(حسبنا الله ونعم الوكيل) إذا قلتها فرج الله همك, وشرح صدرك, وطمأن قلبك, وأراح أعصابك, وهدّأ نفسك, وجعلك راضيا بما لاقيت منتظرا الفرج الذي يحلُّ عليك{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}().
(حسبنا الله ونعم الوكيل) فوضوا الأمر إليه, وأعيدوا الشأن إليه, واشكوا الحال عليه, ارضوا بكفايته, اطمئنوا لرعايته.
(حسبنا الله ونعم الوكيل) تفويض الأمر إلى الله، والتوكل عليه، والثقة بوعده، والرضا بصنيعه وحسن الظن به، وانتظار الفرج منه؛ من أعظم ثمرات الإيمان، وأجل صفات المؤمنين، وحينما يطمئن العبد إلى حسن العاقبة، ويعتمد على ربه في كل شأنه، يجد الرعاية، والولاية، والكفاية، والتأييد، والنصرة.
(حسبنا الله ونعك الوكيل) سلاح المؤمن, وقوة الضعيف, وعون المحتاج, وناصر المظلوم, وعزّ الذليل, وأمان الخائف, وسعادة الحزين, ويسر المعسور, وسعة الضائق{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.
(حسبنا الله ونعم الوكيل) يقولها إبراهيم: وهو بين الأرض والسماء كالقذيفة في المنجنيق وقد اقترب من النار، فيقول له جبريل: ألك حاجة؟ -تصور الخطورة، وتصور الموقف، إبراهيم في الهواء كالطائر، يرمى بالمنجنيق، وسوف يصل بعد دقائق إلى النار، فيقول له جبريل: ألك حاجة؟- قال: أما إليك فلا. وأما إلى الله فنعم. فلما اقترب قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، فجعل الله النار برداً وسلاماً عليه ونجاه الله منها().
فرَّ موسى -عليه السلام- من فرعون ووراءه ما يقارب مليوناً من جيش فرعون، والبحر أمامه، الموت الموت، قالوا: أمامك البحر وخلفك فرعون، قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، فشق الله له طريقاً في البحر يبساً().
(حسبنا الله ونعم الوكيل) هي كلمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، جلس ولسان الحال يقول: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، والمكيدة تُجرى على السطح، فقربوا صخرة ضخمة يدفعها أربعة منهم وقربوه من الظل، ليسقطوا الصخرة من على الجدار على رأسه، فقربوا الصخرة وبقي ثوانٍ لتسقط على رأسه الشريف؛ لتنتهي هذه النفس الطاهرة, وهذه الروح العامرة, ويقتل محمد ليبكي التاريخ، ويندب الدهر، وترثي الدنيا كل الدنيا، ثوانٍ وإذا بالوحي من السماء، قم قم، اذهب اذهب، اخرج اخرج، الموت أقبل منك، يدبرون قتلك، فوثب -عليه الصلاة والسلام-، وتأخر عن الظل وعن الجدار فوقعت الصخرة مكانه، فدعاهم: يا أعداء الله! وجهز جيشه لبني النضير واستلمهم -صلى الله عليه وسلم- وأذلهم().
وقالها -صلى الله عليه وسلم- وهو في حالة -يوم أحد - لا يعلمها إلا الله، وقد قتل سبعون من أقاربه وأعمامه وأصحابه، وبعدها يأتي يهودي كاذب فيقول: إن الناس قد جمعوا لكم، فرد الرسول -صلى الله عليه وسلم- رشده ودعواه والتجاءه إلى الله وقال هو ومن معه: حسبنا الله ونعم الوكيل.
فماذا كانت النتيجة؟{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}() فلم يكن شيء مما خططوه, وانتصر بعدها انتصارا شريفا في كل غزواته بأبي هو وأمي -عليه الصلاة والسلام-.
(حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها خالد بن الوليد لما أقبل عليه جيش الروم كالجبال، كتائب مجندة، وجيوش مجيشة، مقيدون بالسلاسل، يحملون السيوف، وهم أضعاف مضاعفة على أعداد المسلمين، فإذا جيش المسلمين حفنة أمام الجبال من أهل الروم، فقال مسلم لـ أبي سليمان خالد بن الوليد قبل المعركة، يا أبا سليمان!: انظر ما أكثرهم وما أقلنا!، نفر اليوم إلى جبل سلمى وآجا فدمعت عين خالد- حامل القلب الذي فيه (حسبنا الله ونعم الوكيل) حامل القلب الذي فيه (لا إله إلا الله)- وقال: لا والله، بل ما أقل الروم وما أكثرنا!، ثم قال: لا نفر إلى جبل سلمى وآجا ولكن إلى الله الملتجأ، (حسبنا الله ونعم الوكيل) فانطلق في المعركة فسحق أعداء الله(){فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}().
توكل على القوي الغني ذي القوة المتين؛ لينقذك من الويلات، ويخرجك من النكبات، واجعل شعارك ودثارك: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فإن قل مالك، وكثر دينك، وجفت مواردك، وشحت مصادرك، فنادِ: (حسبنا الله ونعم الوكيل).
وإذا خفت من عدو، أو رعبت من ظالم، أو فزعت من خطب فاهتف: (حسبنا الله ونعم الوكيل).
وإذا أتتك ملمة ومدلهمة ومصيبة فقل: (حسبنا الله ونعم الوكيل).
(حسبنا الله ونعم الوكيل ) كلمة الموحدين, وشعار المؤمنين, وسعادة المخلصين, ونور العارفين.
(حسبنا الله ونعم الوكيل) إنها تطفئ الحريق، وينجو بها الغريق، ويُعْرف بها الطريق، وفيها العهد الوثيق.
(حسبنا الله ونعم الوكيل) سلاح الفقراء، والمضطهدين والمظلومين، وسلاح المساكين، ومكسِّرة رءوس الطغاة، ومحطِّمة الحواجز الحديدية، وساحبة القلاع المشيدة.
(حسبنا الله ونعم الوكيل) الله يكشف عنا بها الكروب, ويزيل عنا بها الخطوب, ويغفر لنا بها الذنوب, ويصلح لنا بها القلوب, ويذهب عنا بها العيوب.