر والعلن، والإنصاف في الغضب والرضا، مع ما كان عليه من الفقه في الدين، والاجتهاد في معرفة الوحي، واستنباط الحكم من النصوص..
وهذا عثمان بن عفان ذي النورين -رضي الله عنه-، الذي سارع إلى الاستجابة لله ولرسوله، فأسلم قديماً ولزم الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع العسر واليسر، فصدق مع الله جهاده وهجرته وإنفاقه، فجهز جيش العسرة، واشترى بئر رومة، وأوقفها على المسلمين، ومَهَر في القرآن، وجودّه، حتى كان يتهجد به أكثر الليل، مع الحياء من الله، والسعي في مرضاته، مع صدق اللهجة، وكرم النفس، وطهر الضمير، وحمد السيرة..
وهذا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، كان سيد الشجعان، ورائد الفرسان، حضر المعارك، وجالد بسيفه، وقتل الأقران، فكان ميمون النقيبة، مبارك السيرة، طيب السريرة، مع ما كان عليه من علمٍ غزير، وفقهٍ ثاقب، وفصاحةٍ مشرقة، وشجاعةٍ متناهية، وزهدٍ عظيم، وإقدامٍ وتضحية، وهمةٍ ومضاء، وعزيمةٍ وإباء، حتى استحق هذه المنزلة بجدارةٍ وتأهل للمجد بحق..
وهذا أبي بن كعب, سيد القراء، جمع القرآن وأتقنه وحفظه، وضبط فعلم، وعلَّم وصدق ونصح حتى صار آيةً في هذا الفن ومرجعاً في هذا الباب..
وهذا الزبير بن العوام, أصيب في كل شبرٍ من جسمه في سبيل الله، فاستحق رفقة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والمنزلة العالية، ورضوان الله.

وسعد بن أبي وقاص, أحد العشرة، وخال الرسول -صلى الله عليه وسلم-، صدق الله فكان مجاب الدعوة، ثابت القلب، فنصره الله على أهل فارس، ورفع به رأس كل مسلم، وكبت به أعداء الله، فكان الأسد في براثنه..
وعبد الرحمن بن عوف, أحد العشرة, تصدق بقافلةٍ في سبيل الله، بجمالها، وحمولتها طلباً لمرضاة الله، وأنفق في كل عمل راشدٍ مبرور..
وهذا ابن عباس, حبر الأمة، وبحر الشريعة، وترجمان القرآن، جدَّ في طلب العلم، وحرص غاية الحرص، وبلغ النهاية في فهم الوحي، وتصدر لتعليم الناس، فكان عجباً في فهمه وحفظه وبيانه وكرمه وسخائه، حتى صار إماماً للناس لما صبر وجاهد وعلم وتعلم..
وهذا معاذ بن جبل, إمام العلماء، طلب العلم من معلم الخير -صلى الله عليه وسلم-، وعمل بما علمه الله، فكان مثال العالم العامل المنيب المخبت الزاهد العابد، ودعا إلى الله، وعلم عباده، وجاهد في سبيله، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، مع فقهٍ عميق، وخلقٍ كريم، ورفقٍ بالناس، وسخاءٍ بذات يده..
وأبو هريرة, سيد الحفاظ، جمع الحديث حفظاً، وبلغه الأمة صدقاً، فكان الحافظ الأمين حقاً، قسم ليله للعبادة وتذكر الحديث والنوم، واشتغل بتعليم الناس مع الفتيا والوعظ والجهاد والتعليم، وما ذاك إلا لسمو همته، ومضاء عزيمته، وقوة نفسه..
وهذا خالد بن الوليد, سيف الله المسلول، كتب اسمه في سجل الخالدين بحروفٍ من النور، وخلد ذكره في ديوان الفاتحين بأسطر من ضياء، نصر الإسلام بسيفه، وخاض غمار المعارك، يعرض نفسه للأخطار، ويقدم روحه في راحته مستهيناً بالمصاعب، حتى صار مضرب المثل في الفداء والتضحية، وسمو القدر، وجلالة المنزلة، وارتفاع المحل..
سعيد بن المسيب, سيد التابعين، ما فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام ستين سنة، وكان يمضي ثلاثة أيام مسافراً في طلب الحديث الواحد، وغالب جلوسه في المسجد، وكان مرجع الناس في الفتيأ وتعبير الرؤيا، مع قيام الليل، والقوة في ذات الله، والغيرة على محارم الله، والصدق والزهد والإنابة والسخاء والهيبة والعلم الراسخ..
عطاء بن أبي رباح, المولى الأسود رفعه الله بالعلم، ومكث بالحرم ثلاثين سنة يطلب العلم، ثم صار مفتي الناس، مع تقشفه وإخلاصه وورعه، وتبحره وإتقانه في الرواية، وفقهه في الدراية، فصار إماماً للناس..

والحسن البصري المولى, جاهد في طلب العلم ومعرفة السنة، والصبر على الاشتغال بالأثر، مع ما رزقه من فصاحةٍ ورجاحةٍ وملاحةٍ وسماحة؛ فصار كلامه دواءً للقلوب، ووعظه حياةً للنفوس، وهو في ذلك واحد الناس زهداً وتواضعاً وإنابةً وخشيةً وورعاً واستقامة، حتى رفعه الله في المحل الأسمى وبوأه الله المكان الأعلى..
ومحمد بن شهاب الزهري, حافظ السنة، وإمام الناس في الحديث، طلب العلم مع الفقر والحاجة، وصبر وثابر، وارتحل إلى العلماء، واعتنى بالحديث، فصار أحفظ أهل زمانه، مع فقهٍ ودراية، وسخاءٍ حاتمي، وكرمٍ سارت به الركبان، فاستحق أن يكون اسمه في ديوان السنة مرقوماً، وفي الخلود منقوشاً..
وعامر الشعبي, الإمام الجامع للعلوم، كان قديم السلم، وافر الحلم، كثير العلم، تبحر في السنة، وبرع في الأدب، مع ذهنٍ وقّاد، وقلبٍ ذكي، وفهمٍ ثاقب، حتى صار رسول الخليفة عبد الملك إلى ملك الروم، لعلمه وفهمه وبديهته وفصاحته ونبله وقوة شخصيته، وهو الذي يقول: ما كتبتُ سوداء في بيضاء، وما استودعتُ شيئاً فخانني. أي ما نسي علماً..
أبو حنيفة, الفقيه الكبير، اجتهد في طلب العلم ورزقه الله فهماً وذهناً خصباً، صار الناس في الفقه عيالاً عليه، فقعد واستنبط، وصدف عن الدنيا، وأعرض عن المناصب، وفَرَقَ من القضاء، واكتفى ببيع البز، مع عبادةٍ وزهدٍ وخشوعٍ وصدقٍ وذكاءٍ منقطع النظير..
مالك بن أنس, إمام دار الهجرة، صاحب الموطأ الذي فاق الناس عقلاً، وأنفق عمره في طلب الحديث، حتى شهد له سبعون عالماً أنه أهلٌ للفتيأ، فصارت تضرب إليه أكباد الإبل، وتشد إليه الرحال، حباه الله بجلالة ووقارٍ, مع سمتٍ وجمال مظهرٍ وسلامة مخبر..
الشافعي, إمام الآفاق، الذي قعَّد القواعد، وأصَّل الأصول، سخر جسمه ووقته في طلب العلم، فحلَّ وارتحل، وجال وصال، حتى ضرب بعلمه الأمثال، وصار كالشمس للبلدان، وكالعافية للأبدان، مع صبره وشكره وزهده وأدبه وفصاحته وشعره ونبوغه وعلو همته، ورجاحة عقله، وسعة معارفه..
أحمد بن حنبل, إمام السنة، وقامع البدعة، وبطل المحنة، طاف الأقطار، وقطع القفار في جمع الآثار، مع الجوع الشديد، والتعب المضني، والفقر المتقع، والزهد الظاهر، ثم ابتلاه الله بالمحنة، فحبس وجلد فما أجاب، فرفعه الله لعلمه وصبره وصدقه، حتى أصبح ذكره في الخالدين، وصار إماماً للناس أجمعين..

عمر بن عبد العزيز, الخليفة الزاهد العابد المجاهد، مجدد القرن الأول، عزف عن الدنيا، وأعرض عن الشهوات، وأقبل على العلم والعبادة، والزهد والعدل، فأقام الله به السنة، وقمع به البدعة، وأنار به طريق الإصلاح، وجدد به معالم الفلاح، فهو إمام هدى، وعالم ملة، ورباني أمة..

سفيان الثوري, زاهد زمانه، وعالم دهره، زهد في الفاني، وأقبل على الباقي، وحفظ الحديث، وجَوَّد الزَاد، أفتى وعلم، وأمر ونهى ووعظ، ونصح بنية صادقة، وعزيمة ماضية، وهو مع ذلك يحفظ أنفاسه، ويربي جلاسه، حتى أتاه اليقين..
عبد الله بن المبارك, الذي جمع الله له المحاسن، فهو العالم العامل الزاهد العابد المجاهد المحدث الحافظ الغني المنفق، الأديب الفصيح، سليم الصدر، طيب الذكر، عظيم القدر، منشرح الصدر، دأب في الخير، وصبر على التحصيل، وداوم على الفضائل، حتى جعله الله إماماً في الناس يفوق الوصف..
الإمام البخاري, صاحب الصحيح فتح الله عليه بالعلم، فوصل الليل بالنهار في طلب الآثار، حتى صار إمام الأقطار، فضرب بحفظه المثل، مع المعرفة التامة، والفهم الدقيق، يُزين ذلك خلقٌ كريم، وزهدٌ مستقيم، ثم ترك ميراثاً مباركاً من العلم في كتابه الصحيح، الذي هو أجل كتابٍ بعد القرآن، فجزاه الله عن الأمة أفضل الجزاء، وأنزله الفردوس الأعلى..
وقس على هذا الإمام مسلم, صاحب الصحيح، ومصنف الصحاح والسنن والمسانيد، والمعاجم من المحدثين الأخيار أهل الهمم الكبار..
وانظر لـ سيبويه!, إمام النحو، الذي طاف البوادي، وزاحم العلماء، ثم ألف كتابه المسمى بـ الكتاب، فصار أعظم كتابٍ في النحو، وصار من بعده من النحاة عالةً عليه، فاستحق الثناء، واستوجب الشكر، ونزل منزلةً ساميةً عند أهل الإسلام، لفرط ذكائه وبراعته، ومئات النحاة تزينت بهم الكتب، وأشرقت بهم المجالس، ولولا الإطالة لأشرت لكل واحدٍ منهم، وإنما أكتفي بالأعيان، ومن له ذكرٌ وأثرٌ وتفردٌ وتميزٌ ولموعٌ وسطوعٌ وإبداعٌ..
وهذا محمد بن جرير الطبري, صاحب التفسير، جمع الفنون، وصنف التصانيف، وحاز قصب السبق في تفسير كتاب الله، حتى صار شيخ المفسرين، وصار كتابه أعظم كتابٍ في هذا الفن، فتداوله الملوك، وتباصرت به الأقطار، ونهلت من فيضه الأجيال، فهو مرجعٌ لكل مفسر، ومعتمد كل عالمٍ لكتاب الله –تعالى-..

وهذا ابن حبان, صاحب الصحيح، المحدث الأعجوبة، الذكي العبقري اللوذعي الألمعي، طاف البلدان، وهجر الأوطان، وبرع في هذا الشأن، حتى روى عن ألفين من الشيوخ، ومن شاء فلينظر إلى كتابه الصحيح، وكتبه الأخرى، فإن فيها من التبحر والدقة والبراعة ما يفوق الوصف..
ومن العلماء الربانيين الإمام النووي، مات في سن الأربعين، لكنه ترك علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وحسبك بـ رياض الصالحين، هذا الإمام وصل ليله بالنهار، وصام وقام، وسطع ولمع، وجمع العلم، وهجر الكرى، وجد في السُرى، حتى اعتزل الزواج ليتفرغ للعلم فأتى فيه بالعجب العجاب..
وشيخ الإسلام، وعلم الأعلام ابن تيمية، سيد العلماء، وكبير الفقهاء، جد في الطلب، فحاز الرتب، حقق، ودقق، ودرس، وخطب، وأفلح حتى صار مجدد قرنه، ومصلح زمانه، وترك من التأليف ما يفوق الوصف، براعةً وحسناً وأصالةً وعمقاً، فهو حقيقةً مضرب المثل للعالم الرباني، العامل بعلمه، زهداً وخشيةً وإنابةً وجهاداً وصدقاً وتواضعاً وكرماً وشجاعةً وإمامة، وما حصل له هذا الفضل إلا بفتح الله وكرمه، بعد صبرٍ وجلد، وسهرٍ وتعب، ومشقةٍ ونصب؛ لأنه كان ذا همةٍ عارمة لا تقبل الأدنى، وعزيمة صارمة لا ترضى بالدون، فبز علماء عصره، وصار المرجعية الكبرى للفتيأ، فهو قصة سارت بها الركبان، وأعجوبةً قلّ أن يرى مثلها الزمان.
وتلميذه ابن القيم, صاحب التصنيف المبارك البديع، الذي استفاد منه الموافق والمخالف، مع حسن لفظ، وبراعة إنشاء، وقوة حجة، وصحة برهان، ورسوخ علم، وعمق فهم، وكان في نفسه ذاكراً، شاكراً، صابراً، صواماً، قواماً، عابداً، زاهداً..
وابن رجب, الحافظ المجتهد، كتبه خير شاهدٍ على علمه وفهمه وتبحره، وله جهدٌ مباركٌ مشكور في شرح الأحاديث، وإخراج كنوز الآثار، بل لا أعلم عالماً له من البراعة في الشرح مثل ما لهذا العالم الكبير..
ومنهم حافظ الدنيا في زمانه ابن حجر، صاحب فتح الباري الذي شرح فيه صحيح البخاري، فقد دبجه في خمس وعشرين سنة، وصنف المقدمة في سبع سنوات، فأتى بما يذهل العقول، ويدهش الألباب، مع عشراتٍ من المجلدات غير ذلك.
وكان دائم التحصيل والتأليف والتدريس، لا يكل، ولا يمل، ولا يفتر، ولا يسأم، ولا يضجر، حتى أصبح خاتمة الحفاظ، وسيد الجهابذة، وشيخ المحدثين، ومن شاء أن يعرف هذا الرجل فلينظر في الفتح، فلا هجرة بعد الفتح..

ومنهم السيوطي, جامع الفنون، وحائز قصب السبق في التأليف والتصنيف، وقد اعتزل في الأربعين، وترك تراثاً ضخماً من المؤلفات النافعة الذائعة..
وقبلهم ابن الجوزي, واعظ الدنيا، أكبر مؤلفٍ في كثرة ما أُلف، فقد ألف قرابة ألف مصنف ما بين كتابٍ ورسالة، وشغل وقته بطلب العلم، والحفظ، والتفقه، والتصنيف، والتدريس، والوعظ، حتى أصبح حديث الركبان، وقصة الزمن، وأعجوبة الدهر، فصاحةً ونباهةً وعلواً وخطراً..

ومنهم مجدد الإسلام في هذا الزمان، الإمام محمد بن عبد الوهاب، الذي جدد الله به دينه، ونصر به شرعه، وأعلى به كلمته، وهو الذي دعا إلى التوحيد، وهزم الأوثان، وأزال الشركيات، وصحح المعتقد، وجاهد في الله حق جهاده بعزمٍ أمضى من السيف، وهمةٍ أقوى من الدهر، وصبرٍ عظيم، وإخلاصٍ وتضحية، حتى رفع الله محله، وأعلى قدره، ورفع ذكره، وكبت أعداءه، فاستحق كلمة الثناء، ومنزلة الإمامة، ورتبة الربانية..
والشيخ عبد العزيز بن باز، جامع الميميات الثلاث ميم العلم وميم الحلم وميم الكرم، كان إماماً في السنة على هدي السلف، محدثاً فقيهاً عالماً مربياً، رفيقاً بالناس، رحيماً متواضعاً صبوراً، يقوم بأعمالٍ يعجز عنها نفرٌ من الرجال، فكان يعلم ويفتي، ويراجع الكتب، ويرسل الرسائل للآفاق، ويشفع، ويضيف، وينصح، ويعظ، ويحاضر، ويحضر المؤتمرات، مع زهدٍ وخلقٍ وسماحةٍ وذكرٍ وتهجدٍ وصدقات، وإصلاحٍ بين الناس، وأمرٍ بمعروف، ونهيٍ عن منكر، وصبرٍ على أذى، وشفقة على المساكين، ورحمة بالفقراء، وحبٍ لطلبة العلم..
ولا ننسى الإمام الفقيه العلامة الزاهد محمد بن عثيمين، كان فقيهاً ذكياً ألمعياً عالماً، علم وأفتى، ودرس بصبرٍ وحكمةٍ ورفق، وأتقن عدة فنون شرعية، وواصل التعليم والإفتاء حتى طبق اسمه الآفاق، مع صدوفٍ عن المناصب، وزهدٍ في المراتب، وإعراضٍ عن الدنيا، وترك طلاباً نجباء، وكتباً هي قرة عيون العلماء، صحةً في المعتقد، وقوةً في الحجة، وجمالاً في الأسلوب..
وكذلك محدث العصر، وعلامة السنة في زمانه، محمد بن ناصر الدين الألباني، صاحب المصنفات المشهورة، والرسائل النافعة، قضى عمره كله ليله ونهاره في خدمة السنة، تصحيحاً وتضعيفاً وجرحاً وتعديلاً، وكان على هدي السلف، مع اهتمام بشئون المسلمين وقضاياهم في مشارق الأرض ومغاربها..

ومحمد الأمين الشنقيطي، الإمام الحافظ الأصولي المفسر النظار اللغوي، حافظ وقته، كان يلقي الدرس ارتجالاً فيأتي بالعجب العجاب، لجودة ذهنه، وصفاء خاطره، وقوة حفظه، حتى انبهر منه العلماء، وصار مضرب المثل للأذكياء()
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Story Chapters

مقدمة الكتاب أين السعادة دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان حدد الهدف كن موحدا لله ولا تحزن. كن مؤمنا بالله. الهمة، الهمة الصدقة ضياء. لا تنتظر شكرا من أحد. املأ الدلو ماء ولا تملأه وحلاً. ومن الناس من يعبد الله على حرف. فنظر نظرة في النجوم. اغسل همومك بالنهر الجاري وقفة استراحة. البس لباس التقوى. السعداء لا يعلمون الغيب. دروب السعادة. نور على نور. لا تنسَ نصيبك من الميراث. إن للبيت ربا يحميه. كن صادقا مع الله. مشتقات السعادة. عندك دواء الأمراض. إياك والتسويف فهو مدمر السعادة. وقفة استراحة. لا تحزن إذا جهلك البشر. اغلق صفحة حزنك على الماضي. حقيقة الدنيا الحقيرة. كيف يكون اتصالك بالناس فعال. اشكر الله وتمتع بسعادة الشكر. اجبر خواطر الناس. تريض مع الحياة يطيب لك العيش. سعادتك في حسن خلقك. ولا تنسوا الفضل بينكم منتزهات القلوب. وقفة استراحة. لذة طلب العلم. من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. بادر ولا تقف مترددا. الفرج يأتي بعد الشدة، فلا تحزن!. خريطة السعادة. مفتاح السعادة. ابذل المعروف يتسع لك الكون. كن جميلا ترى الوجود جميلا. نادِ يا الله!. العلم نور، السعداء يهتدون به. وقفة استراحة. لا تحمل الجبال على ظهرك. لا تحزن إن كنت معلما. أعيذك بالله أن تكون حاسدا. قل كلمة طيبة، او اصمت، تسلم من الأحزان. السعادة سفينة الحياة الزوجية. لا تخف من المستقبل. ارضى بما كتبه الله لك وقضاه. وكذلك جعلناكم أمة وسطا. وجعل بينكم مودة ورحمة. إياك والاقتراب من العشق الممنوع. وقفة استراحة. اصنع من الليمون شرابا حلوا. البلايا تجلب العطايا. رحمات الله إليك تتنزل. لا تحزن. مناجاة. لا تيأس. لا تشتري القليل بالكثير. السعادة تحت أقدام الأمهات. اطرق باب السعادة برفق. اثنان.. وواحدة. وقفة استراحة. أيها المحزنون. كثير ما يكون وهما لا حقيقة. قل انظروا ماذا في السموات والأرض. المطعم الحرام يذهب السعادة. أوصل رسالتي لزوجتك. سيجعل الله بعد عسر يسرا. الذهب يبقى ذهب. ابتسم في حين رفعت الأقلام وجفت الصحف. لا بأس أن تستشير طبيبك. الحزن غير موجود. وقفة استراحة. اغتنم فرص السعادة. لست المصاب وحدك. هل تذوقت حلاوة الإيمان. فاصفح الصفح الجميل. كن سعيدا ولا تصنع الأحزان. لذة التلاوة وحلاوة القراءة. في ظلال القرآن. ولا تنسَ نصيبك من الدنيا. فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين. قليل دائم خير من كثير منقطع. وقفة استراحة. لا تحزن على الرزق فهو مضمون. استغل مواهبك ولا تقارن نفسك بالآخرين. تبسمك في وجه أخيك صدقة. احذر إذاعة[قالوا]. التمس العذر لإخوانك المسلمين. اتقوا فراسة المؤمن. هناك ما هو أحلى من العسل. اصنع السعادة بنفسك. وتلك الأيام نداولها بين الناس. اقطع جواز سفرك إلى الآخرة. وقفة استراحة. أكثر من قول: حسبنا الله ونعم الوكيل. ثلاثة وأربعة وخمسة وستة. الشرع أباح لك سرقة القلوب. ارضَ بالقليل يأتيك الكثير. عجائب الدعاء. ما ودعك ربك وما قلى. اطلق جناحي با اطير. هل جربت؟!!. كيف تحزن على الرزق وربنا يقول: رضاء الناس غاية لا تدرك. وقفة استراحة. لا تخاف مما يشاع. ابذل كل ما بوسعك لنيل السعادة. كن كالنحل، تمتص الرحيق برفق. لكل مقام مقال. لا تصطاد في الماء العكر. حب الصحابة لنبيهم عليه الصلاة والسلام. لا تقتل سعادتك باللحوم المسمومة. ما أعظم لذة حب الله. احذر سهام الليل المحزنة. تمهل ولا تستعجل. وقفة استراحة. كيف تجعل سريرتك نقية. لا تهدي سعادتك للآخرين. لا تحزن إن قيل لك: لا. تذوق لذة معرفة الله. فإن كل ذي نعمة محسود. وجعلنا الليل لباسا. النعيم لا يدرك بالنعيم. ألا بذكر الله تطمئن القلوب. أربعة أمراض تذهب سعادتك، أسال الله أن يشفيك منها. أمهات سطرهن التاريخ وقفة استراحة. سعادة الصالحين وأخبارهم في سعادتهم. ما أجمل رائحة حامل المسك. لا تحزن أيها المبتلى. هنيئا لك بهذه الزوجة. نصائح طبية تنفعك. احذر العقوق فيسلبك سعادتك. الملائكة تحفك والله يذكرك فيمن عنده. النظر في الصور قد يسلبك سعادتك تمتع بتقليب صفحات حياتك. يمشون على الأرض هونا. وقفة استراحة. يالها من مواعظ مثيرة للقلب. عمل الخير في يومه يدفع عنك الشر في يومه. لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد. خمس جوائز في القرآن الكريم الفراغ أقوى أسباب الهموم، فاحذره. رفقا بالقوارير. أنيس القلب ورياض الجنة. ترتفع قيمتك وتسعد حياتك في حسن خلقك. وأعتزلكم وما تدعون من دون الله نعمة المصيبة وأجرها الوافر وقفة استراحة. الحق ضالة المؤمن. وصيتي لك في خمس لاءات. اغلق عينيك ثم انظر. انظر وطالع في جليسك. لا تكن أنت هو!!. لا تستخف بالحقير فقد يسلبك سعادتك. ومن دخله كان آمنا. أرحنا بها يا بلال. شجاعة الرعيل الأول في ميدان بدر. هل من سائل فأعطيه. وقفة استراحة. تلك عشرة كاملة. حسن المقصد. الهمة طريق القمة. المسارعة وعدم الإفراط. الشعور بالقوة والعزة. الشجاعة والتضحية مهما كلف الثمن. حب الخير للآخرين. وتعاونوا على البر والتقوى. حسن الظن بالآخرين. تأثير الحبل على الصخر ما أجمل الابتسامة. وقفة استراحة. حقيقة القرآن وأسراره وتأثيره على النفوس. حتى تكون سعيدا. السعادة الحقيقية الخاتمة.
Write and publish your own books and novels NOW, From Here.