ﺇﻥ اﻟﺤﻴﻒ، ﻭﺳﻠﺐ اﻟﺤﻘﻮﻕ، ﻭﺇﻫﺪاﺭ اﻟﻜﺮاﻣﺎﺕ ﻣﺒﻌﺚ اﻟﺸﻘﺎء، وإماتة الضمير، ﻭﻣﺜﺎﺭ الحزن، وإماتة، السعادة..
ﺇﻥ ﻗﻮﻣﺎ ﻳﻔﺸﻮ ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻈﻠﻢ ﻭاﻟﺘﻈﺎﻟﻢ، ﻭﻳﻨﺤﺴﺮ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﺤﻖ ﻭاﻟﻌﺪﻝ، ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﻠﺒﻮا ﺑﻔﺴﺎﺩ، ﻭﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﺘﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺟﺒﺮﻭﺕ اﻷﻣﻢ، ﻳﺴﻮﻣﻮﻧﻬﻢ ﺧﺴﻔﺎ، ﻭﻳﺴﺘﺒﺪﻭﻧﻬﻢ ﻋﺴﻔﺎ، ﻓﻴﺬﻭﻗﻮا ﻣﻦ ﻣﺮاﺭﺓ اﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻭاﻻﺳﺘﺬﻻﻝ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﺷﺪ ﻣﻦ ﻣﺮاﺭﺓ اﻻﻧﻘﺮاﺽ ﻭاﻟﺰﻭاﻝ، لأن الإسلام منح المظلومين مكانة عليا عند الله، حيث لا حجاب بين دعوة المظلوم واستجابة السماء للدعاء، فحتماً سيأتي يوم سوف ترد فيه الحقوق إلى أهلها، وترتد فيه المظالم على مرتكبيها، وعين الله لا تنام، وإن غاب عدل البشر فإن عدل الله لا يغيب..
والظلم هو أبشع شعور يحس به الإنسان ويتعرض له، سواء كان الظلم من الدنيا أو من الناس أو من المقربين إليه، وهو يُشِعر المظلوم بالحزن والألم والعجز وخاصة عندما لا يستطيع أخذ حقه ولكن الله -عز وجل- لا يترك حق المظلوم وينصره ولو بعد حين..
فلا تكن أنت سببا في أحزان فلان الذي ظلمته.. لا تكن أنت سببا في سلب فلان نومه من الظلم الذي يعانيه..
لا تكن أنت سببا لتلك الدمعات التي تسقط على خد ذلك المظلوم..
لا تكن أنت سببا في قطع ذلك المظلوم مما يحب..
لا تكن أن من جلب للمظلوم الأحزان والهموم والغموم فلم يجد لذة نومه، ولا شهية طعامه، ولا لذة شرابه، ولا راحة حاله، ولا هدوء باله..
فالحياة تدور ثم يُصاب كل ظالم بما ظلم، وكل شامت بما شمت، وكل مسيء بما أساء به..
إنّ من تعِاسة العبد، وعثْرة قدمه وسقوط مكانته: ظُلمه لعباد الله، وهضْمه حقوقهم، وسحقه ضعيفهم، حتى قال أحد الحكماء: خفْ ممّن لم يجد له عليك ناصراً إلا الله. ولقد حفظ لنا تاريخ الأمم أمثلة في الأذهان عن عواقب الظَّلمة. فهذا عامر بن الطفيل, يكيد للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويحاولُ اغتيالهُ، فيدعو عليه -صلى الله عليه وسلم-، فيبتليه اللهُ بغدَّة في نحْره، فيموت لساعته، وهو يصرخُ من الألم.. وأربدُ بنُ قيس يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويسعى في تدبير قتله، فيدعو عليه، فيُنزلُ اللهُ عليه صاعقة تحرقه هو وبعيره.
وقبل أنْ يقتُل الحجاجُ سعيد بن جبير بوقت قصيرٍ، دعا عليه سعيد وقال: اللَّهم لا تسلطهُ على أحد بعدي. فأصاب الحجاج خُرَّاجٌ في يده، ثم انتشر في جسمه، فأخذ يخور كما يخور الثور، ثم مات في حالةٍ مؤسفة.
واختفى سفيان الثوري خوفا من أبي جعفر المنصور، وخرج أبو جعفر يريدُ الحرم المكِّيّ وسفيان داخل الحرم، فقام سفيان وأخذ بأستار الكعبة، ودعا الله -عزَّ وجلَّ- أن لا يُدِخل أبي جعفر بيته، فمات أبو جعفر عند بئر ميمون قبل دخوله مكَّة..
وأحمد بن أبي دؤاد القاضي المعتزليّ يُشارك في إيذاء الإمام أحمد بن حنبل فيدعو عليهم فيُصيبُه اللهُ بمرض الفالج فكان يقول: أما نصفُ جسمي، فلو وقع عليه الذباب لظننتُ أنَّ القيامة قامت، وأمَّا النصف الآخرُ، فلو قُرض بالمقاريض ما أحسستُ.
ويدعو أحمدُ بنُ حنبل أيضا على ابن الزيّاتِ الوزير، فيسلط الله عليه منْ أخذه، وجعله في فرن من نار، وضرب المسامير في رأسه(){وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ}(){وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}().
وكذلك ممن أكثروا في الأرضِ الظلُّم والفساد والبغي والعدوان، أصيبوا بأمراض مؤلمة مزمنة، وبكوراث مروعة، وبلايا ومصائب فاجعة، كل ذلك بسبب ظلمهم، وجبروتهم{الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ}() ((إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته)) () ((واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))().
ﺃﺩ اﻷﻣﺎﻧﺔ، ﻭاﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﻓﺎﺟﺘﻨﺐ ... ﻭاﻋﺪﻝ ﻭﻻ ﺗﻈﻠﻢ ﻳﻄﻴﺐ اﻟﻤﻜﺴﺐ
ﻭاﺣﺬﺭ ﻣﻦ اﻟﻢﻇﻠﻮﻡ ﺳﻬﻤﺎ ﺻﺎﺋﺒﺎ ... ﻭاﻋﻠﻢ ﺑﺄﻥ ﺩﻋﺎءﻩ ﻻ ﻳﺤﺠﺐ..
روي ﻋﻦ ﻭﻫﺐ أنه ﻗﺎﻝ: ﺑﻨﻰ ﺟﺒﺎﺭ ﻗﺼﺮا ﻭﺷﻴﺪﻩ، ﻓﺠﺎءﺕ ﻋﺠﻮﺯ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﻓﺒﻨﺖ ﺇﻟﻰ ﻇﻬﺮ ﻗﺼﺮﻩ ﻛﻮﺧﺎ ﺗﻌﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻓﻴﻪ، ﻓﺮﻛﺐ اﻟﺠﺒﺎﺭ ﻳﻮﻣﺎ ﻓﻄﺎﻑ ﺑﻔﻨﺎء اﻟﻘﺼﺮ, ﻓﺮﺃﻯ اﻟﻜﻮﺥ ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﻫﺬا؟ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ: اﻣﺮﺃﺓ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﺛﺎﻭﻳﺔ, ﻓﺄﻣﺮ ﺑﻪ ﻓﻬﺪﻡ ﻭﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻤﺮﺃﺓ ﺣﺎﺿﺮﺓ, ﻓﺠﺎءﺕ ﻓﺮﺃﺗﻪ ﻗﺪ ﻫﺪﻡ، ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﻫﺬا؟ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﺎ: ﺇﻥ اﻟﻤﻠﻚ ﺭﻛﺐ ﻓﺮﺁﻩ ﻓﺄﻣﺮ ﺑﻬﺪﻣﻪ, ﻓﺮﻓﻌﺖ ﻃﺮﻓﻬﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﻭﻗﺎﻟﺖ: ﻳﺎ ﺭﺏ ﺃﻧﺎ ﻟﻢ ﺃﻛﻦ حاضرة, ﻓﺄﻧﺖ ﺃﻳﻦ ﻛﻨﺖ!؟ ﻗﺎﻝ: ﻓﺄﻣﺮ اﻟﻠﻪ -ﻋﺰ ﻭﺟﻞ- ﺟﺒﺮﻳﻞ ﺃﻥ ﻳﻘﻠﺐ اﻟﻘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻓﻴﻪ! ().
ﻻ ﺗﻈﻠﻤﻦ ﺇﺫا ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﻘﺘﺪﺭا ... ﻓﺎﻟﻈﻠﻢ ﺁﺧﺮﻩ ﻳﺄﺗﻴﻚ ﺑﺎﻟﻨﺪﻡ
ﺗﻨﺎﻡ ﻋﻴﻨﺎﻙ ﻭاﻟﻢﻇﻠﻮﻡ ﻣﻨﺘﺼﺐ ... ﻳﺪﻋﻮ ﻋﻠﻴﻚ ﻭﻋﻴﻦ اﻟﻠﻪ ﻟﻢ ﺗﻨﻢ..
ﻗﺎﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﺼﻒ ﺩﻋﻮﺓ اﻟﻢﻇﻠﻮﻡ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻐﺰ:
ﻭﺳﺎﺋﺮﺓ ﻟﻢ ﺗﺴﺮ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﺗﺒﺘﻐﻲ...ﻣﺤﻼ ﻭﻟﻢ ﻳﻘﻄﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﺒﻴﺪ ﻗﺎﻃﻊ
ﺳﺮﺕ ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﺗﺤﺪ اﻟﺮﻛﺎﺏ ﻭﻟﻢ ﺗﻨﺦ...ﻟﻮﺭﺩ ﻭﻟﻢ ﻳﻘﺼﺮ ﻟﻬﺎ اﻟﻘﻴﺪ ﻣﺎﻧﻊ
ﺗﻤﺮ ﻭﺭاء اﻟﻠﻴﻞ ﻭاﻟﻠﻴﻞ ﺿﺎﺭﺏ...ﺑﺠﺜﻤﺎﻧﻪ ﻓﻴﻪ ﺳﻤﻴﺮ ﻭﻫﺎﺟﻊ
ﺇﺫا ﻭﻓﺪﺕ ﻟﻢ ﻳﺮﺩﺩ اﻟﻠﻪ ﻭﻓﺪﻫﺎ...ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﻭاﻟﻠﻪ ﺭاءٍ ﻭﺳﺎﻣﻊ
ﺗﻔﺘﺢ ﺃﺑﻮاﺏ اﻟﺴﻤﺎﻭاﺕ ﺩﻭﻧﻬﺎ...ﺇﺫا ﻗﺮﻉ اﻷﺑﻮاﺏ ﻣﻨﻬﻦ ﻗﺎﺭﻉ
ﻭﺇﻧﻲ ﻷﺭﺟﻮ اﻟﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻤﺎ...ﺃﺭﻯ ﺑﺠﻤﻴﻞ اﻟﻈﻦ ﻣﺎ اﻟﻠﻪ ﺻﺎﻧﻊ().
فإني أحذرك من الظلم، وأحذرك من سهام المظلوم، فإن وجدت في قلبك غم وهم وحزن فتأكد من الحقوق البشرية فقد يكون هناك مظلوم ظلمته، أو محروم حرمته، أو ضعيف قهرته، فرفع كفه إلى من لا يرد كف المظلومين..
فاحذر أن ﺗﺤﺘﻘﺮ ﺩﻋﺎء اﻟﻢﻇﻠﻮﻡ، ﻓﺸﺮاﺭ ﻧﺎﺭ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺤﻤﻮﻝ ﺑﺮﻳﺢ ﺩﻋﺎﺋﻪ ﺇﻟﻰ ﺳﻘﻒ ﺑﻴﺖ اﻟﻈﺎﻟﻢ، ﻧﺒﺎﻟﻪ ﺗﺼﻴﺐ، ﻧﺒﻠﻪ ﻏﺮﻳﺐ، ﻗﻮﺳﻪ ﺣﺮﻗﻪ، ﻭﺗﺮﻩ قلقه، ﻣﺮﻣﺎﺗﻪ ﻫﺪﻑ، سهمه سهم الإصابة((ﻷﻧﺼﺮﻧﻚ ﻭﻟﻮ ﺑﻌﺪ ﺣﻴﻦ)) ()..
لما حُبِس بعضُ البرامكة وولده قال: يا أبتِ بعد العز صرنا في القيد والحبس. فقال: يا بني دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله -عز وجل- عنها().
إياك، ثم إياك أن تظلم أو تناصر الظلم، إنّ الظلم يُردي ويُهلك, والظلم أسرع شيء إلى تعجيل نقمة، وتبديل نعمة، فما من ظالم إلّا سيُبلى بظالم، ومن ظلم لا بدّ أن يُظلَم, ولكل ظالم نهاية، ودار الظالم ظلام ولو بعد حين..
وربما يُنسى الماضي وما مضى، ويُنسى الذنب وما جرى، إلا الظلم فوالله ما نسي وما فنى، لأن ظلم البشر كالديْن في عنق راعيه ولا بدّ من يوم يسدّد ديونه ولو طالت الأيام..